أنواع الرسالات الإلهية

نهرو طنطاوي في الأربعاء ٢١ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

هذه الدراسة والدراسة السابقة التي كانت بعنوان: (الأنبياء والرسل مخيرون وليسوا مسيرين)، لهما علاقة وثيقة بدراستنا حول الديانات الشرقية القديمة: (البرهمية، البوذية، الكونفوشيوسة، الزرادشتية)، والذين بدأنا الحديث عنهم في مقالين سابقين بعنوان: (البوذية ديانة سماوية وبوذا نبي)، ويمكن مراجعتهما على الرابط التالي: www.rezgar.com/m.asp?I=1249

إن توضيح طبيعة النبوة والرسالة، وطبيعة الرسالات السماوية كما جاءوا في القرآن الكريم، سوف يمكننا من الوصول إلى أرضية مشتركة بين الإسلام والديانات السماوية جميعا وبين الديانات الشرقية، وذلك عن طريق استقراء النصوص الدينية والتاريخية لتلك الديانات القديمة، مما سيجعلنا في نهاية المطاف نصل إلى نتيجة مؤكدة بأن أصول الديانات الشرقية هي أصول إلهية توحيدية أوحى الله بها إلى أهل تلك البلدان. إن الرسالات السماوية هي واحدة، وليست واحدة، فهي واحدة من جانب أن جميعها جاءت تدعوا إلى وحدانية الله بأركانه الثلاث: الألوهية، الربوبية، واللامثلية، وهذه الوحدانية سوف نتناولها لاحقا في دراسة مستقلة. أما أن الرسالات السماوية ليست واحدة، فمن ناحية المادة الرسالية التي جاءت بها كل رسالة على حدة، فمن استقراء نصوص القرآن الكريم حول الرسالات جميعها، وجدنا أن الله قد أرسل رسالاته على نوعين، رسالات عامة مفصلة مركزية كبرى، ورسالات فرعية تجديدية، وقد جاء في القرآن الكريم أيضا أن الرسالات العامة المركزية الكبرى تحتوي على عدة موضوعات شاملة كاملة مفصلة، لم تأت بها الرسالات الفرعية التجديدية، وسوف نفصل ذلك في السطور التالية. # أنواع الرسالات الإلهية: لو تتبعنا خطى الرسالات الإلهية التي أوحى الله بها إلى الموكب الكريم من الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم، لوجدنا أن الرسالات الإلهية جميعها من حيث مضمونها تهدف إلى حقيقة واحدة وحيدة، هي: تعريف الإنسان بحقيقة وجوده في هذه الدنيا، ومصيره بعد رحيله منها، ومن ثم علاقة الله الخالق به، وعلاقته بالخالق، ثم إلزامه بطائفة من القيم السلوكية الإنسانية التي تنظم سلوكه الشخصي مع بني جنسه، ومع الأشياء من حوله، وإلزامه أيضا بطائفة من العبادات والشعائر التي تربط الإنسان بربه، وتذكره به كلما غفل أو نسي أو شغلته متطلبات الحياة عن حقيقة وجوده وعلاقته بربه وبالآخرين وبالأشياء من حوله.

أما الرسالات الإلهية التي أوحى الله بها إلى الأنبياء والمرسلين فتختلف عن بعضها البعض، من حيث توقيتها، ومن حيث مادتها، ومن حيث مهامها، إذن فهي مختلفة من حيث التوقيت، ومن حيث المادة، ومن حيث المهمة التي كُلِفَ بها النبي أو الرسول في هذه الرسالة أو تلك. فجميع الرسالات التي أوحى الله بها إلى الأنبياء والرسل أتت على نوعين لا ثالث لهما، وهما: النوع الأول: الرسالات الجديدة العامة المفصلة المركزية الكبرى. النوع الثاني: الرسالات الفرعية التجديدية، ويمكن استعراض هذين النوعين على النحو التالي: # النوع الأول: الرسالات العامة المفصلة المركزية الكبرى: الرسالة العامة المفصلة المركزية الكبرى هي: رسالة جديدة عامة كاملة شاملة أوحى الله بها، وميزها عن غيرها من الرسالات، فهي تقوم على خصائص أريع هي:

