سماحة الإسلام
أنا مسلم ولكنني أفكر !

نهاد حداد في الأحد ١٣ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

سأبتدئ بإذن الله مقالات حول الآفاق التي تفتحها تكامل الآيات في الدين الإسلامي وسماحته بعيدا عن الشعارات المثالية وغير الواقعية والتي لاتعدوا أن تكون دفاعا عاطفيا عن الدين ، بعيدا عن الأسس الصحيحة التي تجعل منه فعلا دينا سمحا يمكننا فهمه من التعامل بمنتهى الرقي والحضارية ! 
يقول تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38 
قبل أن نستطرد في تأويل القطع كما فعل الكثيرون جزاهم الله خيرا سنورد آيات أخرى أقل مايمكن أن يقال عنها ، أنها لاتترك مجالا للتأويل وإنما تفسح مجالا لسماحة الدين ورحمة الله التي وسعت كل شيء ، ناهيك عن الإحسان ، الذي يفوق العدل في نظر الخالق عز وجل ! 
طبعا، نحن هنا نعيد التأكيد بأن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للتشريع ! لكن هل يتعارض كونه مصدرا للتشريع والأحكام مع كونه رحمة للعالمين ؟ 
لن أحاول تأويل آية قطع يد السارق والسارقة مع أن فهمي لها واسع الأفق جدا ولكنني سأتعامل معها حسب فهم العامة لها وحسب فهم المتطرفين وكذا فهم الراغبين في تطبيق شريعة الله في أرضه ! 
أولا ، أنا هنا لا أبحث عن فرض رأيي ولا رؤيتي على أحد بل غاية بحثي هو إثارة الأسئلة ومحاولة مقاربة نظرة جديدة للتشريع حتى مع الفهم السطحي للآيات القرآنية . 
لنفترض أن كل سارق يجب أن تقطع يده ، أي أن تقطع حتى في ربع دينار ، فلماذا لانتساءل لماذا حدد الله عز وجل الصدقات في مجموعة من الناس ومن بينهم الغارمون ؟
يقول جل من قائل : 

" إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" لن أقف هنا عند عموم الآية ولكنني سآخذ فئة واحدة ممن يجب التصدق عليهم ألا وهم" الغارمون ". 

فمن هم  الغارمون؟  الغارمون هم الناس المطلوب منهم دفع غرامة مالية لدين أخذوه مثلا ولم يستطيعوا رده ، أو لدية يريدون دفعها مقابل عتق رقبة من القتل مثلا ، ولكن هل تتوقف الغرامات هنا فقط ! ألا يمكن إدخال الغارمين في بند من سرق " فتاب وأصلح " ، الذي تاب وندم وأراد إرجاع المال لأصحابه درءا لعقوبة القطع ؟ ألم يقل عز وجل في نفس الآية : " فمن تاب وأصلح " ! 

من تاب عماذا ؟ 

عن السرقة طبعا ! 

وأصلح ماذا ؟ 

أصلح ماارتكبه من خطإ جسيم وهو السرقة بغرامة ما أخذه ! 

وهل تكون التوبة والإصلاح بعد قطع اليد؟ 

مستحيل ! لأنه سيكون قد نال جزاءه ولن يكون لله ولا للناس عليه شيء . كما في الآية تماما " جزاء بما كسبا " 

إن قطعت يد السارق ، يكون قد نال جزاءه أما إن تاب وأصلح ، فإن الله يغفر له ذنبه ! قال تعالى وهو واسع الرحمة الرحمان الرحيم الرؤوف بعباده اللطيف الخبير : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{39} . 

