التكفير فى منهج القرآن هو بالوصف لا للشخص وللإصلاح وليس للفساد

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٨ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

التكفير فى منهج القرآن هو بالوصف لا للشخص وللإصلاح وليس للفساد

أولا :  من الحياة

1 ـ كنت واقفا فى موقف اتوبيس فى القاهرة فى أوائل التسعينيات ، لفت نظرى رجل أشيب ينظر الىّ شذرا فى كراهية ، تعجبت لماذا ينظر لى بهذه الكراهية وأنا لا أعرفه .! ظللت أختلس اليه النظر ، واراه لا يتوقف عن نظراته الحاقدة . طفقت أفتّش فى ذاكرتى عن ملامحه ، ثم تذكرت نفس الوجه لرجل كان يجلس فى صفوف المصلين فى مسجد كنت أخطب فيه على نيل الزمالك ، وكان يتابعنى بنظرات الكراهية . إذن هو نفس الشخص لا يزال يحمل كراهيتى بعد أكثر من خمس سنوات .  تذكرت قول رب العزة جل وعلا لرسوله الكريم :( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)(51 )القلم ). لم تكن هناك عداوة بينه عليه السلام وبينهم . كانوا يصفونه بالصادق الأمين . عندما دعاهم بالقرآن وتلا عليهم القرآن نشبت العداوة وشبّت الخصومة وطفحت منهم الكراهية ، ليس له ولكن للقرآن الكريم . ونفس الموقف مع هذا الرجل الأشيب الذى لا أعرفه . ليست بينى وبينه علاقة أو خصومة ، ولكنه كرهنى وظل يحتفظ بهذه الكراهية ، ليس لشخصى ، بل بسبب القرآن الكريم الذى كنت أتلوه أدمّر به الأبقار المقدسة التى يؤمن بها . تلاوة القرآن ( الذكر ) فضحت هذا الكفر الكامن فى قلبه ، فأرسل من عينيه نظرات الكراهية نحو الذى قرأ القرآن . ومن اسماء القرآن ( الفرقان ) الذى يفرق بين الحق والباطل ، يؤكد الحق ويفضح الباطل .

2 ـ كنت سكرتير قسم التاريخ الاسلامى فى جامعة الأزهر كلية اللغة العربية فى أوائل الثمانينيات ، وبدأت مشروعا جديدا هو عقد ندوات داخل القسم ، يتكلم فيها عضو من الأعضاء ، ويُدعى اليها أساتذة التاريخ من خارج الجامعة وداخلها . وتحدثت مرة ، وكان عن ( العناصر الأساس فى وحدة التدين المصرى فى العصور الفرعونية / القبطية والاسلامية ) ، وعرضت للمشترك بينها ، ومنها تقديس البشر والاعتقاد فى شفاعتهم . وكلما قرأت آية قرآنية أرى الكراهية على وجوه المستمعين من الأساتذة ، ومعظمهم من الأزهريين ،  وتذكرت قول الله جل وعلا : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا )(72)الحج ). ايضا كانوا أصدقاء وزملاء ، وليست بينى وبينهم يومئذ خصومة . الخصومة كانت بينهم وبين القرآن الكريم الذى كنت أتلوه عليهم أحطّم به أبقارهم المقدسة .

3 ــ وبمناسبة قوله جل وعلا فى نفس الآية الكريمة ( يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا )(72) الحج ) أتذكر أننى كنت أخطب فى مسجد أقمناه فى منطقة الصحفيين فى العجوزة بالقاهرة تحت اسم ( الفرقان ) ، إعتاد السنيون الحضور للشغب ،وفى النهاية طردونا منه بتخطيط ( أمن الدولة ) وكان هذا قبيل القبض علينا فى نوفمبر 1987 . حدث أنه بعد أن خطبت الجمعة فوجئت بشاب بلحيته حمراء يصرخ ( الله أكبر) مشيرا نحوى يستعدى زملاءه السنيين للهجوم علىّ . أسرعت وأحطته بذراعى مهددا وبقوة قائلا : عايز إيه ؟ وكان معه بعض الكبار كانوا ينظرون لى فى حقد وكراهية وملامح التحفز على وجوههم ، وبالضبط كما قال جل وعلا ( يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا )(72) الحج ).

