غزو (القسطنطينية ) من معاوية الى السلطان محمد الفاتح العثمانى

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٩ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

غزو (القسطنطينية ) من معاوية الى السلطان محمد الفاتح العثمانى

مقدمة :

1 ـ كانت قرية للصيادين اسمها بيزنطة ، ثم جعلها الامبراطور قسطنطين عاصمة الامبراطورية الرومانية الشرقية عام من 335 ، وسماها القسطنطينية ، وجعلها مقر الكنيسة الشرقية الارثوذكسية ، وكانت كنسيتها آياصوفيا آية فى المعمار الدينى . وعاشت عصرها الذهبى ، وصارت مطمح الأمويين فى الاستيلاء عليها بإعتبارها مركز المعسكر الآخر المعادى . وفشلت حملتان أمويتان فى غزوها ، وظلت القسطنطينية تمثل مركز المواجهة ضد المسلمين فى العصر العباسى فى مصطلح ( دار السلام والاسلام ضد دار الحرب والكفر ) ، الى أن انتهى الأمر بأن فتحها السلطان العثمانى محمد الفاتح عام 1453 ، واطلق عليها إسم إسلامبول ، أو دار الاسلام . ثم بعد سقوط الخلافة العثمانية وتولى أتاتورك بعلمانيته المتطرفة أطلق عليها إسم إستانبول .

2 ـ ولأنها حرب دينية فى الأساس فقد إستمر حُلم الاستيلاء على القسطنطينية مسيطرا على الخلفاء القرشيين العباسيين بعد فشل أبناء عمومتهم الخلفاء الأمويون فى الاستيلاء عليها . ولقد تحولت الحروب الدينية بين العباسيين والبيزنطيين الى معارك برية بعيدا عن حصار القسطنطينية نفسها ، وكانت للعباسيين الغلبة فى المعارك فى عصر قوتهم فى الدولة العباسية الأولى ، ثم بضعف الخلفاء العباسيين بدأت الكفة تميل نحو البيزنطيين حتى لقد بدأوا حرب إسترداد وصلت الى شمال الشام والعراق . وهذه الانتكاسات الحربية زادت من تأكيد الحُلم بالاستيلاء على القسطنطينية . وكانت ـ من خلال الأساطير الدينية التى لبست ثوب الأحاديث والروايات التاريخية ــ أكبر محرّض للسلطان العثمانى محمد الفاتح على تحقيق الحلم .

3 ــ ونعطى بعض التفصيلات :

 

أولا :  معاوية وحصار القسطنطينية عام  49 / 50

1 ـ يقول ابن الأثير : ( في هذه السنة، وقيل: سنة خمسين، سيّر معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة ، وجعل عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتل، فأمسك عنه أبوه ) .. ( ثم  أقسم عليه ليلحقن بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه، وكان في الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وغيرهم وعبد العزيز ابن زرارة الكلابي، فأوغلوا في بلاد الروم حتى بلغوا القسطنطينية، فاقتتل المسلمون والروم في بعض الأيام واشتدت الحرب بينهم.. ) .

2 ـ وفشل الجيش الأموى وعاد .

 

ثانيا : كيد البيزنطيين للأمويين فى شمال أفريقيا

1 ـ استطاع عقبة بن نافع طرد البيزنطيين من مساحات كثيرة من شمال أفريقيا . وكان كسيلة زعيم البربر ( الأمازيغ ) قد اسلم وانضم بقومه للعرب ، ولكن عقبة بن نافع أهانه ،   فتحالف سرا مع الروم ، وإستطاع كسيلة ومعه الروم هزيمة العرب وقتل عقبة بن نافع عام 63 ، ودخل القيروان . فأرسل عبد الملك بن مروان قائدا جديدا هو زهير بن قيس البلوى ـ وكان مقيماً ببرقة مرابطا فيها . وتقدم زهير بن قيس بجيشه فواجهه كسيلة بجمع من البربر والروم ، وبعد صدام حربى مروع إنتصر العرب ولقى كسيلة حتفه ، ومعه أعيان البربر والروم .

