عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف7: 9 )الفقه وأصول الفقه

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٤ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

  تابع البابالسادس في ثقافة العمران في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه  ومايعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مقدمة ولواحق

                                              الفصل السابع

                                    في علم الفقه والفرائض

     ما هو الفقه     

                                                                                                   الفقه هو معرفة أحكام الله تعالى في تصرفات الناس المكلفين بالفرائض ، وذلك بأن تكون الأحكام واجبة أو محرمة أو مندوبة أو مكروهة . وتؤخذ الأحكام من الكتاب والسنة فإذا استخرجت الأحكام من الأدلة قيل أنه الفقه .

سبب الإختلاف الفقهي

  ويؤمن ابن خلدون بمقولة " أن القرآن حمّال أوجه " ، ومن خلالها يعلل إختلاف السلف في فهم النصوص والإستدلال بها لأن اللفظ القرآني يقتضي  معاني كثيرة ، ولاختلاف السنة في طرق الثبوت وتعارض أحكامها مما يحتاج إلى ترجيح حكم على آخر ، ثم إن الوقائع متجددة أكبر من طاقة النصوص مما يستدعي الخلاف . ووقع الخلاف بين السلف والأئمة .

أنواع العلماء وتسمياتهم

    ولم يكن الصحابة كلهم أهل إفتاء ، بل كان منهم القراء أي من يقرأ الكتاب ، وهم الذين يعرفون الكتاب بما فيه من ناسخ ومنسوخ وغيره . ثم أطلق لقب الفقهاء والعلماء بديلا عن القراء عندما استكمل العلم وتحول إلى صناعة .

المذاهب الفقهية

وانقسم الفقه حسب المنهج إلى :

1- طريقة أهل الرأي والقياس ، وهم أهل العراق ، حيث كان الحديث قليلا في العراق فاستكثروا من القياس ، وإمامهم أبو حنيفة .

2- طريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز ، وإمامهم مالك والشافعي من بعده .

3- الظاهرية : أنكروا القياس وحصروا عملهم في ظاهر النص والإجماع ، وتزعم ذلك المذهب داود بن على وإبنه .

4- الفقه الشيعي القائم على ذم بعض الصحابة وعصمة الأئمة من ذرية علي .

5- الخوارج، وقد أنكر الجمهور مذهبهم ، فلم ينتشر إلا في مواطنهم .

رأي إبن خلدون في المذاهب الفقهية

    ويستنكر إبن خلدون الفقه الشيعي والفقه الخارجي (نسبه للخوارج) وقال إن الفقه الظاهري قد انتهى في العراق ، ثم أحياه إبن حزم في المغرب والأندلس فتعرض للإستهجان مع إمامته في الحديث والفقه ، ومع أنه خالف داود الظاهري في أمور كثيرة . ولم يبق إلا مذهب أهل الرأي ( أبوحنيفة ) وأهل الحديث ( الشافعي ومالك وابن حنبل).

   واستقر مذهب أبي حنيفة في العراق ، وقد شهد لأبي حنيفة مالك والشافعي ، وكان مالك إمام المدينة ثم الشافعي ، ثم إبن حنبل . واختص مالك بجعل عمل أهل المدينة ضمن مصادر التشريع لأنه اعتبر أهل المدينة قد تابعوا ما كان عليه النبي وأصحابه .واعتبر بعضهم أن عمل أهل المدينة من ضمن الإجماع ، ويرى إبن خلدون أن الإجماع عام لايخص أهل المدينة وحدهم ، والإجماع هو الإتفاق على أمر ديني عن طريق الإجتهاد ، وبهذا المعنى فإن مالكا لم يعتبر عمل أهل المدينة ضمن الإجماع وإنما اعتبره إتباعا من جيل لاحق لجيل سابق إلى أن ينتهي للنبي عليه السلام وعصره ، والإقتداء بذلك يعم الملة .

    وجاء الشافعي بعد مالك ، وقد رحل من الحجاز إلى العراق فأخذ عن أصحاب أبي حنيفة ومزج بين طريقتي أهل الحجاز وأهل العراق وخالف مالكا وجاء بمذهب جديد . ثم جاء أحمد إبن حنبل وكان من علماء الحديث وتفقه أصحابه على مذهب أبي حنيفة مع علمهم بالحديث .

