وصيتى للأحبّة أهل القرآن

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٣١ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

1 ـ أرجو ألّا يُفهم هذا الكلام على أنه حديث شخصى عن الذات . هو خطاب موضوعى لمن يهمه الأمر فى إصلاح ( المحمديين ) متبعى الأديان الأرضية فى مرحلة وصلوا فيها الى عُنُق الزجاجة من القتل والتدمير ، بما لم يحدث من قبل خلال أربعة عشر قرنا من الزمان ، والذى يوجه هذا الخطاب هو مفكر إسلامى إصلاحى وهب حياته لهذا الاصلاح بالاحتكام الى القرآن الكريم منذ عام 1975 ، وهو الآن يقول وصيته لمن شاء بإرادة حرة أن يسير فى نفس الطريق الاصلاحى القرآنى ، من ( اهل القرآن ) .

2 ـ هو طريق محفوف بالمكاره فى الدنيا .  من يسير فيه تلاحقه الاتهامات واللعنات والمعاناة ، ولكنه لو إستمر فى طريقه مُجاهدا مُسالما مؤمنا بالله جل وعلا وباليوم الآخر فسيكون يوم القيامة ممّن يُلحقهم الله جل وعلا بمعيّة الأنبياء والمرسلين ، يكون فى صحبتهم ومعهم ، يكون من الأشهاد على قومه ، وأولئك الشهداء ضمن من قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) النساء ) . هو فضل من رب العزة تتوارى أمامه كل مباهج هذه الحياة الدنيا وكل متاعبها ومصائبها .

إن الله جل وعلا هو الذى يصطفى ويختار رسله وأنبياءه من بين الملائكة ومن بين البشر : (الله يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ للَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) الحج)، وهو جل وعلا الأعلم بمن يختارهم : ( للَّه أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )(124) الانعام ). ولكن المجال مفتوح أمامنا نحن بقية البشر أن نحتل المنزلة التالية بعد رسل الله وأنبيائه إذا سرنا على نفس طريقهم ندعو الى الله جل وعلا على بصيرة قرآنية : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى للَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)يوسف  )، والسبيل الذى كان يتمسك به رسول الله هو القرآن الكريم الموصوف بأنه ( بصائر ) : (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) الانعام) (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) الاعراف) (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) الجاثية ).

وما أروع أن تكون يوم القيامة ضمن الشهداء على أقوامهم يؤتى بك فى المقدمة فى صحبة الأنبياء يوم الحساب : (  وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) الزمر ) وبعدها يؤتى ببقية الناس : ( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر ) .

 التسابق ليس فى سبيل حُطام دنيوى زائل وتافه وخادع وغرور : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ للَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) الحديد ) التسابق ينبغى أن يكون فى سبيل الحصول على الجنة فى الآخرة بالايمان الخالص والعمل الصالح :( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد ).

الذى ينفق حياته تسابقا على متاع الدنيا تفاخرا وتكاثرا ، إما أن يموت بحسرته قبل أن يتمتع بما يشتهى وإما أن يحصل على ما يريد ويفقد الاحساس بمتعته ، وقد يعيش الى أرذل العمر يعانى من آلام الشيخوخة عاجزا عن التمتع بما جمع ، وبلا مستقبل وبلا أمل الى أن يأتيه الموت بحسرة الدنيا والآخرة ، فما أبقت عليه الدنيا وما عمل لمستقبله فى الآخرة . المؤمن الذى يعمل الصالحات إبتغاء وجه الله جل وعلا هو الذى ينجو من هذا المصير ، والأفضل منه هو الذى يهب حياته ليكون شاهدا على قومه يعظهم بالقرآن يحذّرهم ممّا يفعلون من عمل الكُفار وهم يحسبون أنهم مهتدون ، يعظهم بالقرآن ، لا يفرض رأيه ولا يطلب منهم أجرا ، ويتحمل ما إستطاع من أذاهم راجيا الأجر من الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا .

3 ـ إلتزمت بيتى ومكتبتى من عام 1985 ، متفرغا جالسا للبحث والقراءة معظم الوقت ، ولهذا متاعب صحية متوقعة كنت ولا زلت أصبر عليها وأصابر عليها . وقاومت إلحاح أولادى فى السنوات الأخيرة فى الذهاب للطبيب ، وذهبت لعمل كشف شامل يوم الجمعة الماضى ، وقابلت الطبيب أمس فحذرنى بمفاجآت غير سارة فى الطريق  . وكما قلت ــ  وأعيد التأكيد عليه ـ فليس هذا حديثا عن الذات وليس شأنا شخصيا على الاطلاق . هو وصية فى آخر العمر لمن يهمه الأمر من أهل القرآن ويريد بإرادة حُرة أن يواصل معى الطريق فيما تبقى من العمر وأن يستمر بعدى الى أن نلقى الله جل وعلا يوم الحساب .

4 ـ من ناحيتى : قد أعيش بعد هذه اللحظة يوما أو شهرا أو عاما او عشرين عاما ، علم ذلك عند ربى جل وعلا . الذى أعرفه أن ما بقى من العمر قليل وما بقى من الجهد أقل . وفى المقابل فإن ما ينتظر النشر من مؤلفاتى يحتاج الى سنوات . لذا قررت أن أتفرّغ  تماما ــ وبما تبقى لى من جهد ومن عمر ــ لنشر المؤلفات القديمة التى تم نشرها ورقيا من قبل أو التى لم تُنشر من قبل . ومنها هذا الكتاب عن أثر التصوف فى العمارة والثقافة والمجتمع المصرى المملوكى ، وبعده كتاب ( مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية ) وبعده كتاب عن نشأة تطور الأديان الأرضية فى تاريخ المسلمين ..وهكذا ..بالاضافة الى إستكمال كتب أخرى . وبين سلاسل المقالات سأنشر مقالات فى القاموس القرآنى لتخفيف وقع الحدة فى المقالات البحثية الجادة  . وكالعادة تتم مراجعة الكتاب قبل النشر وهى عملية مُرهقة مُملة ، وبعد المراجعة يتم تقسيمه الى مقالات يتم نشرها تباعا ، ثم بعد الانتهاء منه يتم تجميعه كتابا منشورا فى الموقع . هذا ما كان يحدث . الجديد الآن هو محاولة نشر مقالين فى اليوم للإسراع بنشر ما يمكن نشره قبل أن يحلّ العجز أو يأتى الأجل .!.

5 ـ وصيتى لأحبتى من أهل القرآن هو المساعدة فى أن يصل هذا الى أوسع مدى عبر آفاق الانترنت ، وان يُعطوا لأنفسهم وقتا للتدرب على البحث ، بقراءة متعمقة للبحوث التى أكتبها ، ومنها على سبيل المثال أبحاث التصوف التى سبق تقديمها للمناقشة عام 1977 ، وهى تمثل ـ بلا مبالغة ـ ريادة علمية تستلزم البناء عليها ليس فقط فى تاريخ التصوف بل فى تاريخ السنيين والشيعة وبحث التاريخ الدينى للمحمديين وأديانهم مللهم نحلهم ومذاهبهم وطوائفهم وتناقضها مع القرآن الكريم .

هذا الجهد الاصلاحى السلمى التثقيفى التوعوى هو وصيتى لكم أحبتى ، سواء بالتاليف البحثى أو بنشر ما نكتبه على أوسع نطاق ، وهنا يكون التسابق فى الخير ، وهنا يكون التأهل لدرجة الأشهاد والشهداء أمام رب العزة يوم الحساب .

6 ـ بهذه الوصية أقدم العُذر راجيا من رب العزة الغفران إذا أخطأت ، والمثوبة إذا أحسنت .

وسبحان من لايضيع أجر من أحسن عملا .

وهو جل وعلا ــ وحده ـ المستعان .

أحمد صبحى منصور / الجمعة 31 يولية 2015 .

اجمالي القراءات 14320