الصيام والعادة السرية ( الاستمناء )

آحمد صبحي منصور في السبت ١١ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

جاءنى هذا السؤال فى التليفون من صديق فى نيوجيرسى  : هل العادة السرية ( الاستمناء ) تفطر الصائم ؟ أسرعت بالاجابة : نعم . بعد المكالمة تبينت أن الموضوع أهم وأخطر من مجرد القول بنعم . فطالما أن العبادة وسيلة للتقوى والخشوع فإن العصيان أثناء تأديتها يعنى الاستهزاء برب العزة وإزدراءه والاستهانة به جل وعلا . ونعطى بعض التفصيل : .

أولا : الصيام أصبح فريضة إجتماعية أكبر منها فريضة إسلامية

1 ـ بتوالى القرون أصبح رمضان والصيام فيه فريضة إجتماعية لها طقوسها ومظاهرها الاجتماعية والسلوكية ، تؤثر على عموم المحمديين ومن يشاركهم العيش من المسيحيين . وبعد توطن الهجرات فى الغرب أصبح رمضان والصيام فيه طريقا للتميز فى جاليات المحمديين ، ينالون بها جذب الانتباه والإعجاب والتفرد فى مجتمعات الغُربة. بل ربما يُقال أن ( رمضان ) أصبح بتوالى القرون أشبه ما يكون بإله معبود يهابه المحمديون ، ينتظرون قدومه ويهابون الافطار فيه حتى لا يغضب عليهم، ويسبحون باسمه قائلين ( رمضان كريم ) وتستعد له دول المحمديين بإحتفالات وإجراءات وسياسات حتى يرضى عنهم ( الشيخ رمضان ).

2 ــ وفى كل هذا الهرج والمرج والاحتفالات والمسلسلات والسهرات والفوازير غابت التقوى الاسلامية بغياب الاسلام نفسه من الساحة وتحكم الدين الأرضى مكانه، وإستغلال أرباب الدين الأرضى رمضان للتكسب والمزيد من الأضواء والنفوذ . وبهذا تحول الصيام الى طقس إجتماعى سطحى مظهرى . ترى الذى تعود ألا يصلى يحرص على الصوم ، والمدمن للفواحش والسرقات والعصيان يصوم ، ولا يؤثر صيامه فى توبة صادقة ، بل على العكس ، أصبح صيام رمضان دافعا للعصيان ، فالجهاد الوهابى يزدهر فى رمضان ويحصد حياة الأبرياء ، والسهر ليلا ليس لقيام الليل بل فى المجون ، وأصبح الصوم عُذرا لسوء الخُلُق ، فالصائم يستشيط غضبا ، بل ربما يسبُّ الدين ، وهو عند الناس ( معذور) " لأنه صائم ". والمثل المصرى المملوكى يقول ( يا طالب الشّر من غير أصل .. تعالى للصايم بعد العصر).! بإختصار : رمضان كفريضة إجتماعية أضاع الصيام كعبادة اسلامية تهدف للتقوى.

ثانيا : معنى كون التقوى هدفا للعبادات

 كتابات الفقهاء عن العبادات أسهمت فى تغييب التقوى، إذ ركزت وبالغت فى التفاصيل السطحية التى لاشأن بالعبادات الاسلامية ولا بالتقوى الاسلامية، وإعتبرت تأدية تلك العبادات شكليا هو الهدف ، فتحولت تلك التأدية الشكلية للصلاة والصوم والحج وسيلة للعصيان، وتكلمنا فى هذا كثيرا . ونضيف :

1 ـ إسلاميا : الصلاة وسيلة للتقوى وهى تنهى عن الفحشاء والمنكر خارج وقت تأدية الصلاة ، فالذى يصلى يخشع فى صلاته وعندما يناجى ربه قائلا ( إهدنا الصراط المستقيم ) فهو يعنى ذلك ويقول ذلك لرب العزة مخلصا . ولهذا فهو بين الصلوات يتقى ربه جل وعلا وينهى نفسه عن الفحشاء والمنكر ، لأنه لو وقع فى عصيان بعد صلاة الظهر فكيف يقول لربه فى صلاة العصر ( إهدنا الصراط المستقيم ). هذا هو معنى ( إقامة الصلاة ) و ( المحافظة على الصلاة ) . الصلاة بهذا وسيلة تطهّر يومية تتكرر خمس مرات بسبعة عشر ركعة لكى ينظف المؤمن قلبه وسلوكه يوميا ، فيظهر هذا فى حُسن تعامله مع الناس ، وفى إخلاص قلبه لرب الناس جل وعلا .

