نقد محاورة مينون

رضا البطاوى البطاوى في الثلاثاء ١٣ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد محاورة مينون

المحاورة هى من تأليف إفلاطون وهو تلميذ سقراط ومعظم محاورات إفلاطون الشخص الرئيسى فيها هو سقراط والرجل يبث ما يؤمن به على لسان سقراط محاورة مينون مع سقراط عن الفضيلة محاورة الغرض منها الوصول لمعنى الفضيلة وهل يتم تعلمها أم لا وقد قام سقراط فى المحاورة باستدراج مينون فى الحوار حتى يأتى بما عنده من معرفة فى الموضوع وصار يبين له الأخطاء فيما يعرف واحدا واحدا حتى وصل به فى النهاية للمعرفة السقراطية الصحيحة وفى سبيل ذلك أدخل فى الحوار فتى أى عبد لمينون ليوضح له ما يريد من خلال شرح للون والشكل دخل به فى علم الهندسة فى البداية بين سقراط لأمينون أنه لا أحد يعرف معنى حقيقة الفضيلة فيمن قابلهم من الناس وهذا هو النص:

"مينون: لا أنا لا أعتقد هذا ولكن أنت نفسك يا سقراط هل لا تعرف حقا ماهى الفضيلة وهل هذا ما سنعلنه عنك عندنا؟ سقراط": ليس هذا فقد أيها الصاحب بل إنه لم يحدث لى أن قابلت أحدا يعرفها بحسب ما بدا لى "ص72 وبعد هذا استدرج سقراط مينون لتعريف للفضيلة ففرق بين فضيلة الرجل وفضيلة المرأة والطفل والشيخ والحر والعبد وانتهى من مناقشة تلك التعاريف إلى أن الرجل والمرأة يحتاجان لشىء مشترك هو العدالة والحكمة :

" سقراط إذا فكلا الاثنين أى الرجل والمرأة بحاجة إلى نفس الأشياء إذا كانا يريدان أن يكون فاضلين أى يحتاجان إلى العدالة والحكمة ؟ص79 وانتهى سقراط إلى مقولة أن ليس هناك من يريد الأشياء السيئة وهى مقولة خاطئة فهناك من يريد الأشياء السيئة ولكنه يحسنه لنفسه كما قال تعالى بسورة محمد" كمن زين له سوء عمله "

ومقولته هى: " سقراط وهكذا يا مينون فليس هناك من يريد الأشياء السيئة ما دام لا يريد لنفسه أن يكون هكذا والحق هل البؤس شىء أخر إلا الرغبة فى الأشياء السيئة وحيازتها ؟"ص94 وفى إطار تشكيك مينون فى معرفته بين له سقراط إضافة فكرة الحيازة لأفكار العدل والتقوى فقال "سقراط: فيجب إذن بحسب ما يظهر أن تضاف إلى فكرة الحيازة فكرة العدالة أو الاعتدال أو التقوى أو غير ذلك من أجزاء الفضيلة فبغير ذلك لن تصير تلك الحيازة فضيلة رغم أنها تؤدى إلى الحصول على خيرات "ص97 ومن هنا صارت معرفة مينون هباء فقد هدمها سقراط كلها ومن ثم بين له أنه يشبه الجاهل بعد أن كان عارفا ولكنه سيبحث معه المسألة لحين الوصول للحقيقة فقال :

"وكذلك الحال الآن بشأن الفضيلة فأنا لا أعرف فيما يخصنى ما هى الفضيلة أما أنت فربما كنت تعرفها قبل أن تلمسنى رغم هذا فما أشبهك الآن بمن لا يعرفها ومع ذلك فإننى أرغب فى أن فحص الأمر معك وان نبحث معا ماذا يكن أن تكون طبيعة الفضيلة "ص103 ويبين سقراط لمينون أن كل النفوس تعلم ما هى الفضيلة نتيجة عيشها عدة مرات وهبوطها لهاديس وهو عالم الموتى ومن ثم فهى تذكر تلك المعرفة فى قوله:

