عمر بن عبد العزيز : فريد عصره ( عصر تقسيم العالم الى معسكرين )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢١ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ـ وسط بحور الدماء فى الصراع بين ( العرب ) وغيرهم شرقا  فى آسيا وغربا ( دار الحرب  ) ، وفى صراع الأمويين مع خصومهم فى الداخل ( فى دار السلام ) ظهر على السطح شخصية فذّة تثبت إمكانية الاصلاح  . جاء عمر بن عبد العزيز : فريد عصره .

2 ـ هو فريد عصره لأنه من الصعب جدا القيام بإصلاح وأنت قائد لقلعة تم تأسيسها  على يد الخلفاء الفاسقين أصحاب الفتوحات ، من عظام وأشلاء ودماء مئات الألوف من البشر ، وتم تسويغ ذلك بالدين ، فكيف يمكن بالدين أن تُصلح هرما من الظلم والبغى ؟ ثم إن هذا الهرم كان متسقا مع ثقافة العصور الوسطى وجهالتها ، تلك الثقافة التى آمن بها أولئك الخلفاء الفاسقون وبها تمكنوا من تغييب شريعة الاسلام ، وإحلال شريعة العصور الوسطى تحت إسم الاسلام .

من السهل على الفرد العادى المسئول عن نفسه تطبيق الاسلام عقيدة وشريعة. أن يطهر قلبه من تقديس البشر ، لأن كل البشر يتبولون ويتغوطون ويبكون ويصرخون ويمرضون ويموتون ، ومن السهل عليه أن يطبق الاسلام سلاما وإحسانا فى تعامله مع الناس ، بأن يخاطب جانب الخير فى كل الناس ، وبأن يرد السيئة بالتى هى أحسن فإذا بخصمه يضطر الى أن يتراجع ويتصرف كأنه ولىّ حميم : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت ). ولكن من الصعب جدا أن تقوم بإصلاح قلعة تأسست من الظلم . هى معركة إنتحارية ، نتيجتها حاسمة ، أن القلعة ستقتلك ، وتعود الى سيرتها الأولى . هذا بإيجاز هى ملحمة هذا الرجل الرائع عمر بن عبد العزيز ، الذى ظلموه فجعلوه خامس الخلفاء الراشدين ، وهو لا ينتمى اليهم ، فهم خلفاء فاسقون ، بل أفظع ، لأنهم روّاد البغى والظلم والفتوحات التى أسبغوا عليها إسم الاسلام ظلما وزورا وفجورا . من الظلم وضع عمر بن عبد العزيز مع أولئك الخلفاء الفاسقين ، لا فارق بين الراشدين أو الأمويين . لذا فهو فريد عصره .

3 ـ تنقية الروايات المكتوبة فى ( سيرة عمر بن عبد العزيز ) عمل علمى ثقيل ولذيذ ، فالروايات عنه تكاثرت بمرور القرون ، وفيها الخيالى وفيها الواقعى ، وفيها التضارب ، وفيها خرافات العلم بالغيب ، وفيها المبالغات ، وفيها ما يتفق مع ثقافة العصر . شخصية عمر بن عبد العزيز المتفردة ـ والتى لم يسبقها أحد ولم يلحقها أحد ـ كانت مُغرية للقُصّاص وللوُعّاظ فى العصر العباسى ، وهو عصر التدوين ، فالذى يريد الاحتجاج على ظلم الخلفاء العباسيين فى عصره يؤلف قصة عن عمر بن عبد العزيز تخاطب الخليفة الظالم وتعظه ، وتقول له بطريق غير مباشر : (إنك أيها الخليفة العباسى الهاشمى لم تصل الى عدل ذلك الخليفة الأموى ). ووصلت جاذبية عمر بن عبد العزيز الى فقهاء العصر العباسى ، فنسبوا له أقوالا فى مسائل فقهية لم تكن متداولة أو حتى لم تكن معروفة فى العصر الأموى ، ولم يكن لديه متسع من الوقت  ــ فى حكمه القصير ووسط مسئولياته الضخمة ــ  أن يتحدث فيها.

