عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف1: 4 )العلم والتعليم وانواع العلوم

آحمد صبحي منصور في السبت ١٢ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

   الباب السادس في ثقافة العمران في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه ومايعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مقدمة ولواحق

                                                   الفصل الأول

                                العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري

    تميز الإنسان على الحيوان بالفكر الذي  يستعين به على معاشه وعلاقاته بمن حوله واهتدائه إلى الرسالات السماوية .

    والإنسان في كل ذلك مفكر لايستغني عن الفكر ، بل إن سرعة فكره أسرع من لمح البصر ، وعن هذا الفكر تنشأ العلوم والصنائع .وبهذا الفكر يقوم الإنسان بتحصيل ما ليس عنده من العلوم بالأخذ عما كتبه السابقون والإضافة إليهم . وقد يتوجه فكره إلى إحدى الحقائق فيركز عليها ويتخصص فيها ويقوم بتعليمها للاخرين فيأتون إليه للتعلم ، وبذلك يكون العلم والتعليم طبيعيا في البشر .

                                             الفصل الثاني

                                التعليم للعلم من جملة الصنائع

معنى الملكة العلمية

     التفنن في العلم يكون بالإحاطة بمبادئه وقواعده ومسائله واستنباط فروعه من أصوله ، وإلا فلا تفنن ولا تبحر في العلم ، وهذا ما يسميه إبن خلدون بالملكة ، أي ملكة الإحاطة بالعلم والإبداع فيه . ويرى إبن خلدون أن هذه الملكة هي في غير الفهم والوعي ، لأن الفهم والوعي يشترك فيهما العالم والعامي . أما الملكة فيختص بها العالم الباحث والفنان المبدع . والملكات كلها في رأيه جسمانية في البدن أو الدماغ من فكر أو فن ، أي كلها محسوسة تحتاج إلى التعليم شأن الصنائع . لذلك تحتاج الموهبة إلى صقل بالصناعة والتعليم .

مصطلحات في العلوم

    ولكل صناعة في علم ممصطلحات خاصة يتعلمها المبتدئ عن الإمام في العلم أو الصنعة . ولذلك تختلف مصطلحات العلوم مابين الفقه والكلام وعلوم اللغة ، لأن هذه العلوم أصبحت صنائع أو صناعات في التعليم مع أن العلم واحد في نفسه .

التعليم في المغرب

     ويؤكد إبن خلدون على أن العلم قد كاد ينقطع عن أهل المغرب بعد خراب القيروان وقرطبة، وخصوصا بعد انهيار دولة الموحدين ، ويرى إبن خلدون أن استمرارية العلم تقوم على السند يأخذه التلميذ عن شيخه ، وقد رحل إبن زيتون بعد انقراض دولة الموحدين في مراكش إلى المشرق في أواسط المائة السابعة فأدرك تلميذ ابن الخطيب فأخذ عنه العلوم العقلية والنقلية وعاد إلى تونس بعلم كثير ، ومثله إبن شعيب الدكالي الذي رحل من المغرب إلى مصر فأخذ عن شيوخها ورجع إلى تونس فأخذ عنهما أهل تونس ، واتصل سند تعليمها جيلا  بعد جيل ، وانتقل من تونس إلى تلمسان ، إلا أن تلاميذ تلمسان أصبحوا قلة .

   وقال إن التعليم تقاصر في المغرب ولم يتصل سنده ، فتعسر عليهم حصول الملكة وانصرفت عنايتهم إلى الحفظ ، وطالت مدة تحصيل الطالب في المغرب إلى ست عشرة سنة مع أنها في تونس خمس سنين فقط ، وذلك بسبب عسر التعليم في المغرب . وأما أهل الأندلس فقد تناقص فيها عمران المسلمين وتناقص تبعا لذلك عنايتهم بالتعليم ، ولم يبق فيه إلا فن العربية والأدب ، وضاع فيهم الفقه والعلوم العقلية ، وانشغلوا بالبحر ومعايشهم أكثر.

 التعليم في المشرق

     أما المشرق فلم ينقطع فيه سند التعليم ، بل أسواقه رائجة لاتصال العمران واتصال الحضارة والتعليم ، وانتقلت مدارس العلم والحضارة من الكوفة والبصرة وبغداد إلى عراق العجم شرقا ومصر غربا ، وأهل المشرق أعرق في العلم وأرسخ من أهل المغرب ، حتى يظن البعض أن أهل المشرق أكثر نباهة وعقلا من أهل المغرب . ولكنه التحضر بكل أصنافه ، فإن المشرق أكثر استقرارا منه في المغرب ، وهذا ما يؤكده إبن خلدون ، فيقول " ولقد بلغنا في تعليم الصنائع عن أهل مصر غايات لاتدرك ، منها أنهم يعلمون الحمر الأنسية والحيوانات العجم من الماشي والطائر مفردات من الكلام والأفعال يستغرب ندورها ، ويعجز أهل المغرب عن فهمها ".

