ولكم في تونس عبرة ياإخوان مصر

سامح عسكر في الإثنين ٢٥ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

المؤيد لرأي الإخوان لم يسأل نفسه لماذا فشلتم في مصر ونجحتم في تونس؟

الإجابة لا تحتاج قدر عالي من الذكاء، فقط اقرأ في أدبيات إخوان تونس قبل الثورة، هؤلاء علمانيون شكلا وموضوعا، ومبدأهم في التغيير ليس بتنصيب أنفسهم حراس على العقيدة والمجتمع

مبدأ إخوان تونس- رغم إعلانه أنه ينتمي للمرجعية الإسلامية- إلا أنه يتناول قضايا الحريات وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وجدلية الشورى/ الديمقراطية بمنظور مختلف عن إخوان مصر، بل حين يتناولون هذه الجوانب لن تجدهم في خلاف مع العلمانيين ومبادئهم التي أسسها الحبيب بو رقيبة واخترقت كل قطاعات العمل في تونس..

أي أن القضية قضية منهج وليست مجرد انتماء لحسن البنا من أصله

الغنوشي نفسه مؤسس حركة النهضة التونسية-إخوان تونس- له رؤية للعلمانية مختلفة-بحسب المنظور الإخواني-ورؤيته لها تتركز على ثلاثة عناصر:

الأول: العلمانية ليست إلحادا..بل هي وسيلة لحل الخلافات بشكل ديمقراطي، وهذا يعني-حسب الغنوشي-أن المؤمن الصالح قد يكون علمانيا..

الثاني: العلمانية (المعتدلة) لا تتعارض مع الإسلام، وهو بذلك يقسم العلمانية إلى معتدلة ومتطرفة، والتصنيف هذا يعني اعتراف بالجذر لكن تقسيمه بالضبط كما فعل عبدالوهاب المسيري حين قسم العلمانية إلى شاملة وجزئية، وتعني في الأخير أن العلمانية قد تكون شكل من أشكال التوافق ولا تتصادم مع الدين بحال..

الثالث: أن الإسلام لا يدعو للدكتاتورية بل للعمل المشترك حسب مصلحة الدنيا والدين، وهذا لن يتحقق سوى باستقلال ثقافي وعدم التبعية لأحد والانطلاق من مقومات وثقافة شعب تونس للنهضة

هذه العناصر هي التي أثرت في إخوان تونس وحملتهم على الانفتاح على المجتمع والشعب العلماني أكثر من نظرائهم في مصر، حتى أن إخوان مصر- وإلى ما قبل سقوطهم بأسبوع- كانوا ينعتون العلمانية بالكفر ، ويصفون دعاتها بالانحلال والمروق من كل القيم الأخلاقية والدينية، والسبب –في تقديري- أنهم حين قرروا الانفتاح انفتحوا على التيار السلفي المتشدد فأيفظ فيهم نوازع المذهبية والانغلاق ورفض كل مفاهيم العصر..بينما ظل موقفهم من الليبراليين واليسار العلماني متشددا وملئ بروح المؤامرة التي تسيطر غالبا على الفشلة والعجزة..

لا أنكر أن الغنوشي تأثر بالثورة الإيرانية حتى أنه وصف الخوميني بالإمام، وبأحداث باكستان ورأى فيهم مشروعا للنهضة، لكن مع تطور فكر الغنوشي وكثرة احتكاكه بمخالفيه أعطاه مرونة، جعلته ينقلب على أفكاره منذ كتابه.."استراتيجية الحركة الإسلامية"..والذي يتضح فيه تأثره بنجاح ثورة إيران..وبين ما سطره في هذا الفيديو حين قارب بين العلمانية والإسلام بطريقة مقبولة

https://www.youtube.com/watch?v=VTjuAm68Vm4


ملحوظة: هذا السرد لا يتبنى منطق الإخوان بهذه المقاربات."علمانية وإسلام".."إسلام وليبرالية"..إلخ..فكل هذه المقاربات مرفوضة عندي وسبق التعليق عليها في آخر كتابين لي عن هذا المنهج، الأول: مدينة الإخواني، الثاني: رحلتي من الإخوان للعلمانية، سقت فيهم كل الحجج المنطقية والشرعية لبطلان هذه المقابلات، ولكن هذا العرض يناقش طريقة تفكير إخوانية أعترف أنني اعتنقتها يوما ما.. فأصبحت أكثر دراية بها وبدروبها..