أسباب شيوع التقليد

    وبعد عصر الإزدهار جاء عصر التقليد ، ويرى إبن خلدون أن أسباب شيوع التقليد هي سد أبواب الخلاف حيث تشعبت الإصطلاحات مما أعاق الوصول إلى مرتبة الإجتهاد وخافوا أن يسند العلم إلى غير أهله فردوا الناس إلى التقليد ، وعمل كل مقلد بمذهبه بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية .

التقليد في عهد إبن خلدون وتوزع المذاهب في المنطقة

    ويرى إبن خلدون أن من يدعي الإجتهاد في عصره يستحق الهجران والإنكار حيث عم تقليد الأئمة الأربعة .وابن حنبل أتباعه قليلون لابتعاده عن الإجتهاد وأكثرهم في الشام والعراق حول بغداد . وينتشر مذهب أبي حنيفة في العراق والهند والصين وما وراء النهر وفارس بسبب الخلافة العباسية ورعايتها للمذهب الحنفي ، وانتشر مذهب  الشافعي في مصر ، حيث نزل الشافعي على بني عبدالحكم في مصر وأخذ عنه العلم جماعة من كبار العرب المصريين . ثم انقرض الفقه السني في مصر بقيام الدولة الفاطمية حيث حل فيها الفقه الشيعي ، ثم عاد الفقه السني  بدولة صلاح الدين الأيوبي ، فظهر النووي وإبن عبدالسلام وإبن الرقعه وإبن دقيق العيد والسبكي وانتهى العلم إلى سراج الدين البلقيني في عصر إبن خلدون . 

إنتشار مذهب مالك في المغرب والأندلس

    وانتشر مذهب مالك في شمال أفريقيا والأندلس لسببين ، الأول : إن رحلة مسلمي المغرب وأفريقيا والأندلس غايتها الحجاز ولا تمر على العراق فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة ومذهب مالك ، والثاني : تشابه ظروف الحجاز البدوية مع ظروف البدو في شمال أفريقيا .

التحول من الإجتهاد المطلق إلى الإجتهاد المقيد الفقهي

    بتعذر الإجتهاد والقياس ورسوخ التقليد للأئمة احتاجوا إلى تنظير المسائل المطروحة تبعا لما قاله الإمام ، وسمى هذا التنظير " الفقه " الذي اقترن بالتقليد ، وقلد أهل المغرب الإمام مالك ، وكان تلامذة مالك قد تفرقوا في العراق ومصر ، ومن مصر انتقل إلى الأندلس عن طريق عبدالملك بن حبيب الأندلسي صاحب كتاب " الواضحة" ،  ثم كتب تلميذه العتبي كتاب " العتبية ".

دور إبن القاسم المصري في تعليم المغاربة الفقه المالكي

    وجدير بالذكر أن إبن القاسم في مصر الذي كان أستاذا للفقه المالكي أخذ عنه عبدالملك بن حبيب ، ثم أخذ عنه أيضا أسد بن الفرات ، وكتب أسد بن الفرات كتابه  " الأسدية " وأخذ سحنون أيضا على إبن القاسم ، وعارض سحنون كتاب الأسدية ،ووافقه أستاذه إبن القاسم ، فاتبع الناس " مدونة " سحنون وأهملوا " أسدية " أسد بن الفرات . وعكف أهل المغرب ، على مدونة سحنون كما عكف أهل الأندلس على " واضحة " إبن حبيب " وعتبية " العتبي . ثم قام العلماء اللاحقون بشرح تلك الكتب وتلخيصها حسبما شاع في عصور التقليد والجمود .

مذهب مالك في مصر

    وبقى مذهب مالك في مصر يتزعمه إبن مسكين وإبن المبشر وإبن اللهيث وإبن الرشيق ، وتزعمه في الإسكندرية بنو عوف وبنو سند ،ولكن اشتهر أبو عمرو إبن الحاجب ، وهو الذي انتقل علمه من مصر إلى شمال أفريقيا في أواخر القرن السابع ، إذ تركز في  تونس والقيروان وانتقل منها إلى باقي أقطار المغرب .

