عرض مقدمة ابن خلدون:ب3( ف 29 :31)البيعة وولاية العهد والمناصب الكبرى

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٤ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

تابع الباب الثالث:( في العمران السياسي ) في الدولة العامة والملك والمراتب السلطانية

                                       الفصل التاسع والعشرون

                                        معنى البيعة

معني البيعة عند ابن خلدون

     البيعة هي العهد على الطاعة ، أي يبايع الأمير على التسليم له وتفويضه في النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شئ من ذلك ، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر .

طريقة البيعة

    وكانوا في البيعة يجعلون أيديهم في أيدي الأمير تأكيدا للبيعة.  ومنها بيعة النبي عند الشجرة وبيعة الخلفاء . وكان الخلفاء يستحلفون على العهد بكل أنواع الإيمان والحلف ، وهذا ما يعرف بإيمان البيعة ، واقترنت بالإكراه ، ولهذا أفتى مالك بسقوطها .

البيعة في عصرإبن خلدون

     وأصبحت في عصر إبن خلدون تحية الملوك التي تفيد الطاعة المجازية ، وهي تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل ، وصارت حقيقة عرفية حلت محل المصافحة لحفظ  منصب المملكة من الإبتذال حتى لا يصافح الناس .

                                               الفصل الثلاثون

                                        ولاية العهد

تولية العهد واجب على الإمام

طبقا لإيمانه بالثيوقراطية ( الدولة الدينية ) يرى ابن خلدون أن الإمام ينظر في مصالح الأمة لدينهم ودنياهم لأنه وليهم والأمين عليهم ، وهو ينظر لهم في حياته وبعد مماته بأن يعين لهم من يتولى أمورهم بعده والأمة تثق بنظره لها وفيمن يوليه عليها .

     وذلك تشريع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده ، من خلال عهد أبي بكر لعمر ، وعهد عمر في الشورى إلى الستة وما تمخض عن ذلك من إختيار عثمان .

 لاحرج على الإمام إذا عهد لإبنه بالحكم

      ويرى إبن خلدون أن الإمام إذا عهد لإبنه فليس في ذلك شئ لأنه يؤثر المصلحة في اتفاق أهل الحل والعقد والعصبية وحتى لاتقع الفتنة والخلاف ، واستدل على ذلك بما فعل معاوية ، وسكوت الصحابة على ما فعل دليل الموافقة ، وإن كان عبدالله بن عمر قد هرب حتى لا يبايع فإن إبن خلدون يرى في هروبه تورعا من الدخول في شئ مباح ، أما رفض إبن الزبير للبيعة فهي مخالفة نادرة . وعهد الخلفاء الأكابر في أوائل الدولتين الأموية والعباسية لأولادهم وقد عرفوا بعدالتهم وحسن رأيهم في مصلحة المسلمين ، ولايعاب عليهم إيثار أبنائهم وخروجهم عن سنة الخلفاء الراشدين لأن الشأن مختلف حيث لم يعد الوازع أو الباعث دينيا كما كان ، إذ ظهرت العصبية التي تختار ، وبدونها يقع الإختلاف والإقتتال . ولذلك رفضت العصبية العباسية أن يعهد المأمون لعلى الرضا وتعددت الثورات ، فالعصور تختلف باختلاف في المصالح ، ولكل عصر ما يناسبه من الأحكام . وقال إبن خلدون إن كان القصد بالعهد حفظ المُلك في الأبناء فليس ذلك من المقاصد الدينية .

رأى ابن خلدون التلفيقى والتبريرى فى الصراع بين الصحابة :أنّ  الصحابة إجتهدوا حين عارضوا خلافة يزيد بن معاوية 

     وأكد إبن خلدون أن  معاوية لم يكن يعلم بفسق إبنهيزيد حين ولاه العهد وإنه كان يلومه على سماع الغناء ، وقال إن الصحابة إختلفوا في الثورة على يزيد بسبب فسقه ، منهم من ثار عليه كالحسين ، ومنهم من دعا له بالهداية ، ورفض الثورة وكلهم مجتهدون .

النبيلم يعهد لعليبالخلافة

     وعن العهد من النبي لعلى بالخلافة ، أنكر إبن خلدون ذلك وأتى بأدلة أهل السنة في الموضوع، وأكد إبن خلدون على أن الإمامة من الشؤون العامة للأمة خلافا للشيعة الإمامية ، وقال إن أمور الدين كانت بخوارق العادات ولم تكن محتاجة للعصبية كالإمامة لأنها من الأمور الدنيوية.