كذلك لا أتبنى عناصر وتقسيم الغنوشي فالعلمانية عندي واحدة، وتقسيمها لا معنى له، لأن التعلمن مبدأ في الأخير والمبادئ قيمة نظرية وسلوكية تختلف من شخص لآخر، يعني يمكن أن يظهر دكتاتور باسم العلمانية..هذا سلوكه هو ولا ينصرف هذا السلوك على مبدأ التعلمن ذاته، فكون الغنوشي يؤمن أن العلمانية معتدلة ومتطرفة هو يسحب بذلك هذا التقسيم على الشخوص والتجارب..لا على المبدأ، وهذا السحب التجهمي فعله المسيري أيضا..وكأن مشكلة الإسلاميين مع العلمانية هي أزلية باعتبار أنها تجربة أدت لانفتاح أوروبي لا يناسب مجتمعات الشرق المحافظة..

وهذا يعني أن المشكلة بالأصل هي مشكلة.."عادات وأعراف"..أكثر من كونها.."دين وسياسة"..وتجربة إسلاميي تركيا تكشف هذا المشكل بوضوح، فالعلمانيين الأتراك انقسموا ما بين إسلامي ومعارض، وهذا يعني أن التعلمن يناقش مبدأ الحكم وليس عادة المجتمعات التي قد تقبل بمنع الحجاب –مثلا-في تركيا منذ 20 عاما ثم تقبل به الآن وتعتبر منعه من الأساس ضد الحريات.

أعود للغنوشي.. ولمساعدة القارئ على تصور أفكاره ومراحلها هذا مقال له منذ 9 سنوات باسم الإسلام والعلمانية نشره موقع.." مغرس"..المغربي

http://www.maghress.com/attajdid/46269


وقد استدعى هذا المقال عاصفة نقدية من مجتمع الإخوان دفعت القائمين على إخوان ويكي لنقده ونقد من انتقدوه أيضا أمثال الدكتور غازي التوبة على موقع الجزيرة..

http://www.aljazeera.net/…/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9
-%…

ومقال د: رفيق عبدالسلام للرد عليهما معا

http://www.ikhwanwiki.com/index.php


وهذه قراءة ثالثة لنفس المقال من د: مصطفى الجليدي

http://www.turess.com/alfajrnews/103239


يلاحظ أن ردودهم وتعليقاتهم جميعا دلت على ثورة غنوشية أثارها الرجل مست جوهر الإخوان برفض العلمانية، ولكن اختلفوا حول تقييم رؤية الرجل لها..وحساسية هذا الجوهر ظهرت في تفسيرهم كلامه على أن العلمانية –كما يقال-مرحلة وانتهت، أي خصت مجتمع أوروبي ثائر على ظلم الكنيسة فحسب، وهذه الرؤية تتفق مع مبدأ أن السلفية كانت أيضا مرحلة وانتهت، وأن التنظير لها الآن لا معنى له ومجافِ لكل قيم وأصول الحضارة المعاصرة..

لم ينتبهوا أن اعترافهم بتاريخية العلمانية يعني أنها في الأخير (حل) وليست (مشكلة) والمنطق يقول أن ما كان حلا يجب قبوله ولو في إطار ما ، يعني على أسوأ الظروف أنهم يعترفون بأهلية العلمانية في القيادة ، أما نشرها في المجتمعات المحافظة فيعود للتنوع وثقافة المجتمع مع إضفاء الشرعية لها (كحل) في الأخير..وهذا ما نطالب به الآن، أن مشكلة كبيرة كالطائفية والمذهبية التي ضربت بالمسلمين، ومشاكل أخرى-غير منفصلة عنها- كتحالف قوى السلطة مع رجال الدين ليست لها حل سوى بالعلمانية، مع الاختلاف كونها تاريخية أم لا..لأن الإيمان بها (كحل) في الأخير يعطيها الشرعية وليس كما يصفها البعض بأنها مروق وانحلال وكفر بالأديان..!

الغنوشي متهم بأنه شيعي من كثرة مدحه للخوميني خصوصا في كتابه.."استراتيجية الحركة الإسلامية"..وهذه التهمة لاحقته من المتعصبين داخل التيار السلفي في الجماعة، علاوة على التيار القومي العربي خصوصا من البعثيين والناصريين، حتى أن بعض الملحدين التوانسة والعرب شاركوا في هذه الحفلة نكاية له ولجماعته في تونس، والحق أن الرجل وإن مال لرؤية الخوميني في الإصلاح إلا أنه لم يؤمن بولاية الفقيه أبدا..ولا بالمذهب الشيعي الذي يتعارض مع رؤيته للعلمانية وتقسيمه لها واعتبارها مبدأ يتداخل مع مبادئ الإسلام..وبالتالي سقطت كل دعاوى الإمامة وعصمتهم والرجعة..إلخ..وهي دعاوى رئيسة في المذهب الشيعي الإثنى عشري، لكن هذا حال كل من تحرك وانتقد بحرية..رغم خلافي شخصيا مع الغنوشي في كثير من أفكاره إلا أنني أقر بأنه باحث حر..ما زال-كمشكلة الإسلاميين-عموما متأثر بعقدة الهوية وأحكام العرف والعادة..