                                             الفصل الثامن

                                      في علم الفرائض والميراث

    هو معرفة فروض الميراث وتوزيع التركة على مستحقيها . أو حين يحدث اختلاف بين المستحقين ، ويحتاج ذلك التقسيم إلى الحساب ، لذلك أصبح علما خاصا بمؤلفاته ، واشتهر في هذا المجال الشافعية والحنفية والحنابلة ، وقد بالغوا في استخراج المسائل وافتراض الحالات ، ومع ذلك فهو مفيد للتدريب العقلي .

ويرى إبن خلدون أن تسمية هذا العلم بالفرائض إنما هو إصطلاح ناشئ للفقهاء عندما استحدثوا المصطلحات الفقهية .

                                      الفصل التاسع

                     أصول الفقه وما يتعلق به من الجدل والخلافيات

معـــــــــــــناه

    النظر في الأدلة الشرعية ( القرآن ، السنة ، الإجماع ، القياس ) التي تؤخذ منها الأحكام . والأدلة الشرعية في مفهوم إبن خلدون هي مصادر التشريع. وهى :

القـــــــــــــــرآن

    والقرآن هو أول الأدلة الشرعية . ودليله المعجزة القاطعة في متنه ونصوصه والتواتر في نقله بحيث لم يبق فيه مجال للإحتمال.

الســــــــــــــنة

   هى التي تبين القرآن ، ففي عهد النبي كان يبين الأحكام بقوله وفعله بخطاب شفهي لايحتاج إلى نقل أو نظر أو قياس ، وبعد النبي تعذر الخطاب الشفوي وأجمع الصحابة على وجوب العمل بما يصل من السنة بالنقل الصحيح قولا أو فعلا للنبي بما يغلب على الظن صدقه .

قواعد النظر في السنة

   والمنقول من السنة محتاج إلى (1) تصحيح الحديث أو الخبر عن طريق البحث في طرق النقل وعدالة الرواة ،(2) وعند تعارض الحديثين ، طلب المتقدم منهما ومعرفة الناسخ والمنسوخ ، (3) ومعرفة دلالة الألفاظ بالمهارة في النحو والصرف والبلاغة ، (4) والمهارة في استفادة واستخلاص الأحكام من الأدلة ، أو المهارة الفقهية طبقا لقوانين وقواعد خاصة مثل أن اللغة لا تثبت قياسا ، والأمر قد يكون للوجوب أو الندب أو التراخي أو التنفيذ الفوري .

الإجمـــــــاع

     وجعلوا الإجماع في منزلة الكتاب والسنة ، حيث أجمع الصحابة على استنكار  من يخالفهم ، وهم لايتفقون من غير دليل ، بالإضافة إلى شهادة الأدلة بعصمة الجماعة .

القيــــــــاس

    هو قياس الأشياء الشبيهة بما يشبهها ، ومناظرة المثال بما يماثلها بشروط المساواة حتى يغلب على الظن أن حكم الله واحد فيهما . وأجمع الصحابة على هذا القياس . والبحث في القياس أعظم نواحي علم الأصول لأن فيه تحقيق الأصل  والفرع فيما يقاس ويتماثل من الأحكام بما يغلب على الظن أن حكم الأصل يسري على تلك الفروع .

آراء أخرى في الأدلة الشرعية أو المصادر الشرعية

    ورأى بعضهم أن الإجماع والقياس لايؤخذ بهما . والحق بعضهم بها أدلة أخرى أعرض إبن خلدون عن ذكرها .

أصول الفقه لم يعرفه السلف من الصحابة والتابعين

    وعلم أصول الفقه لم يعرفه الصحابة والتابعون حيث لم يحتاجوا إلى معرفة المعاني وأسانيد الرواة لأنهم هم الذين أخذ الناس عنهم الرواية واللغة والأحكام. فلما تحول العلم إلى صناعة إحتيج إلى قواعد لاستخراج الأحكام من المصادر الشرعية بعد تحديدها ، فكان علم أصول الفقه .

علم أصول الفقه لدى الفقهاء

     والشافعي أول من كتب فيه رسالته المشهورة ، ذكر فيها الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ والعلة والقياس . ثم توسع الفقهاء الأحناف في الموضوع ، وكان أبوزيد الدبوسي إمام الأحناف فيه ، وكان البزدوي إمام المتأخرين الأحناف ، وجاء إبن الساعاتي الحنفي فجمع بين كتاب الأحكام للدبوسي وكتاب البزدوي وسمى كتابه البدائع . وصار كتاب البدائع حجة للعلماء المتأخرين يشرحونه ويلخصونه . وكتابة الفقهاء في الأصول أقرب للفقه وأكثر أمثلة ، أما المتكلمون الذين كتبوا فكانوا أقرب للتجريد .