"سقراط وهكذا باعتبار أن النفس خالدة وأنها تولد مرات عديدة وأنها قد رأت كل شىء سواء هنا أو فى هاديس فإنه ليس هناك أمر لم تتعلمه وعلى هذا ليس مدعاة للدهشة سواء بخصوص الفضيلة أو بخصوص أى أمر أخر أن يكون فى مكنتها أن تذكر نفسها بما سبق لها وعرفت بالفعل "ص106 هذه المقولة تتضمن قولتى التقمص ومعرفة الحق من الباطل وهى الفضيلة من الرذيلة نتيجة تلك الحيوات والى نزلت بها لهاديس حيث عالم عقاب الموتى وهو يخالف الإسلام فالتقمص باطل للتالى :

أ‌- قوله تعالى بسورة الإسراء "ولا تزر وازرة وزر أخرى "يعنى أن الوازرة وهى النفس لا تتحمل عقاب غيرها وهذا يعنى أن النفوس ليست واحدة لأنها لو كانت واحدة ما اختلف جزاء كل واحد منها .

ب‌- قوله بسورة المدثر "كل نفس بما كسبت رهينة "وقوله بسورة غافر "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت "فهنا كل نفس تحاسب على عملها ولو كانت النفوس واحدة أو حتى مجموعة من النفوس لما صح حسابها .

ت‌- قوله بسورة مريم "لم نجعل له من قبل سميا "فهذا يعنى أن يحيى (ص)لم يكن فى يوم من الأيام قبل ولادته إنسان أخر كما زعم أهل التقمص . ث‌- قوله بسورة القصص "وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "فهذا يعنى أن محمد(ص)لم يكن فى زمن موسى (ص).

ج‌- قوله بسورة آل عمران "وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون "وهذا يعنى أن محمد(ص) لم يكن فى زمن مريم (ص)وعيسى (ص) لأنه لم يعش فى ذلك العصر .

ح‌- أن الإنسان يموت مرتين واحدة فى دنيانا هذه وواحدة عند قيام القيامة بعد حياة البرزخ ويحيا حياتين قبل يوم القيامة واحدة فى دنيانا هذه والأخرى فى البرزخ وقد اعترف بهذا الكفار فقالوا فى يوم القيامة بسورة غافر "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين "وهذا دليل على عدم وجود تقمص لأنه يحتاج لموت كثير المرات وحياة كثيرة المرات .

خ‌- أن بفرض وجود التقمص فمعناه هو أن كل النفوس هى نفس واحدة هى نفس الإنسان الأول آدم (ص)فكيف توجد نفس واحدة فى وقت واحد فى كل هذه الأجسام على مر العصور ؟زد على هذا كيف تكون النفس الأولى وهى نفس ذكر هى نفوس النساء الموجودات على مر العصور أليس هذا جنونا ؟

د‌- بفرض وجود التقمص وبما أن آدم (ص)هو الإنسان الأول فالسؤال الواجب طرحه هو قبل دخول النفس فى آدم (ص) فى أى كائن أخر كانت موجودة ثم تقمصت جسد أدم (ص)؟بالطبع لا جواب . لو ظللنا نفترض لوصلنا أن نهاية التقمص هى أن الله نفسه حلت فى الأجساد الموجود فى الكون باعتباره النفس الأولى وهذا هو الجنون عينه .

