عبدالوهاب وفوزى
عبدالوهاب وفوزى

رضا عامر في الخميس ٠٢ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

أحببت أن أستهل مقالاتى فى موقع أهل القران بقصتين قصيرتين عن بعض أهل الفن من الموسيقيين، وهى بداية قد تبدو خارجة عن السياق العام للموقع ويكون (أول القصيدة كفر) كما يقولون  .. غير أننى لا أعتقد هذا ، لأن الهدف هو تحليل مكنون النفوس والشخصيات والأحداث للوصول الى الفضيلة وهى الغاية الكبرى والتى لا تتجزأ ..

والبداية دائما كانت تنشأ بمناقشة ـ كثيرا ما تتكرر ـ بينى وبين أحد أو بعض الزملاء والأصدقاء، ويكون موضوع المناقشة عن الموسيقار محمد عبدالوهاب وذلك لعلمهم بأننى (وهابى) حتى النخاع.. وفى المناقشة يكون طرح الطرف الآخر المنتقد لعبدالوهاب ـ  دائما  ـ مبنيا على عيوبه الشخصية ، وأهمها الأنانية المفرطة والبخل الشديد والحرص على الارتباط بالحكام وأولى الأمر على مر العصور .. ناهيك عن القضية المشهورة عن سرقة أو اقتباس أجزاء من الموسيقى العالمية ووضعها فى موسيقاه .. وهذا الأخير موضوع قائم  بذاته وسوف أخصص له مقالا منفردا اذا أذنتم .. ودائما كنت أقول أننا حين نقيم شخصا يقوم بأداء عمل مهنى أو فنى يجب ألا نخلط بين تقييم العمل من الناحية التقنية والجمالية وتقييم الشخص الذى قام به من الناحية الشكلية أو السلوكية .. وعلى هذا  ـ فى حالة عبدالوهاب  ــ تكون نتيجة التقييم دائما فى صالحه بدون أى جدال ..

والمعروف أن محمد عبدالوهاب لحن للسيدة شادية أغنيتين اثنتين فقط هما (أحبك وأضحى لحبك أعز الحبايب) للشاعر صالح جودت ، والأخرى هى أغنية (البسبوسة) كلمات حسين السيد .. هذا بالطبع بالاضافة الى مشاركة شادية مجموعة المطربين فى الأغانى الجماعية كأغنية (الوطن الأكبر) و(الجيل الصاعد) والرائعة (قولوا لمصر تغنى معايا فى عيد تحريرها) هذه الأغانى التى تم عملها بأوامر وتكليف ، بل ومتابعة شخصية مباشرة من جمال عبدالناصر ...

وشادية ـ فى رأيي ـ من الأصوات الجميلة والقادرة والمعبرة التى يبدو لأول وهلة أنها تغنى ألحانا بسيطة سهلة صاغها منير مراد ومحمود الشريف والموجى وغيرهم. ولكن اذا دققنا النظر لوجدنا أنها ليست بالسهلة مطلقا .. استمع اليها مثلا وهى تغنى (شبكت قلبى وروحى وعينيا .. عقبال ما تشبك كمان ايديا ) كلمات فتحى قورة ولحن محمود الشريف .. ويمكن ادراك صعوبة أداء هذه الأحان اذا استمعنا الى محاولات تقليدها بواسطة المطربات الجديدات .

وعندما بحثت فى سبب احجام عبدالوهاب عن التلحين لشادية بعد هاتين الأغنيتين عرفت القصة ؛ ففى أثناء الاعداد لانتاج فيلم (زقاق المدق) عن قصة نجيب محفوظ كان الفيلم يحتوى على أغنيتين احداهما (البسبوسة) لعبدالوهاب حيث كانت أم البطلة بالتبنى السيدة عقيلة راتب تبيع البسبوسة وكانت تشاركها وتساعدها فى البيع .. والأغنية الأخرى كانت (نو يا جونى نو) من ألحان محمد الموجى والتى تغنيها البطلة لمجموعة من العساكر الانجليز السكارى فى حانة أو ملهى .. وفى النهاية اكتشف المخرج عزالدين ذوالفقار أن زمن الفيلم قد طال عن الزمن المحدد فقرر حذف احدى الأغنيتين .. وكان رأى شادية الابقاء على (نو يا جونى) نظرا لأهميتها كجزء لا يتجزأ من العمل الدرامى .. وحذفت البسبوسة  .. مما أثار عبدالوهاب وقرر عدم التلحين لشادية نهائيا ، بل وكان دائم التهكم بذكائه المعروف على صوتها كأن يقول (شادية ممثلة غاوية مغنى) .. كانت هذه هى القصة الأولى ..

والقصة الثانية عن محمد فوزى ونازك المطربة اللبنانية التى جاءت الى مصر فى الخمسينات من القرن الماضى لتبحث عن الشهرة وكانت تتمتع بصوت ناعم ورخيم وقادر دائما أطلق عليه (صوت أسمهانى المعدّل ) ..اذا جاز التعبير .. نسبة الى المطربة أسمهان .. واشتهر لها بعض الأغانى مثل (يا حلو تحت التوته) كلمات حيرم الغمراوى ولحن محمد محسن، و (أنا والنجوم صاحيين) عبدالفتاح مصطفى وأحمد صدقى و (ماتقولش كنا وكان) اسماعيل الحبروك وفريد الأطرش وغيرها  ..

لحن محمد فوزى أغنية (كل دقة فى قلبى بتسلم عليك) من كلمات عبدالعزيز سلام ، وأعدها ليغنيها بنفسه فى الاذاعة وفعلا قام بعمل البروفات . وفى يوم التسجيل وقبله مباشرة يتم عمل بروفة نهائية تسمى بروفة (جنرال) .. وتنطق عادة بلكنة فرنسية .. وهى الشكل النهائى للعمل قبل تسجيله ,, وكانت نازك موجودة فى الاذاعة بالصدفة واستمعت الى البروفة الجنرال وأعجبت بها جدا . وعندما انتهى فوزى من الغناء قالت له : الله يا فوزى الغنوة دى حلوة قوى .. ما تديهالى .. فقال لها انتى حفظتى منها حاجة ؟ قالت له حفظتها كلها .. قال لها طيب ما تسمعينى .. فغنت  .. وهنا قال لها فوزى مباشرة .. خشى سجلى بدالى .. ونجحت الأغنية نجاحا منقطع النظير مما حدا بفوزى أن ينتج فيلما بنفس الاسم وشاركت نازك فى البطولة ولكنه كان مضطرا أن يأتى بسامية جمال كبطلة أولى ليضمن للفيلم النجاح الجماهيرى نظرا لأن نازك كانت وجها جديدا ..

فى النهاية عبدالوهاب وفوزى مبدعان رغم اختلاف الشخصيات .. ورغم كل شىء سأظل أنا (وهابيا)

اجمالي القراءات 7821