" ..... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " (سورة الإسراء 15)
القرءآن يتكلم ... فهل من آذان صاغية أم هى لاهية (1 /12)

محمد صادق في الثلاثاء ١٢ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

القرءآن يتكلم ... فهل من آذان صاغية أم هى لاهية (1 /12)

"..... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " (سورة الإسراء 15)

مقدمة :

"..... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " هذا القانون الإلهى جاء فى ختام الآية 15 من سورة الإسراء، ونستنتج من الآية كاملة مدى عدل الله فى العقاب والثواب ثم ختمها بهذا القانون الذى يوضح العدل المطلق الإلهى.

هنا يأتى السؤال، لماذا يبعث الله رسولا قبل أن ينزل العذاب؟ القرءآن الكريم يجيب على هذا السؤال:

 رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل" وأيضا نظيرها:"

ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ " "

من المعلوم لدى معظم المسلمين المتدبرين آيات الله فى القرءآن الكريم أنه كتاب لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة. فإذا صدقنا ذلك فيأتى السؤال ، نحن فى القرن الواحد والعشرون، فأين هذا الرسول الذى سيبعثه الله قبل نزول أى عذاب؟

والله سبحانه يقول : "  مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " (سورة الأحزاب 40

ونفهم من تدبرنا لآيات القرءآن الكريم أن ليس كل نبى هو رسول ولكن كل رسول لابد أن يكون نبيا أولا.

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا " (سورة مريم 41"

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا " (سورة مريم 51"

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا " (سورة مريم 54"

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا " (سورة مريم 5"

وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا " (سورة مريم 53"

وبما أن محمد عليه السلام خاتم النبيين، بمعنى أن لا رسول سيأتى بعده، فكيف نفهم معنى " ..... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا "، وهذا سوف يقودنى إلى تدبر آخر متعلق بهذا القانون الإلهى ويجيب على السؤال الأزلى وهو " هل عيسى عليه السلام سيأتى فى آخر الزمان كما يُقال؟" وهذا سيأتى فى الجزء الثانى من هذا البحث بإذن الله تعالى.

 والآن نعود إلى القانون الإلهى "..... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " ولنترك القرءآن الكريم يتكلم ويجيب على الأسئلة التى تظهر خلال التدبر.

1- وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْوَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِيـنَ (89)  البقره . 

فلـما جاءهم كتاب مـن عنـد الله ( القرءآن ) وهو مذكور عندهم (لذلك عرفوه) كفروا به .

2-وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101)  البقره .

 يتبين من هاتين الآيتين أنّ ( الكتاب من عند الله )  و ( الرسول من عند الله ) مترادفان في المفهوم ، لأن الرسول إنما صار رسولا بالكتاب . فالكتاب هو الهدف الأهم والرسول هو المبلغ عن الله . فاذا تُوفي الرسول بشَخصه بقيت الرسالةُ (كتاباً دائماً) لتقوم مَقامه وتؤدى نفس المهمة بشيرا ونذيرا.

الرسول ليس بذاتة بل مِن أجْل ما يتلومن آيات الله...

فلماذا آيات الله... القرءآن يجيب ...

*وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى. (134) طه.

*وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) القصص

 فالذُل والخزيوعدم الإيمان هو نتيجة عدم إتباع آيات الله ....

لهذا جاء القرار الإلهي بحصر مهمة كل الرسل في تبليغ آيات الله للناس :

*مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ (99)  المائدة .

يقول سبحانه مذكّرا بمهمة الرسول :

*يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّاللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)  المائدة .

ارسلالله الرسل مبشيرين ومنذرين... يقول سبحانه وتعالى :

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " (سورة سبأ  28

إذا كان مهمة الرسول محمد عليه السلام" بَشِيرًا وَنَذِيرًا " نقرأ فى سورة فصلت الآية 3،4

كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) (فصلت 3 - 4

المعادلة الآن: محمد عليه السلام بَشِيرًا وَنَذِيرًا= قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا

فبيان الكتاب يكون( للناس المتقين)وليس للناس جميعا ، خلافا لبُنيان/كلماتِ الكتاب الذي هو ذِكْر ورحمة للعالَمين/للناس جميعا .

السؤال الذى يدور حوله هذا البحث، اين الرسول الآن؟ كما قلنا سابقا نترك القرءآن يجيب ...

*وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ  ذِكْراً (10) رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَـهُ رِزْقاً" (11)  الطلاق .

في هذه الايات من سورة الطلاق امَر الله سبحانه أُولي الالباب الذين يريدون ان يُجنّبوا اقوامهم الحساب الشديد والعذاب الأليم وسوءَ العاقبة أن يدركوا مفهوم مصطلح ( الرسول ) وان أهمّية الرسول في حياته هي في الذكْر المُنزّل الذي سماه الله رسولا فى سورة الطلاق، لأنه بديل الرسول الذي يقوم مقامه في غيابه .

و نفس الأسلوب نقرأ فى سورة آل عمران الآية 101:

"وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم"  آل عمران 101

وكيف نفهم " وَفِيكُمْ رَسُولُهُ " فى زماننا هذا إلا أن نؤمن بأن القرءآن الكريم هو الرسول الدائم حتى يوم القيامة.

والرسول الكريم مبعوث بالقرءان الى يوم الدين . فبالرسول مبلِّغا للقرآن في حياته ، وبالقرءان مُبلَّغاً بعد وفاتـه .

أن الرسول يقوم مقامَه كتابُ الله ( القرءآنُ الكريم )  فهو الذي بُعث وأُرسل الرسول من أجله بشيرا ونذيرا.

واعتبار القرءان الكريم رسولا يقوم مقام الرسول نفسه فى حالة غيابه، وليس اعتبارَ السُنةِ المزعومة والأحاديثِ الحافلة بالمتناقضات والخرافات وبما لا يليق لا بالرسول ولا بالنبي.

فى ختام هذا الجزء نترك القرءآن الكريم يتلو بعض من آيات الذكر الحكيم:

تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) (سورة الجاثية 6 - 11

يا رحمـــن يا رحيم ...

" رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ " (سورة البقرة 286

وصدق الله العظيم...

اجمالي القراءات 9961