شتان ما بين ( رهان باسكال ) وهذا الرهان العظيم المهول ...
الــرهان المصيري المفروض على المتقين الذين يؤمنون بالغيب

يحي فوزي نشاشبي في الخميس ٢٤ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله  الرحمن الرحيم

***** 

الــرهان  المصيري

المفروض  على  المتقين  الذين  يؤمنون  بالغيب

 

       في يوم 10 مارس 2016 عقد مؤتمر بمدينة "هيوستن" (بالولايات المتحدة  الأمريكية) عن القرآن، فكانت مساهمة الدكتور أحمد  صبحي منصور ممتازة  ومتميزة ،  حيث  تناول  فيها  أهم  وأخطر  النقط ، ومنها :

       1) عقيدة  الذين يولون للقرآن  العظيم  كامل الأهمية  وبكل  الجدية.

       2) المنهج  العلمي في  فهم  القرآن  العظيم ، لاسيما موضوع ( أن الإسلام هو أوامر ونواه )، وأن تلخيص ذلك مضبوط ومحصور ومبين في تلك الوصايا  العشر الواردة  في  سورة  الأنعام ( 151/153).

       3) وإن مهمة المهتمين بالقرآن هي إصلاح المسلمين سلميا بالقرآن  الكريم

وحده لا  شريك له.  ومما  جاء  في الكلمة : (... قواعدنا التي نلتزم بها هي ألا نفرض أنفسنا أو  آراءنا  على أحد،  ولا  نزعم  امتلاك الحقيقة  المطلقة، بل  ننتظر حكم الله  جل وعلا  علينا  وعلى  الآخرين،  ثم  لا  نطلب  أجرا  من أحد  ونعفو عمن يسئ  إلينا .).

       4) ومن بين ما  جاء  في  المقال : (... وأنه  لا  يمكن  للبندقية  أن  تقتل  الفكرة،  فلا  يقتل  الفكرة  إلا  فكرة  مقابلة من داخل  نفس الثقافة،  ولو  تم  قتل  كل الإرهابيــين مع  بقاء  دينهم  الوهابي بلا مناقشة  فإن  دينهم  الوهابي سرعان  ما  ينتج  ملايين أشد  وحشية ...) .

       نعم، وأكرر التصريح بأن الكلمة المختصرة التي ألقيت  في هذا المؤتمر  من طرف الدكتورأحمد صبحي منصوركانت ذات أهمية، بل وأعتقد أنها  ناقوس خطر لأولي الألباب. ولعـلّ هذا  التصريح  المباشر هو السبب  الرئيس الذي صدم الكثيرين من الحاضرين  باستثناء  الحاضرين  من الأمريكيين  غير  المسلمين، وقد  نال  إعجابهم.

       ومن المرجح أن الذي يكون حاضرا  مباشرة  أو حتى متتبعا  لهذا  الحديث عبر الأنترنيت (قراءة) وتأملا، سيكون واقعا تحت ضغط وإلحاح تساؤلات  كثيرة، بل  تكون تساؤلات  متتابعة بل ومتزاحمة  فارضة نفسها ومتعطشة إلى ردود  مباشرة، لاسيما، لِمـَا تكون مختلف  الآيات  القرآنية  تركته من  صدى  في  النفس،  ومنها  الآيات :

01) (... وإنه  لقسم  لو  تعلمون  عظيم  إنه لقرآن  كريم  في  كتاب  مكنون  لا يمسه  إلا  المطهرون  تنزيل من رب  العالمين  أفبهذا  الحديث أنتم  مدهنون  وتجعلون  رزقكم  أنكم  تكذبون ). – 76 – 82 – الواقعة .

02) ( إن  هذه  تذكرة  فمن  شاء  اتخذ  إلى  ربه  سبيلا ).  المزمل 19.

03) ( يوم  يقوم الروح والملائكة صفا  لا  يتكلمون  إلا  من  أذن  له  الرحمن  وقال  صوابا  ذلك  اليوم  الحق  فمن  شاء  اتخذ  إلى ربه  مئابا).  النبأ 39.

04) ( وأن هذا  صراطي  مستقيما فاتبعوه ولا  تتبعوا  السبل  ذلك  وصاكم  به  لعلكم  تتقون ) .153 الأنعام.

05) ( إنما تنذر من اتبع  الذكر وخشي  الرحمن  بالغيب فبشره  بمغفرة وأجر كريم ). يـس 11.

06) ( وكأيـّن  من  ءاية  في  السموات  والأرض  يمرّون  عليها  وهم  عنها  معرضون  وما  يؤمن  أكثرهم  بالله  إلا  وهم  مشركون ) .105-106-  سورة  يوسف .

07) ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) الفرقان 30.

08) ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون). ( 159 ) ) 

أما عن فعلي: ( يعقلون- يتفكرون )، فمن المتصور أنهما  واردان  بالعشرات.