4 ـ  لسنا هنا فى معرض التفصيل ، ولكن نستشهد ببعض الروايات  الكاذبة التى ذكرها ابن سعد فى الطبقات الكبرى فى ترجمته لعمر بن عبد العزيز : ( قال عمر بن الخطابليت شعري من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلا كما ملئت جورا ) (   قال رايت في المنام رجلا قاعدا عنيمينه رجل وعن شماله رجل اذ اقبل عمر بن عبد العزيز فاراد ان يجلس بين الذي عنيمينه وبينه قال فلصق بصاحبه فدار فاراد ان يجلس بينه وبين الذي عن يساره فلصق بهفجذبه الاوسط فاقعده في حجره قال قلت من هذا قالوا هذا رسول الله وهذا ابو بكر وهذاعمر  ) (  كنت اسمع بن عمر كثيرا يقول ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر فيوجهه علامة يملا الارض عدلا  ) (   قال ابن عمر انا كنا نتحدث ان هذا الامر لا ينقضي حتى يلي هذه الامة رجل من ولدعمر يسير فيها بسيرة عمر بوجهه شامة قال حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز وامه امعاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال يزيد ضربته دابة من دواب ابيه فشجته قال فجعلابوه يمسح الدم ويقول سعدت ان كنت اشج بني امية . )  (  قال سمعت سعيد بن المسيب وساله رجلفقال له يا ابا محمد من المهدي فقال له سعيد ادخلت دار مروان قال لا قال فادخل دارمروان تر المهدي قال فاذن عمر بن عبد العزيز للناس فانطلق الرجل حتى دخل دار مروانفراى الامير والناس مجتمعين ثم رجع الى سعيد بن المسيب فقال يا ابا محمد دخلت دارمروان فلم ار احدا اقول هذا المهدي فقال له سعيد بن المسيب وانا اسمع هل رايت الاشجعمر بن عبد العزيز القاعد على السرير قال نعم قال فهو المهدي  ) (   سمعت محمد بن علييقول النبي منا والمهدي من بني عبد شمس ولا نعلمه الا عمر بن عبد العزيز ) (   قال قلت لمحمد بن عليان الناس يزعمون ان فيكم مهديا فقال ان ذاك كذاك ولكنه من بني عبد شمس قال كانه عنىعمر بن عبد العزيز ) ( حدثنا مالك بن دينار قال لما استعمل عمر بن عبد العزيز على الناسقالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال من هذا العبد الصالح الذي قام على الناس قيل لهموما علمكم بذاك قالوا انه اذا قام على الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شائنا  ) (   راع كان لمحمد بن ابيعيينة قال كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاء والذئابوالوحش ترعى في موضع واحد فبينا نحن ذات ليلة اذ عرض الذئب لشاة فقلنا ما ارى الرجلالصالح الا قد هلك ) (   قالت فاطمة بنت عبد الملك، رحمها الله، امرأة عمر: لما مرض عمر اشتد قلقه ليلة، فسهرنا معه، فلما أصبحنا أمرت وصيفاً له يقال له مرثد ليكون عنده، فإن كانت له حاجة كنت قريباً منه، ثم نمنا، فلما انتفخ النهار استيقظت فتوجهت إليه فرأيت مرثداً خارجاً من البيت نائماً، فقلت له: ما أخرجك؟ قال: هو أخرجني، وقال لي: إني أرى شيئاً ما هو بإنس ولا جن، فخرجت فسمعته يتلو: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقينالقصص: 83. قالت: فدخلت فوجدته بعدما دخلت قد وجه نفسه للقبلة وهو ميت.) ( بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبدالعزيز اذ سقط علينا رق من السماء فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم امان من اللهلعمر بن عبد العزيز من النار . ) .

  أولا ـ كيف وصل هذا الرجل المتفرد الى العرش الأموى ؟

 1 ـ كان مستحيلا أن يلى الخلافة شخص خارج أبناء عبد الملك بن مروان . عبد الملك هذا بجبروته قتل عمرو بن سعيد الأشدق لكى يجعل الخلافة فى أولاده ، ولنفس السبب كان على وشك التخلص من اخيه عبد العزيز . فكيف يصل ( عمر بن عبد العزيز بن مروان ) للحكم فى وجود أبناء عبد الملك ؟  والذى لم يصل اليه مسلمة  ، وهو أنجب أبناء عبد الملك .؟!..  الجواب فى الخليفة سليمان بن عبد الملك .

