هل الأنبياء والرسل يذنبون كما يذنب البشر؟

Brahim إبراهيم Daddi دادي في الخميس ٢١ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً


هل الأنبياء والرسل يذنبون كما يذنب البشر؟

 

عزمت بسم الله،

 

إن إرادة المولى تعالى اقتضت أن خلق البشر من نفس واحدة، وهداهم النجدين، فلم يكن هناك تبجيل لعباد الله تعالى دون عباد، في في العصمة من الذنب، رغم أنه سبحانه قد اصطفى من عباده من يشاء من الأنبياء والمرسلين، لكنهم في تصرفاتهم الشخصية والبشرية غير معصومين، ولنا في كتاب الله تعالى أمثلة كثيرة على ذلك.

إن أول من عصى ربه فغوى هو آدم عليه السلام، رغم تحذير الله له ولزوجه. وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ(19).الأعراف. لكن الشيطان الذي تعهد أن يضل عباد الله ويغويهم. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى(120) وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى(121). طه. وفي آية أخرى وسوس الشيطان لهما أي آدم وزوجه. فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ(20).الأعراف. لكنهما سرعان ما تفطنا لذنبهما واعترفا به فاستغفرا ربهما.

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(23).الأعراف.

 

لقد طلب نوح عليه السلام من ربه الشفاعة لابنه حتى لا يكون من الغارقين، فكان الأمر من الله تعالى أن لا يسأل عن ما ليس له به علم. وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45)قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ(46).هود. فأسرع نوح عليه السلام  بالإنابة إلى ربه واستغفاره. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ(47).هود.

 

وإبراهيم عليه السلام الذي وعد والده المشرك أن يستغفر الله له. قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا(47). مريم. ظنا منه أنه سيغفر الله  له، لكن لما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه. وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ(114).التوبة. ولم يقتله كما يحكم رجال الدين الأرضي على المشرك والكافر بالقتل...

 

وموسى عليه السلام إذ قتل نفسا مساندة لشخص من شيعته. وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ. فاعترف أن ما عمل هو من عمل الشيطان. قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ(15).القصص.

للمعلومة فقط فقد ذكر موسى في القرءان العظيم 136 مرة وقال الله تعالى له: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى(40)وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي(41). طه.

 

ومن الأنبياء (ذا النون) عليه السلام، يونس الذي غضب من عناد قومه، وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ(139)إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(140)فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ(141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ(142).الصافات.

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87).الأنبياء.

 

نأتي إلى آخر الأنبياء محمد عليه السلام، فنجد أن الله تعالى يقول له من باب التذكير والتشجيع، ليقوم بتبليغ آخر الرسائل للعالمين:

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا(163).النساء.

 

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ(55).غافر.

 

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19).محمد. 

 

وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ(145).البقرة.

 

وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُمَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ(52).الأنعام.

 

قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(104)وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(105)وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ(106).يونس.

 

وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(65)بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ(66).الزمر.

 

رغم كل هذه الآيات فقد صدرت من آخر الأنبياء محمد عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، بعض الهفوات التي استوجبت عتاب الله تعالى يتلى ويتعبد به، مثال ذلك تحريمه لما لم يحرم الله تعالى على العباد، فلامه ربه على ذلك مخاطبا رسوله بقوله (يا أيها النبي) لأن هذا التحريم كان من تلقاء نفسه أي من تصرفاته البشرية، ولم يكن ضمن الرسالة. قال له ربه: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(1). التحريم.

وفي تصرف آخر بشري، ذكَّره الله تعالى بما لا ينبغي أن يتصرف به مع خلق الله تعالى، فما عليه إلا أن يبلغ الرسالة للناس، دون أن يشقى، وأن يتدخل في ما تخفي الصدور، لأن ذلك من أمر الله تعالى وحده. عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6)وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى(7)وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى(8)وَهُوَ يَخْشَى(9)فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى(10)كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ(11). عبس.

 

أختم بهذا النبأ الذي يبين الله لنا فيه بشرية النبي اللين القلب محمد عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، الذي كاد أن يفتن عن الذي أوحي إليه ( القرءان) ليفتري على الله غيره مجاملة لقومه لعلهم يؤمنوا به. يقول الله تعالى لرسوله: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا(73)وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا(74)إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا(75).الإسراء.

إن محمدا عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، لم يفتر على الله تعالى شيئا، ولم يتقول عليه بعد أن ثبته الله تعالى على الحق الذي أنزل إليه، وجاء بعده المشركون والمنافقون فبدلوا قولا غير الذي أنزل وبلغه الرسول كاملا تاما، فحرموا ما أحل الله تعالى وأحلوا ما حرم ونسبوا كل ذلك الكذب إلى رسول الله الذي لم يتقول على الله أبدا، لأنه لو فعل فقد أخبرنا الله عن مصيره كيف يكون قال سبحانه: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(38)وَمَا لَا تُبْصِرُونَ(39)إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40)وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ(41)وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ(42)تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(43)وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44)لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45)ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46)فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ(47). الحاقة.

 

خلاصة القول ما من عبد إلا ويذنب، وخيرهم المسارع إلى التوبة والاستغفار، كما فعل آدم والأنبياء من بعده، الذين استغفروا الله تعالى فغفر لهم ورضي عنهم.

 

والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.

اجمالي القراءات 12142