علم أصول الفقه لدى المتكلمين 

    إذ كتب علماء الكلام في أصول الفقه من وجهة نظر عقلية صورية . وأحسن ما كتبه المتكلمون في الأصول كتاب البرهان للجويني إمام الحرمين ، والمستصفي للغزالي تلميذ الجويني . وهما معا من الأشعرية ، وكتاب العهد للقاضي عبدالجبار المعتزلي ، وقام تلميذه أبو الحسن البصري بشرح كتاب العهد . وقام اثنان بتلخيص الكتب الأربعة ، وهما إبن الخطيب في كتابه المحصول ، والآمدي في كتابه الأحكام وكان إبن الخطيب أقرب إلى الإستكثار من الأدلة والإحتجاج والرد ، بينما كان الآمدي مهتما بتحقيق المذاهب وتفريع المسائل . وفي عصور التقليد قام اللاحقون بتلخيص وشرح كتابي المحصول والأحكام .

الخلافات الفقهية قبل وبعد الأئمة

   وفي بداية الإجتهاد الفقهي كثر الخلاف بين المجتهدين تبعا لاختلاف مداركهم ، ثم انتهى علم الفقه إلى الأئمة الأربعة ، ووثقت بهم الأمة فمنعوا تقليد سواهم ، وانحصرت الخلافات بين المذاهب الفقهية ، فيما يتفق أو يختلف فيه أئمة المذاهب الأربعة .

المناظرات بين المذاهب ونشأة علم الخلافات

   وأدت المناظرات الفقهية بين المذاهب إلى نشأة علم الخلافيات الفقهية الذي يبحث في مآخذ واجتهادات واختلافات الأئمة والمذاهب . والمتخصص في الخلافيات الفقهية يتبحر في معرفة قواعد الإستنباط لأحكام شأن المجتهد الفقهي العادي ، إلا أنه يعرف تلك القواعد لكي يحتج بها دفاعا عن مذهبه وهجوما على المخالفين .

أهمية علم الخلافات وازدهاره لدى غير المالكية

    وازدهار هذا العلم أفاد في معرفة دقائق الخلاف بين الأئمة وقام بتدريب الفقهاء على الجدل والبرهان ، ولذلك ازدهر لدى الحنفية والشافعية لاعتمادهم على القياس العقلي ، أما المالكية فهم أهل حديث وبداوة لذا  لم يزدهر لديهم هذا العلم بنفس المقدار.

أهم المؤلفين في الخلافيات

    وأشهر المؤلفين في الخلافيات  الغزالي في المآخذ ، وأبوزيد الدبوسي في التعليقة . وقد جمع إبن الساعاتي في مختصره في أصول الفقه جميع ما ينبني عليه الفقه الخلافي في المسائل الخلافية.

الجدال الفقهي : تعريفه وأنواعه:

    هو معرفة آداب المناظرة بين أهل المذاهب وغيرهم ، ومعرفة الحدود التي يقف عندها المتناظرون في الرد والقبول وكيف يسوغ له الإستدلال أو السكوت أو الإعتراض . وقيل أنه معرفة الحدود والآداب في الإستدلال في حفظ رأي وهدم الآخر ، سواء كان ذلك من الفقه أو من غيره . وهو نوعان : طريقة البزدوي ، وهي خاصة بالأدلة الشرعية من النص والإجماع والإستدلال ، وطريقة العميدي ، وهي عامة في كل دليل يستدل به من أي علم ، وأكثره إستدلال عقلي.

رأي إبن خلدون في طريقة العميدي

   ويرى إبن خلدون أن طريقة الجدل لدى العميدي فيها نواحي حسنة وأخرى مغالطات مبنية على السوفسطائية وتحري الإنتصار في الجدل ولو على حساب الحقيقة ، وإن كان ذلك يتم وفق طرق الإستدلال المرعية ، والعميدي أول من كتب في الموضوع ، من خلال كتابه " الإرشاد " ثم سار النسفي على طريقته ، ثم كثرت التأليف ، إلى أن هجرها عصرالتقليد ، لأنها من العلوم الكمالية .

اجمالي القراءات 22484