كذب أبو هريرة وإن صدق

نهاد حداد في الأحد ٢٦ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

لم يتوان أبو هريرة في ريائه لخلفاء بني أمية من وضع الحديث تلو الآخر ليعزز ملكهم وسطوتهم وأحقية  امتلاك مالايمتلكه غيرهم . فأبو هريرة ، ذلك الرجل  الفقير الذي كان يعترض طريق الصحابة ليقرأهم القرآن لعلهم يلاحظون جوعه فيطعموه لم يكن رحيما مع الفقراء حين أغناه  الله من فضله . بل كان أول من قطع رجاءهم في رحمة الله . بل أهان حتى زوجته التي كان خادما عندها قبل ذلك -ومع ذلك رضيت به وتزوجته - حيث  أرغمها على ركوب الجمل واقفا . وهذا مثال بسيط على وقاحته مع أقرب الناس إليه ؛ بعد أن كان وقحا حتى مع الصحابة وحتى مع عائشة  زوج النبي عليه السلام .
فحين اتهم أبو هريرة بالإكثار من الروايات ، مع أن أقرب الناس إلى الرسول عليه السلام لم يكونوا يحدثون بل رفضوا الأحاديث . حيث أن أبابكر أحرق خمسمئة حديث وأما عمر فقد ضرب أبا هريرة بالدرة لينهاه عن التحديث . فقال آن الصحابة كان يشغلهم الصفق في الأسواق ، وعندما راجعته عائشة في بعض الأحاديث كذبها وأهانها بقوله أنها كانت تمتشط وتكتحل عندما كان هو يرافق النبي عليه السلام ويسمع منه. 
 
 لقد تعودنا على افتراءات أبي هريرة في الحديث ! ولكنني لا أقبل افتراءاته على كتاب الله عز وجل وقرآنه خصوصا وأن الله اجاب عن سؤال الفقراء إجابة واضحة لا لبس فيها ولا حاجة لوضع  حديث كي نصدق قوله تعالى .
 
وفي رأيي أن الحديث الذي سنأتي على ذكره لم يوضع إلا لإثبات آخر جملة فيه ! وهذه الجملة صحيحة ولكن !!!!
طبعا ، إن الله عز وجل يعز من يشاء ويذل من يشاء ويؤتي الملك لمن يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب ! ولسنا في حاجة لمن يقول لنا بأن هذا الكلام صحيح ! لأنه قرأن كريم ! ولكن أكبر الأباطيل عبرالتاريخ بُنيت على الحقائق ، كمثل هذا الحديث الذي ينفي كلام الله بالتأكيد على كلام آخر لله عز وجل للافتراء على الله ! وهنا الطامة الكبرى ! وهي كلمة حق أريد بها باطل !
 
 
فلنتأمل هذا الحديث الذي ذكره محمد بن صالح بن محمد العثيمين في كتابه شرح رياض الصالحين . " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : " ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم،  ولهم فضل من أموال يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون ."فقال: "  ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم & قالوا بلى يا رسول الله.  قال : تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين، قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة لما سئل عن كيفية ذكرهن ، قال : يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين"  متفق عليه .
وزاد مسلم في روايته:"  فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :" سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ."
 
 ونعم بالله ، طبعا إن الله تعالى يؤتي فضله من يشاء وهذا شيء مفروغ منه ، لكن هل ترك الله الفقراء بدون آجر لمجرد أنهم فقراء؟ وهل في الدين تمييز بين الغني والفقير ؟ 
 
الحقيقة أن سؤال الفقراء كان وجيها ، فالمطلوب. من كل مسلم أن يقيم الصلاة وينفق مما رزقه الله ! فماذا يفعل المعوز الذي لاشيء لديه لينفقه ؟ 
 
لقد سأل الفقراء النبي فعلا في سورة البقرة عما يجب أن ينفقوه ، وقد آجابهم عز وجل بنفسه قائلا :" وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ". صدق الله العظيم !
 هذا قول الله سبحانه ، فبأي حديث بعده سنؤمن ؟ فبالنسبة لله عز وجل ، فإن العفو والصفح والمغفرة صدقة ! ولألا تكون الصدقات والنفقة حكرا على الأغنياء ، فإنه عز وجل عوض من ليس لديه ماينفق بقلب طيب كريم يؤجر عليه. فماذا أراد الله بهذا مثلا ؟ 
يبين الله لنا آياته ، ومن آياته أن الدين ليس عبادات ومناسك فقط ، وليس نفقة مادية فحسب وإنما سلوك قويم يتساوى من يتصف به مع من ينفق ومع من يتصدق ، فرب منفق يضيع صدقته بالأذى والمن . 
 
قال رب العزة:" قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ". معنى هذا ، أن الله مستغن عن نفقاتنا ، فهو الغني الحليم ، وهو جل وعلا يفضل التعامل الطيب الكريم وقول المعروف والصفح والعفو عن الناس على الصدقة التي يتبعها المن والأذى . 
 
ولننظر كيف يصف الله المتقين هنا إذ يساوي بين الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس بالمتقين الذين ينفقون في السرا ء والضراء 0
قال تعالى: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) سورة آل عمران .
 
فالله عز وجل يتحدث في الشطرالأولمن الآية  عن الذين ينفقون وفي الشطرالثاني عن الذين يكظمون الغيظ ويعفون عن الناس .  قد يقول قائل إن الذين ينفقون هم أنفسهم الكاظمين الغيظ فنقول لا ! لأن الآية كانت ستكون كالتالي :" الذين ينفقون في السراء والضراء و يكظمون الغيظ ويعفون عن الناس . 
 
طبعا قد تجتمع كل هذه الصفات في شخص واحد ولكن هذا لا يمنع من أن الله يجزي من عمل بها كلا على حدة !
 
باسم الله الرحمان الرحيم :"إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) سورة النساء.
 
خلاصة القول، هل نترك قول الله عز وجل وكتابه ونجري وراء أحاديث تستغل كتاب الله لتميز في الدين بين الغني والفقير . فالدين يأمر الناس أن ينفقوا مما رزقهم الله  ، فمن ليس لديه ماينفق فليتحل بكريم الأخلاق من صفح وعفو ومغفرة ! هذه هي الصدقة التي يمكن أن يتصدق بها والنفقة المطلوبة منه . ولا فضل للموسر هنا على المعسر .
ويأتي أبو هريرة ليقطع رجاءهم من أجر ربهم بالنفقة بقوله أن الله يؤتي فضله من يشاء  . نعم ، هذا صحيح في الرزق ، أما في العبادات فقد ساوى تعالى في الحظ لكل مسلم كي يصبو إلى التقوى بالعديد من الأعمال كل حسب استطاعته وطاقته حيث لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ! 
فالموسر ينفق من سعته وله أجره عند ربه والمعوز ينفق العفو والصفح والمغفرة وهو مأجور عن ذلك عند ربه أيضا. 
باسم الله الرحمان الرحيم : " فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ".  صدق الله العظيم !
اجمالي القراءات 14646