2 ـ  وانتهز الامبراطور البيزنطى خروج زهير بن قيس بجنده من برقة الى القيروان وتركه برقة خالية من الجنود ـ فارسل حملة بحرية قوية من   جزيرة صقلية، تقول الرواية : ( وأغاروا على برقة، فأصابوا منها سبياً كثيراً، وقتلوا ونهبوا، ووافق ذلك قدوم زهيرمن إفريقية إلى برقة، فأخبر الخبر، فأمر العسكر بالسرعة والجد في قتالهم، ورحل هوومن معه، وكان الروم خلقاً كثيراً، فلما رآه المسلمون استغاثوا به فلم يمكنه الرجوع، وباشر القتال واشتد الأمر وعظم الخطب ، وتكاثر الروم عليهم ، فقتلوا زهيراً وأصحابه ولمينج منهم أحد، وعاد الروم بما غنموا إلى القسطنطينية.)
3 ــ   وأرسل عبد الملك بنمروان إلى إفريقية حسان بن النعمان الغساني بجيش ( لم  يدخل إفريقية قط جيش مثله.فلما ورد القيروان تجهز منها وسار إلى قرطاجنة ( تونس الآن )، وكان صاحبها أعظم ملوك إفريقية، ولم يكن المسلمون قط حاربوها، فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر مالا يحصى كثرةً، فقتلهم وحصرهم وقتل منهم كثيراً، فلما رأوا ذلك اجتمع رأيهم على الهرب، فركبوا في مراكبهم وسار بعضهم إلى صقلية وبعضهم إلى الأندلس، ودخلها حسان بالسيف فسبى ونهب وقتلهم قتلاً ذريعاً وأرسل الجيوش فيما حولها، فأسرعوا إليه خوفاً، فأمرهم فهدموا من قرطاجنة ما قدروا عليه.ثم بلغه أن الروم والبربر قد اجمعوا له في صطفورة وبنزرت، وهما مدينتان، فسار إليهم وقاتلهم ولقي منهم شدةً وقوة، فصبر لهم المسلمون، فانهزمت الروم وكثر اقتل فيهم واستولوا على بلادهم، ولم يترك حسان موضعاً من بلادهم إلا وطئة، وخافه أهل إفريقية خوفاً شديداً . )  

4 ـ أدى هذا الى معاودة الأمويين محاولة فتح القسطنطينية ، لبتر ( رأس الأفعى ) أو ( مركز دار الحرب والكفر ) فى دينهم الأرضى العملى .

 

ثالثا : محاولة الأمويين الأخيرة لاحتلال القسطنطينية

 

1 ـ كان فتح الاندلس مع عام 92 ، وبه طالت المسافة بين دمشق واسبانيا ، وكان ممكنا أن ينتهز الروم الفرصة بالاغارة البحرية على المسلمين فى الشمال الأفريقى ، لذا كان ضرورة فتح القسطنطينية ، وجرت محاولة  لهذا فى عام 98 فى خلافة سليمان بن عبد الملك . وكانت الحملة بقيادة مسلمة بن عبد الملك أعظم قائد أموى وقتها .

2 ـ  وقد اختط مسلمة خطة جديدة في ذلك الحصار ، تفادى فيها أخطاء حملة معاوية السابقة التى تعجلت الرحيل والعودة ، إذ أقام بتخرين الطعام والمؤن وأقام بيوتا من خشب للجيش وأمرهم بأن يزرعوا ويأكلوا مما يزرعون ومما يصيبون من الغارات وذلك حتي يستمر الحصار أطول مدة ممكنة . وفي نفس الوقت الذي ضمن فيه إمدادات الجيش أقام العسكر حول أسوار القسطنطينية يشددون عليها الحصار ، وجعل علي مقدمة الجيش قوادا مهرة مثل خالد بن بعدان ومجاهد بن جبر وعبد الله زكريا . واضطر الروم لأن يعرضوا الجزية دينارا عن كل شخص في مقابل إنهاء الحصار ولكن رفض مسلمة.

2 ـ وحدث أثناء  ذلك أن مات ملك الروم فاستمال الروم إليهم القائد الرومي إليون ، وقد كان ثائرا علي الملك السابق ومناصرا لمسلمة ومتحالفا معه في حصار القسطنطينية. وحدث التحالف السري الجديد بين الروم وإليون من وراء ظهر مسلمة الذي كان يثق في إليون ولا يتصور أنه سيخونه ، وعدّ المؤرخون ذلك خطأ من جانب مسلمة لأن الذي يخون قومه لا يستبعد عليه أن يخون حليفه. وكان أعيان القسطنطينية قد وعدوا إليون بالملك إذا تمكن من صرف المسلمين عن حصار مدينتهم، فاقنع إليون مسلمة بأن يعطي المؤن للروم في مقابل أن يعطيه الروم الطاعة وانتقلت المؤن لأهل القسطنطينية وهم تحت الحصار والجوع ، ففوجيء مسلمة بإليون ينضم إليهم بعد أن نقل كل مؤن الجيش المسلم ، وأصبح الروم في قوة وشبع بينما أصبح مسلمة وجيشه في خوف وجوع خصوصا وقد حل الشتاء فاضطر الجيش لأكل الدواب وأصول الشجر، وساءت الأحوال حتي تولي عمر بن عبد العزيز عام 99 ، فأمر مسلمة بالرجوع عن حصار القسطنطينية.  

