القاموس القرآنى : شهد ومشتقاتها: ثانيا :الشهادة القولية : (شهد) بمعنى قول الشهادة

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٥ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : شهد ومشتقاتها: ثانيا :الشهادة القولية : (شهد) بمعنى قول الشهادة  

 يحتاج الناس فى تعاملاتهم الدينية الى قول الشهادة ، أى أن يشهد بعضهم على شىء رآه أو سمعه . وبالتالى فهذه الشهادة ( القولية ) مرجعيتها الى ( شهد ) بمعنى كان حاضرا . ونتعرض للشهادة فى هذا الجانب :

تشريعات الاسلام فيما يخص الشهادة فى التعامل بين الناس :

لتكون هناك عدالة فى الحُكم ( القضائى ) بين الناس جاءت هذه القواعد الاسلامية :

1 ـ وجوب قول الشهادة وعدم كتمانها ، ومن يكتمها فهو عند الله جل وعلا آثم فى قلبه ،  يقول جل وعلا:( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) البقرة ). بدون شهود لا تُقام قضية من الأساس .والتحذير هنا أن الله جل وعلا عليم بما نعمل وشهيد عليه.

2 ـ  فماذا إذا كان الشهود كاذبين.

هنا يقول جل وعلا يأمر وينهى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة  )َ.

كلمة ( قوّامين ) المكررة فى (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ  ) و(كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ) لها أهمية . ( قوّامين ) صيغة مبالغة من ( قام ) و ( قائم ) : فلان ( قائم بالقسط ) يعنى يلازم التمسك بالقسط والعدل . فلان ( قوّام بالقسط ) يعنى لا يدخّر جهدا فى التمسك بالعدل والقسط . ثم التزاوج بين:(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ  ) و(كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ).يؤكد أن ذلك ( القوّام بالقسط يفعل ذلك إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، وانه حين يفعل ذلك يكون قوّاما طاعة لرب العزة جل وعلا . ، لأن الهدف من إرسال كل الرسالات السماوية ومنها القرآن الكريم هو أن ( يقوم الناس بالقسط ) ( الحديد 25  ). وبالتالى فلا مجال هنا لأى مصالح شخصية أومحاباة الأقارب حتى الوالدين ، ولا مجال للهوى ، أى لا بد من تفعيل القسط : (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ) . وإذا حدث ميل فى الشهادة أو إعراض عن قول الحق فالله جل وعلا هو الخبير بما نعمل : : (تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ). ونفس الحال فى الآية التالية فى الشهادة حين يخص الأمر خصما عدوا فلا بد من تفعيل القسط  : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ ) يأتى التغليظ والتأكيد على الالتزام بالعدل فى إختيار تعبير (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ) إى وصف مجرد التفكير فى الانحياز فى الشهادة بسببب الخصومة بأنه جريمة أو وقوع فى الجريمة ، ثم التكرار فى كلمة العدل والأمر بها : ( عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا) ، والتكرار فى كلمة التقوى والأمر بها :( هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ ). ونلاحظ تذييل الآيتين بأن الله جل وعلا خبير بما نعمل:(فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء )( إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة ). وهو تهديد بالحساب العسير يوم القيامة.

3 ـ ليس هناك أروع ولا أسمى من هذا ، خصوصا وأنه خطاب مباشر من الخالق جل وعلا للذين آمنوا ، وهو تحميل الاهى مباشر لهم بالمسئولية ،أى تعامل مباشر بين القلب المؤمن والخالق جل وعلا .  يستطيع الانسان خداع إخيه الانسان ، ويستطيع التحايل مستغلا ثغرات القانون وعدم علم البشر بالغيب وعدم إحاطتهم بكل ما يجرى . لكنه لا يستطيع خداع رب العزة . وإذا تخيل له أنه يخدع رب العزة فلا يخدع سوى نفسه ، يقول جل وعلا : (  إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَـٰدِعُهُمْ ) ﴿١٤٢﴾ النساء  ) (يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) 9 ) البقرة ).

4 ـ  ليس فى تطبيق الشريعة الاسلامية الحقّة تعويل كبير على الضبطية القضائية البشرية . التعويل الأكبر على التقوى ، أو بالتعبير المعاصر ( الضمير ) أو ( الانا العليا ). ولهذا بدأ القرآن الكريم بإرساء وتأسيس التعاليم الأخلاقية من خلال التقوى والتعامل المباشر مع الرحمن الذى يعلم خائنة العين وما تخفى الصدور . وفى إطار هذه القواعد التشريعية جاءت التفصيلات تالية فيما بعد ، مشفوعة أيضا بالتذكير بالتقوى ، والتنبيه على ان الله جل وعلا خبير بكل شىء عليم بكل شىء وشهيد على كل شىء . وأنه اليه المصير ، ولا فرار منه ولا مهرب ، فلا بد من مصيرنا اليه يوم القيامة ليُحاسبنا على ما فعلنا . 