ولا أدري كيف؟  ولكن كل هذا الوابل من الملاحظات، ومن الأسئلة المثيرة المحيرة إستدعت إلى الواجهة تلك النظرة الفلسفية، أو ذلك الرأي المشهور  المنسوب إلى: "بليز باسكال"، ذلك الفيلسوف الفرنسي المعروف برأيه تحت إسم (رهان باسكال)، ذلك الرهان الذي يتلخص في ما يلي: (( إذا لم يكن الله  موجودا فلن يخسر الإنسان شيئا حين يؤمن به، أما إذا اتضح أن الله كان موجودا فسوف يخسر الإنسان كل شئ نتيجة  عدم  الإيمان به )).

وبشئ يسير من الحساب  يتضح  لكل عاقل أن الرهان أمر حتمي لا مفر منه ولا مجال للهرب منه أو التنصل، وبالتالي فإن أفضل الخيارات هي تلك العقلانية، لاسيما وقد عمد الخالق سبحانه وتعالى إلى ذكرها وتكرارها في  حديثه  المنزل.

أما بالنسبة لنا نحن المسلمين المؤمنين، فإننا طبعا قد تجاوزنا مستوى ذلك الرهان (الباسكالي) المشار إليه أعلاه، قد تجاوزناه إلى أعظم رهان، أو إلى أم  الرهانات ، إلى الرهان الأعظم الرئيسي المصيري، الذي لا يمتّ  بأية صلة إلى أي رهان آخر من الرهانات الأرضية المتعلقة بأي ربح أو أي قمار، أو أي  رهان رياضي مثلا أو غيره، لأن ذلك الرهان البسيط  قد يفسح لنا مجالا وفرصة أخرى للعبرة أو لتصحيح المرمى واستغلاله واستثماره في جولة  أخرى مقبلة .

أما هذا الذي نحن بصدده، بل والمفروض علينا، ذلك الحتمي، ذلك الرهان الأول، واليتيم، فهو رهان عظيم ومهول ومصيري، ذلك الذي يجعل من أولئك المتقين المؤمنين بالغيب، يجعل إيمانهم في محك حقيقي، ويمكن أن يتلخص في التصور التالي:

أ) - في يوم الدين، سيكون الإنسان، أي إنسان، واقفاأمام  خالقه سبحانه وتعالى

وسيكون هذا المخلوق حتما متأبطا التعاليم  الواردة  في  الحديث العظيم المنزل، ويأتي هذا المخلوق وهو في  حالة من جاهد واجتهد في عبادة  ربه  ما  استطاع،

ويأتي  ملف أعماله وهو لا  يخلو من  علامات إيجابية  وعلامات  سلبية،  وهو  في قرارة  نفسه خائف مترقب، وطامع في أن الله الودود الرحمان الرحيم  سيعبأ  به وبما قدم، وأخر، أو بما يكون فيه مصيبا أو غير مصيب، ولسان حاله  الطامع  يقول :  طالما كان  طيلة  حياته الأولى محتضنا  الكتاب المنزل  ولم  يبغ  عنه  حولا ولم  يشرك  به  شيئا  أو مخلوقا أو أدنى  حديث  آخر.

ب) وأما عن الإنسان الآخر الواقف أمام خالقه سبحانه وتعالى، سيكون هذا المخلوق حتما  إما  متأبطا  مجلدا ضخما من تلك  المجلدات  التي تنتمي  إلى تلك  المُـلقبة بالصحاح، وإما – وهي أحسن الحالات -  يكون متأبطا هذا الكتاب المدعو  صحيحا، ومعه الكتاب  المنزل من عند  ربه،  وعليه  فإن  موقف  هذا  المخلوق سيكون صعبا، وسيكون - ومن بعيد-  موقفا مزريا لا يغبط  فيه ولا يحسد عليه، وقد جاء بتلك الإفتراءات التي لم تتورع في التصدي، وبكل وقاحة، لتوجيهات وتعليمات وأوامر الخالق سبحانه وتعالى، إذ  لم  تتورع  في  تحويل أحداث أو أمزجة،  أو حتى  نزوات  تاريخية مبنية على افتراءات وبهتان وتزوير وعادات  وتقاليد  ممقوته، بتحويل كل ذلك إلى  أصول في  الفقه  ومنها إلى  طقوس وعبادة  غير مكترثة وغير آبهة  بما  تكون أحدثته من انتهاكات واعتداءات على الآيات المحكمات، وهي حريصة كل الحرص على طردها، وجعلها تتراجع إلى  المؤخرة، بل  حريصة  كل  الحرص على  طمسها  بشتى المناورات والأساليب، ومنها تجريد فعل (نسخ) - مثلا -  من معناه الحقيقي باختلاق  معنى آخر مناقض  وفرضه  فرضا  بكل  عيوبه ومتناقضاته.

 

ج) وإن هذين الموقفين المتصورين هما  اللذان يذكراننا بالموقف الصعب الذي  علينا التفكير فيه وأخذه بالإعتبار وتقديره حق قدره ومواجهته، وبالرهان المصيري الذي علينا  دخوله  حتما  بدون  أدنى  شك  أو  ريب.

اجمالي القراءات 7820