 

رابعا : كيد البيزنطيين للعرب مع بداية العصر العباسى

1 ـ  انتهز البيزنطيون سقوط الدولة الأموية عام 132 ، وإنشغال العباسيين بتأسيس مُلكهم الجديد فأغاروا عام 133 تحت قيادة الامبراطور قسطنطين، على ملطية وملكوها ، تقول الرواية : ( في هذه السنة أقبل قسطنطين، ملك الروم، إلى ملطية وكمخ، فنازل كمخ، فأرسل أهلها إلى أهل ملطية يستنجدونهم، فسار إليهم منها ثمانمائة مقاتل، فقاتلهم الروم، فانهزم المسلمون، ونازل الروم ملطسة وحصروها، والجزيرة يومئذ مفتونة بما ذكرناه، وعاملها موسى بن كعب بحران.فأرسل قسطنطين إلى أهل ملطية: إني لم أحصركم إلا على علم من المسلمين واختلافهم، فلكم الأمان وعودون إلى بلاد المسلمين حتى أحترث ملطية. فلم يجيبوه إلى ذلك، فنصب المجانيق، فأذعنوا وسلموا البلاد على الأمان وانتقلوا إلى بلاد الإسلام وحملوا ما أمكنهم حمله، وما لم قدروا على حمله ألقوه في الآبار والمجاري.فلما ساروا عنها أخربها الروم ورحلوا عنها عائدين، وتفرق أهلها في بلاد الجزيرة، وسار ملك الروم إلى قاليقلا فنزل مرج الخصي، وأرسل كوشان الأرمني فحصرها، فنقب إخوان من الأرمن من أهل المدينة ردماً كان في سورها، فدخل كوشان ومن معه المدينة وغلبوا عليها وقتلوا رجالها وسبوا النساء وساق القائم إلى ملك الروم.) .

2 ـ  المستفاد من الرواية السابقة : تبادل الفريقين القتل والسلب والسبى ، وتقسيم العالم الى معسكرين ، فالامبراطور إتفق مع أهل ملطية المسلمين على تسليم ملطية والرحيل عنها الى بلاد الاسلام : (فأذعنوا وسلموا البلاد على الأمان وانتقلوا إلى بلاد الإسلام ) .

  

خامسا : الرد على البيزنطيين بتقوية ( الحرب الفكرية ) أملا فى فتح القسطنطينية

1 ـ شهد العصر العباسى متغيرات شتى ، منها الدخول فى عصر التدوين وإزدهار التأليف والاختلاق فى الحديث ، وتأسيس الأديان الأرضية بكتب أحاديث وفقه ، هذا مع ، إنتقال العاصمة من دمشق الى بغداد شرقا ، بمعنى أن تتجه الأنظار أكثر ناحية الشرق ، خصوصا وأن الدولة العباسية قامت على أكتاف الفُرس وتشبّه خلفاؤها بالأكاسرة ، وفى تركيزهم على الشرق أضاعوا الأندلس ثم المغرب ـ مبكرا . وهذا التركيز على الشرق حصر الصراع العسكرى مع القسطنطينية على التخوم بين الامبراطوريتين العباسية والبيزنطية ، فظلت القسطنطينية بمأمن من محاولات الغزو . هذا الإخفاق العباسى فى تحقيق الحُلم بفتح القسطنطينية أجّج فى إختلاق روايات حديث وتاريخ تُحرّض على فتح القسطنطينية ، وتضيفها الى محاولة معاوية غزو القسطنطينية .

