عرض مقدمة ابن خلدون: ب3 (ف 27: 28 )الامامة الشيعية وتحول الخلافة الى مُلك

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

تابع الباب الثالث:( في العمران السياسي ) في الدولة العامة والملك والمراتب السلطانية                 الفصل السابع والعشرون    

                                مذاهب الشيعة في حكم الإمامة                                         الإمامة عند الشيعة

     يتفق الشيعة على أن الإمامة ركن الدين وقاعدة الإسلام ولايجوز لنبي إغفالها . وليست من المصالح العامة التي  تفوض للأمة ، ويجب على النبي تعيين الإمام الذي يكون معصوما من الكبائر والصغائر .

إمامة " علي" عندهم

     ويرون أن عليا هو الإمام الذي أوصى به النبي ، ولهم في ذلك أدلة ونصوص مطعون فيها ، وهذا رأي إبن خلدون .

 أدلتهم على إمامته

    وتنقسم النصوص عندهم إلى نوعين : جلي وخفي

1-   الجلي : أحاديث :" من كنت مولاه فعلي مولاه " ، " أقضاكم على " ، " من يبايعني على روحه وهو وصبي وولى هذا الأمر من بعدي " فلم يبايعه إلا علي .

2-   الخفي : بعثه النبي إلى موسم  الحج لقراءة سورة براءة وإنه لم يعرف أنه قدم أحدا على (علي) ً ، وقد قدم أسامة بن زيد وعمرو بن العاص على أبي بكر وعمر في غزوتين .

الخلافة بين الأمامية والزيدية في عليوالشيخين

     الأمامية : يرون أن النصوص السابقة تدل على تعيين " علي " بشخصه وتنتقل بعده إلى الأئمة ، ويتبرأون من أبي  بكر وعمر ، وبعضهم يذم أبابكر وعمر .

     الزيدية : يرون أن النصوص تدل على تعيين  " علي " بالوصف ، ولا يتبرأون من أبي بكر وعمر ويقولون أن علياً أفضل منهما ، ولكن يجوزون إمامة المفضول مع وجود الفاضل .

الخلاف في إمامة ذرية على

    الأمامية : يسوقون الإمامة في ولد فاطمة بالنص عليهم واحدا واحدا .

    الزيدية : يجعلونها في ولدفاطمة بالإختيار من الشيوخ وبشرط أن يكون الإمام زاهدا عالما جوادا شجاعا ثائرا يخرج داعيا إلى إمامته .

    الكيسانية : جعلوا الإمامة بعد علي وابنيه في محمد بن الحنفية ثم إلى ولده .

غلاةالشيعة

    يؤلهون الأئمة على أنهم بشر إتصفوا بصفات الإله أو حل الإله فيها ، وتبرأ منهم علي ومحمد بن الحنفية وجعفر الصادق .

    ومنهم من يقول بالتناسخ ، أي أن كمال الإمام ينتقل منه بعد وفاته إلى الإمام التالي ، ومنهم الواقفية أي يقف بالإمامة عند واحد يراه حيا لايموت وأنه غائب ، وقالوا بأن محمد بن الحنفية بعد موته يعيش في جبال رضوى بالحجاز ، وقال  الإثنا عشرية أن الإمام محمد بن الحسن العسكري المهدي غائب في السرداب في منطقة " الحلة " إلى أن يخرج آخر الزمان لأنه المهدي المنتظر . وبعض الوقفية يعتقد أن الإمام الذي مات  يرجع إلى حياته الدنيا مثل أهل الكهف .

ثورات الأئمة ودول وطوائف الشيعة

     الكيسانية : جعلوا الإمامة بعد محمد بن الحنفية في إبنه أبي هاشم ، ومنهم من قال أن أبا هاشم أوصى بها إلى محمد بن علي بن عبدالله بن عباس ، وانتقلت منه إلى إبنه إبراهيم الإمام ، ولما قتله الأمويون إنتقلت إلى أخيه عبدالله السفاح ، ثم إلى أبي جعفر المنصور ثم خلفاء بني العباس ، وهذا مذهب الهاشمية .