4 ــ  صرخات هذا الشاب وهو يهتف بلا وعى ( الله أكبر ) ذكرتنى بقوله جل وعلا لابليس عندما طرده من الملأ الأعلى : (قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (64) الاسراء ) . هذا الشاب كان مأخوذا ، كان تحت سيطرة غير مرئية ، وهو يهتف ( الله أكبر ) ليثير الغوغاء ضدى . طبقا لما أفهمه من الآية الكريمة أنه تمّت برمجته فأصبح يؤمن بالباطل على انه الحق ، وبالحق على أنه باطل ، ويؤمن أن الجهاد هو فى قتل أمثالى تحت شعار ( الله أكبر ) .

هو نفس الحالة المرضية ( من المرض ) للدواعش وهم يقطعون رءوس الأبرياء وهم يغتصبون النساء ، هو نفس الحالة المرضية للغوغاء المصريين السلفيين وهم يجرون الشيخ الشيعى حسن شحاته يسحلونه فى الشوارع وهو يحتضر نازفا الدماء ومعه إثنان من رفاقه ويهتفون ( الله أكبر ). هو نفس الموقف للغوغاء السلفية فى الصعيد وهم يطاردون سيدة قبطية مسكينة ينتهكون حُرمتها ويقومون بتعريتها وهم يهتفون ( الله أكبر ) .

 فى الأحوال العادية الاجرامية فى القتل والاغتصاب لا يقول المجرمون ( الله أكبر ) . ولكننا هنا أمام نوع من ( الاستحواذ الشيطانى ) يقوم فيه القرين الشيطانى بالتحكم فى (قلب / نفس ) السلفى  الوهابى الارهابى ، فيرتكب جريمته مهللا ، وهو يحسب أنه يحسن صنعا ، ويؤكد هذا هاتفا ( الله أكبر ) .!. وبالتالى فلو تلوت عليه القرآن تحطّم به أبقاره الشيطانية المقدسة لديه فإنك تكون قد إستفززت الشيطان المتحكم فيه فيدفعه الى الصراخ داعيا الى قتلك .

5 ــ إمتدت فترة الإضطهاد الأولى  لى فى جامعة الأزهر  ثلاث سنوات : (1977 : 1980 ) كان فيها رفض مناقشة رسالتى للدكتوراه عن أثر التصوف فى مصر فى العصر المملوكى . ثم اتفقنا على حذف ثلثيها . وقتها كان الاتهام الموجه لى هو :( الخروج على المألوف فى الأزهر ) . وفى فترة الاضطهاد الثانية والتى استمرت عامين ( 1985 : 1987 ) وبسبب مناقشة العقائد السنية ، كان الاتهام السائد هو أيضا : ( الخروج على المألوف فى الأزهر ). وفى جلسات المحاكمة لى داخل جامعة الأزهر والتى كان يرؤسها الشيخ محمد سيد طنطاوى ( الذى أصبح شيخ الأزهر فيما بعد ) كان اللوم لى لأننى خرجت على ( المألوف فى الأزهر ). وحدث أن جاء إثنان من الأصدقاء تطوعا للدفاع عنى وقتها لأننى كنت وحيدا بلا نصير فى هذه الجامعة . الصديقان هما د . عبد القادر سيد أحمد ( عميد كلية الصيدلة الأسبق بجامعة القاهرة ) ود محمد البشير ، وهما معا من المثقفين المسلمين ذوى الميول الاصلاحية . ولقد قابلا صاحب أكبر عقلية مستنيرة فى جامعة الأزهر وقتها ، وهو د محمد ابراهيم الفيومى الحاصل على الدكتوراه من ألمانيا . وقالا له : إن " د أحمد صبحى منصور يستشهد فى كل كتبه بالقرآن الكريم ". فوجئا به يقول لهما :"  ما تقولوش قرآن ومش قرآن . الدكتور أحمد تم تعيينه فى الجامعة عشان يقول نفس الكلام اللى بنقوله . ده مألوف الأزهر ، ولازم يلتزم به " .!. هنا نتذكر قوله جل وعلا : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) البقرة ). هم يتبعون ( مألوف ) الأزهر ،وحين إحتكمت الى القرآن فى ( مالوف الأزهر ) كرهوا ما أنزل الله جل وعلا ، وعاقبونى لأنى أثرت هذا التعارض بين مألوف الأزهر والقرآن . وحاولوا جهدهم إثنائى بالترغيب والترهيب حرصا على مكانتهم وخوفا من فضيحتهم وإحراجهم وإظهار جهلهم . ولهذا إستمرت المحاكمة عامين .

