لماذا يصدر الارهاب من الجاليات المسلمة بالذات ؟

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٣ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : أسئلة مشروعة 
1 ـ عوقبت الجالية اليابانية فى أمريكا بالحصار والاضطهاد بعد ضرب اليابان بيرل هاربر. كانت اليابان معتدية على أمريكا ، و فى حمأة الغضب الأمريكى وقع الاضطهاد على المواطنين الأمريكيين اليابانيين . ولا زالت الاعتذارات الأمريكية الشعبية تتوالى فى الكتب والأفلام ، تؤكد المبدأ القرآنى ( الأمريكى ) : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ) ، وأنه لا ذنب للأمريكيين من اصل يابانى أن يدفعوا ثمن حُمق السياسة اليابانية . إرتكبت أمريكا حُمقا أكبر بضرب هيروشيما ونجازاكى بالقنبلة الذرية ، وقتل مئات الألوف من السكان الأبرياء . ومهما كانت المبررات العسكرية فهى جريمة حرب فظيعة أن تقتل هذا العدد من المدنيين . ثم تعامل الشعب اليابانى بنُبل شديد مع الشعب الأمريكى ، ودخلت اليابان مع أمريكا فى منافسة إقتصادية وعلاقات تحالف ، بعد طىّ صفحة الحرب البغيضة . ولم تظهر حركات ارهابية داخل الجالية اليابانية فى أمريكا تهدد الوطن الأمريكى .
 إرتكبت أمريكا جرائم ومجازر فى فيتنام . وفى أمريكا جالية فيتنامية ضخمة ومسالمة وتعمل بدأب ، وتنتشر مطاعمهم فى الشارع الأمريكى . ولم يفكر أحدهم فى الانتقام من وطنه الجديد ( امريكا ) بسبب المذابح الأمريكية فى حرب فيتنام ، والتى توالى السينما الأمريكية الدرامية والتسجيلية عرضها و التذكير بها .
 دخلت القوات الأمريكية ( بنما ) وإعتقلت رئيسها نورييجا ، وهو أصلا عميل للسى آى إيه ، وجرت دماء فى شوارع بنما ، وكانت السياسة الأمريكية ضالعة فيها ومسئولة عنها .  وتدخلت أمريكا فقتلت الرئيس اليسارى المنتخب سلفادور الليندى وجاء حكم عسكرى يمينى متطرف قتل مئات الألوف من المعارضين والأبرياء ، وكان يلقى بهم من الطائرت فى المحيط ، ويرمى بهم فى مقابر جماعية ، والسياسة الأمريكية مسئولة عن هذا ، بالتأييد وبالسكوت .
كانت كوبا مستعمرة أمريكية من نوع خاص ، يقضى فيها الأمريكيون لياليهم الحمراء .وقامت فيها ثورة بزعامة كاسترو واجهتها أمريكا بصلف شديد فاضطر كاسترو أن يكون شيوعيا ويتعلق بالاتحاد السوفيتى ليحمى رقبته . حاصرت أمريكا جزيرة كوبا وانفقت الملايين فى التآمر عليها وعلى كاسترو ، وقتلت رفيقه تشى جيفارا . ونزح الى فلوريدا الأمريكية مئات الألوف من الكوبيين ، وأنتشر أضعافهم فى الولايات الأخرى . وعمل بعضهم فى المخدرات : جلبها لأمريكا وتوزيعها ، وبغسيل أموالها تم تعمير ساحل ميامى عاصمة فلوريدا . لم يفكر أحد من الكوبيين الأمريكيين فى الانتقام من أمريكا . 
إشتهرت أمريكا  بألاعيبها فى  كل دول أمريكا اللاتينية من المكسيك الى شيلى والارجنتين . و الجاليات اللاتينية من هذه الدول  أكبر الجاليات الأمريكية ، وفى أمريكا أكثر من عشرة ملايين منهم بلا إقامة شرعية ، واللغة الأسبانية هى اللغة الثانية بعد الانجليزية فى أمريكا بل هى اللغة الأولى فى بعض الولايات الأمريكية .وهم مسيحيون متدينون فى أغلبهم ، ولم تظهر أى حركة ارهابية تحمل لواء الدين داخل أمريكا من أى فرد أمريكى لاتينى .  