وأما معرفة الفضيلة من الرذيلة فهى نتيجة بلاغ من الناس لرسالة الله سواء كان المبلغ رسول أو غيره وواصل سقراط تشكيك مينون فى معارفه من خلال تعريفه للتذكر وأنه كل معلومات الإنسان كلها كامنة فى النفس "سقراط ولكن استخراج المرء العلم من ذاته أليس هو التذكر ؟ مينون بالطبع سقراط إذن فالعلم الذى يحوزه الآن إما أنه حصل عليه فى لحظة ما أو انه كان يحوزه دائما؟"ص120

ونظرية التذكر حيث المعلومات كامنة فى النفس هى نظرية خاطئة تخالف ولادة الإنسان ورقة بيضاء أى لا يعلم أى شىء كما قال تعالى بسورة النحل " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا "

وقد دلل سقراط على كلامه فى التذكر بمحاورة فتى مينون فى مسألة هندسية كان الفتى نتيجة معرفته السابقة قد فهم أولها ولم يفهم بقيتها إلا من خلال إرشادات سقراط له فاعتبر سقراط الفهم تذكرا وهو أمر مخالف له فهو حفز الفتى على التفكير ففهم وحلها ليس نتيجة معرفة كامنة ولكنه نتيجة تفكير فيما قال له سقراط وظل سقراط فى فروض فروضه فاعتبر الخير وهو الفضيلة علم وبناء على نظرية التذكر فالفضيلة علم معروف كعلم الفتى بأول المسألة أو تخمين صحيح كما فى حله لأخر المسألة وكلاهما عنده علم فى قوله :

"سقراط إن كان هناك نوع من الخير وكان منفصلا تماما عن العلم عند ذلك قد يحدث أن تكون الفضيلة نوعا من العلم أما إذا لم يكن هناك خير لا يستوعبه العلم عند ذلك يكون تخمينا صحيحا عندما نخمن أن الفضيلة علم "ص126 ومن خلال الحوار أخذ سقراط مينون لنظرية أخرى وهى الاستخدام عندما يكون حسن أو ضار فقال :

"سقراط والآن فانظر إلى المبدأ الذى يسير كل شىء من هذه الأشياء حينما تكون مفيدة لنا والمبدأ الذى يسيرها حينما تكون مضرة ألا تكون مفيدة إنما نحسن استخدامها ومضرة حينما لا نحسن استخدامها ؟ص127 وخلص من ذكر تلك النظرية إلى أن النفس تكون حسنة عندما تستخدم العقل كقائد لها وتكون قبيحة عندما سلم قيادها لغير العقل وهو قوله : "سقراط إذن بصفة عامة إن كل ما تقوم به النفس وتصبر عليه وهى تحت قيادة العقل ينتهى بها إلى سعادة أما حينما لا تكون تحت قيادة العقل فإنه ينتهى بها إلى ضد ذلك" وتلك النظرية خاطئة فالعقل لا يستطيع قيادة النفس وحده دون أن يكون معتمدا على الوحى الإلهى فالعقل مهما كان هناك أمور لا يقدر على الوصول لها من الحق دون وجود الوحى مثل عقوبات الجرائم ومثل وجود الجن والملائكة والغيبيات

وخلص سقراط من كلامه إلى أن الفضيلة نوع من العقل ما دامت مفيدة وهو ما ناقض تعريفها كونها علم فى السابق فى قوله :

"سقراط وهكذا فإذا كانت الفضيلة شيئا من الأشياء الموجودة فى النفس وكانت بالضرورة شيئا مفيدا لابد أن تكون ذكاء وذلك حيث أن كل شىء أخرى النفس فى ذاته وبذاته لا و بالمفيد لا هو بالمضر بل يصير مضرة أو مفيدا حينما يكون هناك الذكاء أو يكون هناك الجنون وبحسب هذا البرهان فإن الفضيلة ما دامت مفيدة لابد أن تكون نوعا من العقل ص128 وبعد أن عرفها تلك التعاريف عاد فعرفها بأن الفضيلة عقل فقال " سقراط فنقول إذن أن الفضيلة عقل سواء كانت كل العقل أو جزء منه ص129