6 ـ أثناء هذه المداولات ، قال لى عميد كلية اللغة العربية ( د سعد ظلام ) : ( إشمعنى إنت اللى تقول الكلام ده ؟ ). وقال آخر : ( ده كلام جديد ، عمرنا ما إسمعناه من شيوخنا ..) . هو بالضبط ما قاله الملأ القرشى لخاتم المرسلين عندما تلا عليهم القرآن :  ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) ص  )

7 ـ وأثناء هذه المداولات جاء الى الأزهر أحد المستشرقين ( المرتزقة من السعودية ) والذى زعم دخوله فى الاسلام وتسمى ( عبد الله .. ) ، وأبدى رغبته فى مقابلتى ، فقيل له إننى مجنون ، ونصحه آخر قائلا :" لوجلست معه سيسحرك ". هو نفس الاتهام لخاتم المرسلين ب،ه ساحر ومجنون .

ثانيا :  منهج القرآن الكريم فى التكفير بالوصف لا للشخص

  سبقت الاشارة الى انها ليست قضية شخصية ، بل هى الكراهية والرفض للقرآن الكريم . أو هو بصريح العبارة ( الكفر بالقرآن الكريم ). وهنا ندخل على موضوعنا عن :التكفير  بالوصف لا للشخص . وللقرآن الكريم منهج فى هذا ، نعرضه بإختصار :

1 ـ عدم ذكر أسماء الأشخاص ، والاكتفاء بالوصف (الذين كفروا ، الذين اشركوا ، الكافرون ، المشركون ، الظالمون ، المعتدون ، الفاسقون ، المجرمون ) .. الخ . ونتذكر الآيات السابقة : :( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)(51 )القلم ). ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا )(72)الحج ). فحيثما يوجد الذين كفروا وحين يُتلى عليهم القرآن يتصرفون بنفس الطريقة .

2 ـ ولأنها حالات وصفية فإن الكفر عامل عرضى فى الأغلب وليس لازما ، أى يمكن للشخص أن يكون كافرا ثم يتوب ، أو يكون مؤمنا ثم يكفر ، ثم يؤمن ثم يكفر ثم يزداد كفرا ، ولا أدلّ على ذلك من قوله جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) . يعنى عندما يزداد الكفر ويطغى فلا مجال للهداية .

3 ـ والقرآن ( الفرقان ) هو العامل الحاسم ، يزداد به المؤمن هدى ـ لوشاء الهداية والايمان ، يقول جل وعلا فى صفات المؤمن الحقيقى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً  )  2) الانفال  )، وفى المقابل فإن المصمم على كفره إذا تُلى عليه القرآن إزداد طغيانا وكفرا : (  وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ) (64  ) ( 68 ) المائدة ). وفى المقارنة بين الفريقين يقول جل وعلا : (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)  التوبة  ). وإذا وصل أحدهم الى درجة الحضيض فى الكفر حجب قرينه الشيطانى أنوار الهداية القرآنية من الوصول الى قلبه / نفسه ، فيُريه قرينه الشيطانى الحق باطلا والباطل حقا ، ويحسب نفسه مهتديا ، يقول جل وعلا : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)  الزخرف  ). وفى هذه الحالة فلا مجال لهدايته فقد زيّن له قرينه الشيطانى سوء عمله فرآه حسنا ، يقول جل وعلا : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر ). هنا تُصبح حالة الكفر لديه لازمة .