وأذلت أمريكا الصين الشيوعية وحاصرتها وظلت تجعل جزيرة تايوان تحتل مقعد الصين فى مجلس الأمن . وتوجد جالية صينية ضخمة فى أمريكا ، الى درجة وجود أحياء صينية خاصة فى المدن الأمريكية الكبرى ( تشاينا تاون ) . فهل إرتكب أحد منهم عملا ارهابيا إنتقاميا باسم بوذا أو باسم ماوتى تونج ؟ 
2 ـ  بريطانيا العظمى أذلّت العملاق الصينى بحرب الأفيون الأولى والثانية ، وإقتطعت من الصين هونج كونج. فهل إنتقم الصينيون الذين يعيشون فى انجلترة من الانجليز ؟ 
بريطانيا العظمى سلبت الثروات الهندية عبر شركة التجارة الشرقية البريطانية ثم إحتلت الهند  وواصلت سلب ثرواتها بحيث كانت ( الهند ) ( دُرّة التاج البريطانى )، ثم انسحبت منه وقد تقسمت الهند الى الهند باكستان . وهناك جالية هندية فى بريطانيا ، فهل أرتكبت أى عمل ارهابى إنتقاما من بريطانيا ؟. 
نفس الحال مع الجاليات الأخرى الأفريقية وألاسيوية والتى إحتلت بريطانيا بلادهم الأصلية . نفس الحال مع كل الجاليات ( غير المسلمة ) فى كل الغرب . كل الجاليات تأقلمت و أخلصت لوطنها الغربى الجديد ، ولم تتحول الى قنبلة موقوتة فيه مثل  جاليات المحمديين . لماذا ؟
3  ـ ونتساءل :  إذا كانت أمريكا هى التى إرتكبت كذا وكذا وإذا كانت بريطانيا هى التى فعلت كيت وكيت وإذا كانت فرنسا هى التى أجرمت فى وفى .. فلماذا لم يتخذ اليابانيون والصينيون والفيتناميون واللاتينيون نفس الحجة للإنتقام من أمريكا ؟ ولماذا لم يتخذ الهنود والصينيون نفس الحجة للإنتقام من انجلترة ؟
4 ـ  لقد فتحت استراليا وكندا أبوابها للهجرات ، ولم تكن لاستراليا أو كندا علاقة سيئة بالشعوب العربية ( المحمدية ) . وتكاثرت الجاليات العربية المحمدية فى كندا واستراليا . فلماذا تظهر حركات ارهاب والدعوة الى الارهاب من جانب الجاليات المحمدية فى استراليا وكندا ؟ هل هو الانتقام من الدولتين عقابا على أنها فتحت لهم أبوابها ؟ . بل لماذا يهدد الارهاب  ألمانيا وبلاد إسكندنافيا وهى لم تقدم للعرب والمسلمين الا الخير ؟ . 
5 ـ هو بلا شك مرض كامن داخل جاليات المحمديين فى الغرب . 
ثانيا : التشخيص 
1ـ ـ ليست هى ( جينات وراثية ) فى الفرد الشرق أوسطى ، فهناك جاليات مسالمة شرق أوسطية من أقباط مصريين  وأكراد  وأمازيغ لم يقوموا بأعمال إرهابية .
