عرض مقدمة ابن خلدون:ب3 : (ف 21 : 26):السلطان والامامة والخلافة

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

تابع الباب الثالث:( في العمران السياسي ) في الدولة العامة والملك والمراتب السلطانية

                                      الفصل الحادي والعشرون

                                   الحجر على السلطان

     إذا استقر المُلك في أسرة واحدة وتوارثه الخلف عن السلف فربما يتولى صبي صغير يتغلب عليه الوزير أو الحاشية أو أحد الأقارب ، ويصير ولي العهد الصبي محجورا عليه ، ويعمل المستبد بأمره على أن يلهيه عن الحكم بالمجون ويجعله يعتقد أن حظ السلطان من السلطة هو الجلوس على العرش بدون نفوذ والتفرغ للملذات ، أما الحل والربط والإدارة والحكم إنما يكون للوزير القائم بالأمر المستبد به ، وبعد مدة يستغل ذلك المستبد بالأمر نفوذه ليقفز على السلطة وينفرد بالملك بعد أن يستكثر من الأشياع والأتباع ، وحدث ذلك لكافور الأخشيدي والمنصور  بن أبي عامر وبني بويه .                            

    وقد يبلغ ولي العهد مبلغ الرجال وقد يفطن لما ضاع منه فيحاول إسترداد ما ضاع منه ، وقد ينجح في ذلك نادرا ، والأغلب أنه لا ينجح ، لأن نفوذ الوزراء إذا بدأ فإنما يستمر في الدولة ، ولأن أبناء الملوك إذا تربوا في الترف والكسل تناسوا عهد الرجولة فلا ينزعون إلى رئاسة ، ويخضعون للظروف ولا يحاولون تغييرها .

     وهذا الإنفراد للأتباع والحاشية بالحكم إنما يحدث عندما تستبد عشيرة الملك  على قومها وتنفرد دونهم بالحكم . واستبداد الملك وعشيرته ،ثم استبداد الحاشية من أمراض الدول المستعصية .

                                       الفصل الثاني والعشرون

                     المتغلبون على السلطان لا يشاركونه في لقب السلطنة

     يحصل المُلك لآله بالعصبية والتغلب ، وبها يبقى رسم الدولة . والذي يتغلب على ولي العهد أو السلطان الصغير يتمتع بمظاهر المُلك من الأمر والنهي دون أن ينتزع المُلك نفسه ، لذلك يترك شارات الملك وألقابه حتى لاتهيج عليه عصبية الملك القائم بالإسم والرسم الذي يحكم بإسمه ، وحين حاول حفيد المنصور بن أبي عامر أن يشارك هشام في لقب الخلافة ، ولم يقنع بما قنع به أسلافه من التحكم دون لقب الخلافة خرج عليه بنو مروان وتخربت دولة بني عامر .

                                       الفصل الثالث والعشرون

                                 حقيقة الملك وأصنافه

ضرورة الملك للمجتمع

     الملك منصب طبيعي ، لإحتياج المجتمع إلى رئيس يقيم العدل ويرعى المصالح .

ضرورة العصبية للملك

     والملك يحتاج إلى العصبية التي تعينه في الحكم والإدارة ويصل بها إلى المُلك .

تفاوت العصببيات في قوتها

     والعصبيات متفاوتة في القوة ، وكل عصبية تحكم وتغلب من يليها إلى أن تصل إلى المُلك الذي يحكم الجميع .        

نفوذ الملك بقدر  سيطرته على العصبيات

    والملك يستبعد الرعية ويجبي الأموال ويرسل الجيوش ويحمي الحدود ، والملك الذي تتقاصر قوته وعصبيته عن ذلك يكون ناقص المُلك. والملك الذي تتقاصر قوته عن ضرب العصبيات داخل مملكته  فهو ناقص المُلك وينطبق ذلك على الأمراء  والملوك في النواحي والجهات الذين تجمعهم دولة واسعة مثل ملوك وأمراء العجم والبربر والطوائف في العصر العباسي والأندلس وفي عصر الأسكندر والفرس .