زيادة الذكاء بالتعلم والممارسة

    ويؤكد على ذلك إبن خلدون بأن ذكاء الإنسان يزداد بالتعلم وممارسة الصنائع فتزداد ملكاته ، ولذلك يتفوق إنسان الحضر على إنسان البدو ، وليس ذلك راجعا إلى تفاوت في حقيقة الإنسانية بينهما بل في تفاوت الملكات التعليمية والصنائعية بينهما في العادات والأحوال ، بل ربما ينبغ من أهل البداوة في الفهم عن بعض أهل الحضر .

     ولذلك امتاز أهل المشرق برسوخ حضارتهم عن أهل المغرب الذين ترسخت فيهم البداوة .

                                          الفصل الثالث

                           العلوم تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة

إزدهار التعليم بإزدهار العمران

    لأن تعليم العلم إحدى الصنائع التي تكثر في الأمصار على قدر عمرانها في الكم والكيف . وعلى هذا المقياس يكون العلم ، فكلما تخفف الناس من هموم المعاش إهتموا بالعلوم والصنائع ، ومن يرغب في العلم من أهل القرى والبوادي لا يجد فيها مايتمنى ، لذلك يرحل إلى الأمصار. ولذلك إزدهر العلم في بغداد وقرطبه والقيروان والبصرة والكوفة عندما إزدهر فيها العمران ، ولما تناقص عمرانها تناقص العلم فيها .

إزدهار العلم بمصر

    والعلم مزدهر في مصر بسبب إزدهار عمرانها واستحكام حضارتها منذ آلاف السنين ، لذلك إزدهرت فيها الصناعات ومنها صناعة العلم . ويضاف إلى ذلك إزدهار الأوقاف على إنشاء المدارس ، ذلك لأن الأمراء يخشون من السلطان أن يصادر أموالهم ، فيقومون بإنشاء المدارس ويوقفون عليها الضياع والعقارات ، ويجعلون النظر عليها لأولادهم ، فلا يستطيع السلطان مصادرة الأوقاف ، ولما كثرت الأوقاف على المدارس والزوايا والربط ( جمع رباط) كثرت صناعة العلم وارتحل الناس لطلب العلم من الأفاق إلى مصر.

                                              الفصل الرابع

               أصناف العلوم الواقعة في العمران في  عهد إبن خلدون

نوعا العلوم

    العلوم عنده نوعان : ( طبيعي ) للإنسان يهتدي إليه بفكره ، و( نقلي ) يأخذه عمن وضعه .

    العلم الطبيعي : هو علوم الحكمة والفلسفة التي يصل إليها الإنسان بفكره فيعرف مسائلها وبراهينها والخطأ والصواب فيها .

    أما العلوم النقلية الوضعية : فتعتمد على الإسناد إلى الشرع ، ولامجال فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع والجزئيات بالأصول والكليات عن طريق القياس . والحكم الشرعي ثابت في الأصل ، ويقوم القياس بإلحاق الفروع والجزئيات إلى ذلك الأصل الشرعي . وأصل العلوم النقلية عنده هي الكتاب والسنة من الله تعالى ورسوله وما يتعلق بهما من علوم مساعدة وما يتبعهما من علوم اللغة العربية .

أنواع العلوم النقلية

     وأصناف العلوم النقلية كثيرة . وتؤخذ بالنص أو بالإجماع والقياس . وعلم التفسير هو النظر في الكتاب لبيان ألفاظه ، وعلم القراءات هو إسناد النقل في القراءات وروايتها للنبي ، وعلم الحديث هو إسناد السنة إلى النبي وبحث أحوال الرواة ، من حيث العدالة والتوثيق أو الضعف ، وعلم أصول الفقه هو إستنباط الأحكام من أصولها ( القرآن والسنة ) من وجه قانوني يفيد العلم بكيفية هذا الإستنباط . وعلم الفقه :  هو ثمرة المعرفة بأحكام الله تعالى في أفعال الناس المكلفين . والتكاليف – أي الفرائض – منها تكاليف بدنية وتكاليف قلبية إيمانية . وعلم الكلام هو المختص بالأدلة العقلية المتعلقة بالتكاليف القلبية – أي العقائد الإيمانية في ذات الله تعالى وصفاته ويوم القيامة والقضاء والقدر . والعلوم اللسانية اللغوية أنواع ، علوم اللغة والنحو والبيان والآداب.

تحريم العلوم النقلية غير الإسلامية

    ويرى ابن خلدون أن العلوم النقلية كلها مختصة بالملة الإسلامية ، وإن كانت للملل الأخرى علومهم النقلية ، إلا أن العلوم النقلية الإسلامية تنسخ أو تبطل غيرها من أصحاب الملل الأخرى لأن الشرع نهى عن النظر في الكتب المنزلة غير القرآن بحديث :  ولا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد " وحديث غضب النبي حين رأي مع عمر ورقة من التوراة. ويضيف إبن خلدون سببا آخر هو ازدهار واكتمال العلوم الشرعية النقلية الإسلامية من حيث الاصطلاحات والموضوعات . وقال إن المشرق إزدهرت فيه العلوم بينما كسدت في المغرب بسبب تناقص العمران فيه .  

اجمالي القراءات 18793