4 ـ ولأن الكفر حالة قد تطرأ ويمكن أن تزول فإن الله جل وعلا ينبّه على أهمية التوبة ، بوسائل مختلفة ، منها : تقرير الكفر كحالة وموقف سلوكى أو قولى ، يقول جل وعلا : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) 167) آل عمران  ). يعنى حين قالوا هذا كانوا أقرب الى الكفر منهم الى الايمان ، وبالتالى فإن الكفر والايمان محطات يمرُّ بها الشخص فى طريق حياته ، وبالتالى يمكنه أن يتوب لو شاء . ولهذا قال جل وعلا للكافرين : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ  ) (38) فاطر )، أى إن إنتهوا عن إعتداءاتهم السلوكية ومعتقداتهم الوثنية غفر الله جل وعلا ما سلف .  

5 ـ ولأن الكفر حالة وصفية تطرأ على البشر فى كل زمان ومكان الى قيام الساعة فإن الله جل وعلا يؤكد التشابه والتطابق فى الأقوال والأفعال لدى المشركين مع إختلاف الزمان والمكان واللسان . ويأتى هذا بأساليب مختلفة ، منها :

5 / 1 : وضع قواعد تنطبق على البشرية ، فكلهم يتهم دُعاة الحق بالسجر أو الجنون ، يقول جل وعلا : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) الذاريات ) ، وقوله جل وعلا : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ) فالمترفون فى كل مجتمع يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم وهم سلفيون بالانتماء ، يكرهو الحق القرآنى تمسكا بما وجدوا عليه ( سلفهم الصالح ).

5 / 2 : ومنها التأكيد على تشابه قلوب المشركين فى طلب آية حسية، يقول جل وعلا :(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) (118)البقرة ).

 5 / 3 : وأن  ما يُقال للرسل جميعا من وحى الاهى هو نفسه الذى قيل لخاتم المرسلين فى القرآن الكريم ، وما يُقال له من تكذيب ، هو ايضا ما قيل من قبل للرسل السابقين ، يقول جل وعلا : ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) فصلت ).

5 / 4 : وبرغم إختلاف الأمم السابقة فى الزمان والمكان واللسان فإن الله جل وعلا يقول عنهم بأسلوب واحد أنهم قالوا للناس كذا فقال لهم الذين كفروا كذا ، يقول جل وعلا : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا )(13) ابراهيم  ).

5 / 5 : والعُصاة من بنى إسرائيل والذين كذبوا بالقرآن كانوا فى نفس حالة وأوصاف وأفعال أسلافهم العصاة المكذبين بما أنزل الله جل وعلا فى التوراة وغيرها . ولذا فإن رب العزة فى خطابه لهم يجعلهم فى نفس الموقع مع أسلافهم العصاة ، يقول جل وعلا : (  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) البقرة  ). بنو اسرائيل المعاصرون لنزول القرآن المكذبون به لم يكونوا هم الذين قتلوا أنبياء الله ، ولم يكونوا فى عصر الذين إتخذوا العجل . ولكن لأنهم ساروا على سُنّة السابقين المكذبين خوطبوا مثلهم .  ومن ذلك قوله جل وعلا فى الرد عليهم : ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)  آل عمران  ).

5 / 6 : وفى النهاية ويوم القيامة سيقال لهم جميعا : ( وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) ابراهيم ). والتعبير ب (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) غاية الروعة فى الاعجاز والايجاز ، أى هو التطابق العقلى والسلوكى  فى حالات الكفر بالقول وبالفعل .