2 ـ إنتهزوا وجود أبى أيوب الأنصارى فى جيش يزيد بن معاوية فزعموا أنه : ( توفي أبو أيوب الأنصاري عند القسطنطينية فدفن بالقرب من سورها، فأهلها يستسقون به، وكان قد شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وشهد صفين مع علي وغيرها من حروبه.) ( وقيل إن الروم قالت للمسلمين في صبيحة دفنهم لأبي أيوب: "لقد كان لكم الليلة شأن"، قالوا: "هذا رجل من أكابر أصحاب نبينا وأقدمهم إسلاماً، وقد دفناه حيث رأيتم، ووالله لئن نبش لا ضرب لكم بناقوس في أرض العرب ما كانت لنا مملكة". )"، ( وكان ابو ايوب الأنصارى في جيشٍ متوجهٍ لفتح القسطنطينية، يقوده يزيد بن معاوية في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان، فمرض أبو أيوب، فدخل عليه يزيدٌ يعوده فقال: "ما حاجتك؟"، قال: "حاجتي إذا أنا مت فاركب، ثم سُغ في أرض العدو ما وجدت مساغاً، فإذا لم تجد مساغاً فادفني ثم ارجع"، فتوفي أبو أيوب، ففعل الجيش ذلك، ودفنوه بالقرب من القسطنطينية، وأمر يزيد بالخيل فجعلت تقبل وتدبر على قبره، حتى عفا أثرَ القبر، وقبره هنالك يستسقي به الروم إذا قحطوا ) . الرواية فيها تضارب ، إذ كيف يزول أثر القبر ، ثم يكون بعدها معروفا ؟ وكيف يتبرك به مسيحيو القسطنطينية ويستسقون به ؟ . الثابت أن أبا ايوب الأنصارى عاش بعد حصار القسطنطينية الذى كان بين عام 49 ، 50 . مات فى اعوام مختلف فيها ، ما بين 52 : 54 . والأرجح موته فى 52 .

3 ـ ووضعوا حديثا جعلوا له إسنادا يقول فى مسند أحمد : (  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ). والنبى عليه السلام لم يكن يعلم الغيب ، ولم يكن له أن يتحدث فيه:(الأنعام 50 ) ( الأعراف  188) وما كان يدرى ما يُفعلُ أو بغيره ( الأحقاف ).  

4 ــ ووضع البخارى حديثا يقول : (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ).  والنبى عليه السلام لا يعلم غيب الغفران ، ولا يملك الغفران لأحد ، وقد قال له رب العزة جل وعلا : ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) آل عمران ). ولكن الملفت للنظر قول ذلك الحديث المصنوع (أول جيش من أمتي )، ذلك أن تقسيم العالم الى دار السلام ودار الحرب أسّس مقولة (أُمّة محمد ) التى تعيش فى دار السلام ، فى مواجهة (أُمّة المسيح ) التى تعيش فى دار الحرب .

5 ـ وإخترع البخارى ( ت 256 ) شخصية لم ترد من قبل فى الصحابيات فى الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 ، وهى شخصية ( أم حرام بنت ملحان ) وبنى عليها طعنا حقيرا فى خاتم النبيين ، عليهم السلام ـ يزعم فيه أن النبى كان : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت وما يضحكك يا رسول الله؟ قال (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة). شك إسحاق قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم   قال (أنت من الأولين). فركبت البحر في  زمان معاوية  فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.. ).

 وقد حللنا هذا الحديث الحقير فى كتابنا ( القرآن وكفى ) ولكن ما يهمنا هنا أن الحديث إنتشر ، وابتلع الناس الاهانة التى وجهها البخارى لشخص النبى عليه السلام فى مقدمة الحديث ، وهللوا لما جاء فيه من غزو بحرى للروم ، مفهوم أنه غزو للقسطنطينية . هذا مع أنهم ــ فى تناقض مفضوح ـ قالوا انها ماتت فى عصر عثمان فكيف تحضر عصر معاوية ؟ . ولكن بإستمرار الشحن الاعلامى الدينى لفتح القسطنطينية أصبحت شخصية أم حرام بنت ملحان حيّة فى الوجدان ، خصوصا مع تقديس البخارى فى الدين السُّنّى الأرضى . وفيما بعد زعموا لها قبرا هناك ، وأقيم عليه مسجد عام 1760 برعاية شيخ يسمى حسن الصالحة .!!

أخيرا : أثر تلك الحرب الفكرية فى فتح القسطنطينية

1 ـ  لسنا فى معرض التفصيل لفتح السلطان العثمانى محمد الفاتح القسطنطينيةعام 1453 ، ولكن نؤكد على أنه بالتوازى مع الاستعداد العسكرى للحملة العثمانية ( ربع مليون جندى على أعلى تدريب وتسليح ، وأقوى مدفعية فى وقتها مع اسطول ضخم ب 400 سفينة ) فقد كان الاعداد الدينى على أعلى مستوى ، وتمثل فى الآتى : جيش من الشيوخ والقُصّاص لتحميس الجنود ، وتلاوة الأحاديث على مسامعهم ، وأهمها حديث : (لئَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ) ،ثم خدعة هائلة ، وهى إكتشاف قبر ( أبى أيوب الأنصارى ) عند أسوار القسطنطينية قبيل الهجوم.!؟ وبعدها خطب السلطان محمد فيهم خطبة قوية حثهم فيها على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة، وذكّرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث على ذلك، كما ذكر لهم أحاديث ( الجهاد ) وتلك التى تبشر بفتح القسطنطينية وفضل الجيش الفاتح لها وأميره، وما في فتحها من عز للإسلام والمسلمين، وبدأ الهجوم بالتكبير والتهليل .