2 ـ وقف عمر بن عبد العزيز ضد ابن عمه الخليفة الوليد بن عبد الملك حين أراد خلع أخيه سليمان من ولاية العهد ، وتعرض عمر للأذى والسجن بسبب موقفه هذا . وكان الوليد قد حاول إرغام سليمان على التنزل فرفض ، وأيّد الولاة الأقوياء خلع سليمان ، وأهمهم الحجاج بن يوسف وآله ، وقتيبة بن مسلم الباهلى الفاتح فى تخوم الصين ، وعبد العزيز بن موسى بن نصير الذى وطّد حكم الأمويين فى الاندلس . بعد أن إستوثق الخليفة الوليد من تأييد كبار دولته  أرسل الى سليمان ليأتيه ، تقول الرواية : ( فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم عليه، فأبطأ، فعزم الوليد على المسير إليه ليخلعه ..فمات قبل أن يسير إليه.). وعن موت الوليد المفاجىء وتولية سليمان تقول الرواية عن أحداث عام 96 : ( وفي هذه السنة بويع سليمان بن عبد الملك في اليوم الذي توفي فيه الوليد وهو بالرملة.) .

3 ـ البلاط الأموى تخصص فى فنون التآمر من عهد معاوية ، وكان التخلص من الخصوم بالسُّم وغيره ايسر وسيلة ، ووصل هذا الى داخل البيت الأموى نفسه ، بقتل  معاوية الثانى ، ثم بقتل مروان بن الحكم ، وبهذا مات فجأة الخليفة الوليد ، وهو على وشك عزل أخيه سليمان . 

4 ـ سليمان بن عبد الملك كان عريقا فى التآمر ، وكان حقودا محبا للإنتقام ، وبينما كافأ ابن عمه عمر بن عبد العزيز فإنه إفتتح خلافته بالانتقام من الولاة الذين أيدوا خلعه . ونجا الحجاج من إنتقامه ، إذ مات قبل أن يتولى سليمان الحكم ، فلم يجد سليمان وسيلة سوى الانتقام من آل الحجاج ، فسلّط عليهم خصومهم من آل المهلب . تقول الرواية عن عام 96 أول حكم سليمان بن عبد الملك : (وفيها عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق واستعمل يزيد بن المهلب ، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج ، وأمره بقتل بني عقيل وبسط العذاب عليهم وهم أهل الحجاج، فكان يعذبهم ويلي عذابهم عبد الملك بن المهلب  ). ووصل إنتقامه الى أقصى الشرق فقتل  ــ بمؤامرة  ـ  قتيبة بن مسلم أكبر قائد  فى  أقصى الشرق عام 96 . وقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير فى الأندلس فى أقصى الغرب  عام 97 .

5 ـ وسليمان بن عبد الملك ـ فى عراقته بالتآمر ـ إكتشف حركة الشيعة الكيسانية السرية ، وإستدعى أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ( حفيد على بن أبى طالب ) و ( أكرمه وقضى حوائجه ) ثم وضع له فى الطريق (من وقف على طريقه فسمّه في لبن. ) .  ولما أحس أبوهاشم بالسّم وأيقن موته سار الى ابن عمه ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ) وأفضى اليه بأسرار التنظيم العنقودى ، وكلفه بتولى أمره . وهذا التنظيم العنقودى الذى كان يدعو سرا الى ( الرضى من آل محمد ) هو الذى تمكن فى النهاية من إسقاط الدولة الأموية .

6 ـ ودفع سليمان الثمن مبكرا .  فى عام 98 ، تقول الرواية : ( بايع سليمان لإبنه أيوب بولاية العهد، فمات أيوب قبل أبيه ) . مات هذا الشاب مبكرا ، ثم ما لبث أن لحقه أبوه الخليفة سليمان عام 99 ، تقول الرواية : (في هذه السنة توفي سليمان بن عبد الملك بن مروان لعشر بقين من صفر، فكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام...، فتكون ولايته سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام ) . أحسّ بالسُّم الذى سقاه لضحاياه، فكان إنتقامه الأخير بأن يجعل ولى عهده (عمر بن عبد العزيز). وبهذا تولى عمر بن عبد العزيز ، وتحقق المستحيل .!!  