 ليست هى أيضا ( جينات وراثية ) متأصلة بين كل المحمديين ، فهناك جالية بنجالاديش ( بنغالية ) مسالمة لأن الدين الأرضى السائد فى بنجلاديش هو التصوف السُنى المعتدل المسالم  . هو نفس الدين السائد فى اندونيسيا أكبر بلاد المحمديين سكانا .  ولقد إحتلت هولنده جزر أندونيسيا ، وهناك مسلمون أندونيسيون فى هولندة وهم مسالمون ، وهم يختلفون عن بقية المحمديين دُعاة ورُعاة الارهاب ؟
2 ـ المحمديون فى العالم يصل عددهم الى حوالى بليون ونصف البليون . الأغلبية الساحقة منهم يعتنقون دين التصوف السُّنّى المعتدل ( الشريعة السنية فى العبادات، والاعتقاد الصوفى فى الأولياء وقبورهم المقدسة، والتعامل السلمى مع أنفسهم ومع غيرهم  ) . الأقليات بين المحمديين هم الشيعة ( وهؤلاء مُسالمون طالما لم يصلوا الى الحكم ).  وصوفية فقط يقضون حياتهم فى الرقص والعكوف على المقابر المقدسة مع التسامح فى التعامل مع الناس ، ويبقى التعصب لدى الأقلية السنية التى تُعادى الصوفية والشيعة وأهل الديانات الأرضية الأخرى ( بوذية ، هندوسية ، مسيحية ويهودية) . والأكثر تعصبا بين السنيين هم الحنابلة الوهابيون .أى هم أقلية الأقلية . لا يصل عددهم   فى العالم كله سوى بضعة ملايين ، ومنهم فى بلاد الغرب بضعة آلاف . وطبعا ليس كل المهاجرين الوهابيين أبناء لادن ، وليسوا كلهم على دين الظواهرى وداعش . ولكن المتطرفين منهم هم الأعلى صوتا والأعزّ نفرا والأكثر نفوذا وتأثيرا . وهم الذين يثبتون وجودهم بأعمال إرهابية يفتخرون بها ، ويعلنون إستمرارهم فيها يقتلون الأبرياء عشوائيا ، ويعتبرونه جهادا ، وجعلوا الغرب والشرق يسمونهم ( إسلاميين ) أى الأكثر تعبيرا عن الاسلام .وهى كارثة تفوق كوارث الارهاب الذى يشعلونه .
 3 ـ أصابع الاتهام تتجه نحو السعودية ووهابيتها . الرياض هى مركز الوهابية ، والوهابية هى دين الارهاب ، ومن الرياض إنتشرت الوهابية تحمل الدعوة لقتل المخالف فى المذهب وفى الدين ، فى الاتجاهات الأريع فى العالم كله. تتميز الوهابية بصلاحيتها  الشيطانية الشريرة لكل زمان ومكان ، فهى تعطى كل متعطش للدماء مسوغا دينيا لكى يقتل باسم الاله الوهابى  ، ويزعم أنه جهاد إسلامى  ، ويجد من يصدقه جهلا أو كراهية لاسم الاسلام . المستبد الذى يريد أن يظل جاثما على صدر شعبه يستعين بفقهاء الوهابية ليبرروا له إستبداده وطغيانه . فقهاء الوهابية السعوديون لم يتحرجوا من تشريع الزنا بالأم والأخت للمجاهد الوهابى ، فضلا عن إستحلال الزنا تحت إسم جهاد المناكحة . الوهابية التى تسوغ تحكم المستبد وطغيانه هى أيضا التى تسوغ الخروج عليه وتكفيره . الوهابية بهذا وباء مميت . نبتت جرثومته فى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى ، ثم فى الرياض بعدها ، ولا زال منها ينتشر ويتوغل ويتمدد .