لا حظ بأن الله عز وجل قال من بعد " ظلمه " وليس من بعد جزائه !
 هنا تأتي سماحة الإسلام وعظمة الخالق ورحمته التي وسعت كل شيء ، كل شيء ! حتى الظالمين من عباده ! فهو عز وجل لم ينس عباده الغارمين من الصدقات ! 
ولنقرإ الآن الآية كاملة :{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{38} فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{39} أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{40}
 لنوسع أفقنا قليلا وننظر كيف أن المسلمين يمكنهم أن يعيشوا في مجتمع مدني حضاري يطبق شريعة الله وفي نفس الوقت رحمته دون أي إحساس أو شعور بالذنب ! فأي مسلم تتحدث معه يصنف نفسه في إطار من لايطبقون شريعة الله ! خصوصا الإنسان البسيط ، والغرب يسميه الإنسان أو المسلم المعتدل ! هل المسلم المعتدل هو الذي لايطبق شريعة الله لكي يرضي الدساتير الغربية أم أنه هو الذي يطبق شريعة تحمل كل المعاني السامية السمحة لدينه ؟ 
حين تحدثت عن توسيع الأفق ، قصدت الأثر الاجتماعي والسمو بالشريعة إلى جعلها قانونا مرتبطا بكل مافي القرآن والدين وليس مرتبطا بكل آية على حدة !
 وللنطلق بمنطقنا إلى إطاره المجتمعي ! حين تعيش في دولة ما ، وتوافق على دستور ما وتدفع الضرائب موافقا على هذا الدستور ، فأنت تغرم من مالك ، وحين تغرم من مالك " الضرائب " مثلا ، فإن من بين الأبواب التي تُصرف فيها الضرائب هي فتح السجون ، فحين تفتح سجنا بغراماتك ، فإنك تعطي فرصة لتوبة سارق  وربما راغب في الإصلاح بإعطاء غرامة من مالك ! من يدري فنحن لا نعلم  بذات الصدور ، والله تعالى هو الأعلم ! 
أو ليس هذا هو ما تفعله الدول الديموقراطية الحديثة ؟ أم أن المسلم يجب أن يصر على الوحشية وأن لايرقى إلى السماحة نهائيا مع أن نفس الآية التي تتحدث عن جزاء السارق تتحدث أيضا عن إمكانية توبته وإصلاح خطإه وليس التكفير عنه بالجزاء والنكال فقط ؟  لأن الكفارة تكون بالجزاء أي القطع ! أما التوبة فتكون بالتراجع والاستغفار والإصلاح المادي للخسائر  ، أي بإعادة ماسُرق إلى أصحابه ! وإن كان قد ضاع منه ماسرقه وهو قد تاب وأراد الإصلاح ، فهنا يأتي دور المجتمع المسلم في الصدقات ، وتحديدا ، الصدقة في الغارمين ! 
لماذا لا ننظر إلى هذا الدين في شموليته ؟ وإذ ذاك يمكننا التحدث عن سماحته ! لأنك حين تتحدث عن القطع والجزاء تتحدث عن العدالة ! أما حين تكمل الآية وتطبقها بحذافرها ، فإنك تتحدث عن الإحسان وعن الرحمة الإلاهية ، وهنا فقط يمكنك أن تتحدث عن سماحة الدين ! وعن عدم تعارضه مع القيم الإنسانية ! فلا تتركوا الرعاع يعبثون بالدِّين ويزعمون بأنها عدالة الإله ! فالإله حدد الجزاء وأعطى فرصة للتوبة والإصلاح وفرض الزكاة والصدقات ! وحدد الغارمين كفئة تستحق الصدقة كغيرها ! كماحددها أيضا في "المؤلفة قلوبهم " الذين قد يكونون كفارا أو ملاحدة حتى ! 
فالأمر غير مهم ، لأنك حين تريد تطبيق شريعة الله ، لا يمكنك أن تكون انتقائيا ! وإذا فكر عمر بن الخطاب بمنطق اقتصاد عصره واستثنى المؤلفة قلوبهم ، فإن هذا ليس مُلزما لنا ، بل الملزم لنا هو القرآن الكريم ! 
ولنتأل مرة أخرى ، أيهما أشد ؟ السرقة أم القتل ؟ 
أي عاقل سيجيب بأن القتل أشد ! ولقد فرض الله الدية على القاتل لعتق رقبته من القتل ، ولنفترض بأن هذا القاتل لايمكنه دفع الدية ، أو ليس دور المسلمين هنا هو الصدقة في هذا الغارم أم أنهم سيتفلسفون كعادتهم عن القتل العمد والقتل الخطإ ؟ 
أم أن الغني القادر على دفع الدية يمكن أن يقتل كما يشاء مادامت لديه إمكانية دفع دية أما الفقير فعليه أن يمتنع عن القتل لعدم قدرته على دفع الدية فقط؟ 
ولكن الله عز وجل قد حدد كفارة القتل الخطإ بالصيام وعتق الرقاب ، وأقفل مجال الاجتهاد في ذلك ! كما فرض التوبة والصلاح على السارق ، بل إنه عز وجل ذكر هنا بأنه غفوررحيم ! وبأن باب التوبة مفتوح وباب الإصلاح أيضا ! 

اجمالي القراءات 9778