العكس هو ( إضاعة أو تضييع الصلاة ) بأن تصلى وتعصى وتتبع الشهوات (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) مريم  ).  بالتالى فإن الذى لا يتقى ربه مع صلاته يكون قد أضاع ثمرة صلاته وسيلقى غيا وعذابا يوم الدين إذا لم يتب ..

حسنا .. تخيل إنه فقط لم يقع فى النسيان والشرود والسهو فى الصلاة ، وتخيل إنه فقط لم يعص ربه فى غير أوقات الصلاة ، بل يعصى ربه وقت تأديته للصلاة ؟ تخيل إنه يصلى وعقله مشغول بالجنس الحرام الى درجة الإثارة الجنسيةوالاستمناء ؟ تخيل وهو يصلى يخطّط لجريمة سرقة أو قتل أو إغتصاب ؟

الموضوع هنا خارج تماما عن مجرد ( مبطلات الصلاة ) ، إنه ليس مجرد تضييع لثمرة الصلاة ، بل إستهزاء برب العزة وإستخفاف به جل وعلا ، إذ يمكنه أن يفكر فى هذا الإجرام وهو لا يصلى ، أما أن يستبدل الخشوع فى الصلاة بالفسوق وهو يصلى فهو الاستهزاء برب العالمين جل وعلا .

2 ـ إسلاميا : فالحج لمن إستطاع اليه سبيلا هو معسكر للتقوى يعيش فيه المؤمن مرة أو أكثر فى حياته ، يتعلم ويمارس فيه التقوى بالاحرام ، ويتزود بهذه التقوى لليوم الآخر ، وبهذه التقوى يمارس الإحرام الذى يعنى تحريم الرفث ( أى الجنس ومقدماته )مع الزوجة ، وتحريم الجدال وتحريم الفسوق، يقول جل وعلا : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة ) ، وهذه التقوى هى ثمرة الحج ، وهى أيضا ثمرة تقديم الهدى أوالذبائح لضيوف الرحمن ، يقول جل وعلا : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37) الحج ).

التقوى واجبة فى الحج ، والتقوى محلها القلب ، لذا يصل الأمر فى الإحرام أن الله جل وعلا يهدد بالعذاب الأليم من ينوى ـ مجرد نية قلبية ـ الوقوع فى الالحاد والظلم وهو فى البيت الحرام ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)  الحج  ). والله جل وعلا جعل بيته أمنا وسلاما لكل الأحياء والحشرات ، لذا يجب الحلق أو قص الشعر قبل الاحرام منعا لقتل القمل وخلافه ، وممنوع  قتل الصيد في الحرم . ولأن الحج وسيلة للتقوى وتطهير النفس من الداخل فإن الله جل وعلا يختبر الناس فى الحج بأن تاتى حيوانات الصيد وطيوره وتكون مُتاحة للصيد بسهولة ، هل يعصون رب العزة ويقتلون الصيد أم لا ؟ وهل يخافون الله جل وعلا بالغيب أم لا ؟ ويتوعد رب العزة ذلك المعتدى بعذاب أليم ، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) المائدة ) . ويقول جل وعلا بعدها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة ) أى إن عقوبة قتل الصيد بيد المُحرم هى كفارة تعدل الحيوان المُصاد . ولكن التأكيد هنا على قوله جل وعلا ( متعمدا ) ، وهذا التعمد هو فى القلب ، أى أن تطبيق هذا الأمر الالهى منوط بقلب الحاج وتقواه ، والله جل وعلا هو الرقيب عليه . ثم يأتى التهديد له إن عاد لقتل الصيد فسينتقم الله جل وعلا منه لأنه إنتهك حُرمة بيته الحرام .

هنا نفهم ـ أولا ــ الانذار الذى أعلنه رب العزة للكفار المعتدين الذين إعتدوا على المؤمنين فى الحرم بعد فتح مكة سلميا ، ونزلت سورة التوبة بإمهالهم أربعة أشهر للتوبة ، وتتابعت الآيات من مطلع سورة التوبة الى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28  ) التوبة ).

هنا نفهم ـ ثانيا ــ مدى بشاعة الجريمة التى وقع فيها الصحابة وأولادهم فى انتهاك حُرمة البيت الحرام فى فتنة عبد الله بن الزبير ، والذى إحتمى بالكعبة فعرّضها للضرب بالمجانيق ، مما سبّب إحراقها .