 4 ـ اصابع الاتهام أيضا تشير الى أمريكا والغرب . بسبب النفط الملعون أصبح للأسرة السعودية مكانة دولية ونفوذ فى امريكا والغرب الأوربى ، وبهذه المكانة أسّست السعودية ــ من عهد فيصل ـ آلاف المراكز والمنظمات والمعاهد والمدارس ( الاسلامية ) فى أمريكا والغرب لتسيطر على الجاليات الاسلامية فيها ، بل وسيطرت بأموالها على الأقسام العلمية للدراسات الاسلامية والعربية والشرق أوسطية فى الجامعات الأمريكية بالذات لتمنعها من مناقشة الوهابية ، بل ولتنشر التراث السّنّى وهو المرجعية الدينية للوهابية . وفتحت أمريكا والغرب أبوابها أيضا للإخوان المسلمين وسائر التنظيمات الوهابية اراديكالية التى تعمل على إسقاط نظم الحكم ، والتى تسعى الى توحيد (المحمديين ، أو أمة محمد ) فى دولة واحدة هى دولة الخلافة , وهم يعتقدون أن العالم ينقسم الى معسكرين ـ وفقا للشريعة السنية الوهابية :( دار الاسلام والسلام ) فى مواجهة الغرب الأوربى والأمريكى ، وهو ( دار الحرب ) . وأولئك المتطرفون الذين يعيشون فى الغرب يعتبرون أنفسهم الطابور الخامس الذى يعمل لصالح الهدف المرتقب ، وهو تدمير معسكر الكُفر أو دار الحرب من الداخل . وهذا هو جوهر الدعوة التى تحملها القاعدة وداعش والسلفيين و الاخوان المسلمين أيضا . الفارق بين الاخوان المسلمين والسلفيين وبين القاعدة وداعش أن الاخوان والسلفيين أكثر مكرا وأشد خطرا  . أمريكا والغرب جلبت الوهابية الى داخلها ، ووفرت للمتطرفين الاعاشة والحياة الكريمة ، وأتاحت لهم حرية التعبير وإمكانات التعبير وفق قوانينها الديمقراطية . وبهذه التسهيلات سيطروا على معظم المساجد وعلى قلوب الشباب . واصبح الشاب الناقم على أى شىء والمُحبط يذهب الى المسجد للراحة النفسية والسكون فيجد شيخا وهابيا يستغل شحنته الغاضبة وشبابه الغض وطاقته المشتعلة ليجنده فى عمل ارهابى يقتل نفسه ويجد ــ بزعمه ــ الحور العين يستقبلنه بالأحضان . ثم تنطلق التعبئة الاعلامية تسمى هذا المجرم الارههابى ( إسلاميا ) وتسمى جريمته جهادا اسلاميا ، فتحقق للارهابيين ما يريدون ، وهو أنهم المعبرون عن الاسلام . أما   الأغلبية الساحقة من المسلمين المسالمين فليسوا باسلاميين .! 
العلاج : 
1 ـ يبدأ بالادراك بأن ( الاسلام ) شىء و ( المسلمون ) شىء آخر .الاسلام أوامر ونواهى بالأخلاق السامية وإخلاص العقيدة والعبادة لرب العزة جل وعلا . ( المسلمون ) بشر لهم تاريخهم البشرى وحضارتهم البشرية وتراثهم البشرى وإختلافاتهم البشرية ، ومنها الصالح والفاسد. واخيرا لهم أديانهم الأرضية شأن بقية البشر .  
2 ـ إنطلاقا من هذه الحقيقة تبدأ مواجهة الارهابيين بالحرب الفكرية من داخل الاسلام لتؤكد عداءهم للاسلام . هو حل سهل بدليل أننا نقوم به بنجاح بإمكاناتنا المحدودة جدا ، ولكنه أيضا عمل صعب  لأنه يحتاج الى إمكانات عالية ليصل الاصلاح الى كل الجاليات ( المسلمة ) فى كل بيت وفى كل شارع وفى كل مسجد وكل جامعة ومعهد . 
أخيرا :
 تخيل أنه لم توجد فى العالم تلك الأسرة السعودية ووهابيتها وعاش المحمديون فى تطور طبيعى مثلما حدث للغرب بالوصول الى الدولة العلمانية المدنية الديمقراطية . عندها سيتم حقن دماء الملايين ، وسيتم سريعا التحول الديمقراطى فى دول المحمديين  ، وستكون العلاقة سلمية وطيبة بين المحمديين والمسيحيين ، وعلى الأقل لن يكون صعبا الحصول على تأشيرة لدخول أمريكا والغرب ، ولن يكون صعبا على المحمديين الهجرة والعيش فى الغرب ، ولن يكون هناك العنت فى التفتيش فى المطارات الغربية . والأهم من هذا كله لن يكون الاسلام متهما بالارهاب والتخلف والتزمت والتعصب . 
اجمالي القراءات 7819