7 ـ وحاول عمر بن عبد العزيز تحقيق مستحيل آخر ، هو إصلاح قلعة الظلم التى أسسها الخلفاء الفاسقون ، فلقى عمر بن عبد العزيز حتفه أيضا بالسّم عام  101 ، تقول الرواية :  ( توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى ومائة.. ) (   مات عمر بن عبد العزيز لعشر ليال بقين من رجب سنة احدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثينسنة واشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة اشهر . ) . كانت خلافة سليمان سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام ) .وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز (سنتين وخمسة اشهر ) ، وكلاهما مات فى شبابه ..مسموما ..

ثانيا : عمر بن عبد العزيز فى خلافته :

1 ـ وضع منهاجه السياسى فى أول خطبة له قالها فى عبارات قصيرة واضحة ، تقول الرواية : (  خرج الى المسجد فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعدفانه ليس بعد نبيكم نبي ، ولا بعد الكتاب الذي انزل عليه كتاب . الا ان ما احل اللهحلال الى يوم القيامة وما حرم الله حرام الى يوم القيامة . الا اني لست بقاض ولكنيمنفذ . الا اني لست بمبتدع ولكني متبع  . الا انه ليس لاحد ان يطاع في معصية الله . الا انيلست بخيركم ، ولكني رجل منكم ، غير ان الله جعلني اثقلكم حملا  ) . لم يكن وقتها كلام عن مصدر آخر غير القرآن الكريم ، هذا من الناحية الدينية ، أما من من الناحية السياسية الاسلامية فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .  وأكد على ذلك : ( قامفي مسجد دمشق ثم نادى باعلى صوته : لا طاعة لنا في معصية الله  ).وأرسل كتابا بنسخة واحدة لكل الولاة .  وبدأ مبكرا بتطبيق  العدل والسلام :

ثانيا :  العدل

1 ـ  كتب عمر إلى والى الكوفة : ( أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله وسنة خبيثة سنها عليهم عمال السوء، وإن قوام الدين العدل والإحسان .. ) ومنع  أشكالا من الضرائب : فقال : (   ولا تأخذن أجور الضرابين ولا هدية النوروز والمهرجان ولا ثمن الصحف، ولا أجور الفتوح ولا أجور البيوت، ولا درهم النكاح، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض .. ) الى أن قال له : (..   ولا تعجل بقطع ولا صلب حتى تراجعني فيه ..) ، كان للوالى الأموى قتل من يشاء أخذا بسنة زياد وابن زياد والحجاج . فمنع ذلك عمر بن عبد العزيز .

 وكتب الى والى المدينة بالمساواة  بين الأمويين وبقية الناس  : ( .. ولا يكن احد من الناس اثر عندك من احد ، ولا تقولن هؤلاء من اهل بيتامير المؤمنين  ، فان اهل بيت امير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء.  بل انا احرى اناظن باهل بيت امير المؤمنين انهم يقهرون من نازعهم. ).

2 ـ واستبشر أهل البلاد المفتوحة خيرا . قال أهل سمرقند للوالى سليمان بن السرى : (  قتيبة ظلمنا وغدر بنا فأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف فأذن لنا فليقدم منا وفد على أمير المؤمنين. فأذن لهم، فوجهوا وفداً إلى عمر. ) وقابل الوفد الخليفة عمر ، فكتب عمر إلى سليمان:  ( إن أهل سمرقند شكوا ظلماً وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرج العرب إلى معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة. ) وحكم القاضى  بخروج عرب سمرقند الى معسكرهم .  