فى الشهادة فى المعاملات التجارية :

1 ـ يقول جل وعلا فى أطول آية قرآنية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 282 ) البقرة ).

2 ـ هنا الأمر بكتابة الديون المؤجلة ، يكتبها كاتب عدل ، وعليه الامتثال لما يُملى عليه . أما الذى يُملى فلا بد أن يلتزم بالعدل فيما يُمليه على الكاتب . فإن كان صاحب الحق ( الدائن ) غير مؤهل فليقم ولى أمره بالاملاء عنه . ثم ليكن هناك شاهدان من الرجال ، أو رجل وإمرأتان . ولا بد من حضور الشهود ، ولا بد من كتابة التفاصيل فى الديون . إلا إذا كانت تجارة حاضرة متوالية فليس واجبا الكتابة عن طريق كاتب مستقل وشهود . أما البيع فيشترط فيه الاشهاد . ولا بد من حصانة الكاتب والشهود لأنهم محايدون . وإذا حدثت مؤاخذة للكاتب والشهود فهذا دليل فساد وفسوق فى المجتمع وفى جهازه القضائى .

3 ــ وواضح أن الآية الكريمة فيها أوامر ونواهى تشريعية لها مبرراتها ، وفيها أيضا مقاصد وأهداف تشريعية تعلو على تلك الأوامر والنواهى ، وتعمل فى إطارها الأوامر والنواهى . الأهداف التشريعية تسرى فى كل زمان ومكان أما الأوامر والنواهى فإمكانية تطبيقها تبعا للظروف فى إطار الالتزام بالأهداف التشريعية . أهم الأهداف التشريعية هو القسط والعدل ، وسبقت الاشارة الى ان إقامة القسط هى الهدف التشريعى لكل الرسالات السماوية . وفى هذه الآية الكريمة ــ  التى تتعرض بالتفصيل لموضوع كتابة الديون والاشهاد عليها ــ  نلاحظ تكرار الاشارة الى العدل ( المقصد التشريعى ) إما صراحة بالاتيان بنفس الكلمة ، وإما ضمنا بضمانة الحصانة للكاتب والشهيد . ولكن الأوامر التشريعية تأتى فيها التقييدات والحيثيات ففى شهادة المرأتين : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ) تأتى الحيثيات وهى : ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى )، أى بدونها يمكن أن تتساوى شهادة المرأة بالرجل . التطبيق بهذه الحيثيات يلائم مجتمعا فى درجة دُنيا من التطور ، ولا تزال تلك المجتمعات موجودة،  وستظل فى الأغلب موجودة . مقياس التطور هو فى مدى تفاعل المرأة فى الحياة وفى السوق وفى التعامل اليومى والتعليم . المرأة فى المجتمعات الأقل تطورا يلائمها هذا التشريع بحيثياته . ،. أما إذا بلغ المجتمع تطورا ينعكس تقدما على تفاعل المرأة فهذه الأوامر لا تصلح للتطبيق وتكون شهادتها كالرجل .  

الشهادة فى الوصى على مال اليتيم :

يقول جل وعلا : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء ). إبتلاء اليتامى إذا بلغوا سنّ القدرة على الإنجاب ، يعنى إختبارهم جسديا بالكشف عليهم ، وعقليا لمدى رشدهم . ومفهوم أن هذا يتم بسلطة مختصة . إذا ثبت رشد اليتيم تسلم ماله . وعند تسلم اليتيم ماله يتم الاشهاد عليه .. إن لم يثبت رشده ظل ماله تحت إشراف وصىّ . وهذا الوصى تحت الرقابة حرصا على مال اليتيم .

الاشهاد فى الطلاق :

 يقول جل وعلا : ( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) الطلاق ).خلافا للشريعة السُّنّية فالآية الكريم تؤكد أن الطلاق يلزمه شاهدان من العدول ، وأن الطلاق ليس نهاية العلاقة الزوجية بل هو محاولة لاصلاحها . والتفصيلات فى بحث ( تشريعات الطلاق بين القرآن والفقه السُّنّى ) وهو منشور هنا .

