عودة إلى الإسلام والعالم

سعد الدين ابراهيم في الجمعة ٢٣ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

ما يزال"الإسلام" كدين، والمسلمين "كبشر" يشغلون بقية العالم، وغير المسلمين. ورغم أن هذا الانشغال كان قد بدأ قبل سنوات من تفجير "مركزالتجارة العالمي" فى مدينة نيويورك فى 11 سبتمبر 2001، إلا أن هذا الحدث الأخير كان فاصلاً حرجاً في هذا الانشغال، فقد تضاعف الاهتمام، وتضاعف معه الخوف من هذا الدين ومن أصحابه ومعتنقيه.

ولا ينبغى لنا – نحن المسلمون- أن ننكر هذه الحقيقة أو أن نكتفي برمي المتهمين والخائفين منا بتهم ساذجة، مثل "التآمر" أو "المؤامرة" على الاسلام. فلا أحد، سواء كان فردا أو جماعة – يولد خائفا أو متحاملاً من فرد آخر أو جماعة أخرى. ولكن هذه المشاعر، وما يصاحبها من سلوك، هي أمور نكتسبها سواء من خبرات حياتية مباشرة أو قرأوا عنها. ولا يعني ذلك انعدام المغرضين والمضللين، الذين لأغراض سياسية ومادية، أي دنيوية خالصة، يقومون بالشحن النفسي والتحريض الثقافي والحضاري ضد الإسلام والمسلمين.

ولكن هذا الكاتب من أنصار المدرسة النقدية، التي تبدأ بفحص الذات الجماعية، قبل، أو على الأقل، مع اتهام الآخر الجماعي، بالتحامل علينا، أو استهدافنا كشعوب أو كثقافة ودين. فحتى إذا كان ذلك قد حدث فى حقبات تاريخية سابقة – مثل زمن الحروب الصليبية، أو عهد الاستعمار فى قرون سابقة – فلا ينبغي أن نظل أسرى تلك الأزمان السالفة. فكل زمان وكل مكان تحكمه قواعد وقوانين متغيرة، وخاصة بها. نعم لا ننسى الماضي، ونتعلم من دروسه. ولكن نتعلم مع الحاضر بمنظار الفهم و آليات للسلوك تتفق مع المعطيات وموازين القوى المعاصرة.

إن ما حدث فى نيويورك صباح 11 سبتمبر 2001 وأودى بحياة ما يقرب من ثلاثة آلاف من البشر، معظمهم من الأمريكيين المدنيين، ومن ثلاثين جنسية أخرى، الذين كانوا يسعون سلميا فى الأرض لكسب أقواتهم، ولم يفعلوا شيئاً لإيذاء الإسلام والمسلمين. بل وقيل ان من بين الضحايا فى ذلك الصباح ما يزيد عن مائة مسلم من جنسيات أسيوية وشرق أوسطية وافريقية مختلفة.وكان الذين قاموا بتفجير برجى التجارة ادعوا انهم فعلوا ذلك باسم الاسلام والمسلمين معنويا، بإعطائهما سمعة العنف والبربرية والارهاب وأساؤا لدار الإسلام مادياً، بتعريضهما لانتقام الأقوياء وغزواتهم، على الأقل من بلدانها، وهما أفغانستان، ثم العراق، إلى تاريخه (2005).

وقد دفعت هذه التطورات العقلاء من المفكرين الاسلاميين إلى أن المعتقدات والأحكام والممارسات الإسلامية تحتاج إلى مراجعات جادة، لتنقيتها من الشوائب والخزعبلات التي علقت بالإسلام، على مر العصور، وشوهته، أو جمدته في متاحف القرون الوسطى. وكان المفكر الإسلامي النابه جمال البنا، من أوائل من دعوا إلى إصلاح الفقه الإسلامي، وتجديده بإعادة فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، وعدم قصره على "رجال الدين"، بحيث يتسع هذا الفقه لمستجدات القرن الحادى والعشرين، بعد أن ظل حبيس القرن الثالث الهجري، العاشر الميلادي. وضمن هذه المبادرة، وأمثالها، لإصلاح ما أفسده غلاة المسلمين، كان لابد أن يصطدم المجددون بفريق من "الأدعياء". الفريق الأول، يريد احتكار الحديث بإسم الإسلام، بدعوى انه درس وتخصص. وحقيقة الأمر أن هؤلاء – سواء في الأزهر، أو الزيتونة، أو النجف، أو قم ، لم ينجحوا خلال القرنين الماضيين فى بلورة ما يكفى و ما يناسب متطلبات العصر الحديث. بل أنهم ، وبدعوى التخصص، أسهموا فى عزل الاسلام عن الحياة. وكلما منى المسلمون بفشل او انتكاس او هزيمة ، سارعوا بالاتهام بأن غير المسلمين يتربصون بنا شرا، ويكيدون لنا كيدا، ويريدون أن يطفئوا نور الله الذى اصطفى به الاسلام والمسلمين. ونسأل أولئك الذين يريدون احتكار الاجتهاد والفتوى في الإسلام، بدعوى أنهم أهل الاختصاص، كيف نجح المسلمون الأوائل، ولمدة قرنين، فى تشييد أعظم إمبراطورياتهم، والتي امتدت من حدود الصين شرقا إلى شواطئ الأطلنطي غرباً، وأداروا شئون دينهم ودنياهم دون فئة متخصصة من مشايخ الأزهر أو آيات الله من قم أو النجف الأشراف؟. وكيف أنه مع ميلاد وترعرع هذه التخصصات المدرسية الدينية، بدأ التدهور فى أمور الدنيا والانحطاط في أمور الدين؟ .