3 ـ وتوافدت الوفود من البلاد على دمشق ترجو الانصاف ، فكان ينصفهم ويقول لهم : (  الحقواببلادكم فاني اذكركم امصاركم وانساكم عندي الا من ظلمه عامل فليس عليه مني اذنفلياتني  ) ، وظل هذا التوافد الى آخر عهده ، ففى آخر خطبة قال للناس : ( ايها الناس الحقوا ببلادكم فاني اذكركم في بلادكم وانساكم عندي .  الاواني قد استعملت عليكم رجالا لا اقول هم خياركم ولكنهم خير ممن هو شر منهم ، فمن ظلمهعامله بمظلمة فلا اذن له علي) أى أن يأتى ويدخل بلا إستئذان .

4 ــ وتقول الرواية : (   لما ولي عمر بن عبد العزيز وضع المكس عن كل ارض ووضع الجزية عن كلمسلم  ) كان الأمويون يأخذون الجزية من أهل البلاد المفتوحة حتى من أسلم منهم ، فمنع ذلك ، وكتب اليه ابن شريح والى مصر : (  ان اهل الذمة قداسرعوا في الاسلام وكسروا الجزية  ، فكتب اليه عمر اما بعد فان الله بعث محمدا داعياولم يبعثه جابيا فاذا اتاك كتابي هذا فان كان من اهل الذمة اسرعوا في الاسلاموكسروا الجزية فاطو كتابك واقبل ) أى عزله . ورفض عمر إمتحان من أسلم بالختان ،  وقال : (  انا اردهم عن الاسلام بالختان ؟ .. لو اسلموا فحسن اسلامهم كانوا الى الطهرةاسرع .. فاسلم على يده نحو من اربعة الاف ). وولى على شمال أفريقيا  ( إسماعيل بن عبد الله  ..، وكان حسن السيرة، فاسلم البربر في أيامه جميعهم.)
 ثالثا : رد المظالم :

إستأثر بنو أمية بالضياع ، وإغتصبوا الأموال والعقارات من أصحابها ، ولتحقيق العدل كان التحدى الأكبر  فى إرجاع هذا كله الى بيت المال سواء كان مسلوبا فى عهد معاوية أو بعده .

1 ـ وبدأ عمر بنفسه وزوجته  بمجرد بيعته ، تقول الرواية : ( فلما استقرت البيعة لعمر بن عبد العزيز قال لأمرأته فاطمة بنت عبد الملك: أن أردت صحبتي فردي ما معك من مال وحلى وجوهر إلى بيت مال المسلمين فإنه لهم، فإني لا أجتمع أنا وأنت وهو في بيت واحد. فرددته جميعه.) ( ان عمر بن عبد العزيز لما استخلف نظر الى ما كان لهمن عبد والى لباسه وعطره واشياء من الفضول فباع كل ما كان به عنه غنى فبلغ ثلاثةوعشرين الف دينار فجعله في السبيل  ) (  لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال انهلينبغي ان لا ابدا باول من نفسي فنظر الى ما في يديه من ارض او متاع فخرج منه حتىنظر الى فص خاتم فقال هذا مما كان الوليد بن عبد الملك اعطانيه مما جاءه من ارضالمغرب فخرج منه ) (رايت عمر بن عبدالعزيز بدا باهل بيته فرد ما كان بايديهم من المظالم ،  ثم فعل بالناس بعد .)

2 ـ وشمل هذا كل المظالم القديم منها والحديث : ( ما زال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم من لدن معاوية الى ان استخلف،  اخرج من ايدي ورثة معاوية ويزيد بن معاوية حقوقا .)  وشمل هذا كل الولايات : ( كتب الينا عمر بن عبد العزيز بالعراق في ردالمظالم الى اهلها فرددناها  ).

3 ـ ولم يكن المظلوم محتاجا لإثبات قاطع :  ( وكان عمر يرد المظالم الى اهلها بغير البينة القاطعةكان يكتفي بايسر ذلك اذا عرف وجها من مظلمة الرجل ردها عليه ولم يكلفه تحقيق البينةلما كان يعرف من غشم الولاة ) .