2 ـ ولنتذكر أن القسطنطينية وقتها كانت رأسا كبيرا بلا جسد ، لم يبق لها ممالك تُذكر ، وكانت فى خصومة مع البابا الكاثوليكى ، ولكنها ظلت محتفظة بمكانتها الدينية كمركز للكنيسة الشرقية ، وبموقعها البحرى الحصين . وكان وجودها يفصل ممتلكات العثمانيين ويقف حائلا دون توسعهم فى أوربا . وبفتحها تمكن السلطان محمد الفاتح من التوسع فى شرق أوربا وتوحيد الأناضول .

3 ـ ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فلا مجال فيها للتراجع أو الاستسلام ، سواء من جانب الامبراطور أو من السلطان . لقد استمات الإمبراطور البيزنطي في إسترضاء السلطان ورشوة كبار أتباعه لصرفه عن غزو القسطنطينية ، فلما يأس طلب المساعدات من  دول اوربا ، وعرض على بابا روما توحيد الكنيستين الشرقية البيزنطية الكاثولوكية . وبعث البابا مندوبا الى القسطنطينية خطب فى كنيسة آيا صوفيا معلنا توحيد الكنيستين بما يعنى تبعية كنيسة بيزنطة الى روما فأغضب هذا جمهور الارثوذكس ، وفضّل بعضهم عمامة العثمانيين على بابا روما . وفي يوم 24 مايو سنة 1453م، الموافق 15 جمادى الأولى سنة 857هـ، أرسل السلطان محمد إلى الإمبراطور قسطنطين رسالة دعاه فيها إلى تسليم المدينة دون إراقة دماء، وعرض عليه تأمين خروجه وعائلته وأعوانه وكل من يرغب من سكان المدينة إلى حيث يشاؤون بأمان، وأن تحقن دماء الناس في المدينة ولا يتعرضوا لأي أذى وأعطاهم الخيار بالبقاء في المدينة أو الرحيل عنها، ولما وصلت الرسالة إلى الإمبراطور جمع المستشارين وعرض عليهم الأمر، فمال بعضهم إلى التسليم وأصر آخرون على استمرار الدفاع عن المدينة حتى الموت، فمال الامبراطور إلى رأي القائلين بالقتال حتى آخر لحظة، فرد الامبراطور رسول الفاتح برسالة قال فيها إنه يشكر الله إذ جنح السلطان إلى السلم وأنه يرضى أن يدفع له الجزية أما القسطنطينية فإنه أقسم أن يدافع عنها إلى آخر نفس في حياته فإما أن يحفظ عرشه أو يُدفن تحت أسوارها، فلما وصلت الرسالة إلى الفاتح قال:  ( حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر )  

4 ـ ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فقد واصل العثمانيون حصارهم ، وبعد 53 يوما من الحصار إقتحم العثمانيون القسطنطينية وهم يهللون ويكبرون ، وقُتل الأمبراطور دفاعا عن مدينته ودخل الفاتح فأوقف السلب والنهب ، ودخل كنيسة آيا صوفيا ، أعلن تأمين أهل المدينة وحريتهم الدينية والمدنية . وأعلن كثير منهم إسلامهم ، وبالأذان تحولت الكنيسة الى مسجد. وأطلق على القسطنطينية ( إسلامبول ) أى ( دار الاسلام ).!

5 ـ  ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فإن السلطان محمد الفاتح أمر السلطان ببناء مسجد بالقرب من قبر أبى أيوب الأنصارى عام 1458 ، وصار هذا المسجد مركزا لتقليد السلطنة العثمانية لكل سلطان جديد ، حيث يتقلد فيه كل سلطان جديد سيف جده ( عثمان "الغازى الأول " ) . فقد تأسست دولة العثمانيين وشهرتهم على ( الغزو وفق التشريع السُّنّى ).

6 ــ ولأنها حرب دينية بين معسكرين دينيين ترسخت بعد قرون ــ فقد حاول البابا بيوس الثانى أن يقنع السلطان محمد الفاتح باعتناق المسيحية ووعده بأنه بالغفران والجنة  ، فلما فشل حاول إستثارة أوربا لحرب صليبية ضد العثمانيين ، وفشل أيضا .  

7 ــ ولا تزال هذه الحرب الدينية مشتعلة بين الوهابية والغرب المسيحى ..

أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

نذكركم بعنوان الكتاب : الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  ) 
 

اجمالي القراءات 22527