تبرير ابن خلدون للحروب الأهلية بين الصحابة والتابعين

     وعن الحروب بين الصحابة والتابعين قال إن اختلافهم وقع في الأمور الدينية بسبب الإختلاف في الإجتهاد ، ويقول إن الحق واحد لدى كل من الطرفين المجتهدين ولا يأثم واحد منهما ، ولا يتعين المخطئ منهما . وغاية الخلاف أنه إجتهادي في مسائل ظنية دينية . وعن الحرب بين علي ومعاوية فسرها إبن خلدون في ضوء إختلاف وجهات النظر وقال بدفع التأثيم عن كل من الفريقين كالشأن في المجتهدين . وعن الثورة على عثمان قال إبن خلدون" إذا نظرت بعين الإنصاف عذرت الناس أجمعين في شأن الإختلاف في عثمان واختلاف الصحابة من بعده ، وعلمت أنها كانت فتنة إبتلى الله بها الأمة " وبعد أن فسر الفتنة التي أدت إلى قتل عثمان قال " فلكل من هؤلاء عذر فيما وقع ، وكلهم كانوا مهتمين بأمر الدين ولا يضيعون شيئا من تعلقاته ، ثم نظروا بعد هذا الواقع واجتهدوا والله مطلع على أحوالهم وعالم بهم ، ونحن لا نظن بهم إلا خيرا لما شهدت به أحوالهم ".

     وعن ثورة الحسين علىيزيد قال إن الحسين غلط  حين توهم أنه يستطيع الإنتصار على عصبية الأمويين ، واستدرك فقال أنه غلط  دنيوي لا يضر ، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه كان يظن القدرة على الأمر . ونهى إبن خلدون عن تأثيم الصحابة الذين تقاعسوا عن نصرة الحسين ، ونهى كذلك عن تصويب قتل الحسين لأن قتاله لم يكن عن إجتهاد ، وقال إن يزيد فاسق لأنه قتل الحسين ، والحسين قتل شهيدا وهوعلى الحق ، والصحابة الذين كانوا مع يزيد كانوا على حق أيضا . وقال إبن خلدون أن القاضي أبابكر بن العربي المالكي قد أخطأ في كتابه العواصم من القواصم حين قال أن الحسين قتل بشرع جده ، وقال إن ابن العربي غفل عن إشتراط الإمام العادل ، وأن الحسين كان أعدل أهل زمانه . 

     وقال أن إبن الزبير أخطأ في تقدير عصبية الأمويين . وقال أن يزيد بن معاوية فاسق . أما عبدالملك بن مروان فأعظم الناس عدالة لأن مالك احتج بفعله ، وكثير من الصحابة لم يتابع ابن الزبير . وقال أن الكل مجتهدون والقتلى شهداء مثابون باعتبار قصد الحق ، وهذا ما ينبغي أن تحمل عليه أفعال السلف من الصحابة والتابعين وهم خيار الأمة . واستشهد بحديث " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم مرتين".

   وبعد هذا التبرير والتلفيق يحذر إبن خلدون من التعرض لهم باللسان أو بسوء الريب وقال " ألتمس لهم مذاهب الحق ما استطعت وما اختلفوا إلا عن بينة وما قاتلوا أو قتلوا إلا في سبيل جهاد أو إظهار حق ، وأعتقد أن اختلافهم رحمة لمن بعدهم ليقتدي كل واحد بمن يختاره منهم ويجعله إمامه وهاديه ودليله ".

                                  الفصل الحادي والثلاثون

                                    الخطط الدينية والخلافية

بين وظائف الخلافة ووظائف الملك

   طبقا لإيمانه بالثيوقراطية ( الدولة الدينية ) يرى ابن خلدون أنه لأن الخلافة نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا به فصاحب الشرع متصرف في "الدين" ( التكاليف الشرعية : تبليغها ، وحمل الناس عليها ) أى إلزامهم بها بالقهر ، وفي "الدنيا" رعاية مصالحهم في العمران البشري .

     والملك يحقق بسطوته مصالح العمران البشري ، ولكن يكون بالأحكام الشرعية أكمل ، وبذلك يكون الملك إسلاميا مندرجا تحت الخلافة ، وإلا كان ملكا عاديا .