الزيدية : قالوا أن الإمامة باختيار أهل الحل والعقد وليس بالنص ، وجعلوها في علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي زين العابدين ، ثم زيد المقتول بالكوفة بعد فشل ثورته ،وهوصاحب هذا المذهب وبعده ابنه يحيى الثائر في خراسان ، ثم أوصى من بعده لإبن عمه محمد النفس الزكية الذي ثار بالحجاز فقتله عسكر المنصور ، وبعده إبراهيم وعيسى فقتلهما أيضا جند المنصور بالبصرة ، وانتقلت الإمامة في آخرين على اختلاف في المذاهب ، وإليهم تنتسب حركة الزنج .

      ويقال أن الإمام بعد محمد  النفس الزكية أخوه إدريس الذي فر إلى المغرب ومات فيه ، فقام بالأمر إبنه إدريس الذي أقام مدينة فاس وأسس ملك الأدارسة.

     ومن الدعوة الزيدية قامت دولة في  طبرستان يتزعمها الحسن بن زيد وأخوه محمد بن زيد ،وقام بالدعوة الناصر الأطروشي في الديلم ، ومن الديلم جاء بنو بويه الذين سيطروا على الخلافة العباسية .

 الإمامية : جعلوا الإمامة في علي  ثم بالوصية إلى إبنه الحسن ثم إلى أخيه الحسين ثم إلى إبنه على زين العابدين ، ثم إبنه محمد الباقر ، ثم إبنه جعفر الصادق ثم إفترقوا فرقتين : الإسماعيلية ساقوها إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، والإثنا عشرية ساقوها إلى موسى الكاظم بن إسماعيل ،ويقفون عند الإمام الثاني عشر  ويقولون بغيبته إلى آخر الزمان ، أما الإسماعيلية فينقلون الإمامة من إسماعيل إلى إبنه محمد المكتوم ، أو الأئمة المستورين ثم إبنه جعفر الصادق ثم إبنه محمد الحبيب ، ثم إبنه عبدالله المهدي صاحب الدعوة الفاطمية ، والإثنا عشرية ساقوها بعد جعفر الصادق إلى موسى الكاظم ، ثم إبنه على الهادي ، ثم إبنه محمد الحسن العسكري ، ثم إبنه محمد المهدي المنتظر ، وهذه أشهر مذاهب الشيعة .

                                    الفصل الثامن والعشرون

                                     إنقلاب الخلافة إلى المُلك

بين المُلك والعصبية

     المُلك هدف طبيعي للعصبية . وبالعصبية تقام الشرائع على الناس .

المُلك والعصبية لا حرج فيهما إذا كانا في إقامة الشرع

     وهناك من الأحاديث ما يشير إلى أهمية العصبية مثل " ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه"، وهناك ما يذم العصبية مثل " أن الله أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء " كما يأتي ذم المُلك والترف والسرف .

ويوفق  إبن خلدون بين هذا وذاك

     ويرى أن الدنيا سبيل للآخرة ، والمراد ليس إقتلاع العصبية أو المُلك وإنما توجيههما لما فيه الخير والحق ، فالشهوات ليست مذمومة في حد ذاتها ، وإنما المذموم إستعمالها في الحرام ، وكذلك فالعصبية المذمومة هي التي تكون في الباطل ، أما العصبية في سبيل الحق فهي المطلوبة لإقامة الشرع ، وكذلك الملك إذا كان للظلم والترف والشهوات فهو مذموم ، وإن كان للتغلب بالحق وقهر الكافة على الدين ومراعاة المصالح فليس مذموما . واستشهد بدعاء سليمان " هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي"  . قال أن عمر إحتج على موكب معاوية حين تشبه بكسرى ، فاحتج معاوية بأنه يريد مباهاة العدو بزينة الجهاد ، أي قصد بذلك وجه الله .

تفسير إبن خلدون ( التبريرى والتلفيقى ) لتاريخ المسلمين السياسي إلى نهاية الدولة العباسية

    قال وهكذا كان شأن الصحابة في رفض المُلك وأحواله . ثم ارتضى الناس أبابكر للخلافة وهي حمل الكافة على أحكام الشريعة ، ولم يأت ذكر المُلك .