                               الفصل الرابع والعشرون

                    إرهاق الحد " العسف " مضر بالملك ومفسد له غالبا

رأى هام لابن خلدون:  مصلحة (الرعية ) في رفق الملك

    مصلحة الرعية ليست في ذات السلطان وجسمه ولكن من حيث فائدته لهم ،لأن السلطان أو الملك إضافة ، إذ هو المالك للرعية القائم في أمورهم ، فالسلطان من له رعية والرعية من لها سلطان ، ويجمع بينهما كونه يملك الرعية .

رأى هام لابن خلدون : مصلحة الملك في الرفق بالرعية

    إذا ملك الملك الرعية بالرفق والجود كان في ذلك المصلحة ، وإن كان ذلك بالعسف والظلم ففيه الهلاك ، وهربت منه الرعية بالخوف والذل والمكر والنفاق ، وخذلوه وقت الشدة وربما قتلوه إذا استطاعوا . وإذا عجزوا عن قتله واستمر قهره فسدت عصبيته . أما إذا كان بهم رفيقا أحبوه وحاربوا أعداءه . ومن الرفق بهم النظر في معاشهم .

رأى غريب لابن خلدون : من الأفضل أن يكون الحاكم متوسط الذكاء

     والرفق يوجد في المغفل ولا يوجد في شديد الذكاء ، لأن شديد الذكاء من الحكام يكلف الرعية فوق طاقتها . ولذلك إشترط في الحاكم  قلة الإفراط في الذكاء . وعزل عمر زياد ابن أبيه عن العراق لشدة ذكائه حتى لا يحمل الناس على ما ليس في طبعهم . والأفضل في الحاكم أن يتوسط حتى لا يتطرف ولا يتعسف ، لأن الذكاء عيب في صاحب السياسة ولذلك يوصف الذكي الألمعي بصفات الشيطان فيقال إنه شيطان أو متشيطن .

                                           الفصل الخامس والعشرون

                                     معنى الخلافة والإمامة

    لما كان المُلك يعني التغلب والقهر كانت أحكامه جائرة لأنه يحملهم ويرغمهم لتحقيق أغراضه مما يؤدي إلى الثورة والفتن لذلك يجب أن يرجع إلى قوانين السياسة التي  يفرضها العقلاء.

     والسياسة قد تكون عقلية وقد تكون شرعية إلاهية . وهكذا يكون لدينا ثلاثة أنواع من الملك:

     الملك الطبيعي : وهو قهر الناس بالغرض والشهوة . والملك السياسي ، وهو حمل الناس بالنظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار . والملك الديني أو الخلافة ، وهي حمل الناس على مقتضى الشرع لرعاية مصالحهم الأخروية والدنيوية . وهي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به . وهي الأفضل لأن الدنيا دون الدين مجرد عبث ، ولأن الدين هو طريق السعادة في الدارين ولأن أحكام السياسة العقلية عبارة عن نظر بغير نور الله وذلك مذموم .

ملاحظة : ينحاز ابن خلدون للدولة الدينية متأثرا بثقافة عصره .                                       الفصل السادس والعشرون

                إختلاف الأمة في حكم منصب الخلافة والإمامة وشروطه

معنى الخلافة والإمامة

    الخلافة تعنى النيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به والإمامة تشبيها بإمامة الصلاة من حيث الإقتداء ، ولهذا يقال لها الإمامة الكبرى .

    ويقال خليفة لكونه يخلف النبي في أمته ،ويقال خليفة الله اقتباسا من الخلافة العامة من قوله تعالى " إني جاعل في الأرض خليفة " " جعلكم خلائف الأرض " ومنع جمهور العلماء ذلك لأن الآية لا تدل على ذلك ، ولرفض أبي بكر هذا حين قال " لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله " ولأن الإستخلاف إنما يكون في حق الغائب .

الإختلاف في حكم الإمامة ونصب الخليفة

     ونصب الإمام واجب شرعا بالإجماع لأن الصحابة بايعوا أبابكر وسلموا النظر إليه في أمورهم ، وكذا في كل عصر بعد ذلك .

     وقيل أنه واجب شرعا بالعقل ، والإجماع هو قضاء بحكم العقل . حيث يستحيل الإجتماع بدون حاكم وإلا كانت الفوضى والهلاك ، وحفظ النوع من مقاصد الشرع . وهونفس دليل وجوب النبوة عند الحكماء ، وذلك ما يخالف فيه إبن خلدون الحكماء . ويرى أن وجوب نصب الإمامة بالشرع والإجماع .

