البكاءُون على ثورة 25 يناير

شادي طلعت في الأحد ٢٠ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

لقد فرضت ثورة 25 يناير نفسها، على التاريخ العالمي وليس المحلي فحسب، فهي طبقاً للمعايير العلمية، ثورة بكل المقاييس، وقد ضمتها كتب التاريخ العالمية لتكون الثورة رقم 11 أي آخر الثورات عبر التاريخ، وكما تقول بعض الأمثال، "إن الثورات يضع لبنتها المفكرون، وينفذها الشجعان، ويستفيد منها المنافقون" ويبدو أن هذا ما حدث مع ثورة 25 يناير، فقد وضع لبنتها المفكرون على مدار عدة عقود، ومنهم من توفاه الله، ولم يشهد قيامها، وقام بها شباب مصر المخلص، الذي لم يكن يبحث عن مصلحة خاصة، ولم يبالي أبناء مصر بمن تساقط منهم قتلى كانوا أو جرحى، فقد كان شعار "حب الوطن" ينبع من قلوب صادقة، آمنت بأنه الحياة رسالة، فأخلصوا وإجتهدوا في تحرير وطنهم، من براثن الإستعمار الداخلي.
 
لم يفكر الشجعان من أبناء الوطن، في المستقبل بقدر ما كانوا يفكرون في الإنتقام من رموز نظام مبارك، وهنا كان الخطأ الأكبر، فلم تنجح الثورة لعدة أسباب كان أولها الإصرار على الإنتقام، فضاعت طاقاتهم هباءاً، في صراع مع رموز نظام ما قبل ثورة يناير.
 
ثم كان الخطأ الثاني، حيث ترك الشجعان السياسة، وتفرغوا للعمل الثوري، غير مدركين أن الحالة الثورية سيأتي عليها وقت وتنتهي، ثم جاء الخطأ الثالث، وهو الإنقسام فيما بين الثوار، فقد كانت ثورة يناير، تمتاز بألوان طيف متعددة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ثم كان الخطأ الرابع بأن هبط على كل لون من ألوان الطيف، أصحاب المصالح الشخصية، فإغتنى من إغتنى، على حساب جثث ضحايا الثورة، وعلا في المناصب من علا، على حساب ضحايا الثورة أيضاً، من قتلى وجرحى.
 
وإتخذت جماعة الإخوان المسلمين، جانباً آخر، فكان خيارها مساندة المجلس العسكري، ودعمه بكل ما أتاها الله من قوة، وتركت الثورة والثوار في ميدان التحرير، وقامت بعقد الصفقات، الداخلية والخارجية، غير عابئة بالتاريخ القريب عام 1954م، والنتائج التي ترتبت عليه فيما بعد، فقد قرر الجيش وقتها، إنهاء الجماعة، وهو ما حدث، حتى جاء الرئيس/ السادات، رحمة الله عليه، ليعيدهم للحياة مرة أخرى.
 
راهنت جماعة الإخوان على الوصول لمقاليد السلطة، في الوقت الذي كانت قاعدتها في الدولة من أقوى ما يكون، غير مدركة أن السلطة نار في الثورات، من يقترب منها يحترق، وغير عابئة بنصائح الثوار بأن لا يستأثروا بالسلطة، لكن طمعهم أعمى عيونهم عن قراءة المشهد السياسي.
 
تتابعت الأحداث، بموجة ثورية أخرى، لكنها كانت على حكم جماعة الإخوان المسلمين، في اللحظة التي أعلن فيها الرئيس/ محمد مرسي، إعلانه الدستوري يوم 21 نوفمبر 2012م، تلك كانت لحظة بداية الموجة الثورية الثانية، يوم 30 يونيو 2013م، والتي لعب فيها الجيش، دوراً هاماً لا يمكن أن يمر مرور الكرام، فإنضم الثوار إلى الجيش، وقالوا عنها ثورة، وإنزوى الإخوان منفردين قائلين أنها إنقلاب.
 
وها نحن اليوم، وبعد وصول وزير الدفاع/ عبدالفتاح السيسي، إلى سدة حكم مصر، نجد بعض من الثوار يغيرون رؤيتهم لثورة 30 يونيو، لتكون إنقلاباً، تغيير لم يأتي من فراغ، ووصل الحال بالجميع الآن إلى البكاء على ثورة 25 يناير، الجميع يبكي، لكنهم لا يدركون سبب فشل الثورة.
 
لقد كان لثورة 25 يناير، نقطة فارقة في مسارها، تلك النقطة كانت إصرار جماعة الإخوان المسلمين، على الوصول إلى السلطة، وتقديمهم مرشحاً لرئاسة الدولة، فكانت الخطيئة الكبرى، التي أخذت بالثورة لتؤخر من مسيرتها، ولكن هل حقاً توقفت مسيرة ثورة 25 يناير.
 
الحقيقة أن الثورة لم تمت، ولا نستطيع أن نقول عنها أنها ثورة، إلا بعد مرور عشر سنوات على الأقل، إلا أننا نسميها ثورة مجازاً، إن مسيرة الثورة لا زالت مستمرة ولن تنتهي الآن، فنهايتها تكون بموت كل من شاركوا فيها، وهذا أمر لن يتحقق إلا بمرور عقود من السنين.
 
في النهاية سؤال لكل من بكى على ثورة 25 يناير، هل لو عاد الزمان، أو أتت موجة ثورية أخرى، هل ستكررون أخطاء الماضي أم ستتجنبوها، بيد أن الخيار الثاني يتطلب صفاء مع النفس أولاً، يتطلب إعلاء للمصلحة العامة، يتطلب نكراناً للذات، إن إستطاع أبناء الوطن تحقيق المطالب الثلاثة، فإعلموا أن ثورتكم ستنجح، وحينها سيتوقف البكاء، لتحل محله إبتسامات صافية نقية.
 
وعلى الله قصد السبيل
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 9975