يبدو أنه المخرج الوحيد
منــفــذ النجاة

يحي فوزي نشاشبي في الثلاثاء ٢٣ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم  الله  الرحمن الرحيم

منــفــذ   النجاة

 

راودتني  تلك  العطور  و" البخور" الطيبة  المضيافة  المنبعثة من ذلك  الدكان، وبدون  كبير  مقاومة  وجدت  نفسي  بين  مختلف  المعروضات المغرية، من قارورات عطور  وأعشاب  طبية  وجو  مفعم  بعنبر  ومسك  بلونيه  الأبيض  والأسود، وترحيب وابتسامة على محيا  ذلك  الشاب  الودود.

وسرعان ما تطور الحديث بيننا إلى أسئلة  التعارف. أما السؤال  الذي  لفت انتباهي،  ولعل حتى شيئا من الغرابة !فهو السؤال عن المنطقة  الأصلية  التي  جئت منها  زائرا، وعلى قاطنيها،  بل حتى على منهجهم  ومذهبهم في الدين. وأعترف وأقر أن  كل  ذلك  كان  بكل بساطة وبدون أدنى خلفية، وبكل ما  في  كلمة  " براءة " من معنى.

وحاولت، وبنفس الأسلوب  البسيط ، الودود، البرئ، أن  ألفت انتباهه  إلى  جزئية  في  موضوع  هام،  وهام  جدا،  إن لم يكن  خطيرا جدا- حسب  اعتقادي- ألا  وهو  ذلك الشعور الذي  توحي  به  بعض  الآيات  القرآنية. وقد خلص حديثنا حولها، وبعد تأملها وتدبرها معا على عجل، بأن المقصود منها ، من المرجح  ومن المعقول أن يكون :  أن  لكل  مسلم أن يطمئن  إلى  المذهب  الذي  ينتمي  إليه  في كيفية وأسلوب  عبادة  الخالق سبحانه  وتعالى،  مع الإقرار معا  أن ليس هناك  أدنى  دخل  لأي  كان في اختيار مذهبه  وانتماءاته ،  بل إن كل ما هنالك  هو : أن الشخص فتح  عينيه في وسط  صيّره  هو  كما  هو،  في اعتقاده وممارساته  الدينية ، وله  كامل الحق أن يمارس ذلك الموروث  بكل  اطمئنان  وتفاؤل  ورجاء   شريطة أن يحمي اطمئنانه  ذلك، ورجاءه، من أي  سوء، وأن يعمل جاهدا  في تطعيمه وتعقيمه وتطهيره، حتى لا يصاب بما  ينخره  أيّ  " فيروس" من الداخل، وأن يروض قلبه  ترويضا  باستمرار،  بدون  ملل  ولا  كلل،  حتى تنبت فيه تلك " العضلة " التي تجعله مسلما حقا  ومؤمنا ، و حريصا  بل ومستميتا استماتة لا هوادة  فيها  في  سبيل  أن  لا  يبخس أشياء  جاره،  ذلك المسلم  المؤمن  مثله  بالله  العلي العظيم،  لكن  بشئ  قليل  أو  كثير من وجهات نظر، بل وحتى  من  ممارسات مختلفة، وأن يعتقد جازما أن كل تلك  السبل تؤدي  إلى الله  العلي  العظيم  الرحمان الرحيم،  ودائما شريطة  أن  يكون المرء جادا  ومخلصا  في  جهاده.

وعند خروجي من المتجر، وَعـَدْتُ ذلك  الفتى الذي أظهر  ذلك  الإهتمام، بأني  سآذكره  بالآيات  القرآنية  التي  يبدو  أنها  هي  الحاسمة، وأن  في الأمر  خطورة.    

وهكذا، وبفضل الوسيلة  العلمية  الإلكترونية  التي  حبا  الله  بها عصرنا  هذا، ازددتُ  اندهاشا  لمّا  تأملتُ  الآيات  التاليــة :

( والذين  جاهدوا  فينا  لنهدينهم  سبلنا ).العنكبوت 69.

( إن الذين  فرقوا  دينهم  وكانواشيعا  لستَ منهم  في  شئ  إنما  أمرهم  إلى الله  ثم  ينبئهم  بما  كانوا  يفعلون ).

( واعتصموا  بحبل  الله  جميعا  ولا  تفرقوا  واذكروا  نعمت  الله  عليكم  إذ  كنتم  أعداء  فألف  بين  قلوبكم  فأصبحتم  بنعمته  إخوانا ... ) 103 سورة آل عمران.

ولعل  الفهمَ  يكون  مصيبا  وصحيحا، عندما  نفهم  منها  أن الله  ينصح  عبده  ورسوله، أو ينبهه، أو حتى  يحذره  تحذيرا، من مغبة  الإنجذاب  والوقوع  في  درك أولئك الضالين الفاسقين  الذين  وجدوا  نفسهم  سائرين سياق أسلوب ما، أو طريقة، أو كيفية ما. ولكنهم  لم  يكفهم  أنهم  وصفوا طريقتهم  واتخذوها  طريقة  ما  أو مذهبا  ما، وتشيعوا  لها أو له ،  وأسرفوا  في  ذلك ، وتحمسوا، وتجاوزا  الحدود،  وفرحوا  بما  لديهم، وحسبوا أنهم  يحسنون  فهما  واعتقادا وصنعا،  أسرفوا  في  ذلك  إلى  درجة  الزهو، وأمعنوا  في  ذلك  إلى  درجة  عدم  التورع  في  تذوق  ذلك  الطعم  الفاسد،  ذلك  الطعم  الذي  يغمرهم  وهم  يسخرون  من  ذلك   المؤمن المجاور أو المقابل،  المحكوم  عليه  من طرفهم بالضلال،  لا  لشئ  ارتكبه،  إلا  لكونه  مؤمنا  هو  الآخر،  لكن  بشكل  ثان،  وهكذا     حالة  جميع  مؤمني  تلك  المذاهب  وتلك  النحل  والملل  إزاء  بعضها  بعضا.

ولعل  تحذير الله  الموجه  لعبده  ورسوله  يعني  ما  مفاده : أنت لستَ  منهم في شئ ولا  ينبغي  لك  أن تنحدر معهم  إلى  ذلك الدرك الأسفل،  لأنهم  بتلك  المواقف  التي  وقفوها  مرقوا  من  الدين  وفسقوا .

أليس في هذا الفهم  شئ معتبر من الحقيقة ؟سرفوا  في  ذلط

  أليس  تــجاهل  هذه  الحقيقة  هو الذي  يجعلنا نرى  والأسف  يملأنا ما نراه  في مــشارق الأرض  ومغاربها مـن  أحوال  المؤمنين ؟  تلك  الأحوال  المتراكمة  في انحرافها  منذ الــوهلة الأولى، منــذ رحيل عبـد  الله  ورســوله (عليه الصلاة والتسليم ؟).

 

والمخرج  من  هذا  المأزق ؟  ألا  يمكن  أن  يكون في  التمسك   بحبل  الله؟ وعلى الأقل أن  يحترم  كل  مذهب المذهب  المجاور  المقابل، ولا  يتخذه  هزؤا ، ولا  يسخر من معتنقيه، ولا  ينعته  بالضلال  ولا  يحكم  عليه  بالخسارة. وهذا السلوك الحضاري:  ألا  يكون  هـــو  المــنفذ  الوحيد ؟  منفــذ  النجاة ؟  وبمثابة  التعبير  بأن  هناك  النية  المخلصة  الرامية  إلى  الإعتصام  بحبل الله ؟

اجمالي القراءات 8378