4 ــ وإذا مات صاحب الحق يعطيه لورثته سواء كان صاحب الحق مسلما أو غير مسلم ، فكتب الى والى المدينة  : (  ان استبرىء الدواوين فانظر الى كل جور جاره من قبليمن حق مسلم او معاهد فرده عليه فان كان اهل تلك المظلمة قد ماتوا فادفعه الى ورثتهم )، واستمر يعيد الحقوق لأصحابها الى أن مات :  ( ما زال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف الى يوم مات ),

5 ـ هذا بالاضافة الى إصلاحات فى احوال المساجين وبناء خانات لأبناء السبيل ، وترك سب  ( علي بن ابى طالب ) على المنابر .  

ثالثا : السلام ووقف الحروب :

1 ـ بدأ خلافته بعودة جيش مسلمة الذى كان يحاصر القسطنطينة ، وأن ينسحب من أرض الروم .وأمر    أهل طرندة بالقفول عنها إلى ملطية. وكانت طرندة تتبع  الروم ، وقد استولى عليها الأمويون وأسكنوها مقاتلين عام 83 ، فأمرهم عمر بن عبد العزيز بالانسحاب منها .  أى أوقف الحرب بين ( دار السلام ضد دار الحرب ) .  

ونفس الحال فى الشرق ، أوقف الحروب هناك ، و ( كتب عمر بن عبد العزيز إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم بلادهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وقد كانت سيرته بلغتهم، فأسلم جيشه بن ذاهر، والملوك تسموا له بأسماء العرب. .. وبقي ملوك السند مسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد ابن عبد الملك، فلما كان أيام هشام ارتدوا عن الإسلام ).  

 

2 ـ وهو إختيار للسلام قائم على القوة ، وليس الضعف ، وعندما أغار ( الترك على أذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة، فوجه عمر حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الترك ولم يفلت منهم إلا اليسير، وقدم على عمر منهم بخمسن أسيراً )

 رابعا : مع الأمويين

1 ـ إعترضوا فهددهم بالتنازل عن الخلافة وأن يُرجعها شورى ، تقول الرواية : (   جاء بنو مروانالى عمر فقالوا انك قصرت بنا عما كان بنا من قبلك وعاتبوه، فقال : لئن عدتم لمثل هذاالمجلس لاشدن ركابي ثم لاقدمن المدينة ولاجعلنها او اصيرها شورى ) .. ووسطوا  عمته  فلم تنجح وساطتها عنده .  وكان أحيانا يهددهم بالقتل ، تقول الرواية : (   اتى عمر بن عبدالعزيز كتاب من بعض بني مروان فاغضبه فاستشاط غضبا ،  ثم قال : ان لله في بني مروان ذبحاوايم الله لئن كان ذاك الذبح على يدي ." .. فلما بلغهم ذلك كفوا ، وكانوا يعلمون صرامتهوانه إذا وقع في امر مضى فيه  ).

2 ــ وواقع الأمر أنه كان يتحاشى أن يلجأ الى سفك الدماء . وقد طلب منه ابنه  عبد الملك  أن يقيم العدل بالقوة ، فقال له :  ( يا بني إن بادهت الناس بما تقول أحوجوني إلى السيف ، ولا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف .).!

أخيرا : سبب قتل عمر بن عبد العزيز

 1 ـ خرج شوذب الخارجي ، وأمر عمر بعدم التعرض له طالما لم يسفكوا دما ، ، ودعاه عمر الى المناظرة  وكتب له : بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني، فهلم إلي أناظرك، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك.فكتب بسطام إلى عمر: قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرنك.).

2 ـ  وقد أفحمهما عمر فى البداية ، إلا إنه عجز عن الرد حين حاججوه فى ولاية يزيد بن عبد الملك بعده بلا شورى من المسلمين . تقول الرواية : ( قال اليشكري: أرأيت رجلاً ولي قوماً وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون، أتراه أدى الحق الذي يلزمه لله، عز وجل، أو تراه قد سلم؟ قال: لا. قال: أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق؟ قال: إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي. قال: أفترى ذلك من صنع من ولاه حقاً؟ فبكى عرم وقال: أنظراني ثلاثاً...  فكان عمر بن عبد العزيز يقول: أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه، فأستغفر الله.) تقول الرواية : ( فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد ولاية العهد، فوضعوا على عمر من سقاه سماً، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى مرض ومات . ) 

اجمالي القراءات 11328