ومن خلال تلك المناقشات ناقض سقراط نفسه وشكك مينون فى تعريفه وفى النهاية لا يوجد تعريف الفضيلة وهو أمر يتفق مع الديانة الوثنية فرغم وجود تحريم للزنى فى تلك الديانة فزنى الآلهة المزعومة مع الناس ومع غيرهم ليس زنى وإنما هو أمر مباح والسرقة حرام ولكن مباحة للأرباب فى الأولمب وغيره ومن ثم فكيف يتم تعريف الفضيلة فى مجتمع يبيح ويحرم نفس الشىء ؟

والفضيلة فى الإسلام هى أحكام الإسلام التى يجب أن تنفذ والمنهيات التى يجب عدم تنفيذها وهى ما يسمى الحق ورد على سؤال مينون فى البداية هل الفضيلة يتم تعلمها أم لا فقد أوضح سقراط أن الظاهر أنها أى الفضيلة لا يتم تعلمها فى قوله :

"وذلك إذا لم يكن عنده هو نفسه وقت فراغ بسبب مشاغل الدولة ولكن يا عزيزى أنيتوس لا يبدو فى الحق أن الفضيلة يمكن أن تعلم"ص143

وانتهى سقراط إلى أن الفضيلة لا تأتى لا بالطبيعة ولا بالتعليم وإنما نصيب إلهى يلقى من غير العقل إلى من يلقى لهم وهو قوله : "سقراط :...فإنه ينتج أن الفضيلة لا تأتى لا بالطبيعة ولا بالتعليم وإنما نصيب إلهى يلقى من غير العقل إلى من يلقى لهم "ص157

وقد صدق سقراط هنا فى كون الفضيلة نصيب إلهى يلقى لمن يلقى لهم وهم عندنا الرسل (ص) الذين يبلغون الفضيلة للناس والناس أحرار " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "

وفى المحاورة ينفى سقراط كون العلم قائد يعمل على نحو صحيح دوما بقوله: "ان العلم ليس وحده هو القائد للناس فى سبيل أن يقوموا بأمورهم على نحو صحيح وطيب" ص148 وهو كلام يناقض الإسلام فالعلم بمعنى الإسلام أو وحى الله قائد لا يمكن أن يخطىء والمخطىء هو الإنسان عندما يترك طاعة الوحى كله أو جزء منه ونجد سقراط فى قوله :

"سقراط:إذن فسنكون على حق عندما نطلق صفة الالهيين على هؤلاء الذين نتحدث عنهم الآن من المنجمين المتنبئين كل من يقومون بإنتاج شىء ولن يقل صحة عن ذلك قولنا أن رجال السياسة أنهم إلهيون وأنهم موحى لهم حيث أنهم فضل النفس الذى تلقيه فيهم الآلهة التى تسكنهم هم ينجحون عن طريق استخدام الكلمة فى الكثير والعظيم من الأمور وذلك بدون أن يكونوا عارفين بما يقولون "ص156 رجل مجنون فالآلهة تسكن السياسيين والمنجمين المتنبئين ومع هذا توحى لهم فكيف يكون الوحى من الخارج والآلهة داخلهم؟

ويصف الرجل هؤلاء وأولئك أنهم جهلة بما تقول الآلهة المزعومة فهل الآلهة جاهلة ؟ "سقراط سأقول لك لقد سمعت رجالا نساء حكماء متبرعين فى الأمور الإلهية "ص104 " سقراط فلندعه هو الآن إذن وشأنه خاصة وأنه ليس معنا أما أنت نفسك بحق الآلهة يا مينون لماذا "ص73

ونلاحظ اعتراف سقراط المتعدد فى المحاورة بتعدد الآلهة رغم اعتراف فى أولها بالله وهو كلام يدلنا على أن الفلاسفة حسب تلك الكتب هم مجموعة من المخرفين فى جوانب والعاقلين فى جوانب وهو ما يدلنا على أن كثير مما نسب إليهم هو تحريف لقصص حياتهم الحقيقية فبعضهم قد يكون من رسل الله وبعضهم قد كون من مفكرى المسلمين

اجمالي القراءات 19905