أمثال الغنوشي وتياره يجب الانفتاح عليهم وحوارهم وليس قهرهم، لأن هذا التيار يؤمن بالتعايش في الأساس، المجتمع التونسي بالعموم منفتح وقد أثر ذلك على ثقافة الإخوان هناك، وفي تقديري أن التوانسة- وإن تكلموا العربية- إلا أن ثقافتهم فرانكفونية فرنسية، وبرامج التوك شو الفرنسية منتشرة بكثافة ويفهمها الطفل التونسي في الابتدائية، لقد جعل ذلك التوانسة أقل شعوب العرب همجية وأكثرهم انفتاحا وقبولا للحريات.

وفي حوار قديم قال أحد المخالفين: كيف ذلك وتونس صاحبة ثاني أكبر مصدر للدواعش في العالم؟

وجوابي: أن بريطانيا صدرت هذا العدد أو أقل قليلا..وبريطانيا من أكثر دول العالم حرية وتعزيزا لقيم الاختيار..في المقابل..لا توجد إحصائيات رسمية إنما هي مجرد تخمينات، لكن الواقع يقول أن مشكلة الإرهاب هي مشكلة عالمية مصدرها.."التيار السلفي الوهابي"..ومرجعيته الكبرى في ابن تيمية، ومركزه الأصلي في السعودية ودول الخليج، وهذا التيار اخترق تونس في الثمانينات كما اخترق مصر والجزائر والمغرب، حتى اخترق أوروبا أيضا ولم تفلح لمقاومته قيم العلمانية في قهره للأبد، لأن هذا التيار ذو طبيعية انتقائية تأخذ من قيم الحضارة وترفض حسب مبادئها في اتباع مقدسها الأعظم وهو ابن تيمية والرؤية المتشددة للتراث..

لذلك قلنا أن الحرب على الإرهاب تجب بالتوازي مع قهر مصدره ومركزه معا، أي يجب الضغط على السعودية للإصلاح وفي نفس الوقت يجب نقد الموروث الإسلامي بالعموم والسني بالخصوص، فكل الجماعات الجهادية المنتشرة في عموم سوريا والعراق سنية، والشمس لا تغطى بغربال، وهذا لا يعجب أصحاب الرؤى الطائفية أصحاب مقولة.."لماذا لا تدين الإرهاب الشيعي في المقابل"..والرد عليهم أن داعش والنصرة والإخوان جميعهم سنة وليسوا شيعة، في المقابل متشددي الشيعة لم نراهم يحتلون دول بأكملها كما يحدث من متشددي السنة، سواء رضيت أم لم ترض إلا أن مشكلة الإرهاب الآن سنية..وتضر أكثر بمناطق السنة كما حدث في العراق حيث تم تهجير أكثر من 4 مليون عراقي من تكريت والموصل والأنبار..وهي مركز انتشار سنة العراق..فلماذا لم ينتشروا في مناطق الشيعة؟..هذا يعني أن مجتمعا سنيا قد آواهم ودافع عنهم حتى حدثت الكارثة..!

أخيرا: إن سبب نجاح إخوان تونس وانخراطهم في العملية السياسية وقبول المجتمع الدولي بهم ظاهرة لا يتسع المقام لذكر كل جوانبها في مقال، فالأحداث متسارعة والمواقف متقلبة، وصعب الآن من يأتي ليتنبأ بسلوك جماعة أو حاكم ويراهن على ذلك بكل بساطة، وربما في تقديري أن تنجح الحركة في تونس أكثر وتعلن انفتاحها بكل جرأة ووضوح..خصوصا بعد صدمة داعش التي صدمت الوجدان السني وأعطت امتيازات أكثر لخصوم السلفية بالخصوص والتراث السني بالعموم، وأصبح الوقت يداهم كل من ينتمي للإخوان أن يعيد صياغة أفكاره بطريقة تناسب الواقع وقيم الحداثة..لا أن تتصادم معها كما يتصادم الديناصور الذي جاء من الأزمان السحيقة ليحارب جيوش من الطائرات والقنابل الذرية..

اجمالي القراءات 8253