أما الفريق الثاني من الأدعياء الذين يريدون احتكارالحديث باسم الاسلام والمسلمين، فهم من يعتقدون بأن التمسك بأهداب الدين وأحكامه، دون تهاون أو تخازل، هو المنقذ من الضلال، وهو الجدير باستعادة الفردوس المفقود. أى عصر النبوة والخلفاء الراشدين- أى ما ساد خلال العقود السبعة الأولى للاسلام. وينسى هؤلاء الأصوليون المتشددون أن ثلاثة من الخلفاء الأربعة ماتوا قتلا بسيوف أو خناجر مسلمين آخرين. من الذين تلقوا صحيح إسلامهم على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى يد الصحابة الأولين من مهاجرين وأنصار. أي أن عصر الخلافة الراشدة لم يكن فردوساً ولا عسلاً مصفى ولكنه كان مجتمعاً بشرياً، فيه كل أنواع البشر بأخيارهم وأشرارهم، بفجورهم وتقواهم. والقرآن الكريم نفسه لم يتحدث أو يتوقع من المسلمين أن يكونوا مجتمعاً من الملائكة الذين لا يخطئون، ومن ثم فإن الأدعياء المتزمتون لا يفقهون صحيح دينهم ولا طبيعة دنياهم. ولم يسأل أي منهم نفسه لماذا فشل كل من حاول أن يستعيد ذلك الفردوس المفقود على الأرض رغم تكرر المحاولات طيلة أربعة عشر قرناً؟. وحقيقة الأمر أن كل من حاول تأسيس المدينة الفاضلة أو المجتمع الطوباوي، مُني بنفس الفشل والاحباط، سواء فعلوا ذلك باسم الإسلام، مثل طالبان فى أفغانستان، أو آية الله في إيران، أو الترابيون فى السودان، أو حاولوا ذلك باسم الماركسية، كما حاول لينين وستالين في روسيا البلشفية، أو فيدل كاستروا فى كوبا اللاتينية. أو باول بوت فى كنفوشيا الأسيوية.

ربما كانت النماذج المجتمعية الأقرب لفردوس الإسلاميين المتشددين هي البلدان الإسكندنافية (السويد والنرويج والدانمارك). فهي أكثر مجتمعات الدنيا من حيث كفاءة الإنتاج والعدالة في التوزيع. ولكن ما قد يأخذه الإسلاميون المتزمتون على هذه المجتمعات هو وفرة الحريات الشخصية، بما في ذلك الحرية الجنسية، والسعي المشروع للمتعة والسعادة. والإسلاميون المتشددون حسب ما نقرأ فى أدبياتهم، ونرى في ممارساتهم يعتبرون مثل هذه الحريات، إباحية وانحلال. ومع ذلك ينسى هؤلاء المتزمتون، رغم إباحيتها، هي الأكثر ثراء وعدالة وتقدما. و أن نصف الشباب فى عالمنا العربي يحلم بالهجرة إلى هذه البلدان طبقاً لما أورده تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002.

إن المشكلة إذن ليست في الإسلام القرآني كنصوص مقدسة، ولكن فى التفسيرات البشرية لهذه النصوص والتي جاءت في الغالب ملوثة بكل المقاصد الدنيوية. ومن ذلك علاقة الإسلام بالسياسية. وقد قيل فى الموضوع ان "الدين قداسة والسياسية نجاسة" ولكن حتى مع صحة هذه المقولة، فإن من حق الإسلاميين أن يشاركوا في العمل العام. المهم في هذه المشاركة أن يلتزم الإسلاميون بنفس الروح والجدية، وقواعد العملية الديمقراطية، وهي حكم القانون الوضعى، الذي يسنه البشر، واحترام حقوق المواطنة الكاملة للنساء ولغير المسلمين، ولمبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات دورية محددة المواقيت مقدما. واحترام الحريات الأساسية، ومنها حق التعبير والإبداع الأدبي والفني والالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية. وهذا ما فعله حزبي العدالة والتنمية في كل من تركيا والمغرب. وهما خلفيات وتوجهات إسلامية منذ انتخاب أعضائها لبرلماني البلدين عام 2002. و لذلك نقول أنه، مع الأداء الرفيع للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية المصرية فى أواخر عام 2005، لا ينبغي لنساء مصر وأقباطها أن يخافوا، أو يفزعوا، أو يتقوقعوا. ولكن أن ينغمسوا ويشاركوا و يحاوروا الإخوان وغيرهم من القوى السياسية. فالمشاركة الفعالة هي التي تقي الجميع شر جنوح أو جموح الأقلية أو الأغلبية على السواء.
 

اجمالي القراءات 15731