نقابة الصحفيين بين السلطة الرابعة والبلطجة

كمال غبريال في الثلاثاء ٠٣ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

قامت الدنيا ولم تقعد في مصر حتى الآن في دنيا الفكر والصحافة والإعلام، من أجل حادثة توصف باقتحام الشرطة لنقابة الصحفيين، وإلقاء القبض على صحفيين شابين كانا معتصمين بداخلها. لابأس من مثل هذه الأزمات والاحتكاكات بين مكونات أي مجتمع، فهي دليل صحة وحيوية، وتكون نتائجها إيجابية، إذا ما اتخذ الصراع شكله وشروطه الصحيحة المنطقية، وإلا كان بمثابة إيغال في الغرق بأوحال حالة مصرية لديها ما يزيد عن حاجتها من الاختلاط والفوضى.

حكاية "الصحافة" و"السلطة الرابعة" كانت واحدة من شطحات السادات التي صدقها كثيرون. الصحافة ليست "سلطة"، وإنما مجرد واحدة من المؤسسات التي تؤدي خدمات للمجتمع. ما تؤديه الصحافة هو خدمات جليلة مميزة، سواء كانت خدمات إخبارية، أم تتبع لما يحدث بالدولة والمجتمع من انحرافات، أو خدماتها كمنابر للرأي. هذا يعطي العاملين بالصحافة أهمية تتناسب مع رسالتهم، ويحتاجون من القانون والدولة والمجتمع حماية لهم مما قد يتعرضون له من عسف المتعسفين واستبداد المستبدين. لكن كل هذا لا يعطيهم حق أو توصيف أنهم "سلطة"، فلأجهزة السلطة مواصفاتها ومهامها ومسئولياتها، والتي هي منقطعة الصلة بالصحافة ومؤسساتها ونقابتها. . ليتنا نحترم دون مبالغة، كما ونعادي دون ظلم وافتراء.

اقتحمت قوات الأمن نقابة الصحفيين، للقبض على صحفيين صدر قرار من النيابة بضبطهما وإحضارهما. . من واجبنا وحقنا هنا التساؤل عن حرية الصحافة وحرية الرأي في هذا البلد. من حقنا أيضاً أن ننعي الدستور الميت منذ ولادته، والذي يمنع الحبس في قضايا الرأي، خاصة إذا ما استعرضنا قائمة الاتهامات الموجهة للشابين العاملين بالصحافة الإلكترونية، ووجدنا فيها كلمات كبيرة مرعبة، مثل "محاولة قلب نظام الحكم" و"تغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة" و"الإنضمام إلى أحد الجمعيات والهيئات والمنظمات التي تبغي إلي تعطيل أحكام دستور الدولة والقانون ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة عملها" و"الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الإجتماعي" و"تغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة". . تبدو كل هذه الاتهامات لمثلي مرعبة ومضحكة ومحزنة معاً، فلا أظن أن حجم هذين الشابين وقدراتهما تسمح بأخذ هذا الكلام على سبيل الجد. كما أنها تُشعر أي مواطن له آراء وأفكار يحب بين وقت وآخر أن يعلنها، أنه معرض لتدبيج قائمة اتهامات له، كفيلة بإيصاله بسهولة إلى حبل المشنقة!!

لكن الحديث عن حرمة وحصانة خاصة لنقابة الصحفيين تتميز بها عن سائر مؤسسات الدولة والمجتمع، فهذا محض هوس وهلاوس وبلطجة. . أيضاً أن تأوي النقابة هاربين من الملاحقة القانونية، فهذا يستدعي المساءلة القانونية الجنائية. النقابة ومنتسبوها يعملون في ظل القانون، ويفترض فيهم متابعة وملاحقة من يتجاوز القانون لفضحه مجتمعياً وقانونياً. بالتالي يفترض فيهم أنهم الأحرص على سيادة القانون، وألا يستغلوا التكريم والاعتبار الممنوح لهم نظراً لأهمية رسالتهم، في أن يتجاوزا القانون إلى حد البلطجة على الدولة والقانون معاً.

الصحفيون مثلهم مثلنا جميعاً، ليسوا ملائكة أو بالمطلق رسل تنوير وحرية كما يحبون أن يصوروا أنفسهم، وربما كان العكس هو الصحيح. إذ ربما تتجسد في الصحفيين والإعلاميين الآن كل موبقات المجتمع المصري وبصورة أكثر تركيزاً. نرى الاسترزاق والنفاق والكذب والتضليل. ليس المقصود اتهام الصحفيين أو التقليل من شأنهم، ولكن فقط التذكير أنهم مثلنا جميعاً، يتمتعون بما نتمتع به من صفات سلبية وإيجابية.

أذكر مثلاً لنقابة الصحفيين في عصر رئاسة الأستاذ/ مكرم محمد أحمد، أن أخذت جماعة "مصريون ضد التمييز الديني" -التي كان لي شرف الانتساب إليها- الموافقات اللازمة لعقد مؤتمر عن "التمييز الديني في المجتمع" بمقر النقابة، وكان المؤتمر شكلاً وموضوعاً تحت رعاية السيد النقيب. ما حدث صبيحة المؤتمر أن بلطجية النقابة أغلقوها في وجوهنا ومعنا النقيب، وذلك بإيعاز وقيادة عضو بارز في مجلس النقابة، لا أريد تلويث هذه السطور بذكر اسمه. ولجأنا ومعنا الأستاذ/ مكرم محمد أحمد لعقد مؤتمرنا في حزب التجمع، الذي تفضل باستضافتنا. يومها وقف الأستاذ الكبير/ مكرم محمد أحمد كأنه طفل قليل الحيلة، أمام عملية بلطجة كاملة المواصفات لاختطاف مقر "النقابة العريقة". وكان رده على اندهاشنا من موقفه العاجز هذا، أنه لا يريد لنفسه أن يرتكب سابقة استدعاء الشرطة في أمر يتعلق بنقابة الصحفيين!!. . هذا الكلام والمفهوم عن النقابة ووضعها بالنسبة للدولة والمجتمع أثار يومها دهشتي وقلقي البالغ. أن تتحول الحماية والتكريم للصحفيين أو أي فئة، إلى أداة للبعض لممارسة البلطجة والاستهتار بالقانون وبكل القيم والأعراف.

لا ألمح في كلامي إلى الحاجة إلى "مذبحة للصحفيين ونقابتهم"، ولكن إلى أن الأمر يحتاج لوضع الأمور في صحيح نصابها. أن لا أحد فوق سلطة القانون، وأن القائمين على تفعيل وتنفيذ القانون عليهم توظيفه بالصورة الصحيحة، وليس في سياق التلفيق وإكالة التهم للمغضوب عليهم دون حسيب ولا رابط ولا منطقية. وأن من يوفر القانون حمايتهم لابد وأن يكونوا هم أيضاً ملتزمون باحترام القانون نصاً وروحاً، ولا يذهب بهم الغرور والاستهتار إلى حد البلطجة!!

اجمالي القراءات 6600