   وفي كل الأحوال توجد فيه وظائف خاصة ، وهي تختلف عن الخطط والوظائف الدينية المختصة بالخلفاء الإسلاميين .

أنواع الوظائف في الخلافة

وطبقا لإيمانه بالثيوقراطية ( الدولة الدينية ) يرى ابن خلدون أنه يندرج تحت الخلافة أو الإمامة الكبرى الخطط الدينية الشرعية من الصلاة والفتيا والقضاء والجهاد والحسبة ، وتعرضإبن خلدون لكل منها على حدة :

   1-إمامة الصلاة : أرفعها ، وكانت إمامةأبي بكر في الصلاة دليلا على صحة ترشيحه للخلافة .

   أنواع المساجد والمساجد نوعان : عظيمة تحت سيطرة الخلافة ، ويكون لها إمام بالتعيين للصلوات الخمس والجمعة والعيدين والإستسقاء والخسوف ، ومساجد محلية يقوم بأمرها أهلها ولاتحتاج إلى إدارة رسمية .

      وكان الخلفاء والولاة يشهدون الصلاة في المساجد ، فلما جاءت الملكية بترفعها وترفها أصبح الملك يستنيب غيره للصلاة .

 2-  الفتيا : وصاحب الحق فيها هو الخليفة ، وهو يعين الكفء فيها ويمنع من ليس أهلا لها ، لأنها من مصالح المسلمين وحتي لا يضلوا بفتاوي باطلة . وأهل الفتوى هم العلماء في المدارس والمساجد ، وإذا كان المسجد جامعا عظيما رسميا فلابد للمفتي فيه أن يكون بإذن السلطان ، وإن كان مسجدا محليا فلا يحتاج إلى إذن ، ويجب على المفتي في كل الأحوال أن يخشى الله في فتواه.   

 3- القضاء : هو الفصل بين الناس في الخصومات بأحكام الكتاب والسنة ، وكان الخلفاء يتولونه بأنفسهم ، وكان عمر أول من استناب في القضاء ، فولى أبا الدرداء في المدينة وشريحا بالبصرة وأبا موسى الأشعري في الكوفة ، وكانوا يقلدون القضاء أصحاب عصبياتهم بالنسب أو الولاء.

    وكان للقاضي في عصر الخلفاء الفصل في الخصومة فقط ، ثم أضيفت لها مهام أخرى فيما بعد مثل إستيفاء بعض الحقوق العامة للمسلمين ، مثل أموال المحجوز عليهم من اليتامى والمجانين وتنفيذ الوصايا والأوقاف وتزويج اليتامى والأيامى عند فقدان الولي ، والنظر في إصلاح الطرقات والمباني والتوثق من صلاحية الشهود والأمناء والنواب . وأحيانا كان يضاف للقاضي النظر في المظالم ، أي ينصف القاضي المظلوم من السلطة أو من أصحاب الجاه ، وذلك ما كان يحدث في العصر الأول للخلافة ، والقاضي هنا يكون صاحب جاه وورع ، وهو ينظر في الأدلة والقرائن ليحكم بالحق وينصف المظلوم . 

     وبعض الخلفاء كان يقضي بنفسه كما فعل أبوبكر والمهتدي العباسي وغيرهما ، وبعضهم كان يعين القاضي كما فعل عمر مع أبي إدريس والمأمون مع يحيى بن أكثم والمعتصم معأحمد بن أبي داود.

    وبعضهم كان يجعل القاضي قائدا حربيا كما فعل المأمون مع يحيى بن أكثم وعبدالرحمن الناصر مع منذر بن سعيد.

  4- صاحب الشرطة

       ينظر في الجرائم وإقامة الحدود ، وكان ذلك في الدول العباسية والفاطمية والأموية بالأندلس.

      وفي بداية  الأمر كانت تابعة للقضاء ثم إنفصلت عنه ، فأصبح من وظائف صاحب الشرطة إقامة التهمة ، وفرض العقوبات الزاجرة قبل ثبوت الجرائم ، وإقامة الحدود الثابتة على مستحقيها ، والحكم في القصاص والتعزيز والتأديب في حق من لم ينته عن الجرائم .