5 / 7 : وعن الذين يفترون على الله جل وعلا كذبا ويفترون عليه أحاديث ، يتكرر تأكيد رب العزة على أنهم أظلم البشر . ونضطر الى الاستشهاد ببعض الآيات الكريمة حُجّة على المحمديين ، يقول جل وعلا : (  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)  ) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)  ) الانعام   )

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)  الاعراف )

  ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس )  

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت  )

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر )

اخيرا : التكفير بالوصف هو سبيل الاصلاح  للأحياء  : 

1 ـ  ينطبق على أئمة المحمديين الوصف الذى جاء فى قوله جل وعلا ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس )  وفى غيرها من الآيات الكريمة المماثلة.

2 ـ ولا يقولنّ قائل أننا بهذا نكفر اشخاص البخارى وابن حنبل والشافعى ومالك ومسلم وابن تيمية والغزالى وابن عبد الوهاب . نحن لم نقابل هؤلاء الأشخاص و لا نعرفهم ولا شأن لنا بهم ( نحن مثلا لا نعرف حقيقة ابن برزويه المجوسى الأصل المشهور بلقب البخارى نسبة لبلده : بخارى فى أوزبكستان الحالية ) نحن لا نتعامل مع هذه الشخصيات . نحن نتعامل مع كتبهم . لا نتعامل مع البخارى الشخص ، ولكن مع كتاب البخارى . وكذلك لا نتعامل مع الشافعى الشخص الذى يُقال أنه أملى كتابه ( الأم ) على تلميذه الربيع ، ولكن نتعامل فقط مع كتاب ( الأم ). ولا نتعامل مع مالك ، ولكن مع الكتاب المنسوب الى مالك فى النسخة التى رواها عنه فلان ، وهناك عشرات النسخ المختلفة لعشرات الرواة كل منهم له ( موطأ ) خاص به يزعم أنه مروى عن مالك . لا يهمنا مالك ، بل تلك الكتب . كل تلك الكتب تحتوى إفتراءات على الله جل وعلا ورسوله ، ومفروض على العلماء الراسخين فى العلم الدفاع عن دين رب العزة من هذا الظلم ، أبشع أنواع الظلم الذى إفتراه أولئك المجرمون .

3 ـ هذا فى الكفر القلبى العقيدى . ونفس الحال فى الكفر السلوكى . صحابة الفتوحات ارتكبوا جريمة الفتوحات وجعلوها إسلاما ، وسجل التاريخ أسماءهم . هم شخصيات تاريخية غير مذكورة بالاسم فى القرآن الكريم ، وإن كان التدبر القرآنى يرى ملامحهم فى الحديث عن المنافقين من الصحابة والذين فى قلوبهم مرض والذين مردوا على النفاق . نحن نعلم عنهم من خلال المكتوب عنهم فى التاريخ . وهذا التاريخ ليس جزءامن الايمان ، هو جزء من العلم البشرى له المتخصصون فى بحثه ، ونحن أهل لهذا البحث . ونبحثهم كشخصيات تاريخية وبمنهج البحث التاريخى ، ولأنهم نسبوا فتوحاتهم الى الاسلام ، ولأن من يقدسهم يجعلهم رموزا للاسلام فيجب أن نبحث هذا قرآنيا . والبحث فيهم تاريخيا وقرآنيا يؤكد انهم أعدى أعداء الاسلام ، وأول من قام بتشويه الاسلام . نكتب بالأدلة القرآنية والتاريخية من المصادر المتاحة للجميع .

4 ـ  ونحن حين نفعل هذا فهو لاصلاح الأحياء فى عصرنا ، أملا أن تتضح الصورة أمام الغافل فينتبه ، وأملا فى أن يرعوى الضال فيهتدى . ثم فى النهاية فنحن نعرض رأيا ولا نفرضه على أحد ، وننتظر يوم الفصل ليحكم بيننا ربنا فيما نحن فيه مختلفون .

 نحن بهذا نختلف عن التكفير لدى السنيين ، فالتكفير عندهم هو للقتل والفساد فى الأرض ، وليس لاصلاحها . 

اجمالي القراءات 11494