    وقال بعضهم أنه لا يجب نصب الإمام لا بالشرع ولا بالعقل ، ومنهم الأصم من المعتزلة وبعض الخوارج ، وقالوا إن الأمة إذا اتفقت على تنفيذ الشرع والعدل لم يكن الأمرمحتاجا إلى إمام .

     ويرى إبن خلدون أن الإجماع حجة على هذا الرأي. وقال أنهم اتجهوا إلى هذا الرأى فرارا من الإستبداد الذي يعطل الشريعة.

     ويرى إبن خلدون أن الشرع لم يذم المُلك ولم يحرمه ، وإنما ذم المفاسد الناشئة  عنه من القهر والظلم ، كما أثنى على العدل وإقامة معالم الدين ، وهي من توابع المُلك ، وكانداود وسليمان من الملوك . ثم إنهم طالما يقولون بإقامة أحكام الشريعة ، فهذا لا يحصل إلا بالعصبية والشوكة ، أي إقامة المُلك .

      وهذا الواجب من فروض الكفاية ويرجع إلى اختيار أهل الحل والعقد فيتعين عليهم نصب الإمام ويجب على الخلق جميعا طاعته لقوله تعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".

شروط منصب الخلافة

    وشروط المنصب أربعة : العلم والعدالة والكفاية ، وسلامة الحواس والأعضاء مما يؤثر في الرأي والعمل .

    واختلف في الشرط الخامس ، وهو كونه قرشي النسب .

    شرط العلم : أي بأحكام الشرع ، وأن يكون مجتهدا وليس مقلدا.

    شرط العدالة :  لأن الإمامة منصب ديني ، ومن شروط العدالة ألا يقع في المحظورات ، وقيل أيضا ألا يقع في البدع الإعتقادية .

     شرط الكفاية : الجرأة والخبرة بالحرب وأحوال العصبيات وتدبير المصالح .

     وسلامة الحواس والأعضاء في البصر والسمع واللمس والقدمين واليدين والأذنين وألا يكون ممنوعا من التصرف بالقهر كالأسير ، أو بالحجر عليه من بعض المتغلبين عليه .

متى تجوز الثورة على المتغلب على الحكم ؟

     والمتغلب على السلطان تنتقل إليه الإشتراطات السابقة ، فإن تحلى بها جاز إقراره وإلا ثار عليه المسلمون لعزله وإعادة الإمام المغلوب .

شرط النسب القرشي

    بدأ هذا الشرط باجتماع السقيفة وحجب سعد بن عبادة وحديث الأئمة من قريش إلا أن قريش  أصابها الترف وضاعت عصبيتها ، وتلاشت في سائر الأقطار وتغلبت عليها الأعاجم ، فذهب كثير من المحققين إلى نفي شرط القرشية واستدلوا بحديث " إسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبه" .وقول عمر " لو كان  سالم مولى حذيفة حيا لوليته " . ولا يأخذ إبن خلدون بالإستدلال بهذين الحديثين مع وضوح الإستدلال بهما .  ومن القائلين بنفي شرط القرشية أبوبكر الباقلاني والخوارج . أما الجمهور من العلماء فيرى شرط القرشية حتى لو كان عاجزا غير كفء ، ولكن إبن خلدون يتمسك بالكفاءة حرصا على العصبية والقوة .

حكمة إشتراط النسب القرشي

1-   التبرك بنسب النبي. 2- العصبية ، حيث كانت قريش عصبية مضر وأصلها وشرفها وينقاد الناس لهم . وقد استمر هذا في الإٍسلام إلى أن تلاشت عصبية العرب وغلبهم الأعاجم .

إشتراط العصبية بعد تلاشي قريش

    وبعد تلاشي العرب وعصبية قريش يظل الشرط قائما ، وهو أن يكون الحاكم من قوم أولى عصبية قوية غالبة كما كان لقريش.

ابن خلدون مع الثيوقراطية  ( الدولة الدينية )

     وإذا نظرت إلى سر الله في الخلافة يتأكد لك أن الله جعل الخليفة نائبا عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم ، وهو مخاطب بذلك ، ولا يخاطب بالأمر إلا من له قدرة عليه ، كما خوطب الرجال وكان النساء تبعا للرجال في الخطاب .

اجمالي القراءات 15960