هنا نفهم ـ ثالثا ـ بشاعة هجوم القرامطة الشيعة على الكعبة فى العصر العباسى ، وإنتهاك السعوديين للكعبة وإستيلاءهم على البيت الحرام مرتين ، فى الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثالثة والحالية ، ثم فتنة جهيمان العتيبى وسفك الدماء فى الحرم عام 1979 . فإذا كان رب العزة يتوعد بالانتقام ممّن يقتل متعمدا حيوان الصيد فى الحرم فكيف بمن يقتل البشر فى البيت الذى جعله الله جل وعلا مثابة للناس وأمنا ، وأكّد على أن من دخله كان آمنا ؟

هنا نفهم ـ أخيرا ــ بشاعة الجُرم حين تعصى ربك جل وعلا وأنت تؤدى فريضة الحج التى هى وسيلة للتقوى فتتحدى ربك جل وعلا وتعصيه وأنت تؤديها .

3 ـ أسلاميا : فالصيام فى رمضان هو وسيلة لمعايشة التقوى شهرا كل عام ، ولأجل هذه المعايشة للتقوى نزلت تشريعات الصيام بالترخيص بالافطار فى رمضان عند السفر والمرض ولمن يتخوف من مشقة الصوم . لا بأس  أن يفطر ويقضى أو يدفع الفدية ، ولكن عليه أن يكون أكثر تقوى فى رمضان ليله ونهاره أكثر من الذى يصوم ، ولتعلم التقوى ترك رب العزة لقلب المؤمن تحديد السفر والمرض والقدرة على الصوم ، هل يصوم أو يفطر ، بل وترك تحديد بدء الصيام اليومى بصورة تقريبية شخصية حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، لا فارق إذا كانت قوة إبصاره ستة على ستة أو ستة على ستين .! .

 هنا مع وجود كل هذه التسهيلات نتصور حال الذى يعصى ربه وهو صائم . يمارس العادة السرية وهو صائم ، يقتل وهو صائم ، يسرق وهو صائم ، يفسد فى الأرض وهو صائم .! . وإذا كان ممنوعا الرفث مع الزوجة فى الحرم فكيف بمن يتحرش بالنساء فى الحرم ؟ وهى عادة سيئة من عصر عمر بن ربيعة ( العصر الأموى ) وحتى الآن ؟ وكيف بمن يرتكب الزنا وهو صائم ؟ أو يشيع الفاحشة بين الناس وهو صائم ؟ هو هنا يتحدى رب العزة ويستهزىء به جل وعلا . ربما لو أفطر رمضان وكف عن العصيان كان أفضل له من أن يصوم ويعصى فى صيامه متعمدا . ليس الحديث هنا عن مجرد مبطلات الصوم ، إنه الإستخفاف والإستهزاء بالرحمن جل وعلا.

دعنا ننظر واقعيا على حال المحمديين  فى صيامهم الاجتماعى الشكلى بمجرد الجوع والعطش ، ونقول : لا أعتقد أن صيامه مقبول من يصوم ولا يصلى ، ومن يصوم وقلبه متخم بتقديس البشر والحجر، ومن لا يفلح صومه فى تعليمه التقوى .

قلنا أن من يمارس (الاستمناء العادى) وهو صائم  يستهزىء برب العزة ، وباسلوب المشاكلة نقول : إن من يصوم ويمارس (الاستمناء السياسى ) من الطُّغاة الظالمين لشعوبهم فهم يستهزئون برب العزة  جل وعلا ، ومن يصوم ويمارس ( الاستمناء الدينى) من أرباب الأديان الأرضية الذين  ينشرون الضلال فى شهر رمضان فهم  يستهزئون برب العزة  جل وعلا . ومهما أقاموا فى رمضان من حفلات ومواكب وموائد فمأواهم جهنم وبئس المصير ..

أخيرا

بعض المنافقين كانوا يستمعون القرآن الكريم ، وبدلا من أن يستمعوا له وينصتوا فى خشوع لعلهم يُرحمون تندروا قائلين بخوفهم أن ينزل الوحىى ينبىء بما فى قلوبهم . ونزل فعلا الوحى القرآنى ينبىء بما قالوا وفيه الحكم من رب العزة بكفرهم وعدم قبول إعتذارهم المعهود بالحلف كذبا بأنهم ما قالوا . يقول جل وعلا : (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة )

ودائما : صدق الله العظيم 

اجمالي القراءات 16951