الشهادة فى قصة يوسف عليه السلام :

1 ـ إمرأة العزيز راودته عن نفسه ثم إتهمته هو ، ودافع عن نفسه ، وأُحيلت القضية الى رجل من اهلها فأفتى ( أى شهد ) بأن قميصه لو تمزق من الامام فهى صادقة وإن تمزق من خلف فهى كاذبة ، يقول جل وعلا : ( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٍۢ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿٢٧﴾ يوسف ).

2 ــ  وقرر الملك إطلاق سراح يوسف من السجن فصمم يوسف على إثبات براءته أولا ، فاستحضر الملك إمرأة العزيز ، التى صحا ضميرها فشهدت بالحق بعفّة يوسف و معترفة  أمام الملأ أنها هى التى راودته عن نفسه (  وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّـٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌۭ ﴿٥٠﴾ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَ‌ ٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ قُلْنَ حَـٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوٓءٍۢ ۚ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْـَٔـٰنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَا۠ رَ‌ ٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿٥١﴾ ذَ‌ ٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى كَيْدَ ٱلْخَآئِنِينَ ﴿٥٢﴾ يوسف )

3 ـ لكى يحتفظ يوسف ــ عزيز مصر ــ بأخيه الشقيق إتهمه بالسرقة وإحتجزه . وأصبح الأخوة فى مأزق لأنهم وعدوا اباهم يعقوب بالحفاظ على أخيهم هذا ، وكانوا من قبل قد ألقوا بأخيهم يوسف فى الجُبّ . وصحا ضمير كبير الأخوة فقال لهم : ( ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)يوسف ). هنا تكون الشهادة على حقيقتها : (وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ  ).

الشهادة فى العقوبات:

لا تفريق هنا بين الرجل والمرأة فى الشهادة ، لأن المطلوب هو ( شاهد ) يكون ( حاضرا ) وقت حدوث الجريمة المُعاقب عليها شرعا ، ثم ( يشهد ) قوليا بما رآه بعينيه وبما سمعه بأذنيه ، فالشاهد هنا هو الحواس لدى الرجل أو المرأة  ، وكلاهما له نفس الحواس ، فكلاهما شاهد بلا تفرقة بين رجل أو إمرأة .

ويتطلب تنفيذ عقوبة الجلد فى جريمة الزنا ـ عدا الإقرار ـ شهادة أربعة من الشهود بإثبات يقينى بشهادة تفصيلية  عن التلبس بالزنا . وأربعة شهود أيضا فى جريمة قذف المحصنات. وتسقط العقوبة بالتوبة  العلنية الظاهرية .يقول جل وعلا : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)النور ) . وحين يُشاع عن إمراة ممارسة الفاحشة ويكون هذا معروفا عنها ولكن دون ضبطها متلبسة تقوم السُّلطة بإستشهاد أربعة يشهدون بهذا ، وعندها تقوم السلطات بإيداعها بيتا يرعاها ، مثل بيت المسنين تعيش فيه ،  تتطهر وتتوب فتخرج وتتزوج أو تظل فيه الى أن تموت إن لم تتُب ، وهذا لمنع إضرارها بنفسها وبالمجتمع ، يقول جل وعلا : (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) النساء )

وفى التلاعن بين الزوجين يشهد كل منهما على الآخر خمس شهادات  ، يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ (9)النور )

( شهد ) بمعنى الحضور وبمعنى الشهادة القولية معا :

 نفهم قوله جل وعلا :

1 ـ ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) الفرقان )، أى لا يحضرون الأعياد والموالد المُقامة على القبور المقدسة والأنصاب والأوثان ، وهذا هو معنى الاجتناب للرجس من الأنصاب والأوثان ، وأيضا لا يقولون منكرا من القول وزورا ، سواء كان هذا الزور شهادة فى محكمة أو ترديدا لأحاديث مفتراة يجعلونها نبوية أو قدسية أو ترديدا لأساطير المعجزات للأولياء والقديسين لدى أتباع الديانات الأرضية . كل هذا شهادة زور بالقول أو بالحضور  .

2 ـ ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) النمل ). قالتها ملكة سبأ للملأ الحاضر ( بمعنى الحضور ) وليكونوا ( شهودا ) على قرارها .

3 ـ فى تكسير ابراهيم عليه السلام لأصنام قومه ، دعا الملأ الى محاكمة علنية له : ( فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) الأنبياء ) . لعلهم يكونون حاضرين ويكونون شاهدين على ما يحدث . 

اجمالي القراءات 9249