     وسارت الخلافة الرشيدة على الزهد والبساطة في العيش التي اعتادها العرب حتى بعد أن ورثوا مُلك كسرى والروم ، وفي خلافةعثمان إقتنى الصحابة الضياع والمال واستشهد إبن خلدون بما ذكره المسعودي عن ثراء الصحابة ، ولكن إبن خلدون أكد على أنهم كسبوها بالحلال ولم يعرفوا الإسراف ، وكان جمعهم المال في سبيل الحق واكتساب الآخرة .

     فلما وقعت الفتنة بين علي ومعاوية كان طريقهم فيها الحق والإجتهاد ، ولم يكن ذلك لغرض دنيوي أو لإيثار باطل أو لإستشعار حقد كما قد يتوهم متوهم وينزع إليه ملحد ، وإنما اختلف إجتهادهم في الحق وسفه كل واحد منهم نظر صاحبه باجتهاده في الحق فاقتتلوا عليه .. والكل كانوا في مقاصدهم على حق .

    ثم اقتضت طبيعة المُلك الإنفراد بالمجد ، ولم يكن لمعاوية أن يدفع ذلك عن نفسه وقومه ، فهو أمر طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها ، واستشعرته بنو أمية ، ولو خالف معاوية قومه وعصبيته لوقع في افتراق الكلمة ، وكان عمر بن عبدالعزيز  يتمني أن يولي الخلافة بعده القاسم بن محمد بن أبي بكر لولا خوفه من بني أمية وهم أهل الحل والعقد وحتى لا تقع الفرقة والإختلاف ، وهذا كله حمله عليه منازع المُلك القائم على العصبية.

     ويقول إبن خلدون إن من طبيعة الملك الإستبداد والإنفراد ، وليس ذلك عيبا فقد إنفرد سليمان وداود بمُلك بني إسرائيل . ولذلك عهد معاوية لإبنه يزيد خوفا من افتراق الكلمة ، ولم يكن معاوية يعرف أن إبنهيزيد فاسق ، يقول إبن خلدون " حاشا لله لمعاوية من ذلك " ودافع أيضا عن مروان بن الحكم وإبنه عبدالملك ، وقال أنهما تحريا الحق وخشيا افتراق الكلمة واقتديا بالسلف الصالح ، وقد احتجمالك في الموطأ بعمل عبدالملك ، وكان مروان من التابعين في الطبقة الأولى وعدالتهم معروفة . ثم تدرج الأمر في ولد عبدالملك وكانوا من الدين بالمكان الذي كانوا عليه  ، وتوسطهم عمر بن عبدالعزيز فنزع إلى طريقة الخلفاء الأربعة والصحابة جهده . ثم جاء الخلفاء من بعده واستعملوا طبيعة الملك في أغراضهم الدنيوية ونسوا ما كان عليه أسلافهم من تحري الحق ، مما صرف الناس عنهم ، وجاءت الدولة العباسية وتحرى رجالها الحق والعدل ما استطاعوا ، ثم جاء بنوالرشيد من بعده فكان منهم الصالح والطالح وجاء بنوهم فانغمسوا في الترف والباطل فتأذن الله بحربهم وأمكن سواهم منهم .

     ويخلص إبن خلدون إلى أن الأمر كان في أوله خلافة ، والدين فيها هو الباعث والوازع ، وكانوا يؤثرون الدين على الدنيا ، ثم صار الأمر ملكا بقيت فيه معاني الخلافة في تحري الحق ، ولكن تغير الباعث أو الوازع فأصبحت العصبية مكان الدين ، وسار على ذلك الأمويون ثم العباسيون في بداية عهد الدولة . ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا إسمها وصار الأمر ملكا بحتا بالقهر والتغلب في الشهوات ، واستمر ذلك ببقاء عصبية العرب وقوتهم إلى أن تلاشت العرب فأصبح الملك البحت في ملوك العجم وظل منصب الخلافة لمجرد التبرك .

    أي أن الخلافة سبقت المُلك ووجدت بدونه . ثم إلتبست معانيهما واختلطت ، ثم بقي المُلك وانفرد ، حيث افترقت عصبيته من عصبية الخلافة .

اجمالي القراءات 12727