      ثم إنقسمت وظيفة الشرطة إلى قسمين : وظيفة التهمة على الجرائم وإقامة حدودها وتنفيذ القطع والقصاص ، وذلك بالحكم السياسي دون مراجعة الأحكام الشرعية . ويقوم به الوالي أو صاحب الشرطة . ثم بقي قسم التعازير وإقامة الحدود في الجرائم الثابتة شرعا من إختصاص القاضي ، ولأنها من مهام الخلافة الدينية فكان يباشرها أصحاب العصبيات من أهل الكفاءة .         

      وبعد إنقراض الخلافة وتحولها إلي ملك وسلطنة وبعد إنقراض العرب وعصبيتهم إبتعدت هذه الوظائف عن المملكة وازداد إبتعادها عن العرب ، وأصبح من يتقلد هذه الوظائف من المستضعفين من أهل الأمصار من غير أهل الحل والعقد ، وأصبحوا مجرد رمز يدل على قيام المملكة بأحكام الشريعة ، وأصبح وجودهم مظهريا حيث كانت القوة في يد السلطان وجنده ، وأولئك  كانوا العلماء المستضعفين .

 والقضاة تابعون مأمورون بأوامر السلطان وحاشيته ، وليس لهم نفوذ إلا أنهم يصدرون الفتاوي إذا طلبت منهم في الأمور الشرعية فحسب ، دون السياسية أو أن يكون لهم دور في الشورى ، وبهذا يردإبن خلدون على من إعترض على الحكام في إخراج الفقهاء والقضاة من الشورى .

 وعلى من إستدل بحديث العلماء ورثة الأنبياء يرد إبن خلدون عليهم بأن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء كانوا من السلف وأهل الدين والورع مثل الذين ترجم لهمالقشيري في رسالته . ويرى إبن خلدون أن علماء العصور اللاحقة لا ينطبق عليهم هذا الوصف .  

5-  موظفو الشهادة – العدالة :وظيفة دينية تابعة للقضاء ، وهي تشمل الإشهاد والشهادة  بين الناس عند التنازع وكتابة السجلات لحفظ الحقوق .

 وشرطها العدالة والبراءة من الجروح والنقائص والمهارة في الكتابة والوصف والنقل والخبرة والعلم بالفقه . ويجب على القاضي تفحص أحوالهم ، وتلك مسؤوليته لإقرار العدالة.

ولأولئك الشهود ( العدول) حوانيت في المدن ، ويأتي لهم أصحاب المعاملات للإشهاد لديهم . أي هم بمثابة الختم الرسمى في عصرنا !!

6- الحسبة : وظيفة دينية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والحاكم يعين الكفء لذلك المنصب ، والمحتسب يتخذ الأعوان في البحث عن المنكرات وتعزير أصحابها ( يعنى يقوم بدور الشرطى والقاضى والجلاد )، ويحمل الناس على المصالح العامة في الطرقات والمباني وغيرها . ولا يتوقف على ذلك ، بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه في الغش والتدليس في المعايش والمكاييل والموازين ، وحمل المماطلين على تسوية ما عليهم من ديون ، وغيرها مما ليس فيه سماع بينة ولا إنفاذ حكم ، وهي أحكام يتنزه عنها القاضي لشيوعها وسهولتها ، فهي وظيفة تخدم منصب القضاء . وقد كانت في كثير من الدول مثل الفاطمية والأموية بالأندلس ضمن اختصاصات القضاء ، ثم عندما تحولت الخلافة إلى مُلك إندرجت في وظائف المُلك وصارت وظيفة مستقلة .

7- السًكة : هي النظر في النقود وحفظها من الغش أو النقص وخلافه ، وكانت تتم بوضع خاتم السلطان بنقوشه على الدينار ليصبح عملة رسمية وذلك بالسبك والطرق وتخليص المعيار ليكون أجود وأبعد عن الزيف . وهي وظيفة دينية بهذا الإعتبار وكانت تندرج تحت وظيفة القضاء ، ثم إستقلت كالحسبة .

ما بقي وما إندثر من وظائف الخلافة

    وبقيت من وظائف الخلافة وظائف أصبحت سلطانية كالإمارة والوزارة والحرب والخراج . وهناك وظائف للخلافة اندثرت مثل نقابة الأنساب والحق في بيت المال . وإجمالا ، فقد إندرجت وظائف الخلافة ورسومها في وظائف ورسوم الملك ، حين تحولت الخلافة إلى مُلك .

اجمالي القراءات 11712