1 – تأتي الرسالة الجديدة العامة المفصلة المركزية الكبرى في وقت قد اندثرت فيه الرسالات السابقة، بمعنى أن الرسالات السابقة لها قد ضاع مضمونها الحقيقي، وهدفها الأساسي، وبهتت ملامحها الأصلية، وتحولت إلى حزمة من العقائد والشعائر الوثنية التي لا تمت بصلة لأصل الرسالة الحقيقية، ولا بمضمونها الأساسي، ولا بملامحها الأصلية. وعند حدوث ذلك يبعث الله إلى برسالة جديدة عامة مفصلة مركزية كبرى.

2 – الرسالة العامة المفصلة المركزية الكبرى أوحى الله بها إلى رسول، والرسول هو: شخص عادي من الناس، لم يكن نبيا قبل أن يأتيه الوحي، إنما حصل على رفعة منزلة النبوة بعد الرسالة. وقد سبق وأن أوضحت الفرق بين النبوة والرسالة في مقالي السابق المعنون: (الأنبياء والرسل مخيرون وليسوا مسيرين).

3 – تتوجه الرسالة المركزية الكبرى لأكبر عدد ممكن من القرى ومن الناس، ولا تقتصر على قوم بعينهم، أو أناس بعينهم، بل يبعث الله رسوله بالرسالة المركزية الكبرى في أكبر القرى عددا من الناس، وأكبرها مقصدا وزيارة وتوجها إليها، أو وفق التعبير القرآني، يبعثه في أم القرى، قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا). (59- القصص). فمن خلال دراسة قصص الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم، نجد أن الله قد بعث رسولا برسالة عامة مفصلة مركزية كبرى في مجموعة كبيرة ممتدة من القرى، ولم يبعثه في قرية تلو أخرى، إنما بعثه في أم القرى، وأم القرى هي أشهر القرى وأكبرها عددا، وهي أصل القرى ومرجعها، كمكة التي سماها الله حين نزول القرآن بأم القرى في منطقة الجزيرة العربية ومن حولها، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا). (7- الشورى)، لأن مكة وقتها كانت أكبر القرى في تلك المنطقة، وأكثرها مقصدا للحجيج والتجار والزائرين وذوي الحاجات. إذن الرسالات المركزية الكبرى قد أوحى الله بها في قرية هي عاصمة جامعة لعدد كبير من القرى والمدن من حولها، وهي ما عبر عنها القرآن بأم القرى.

4 – تأتي الرسالات العامة المركزية الكبرى في كتاب مخطوط مقروء، ذلك الكتاب قد يأتي في صحف، أو ألواح، أو مجموعة رسالات مخطوطة. وقبل أن نسترسل في موضوع هذه الدراسة، لابد وأن نفرق بين مفهومين لكلمتي (كتاب) و(كتابة): الأول: مفهوم خاطئ يفهمه معظم الناس، والثاني: مفهوم صواب وهو ما نعتمده في هذه الدراسة، المفهوم الخاطئ لكلمتي كتاب وكتابة والذي يعتقده معظم الناس، أن كلمة كتاب تعني مجموعة الأوراق المخطوطة حول موضوع معين من الموضوعات العلمية أو غيرها من الموضوعات، وهذا مفهوم خاطئ يعتنقه معظم الناس، أما المفهوم الصحيح لكلمة كتاب هو: مِنْ (كَتَبَ) ومعنى كتب أي جمع بين شيئين أو أكثر، إذن معنى كتاب هو عدة موضوعات مختلفة ومتنوعة تم جمع بعضها إلى بعض، سواء كان الكتاب مخطوطا في أوراق، أو محفوظا في الذاكرة، وفي كلتا الحالتين تسمى هذه الموضوعات المجموع بعضها إلى بعض بـ(كتاب)، هذا هو المفهوم الصواب لكلمة كتاب وفق اللسان القرآني، أما عملية الخط والتي يطلق الناس عليها خطئا مصطلح (كتابة)، فالمسمى الأصلي لها هو كلمة (خط) والخط هو الأثر الممتد امتدادا لتثبيت شيء ما والدلالة عليه، إذن فالخط غير الكتابة، أما الكتابة فهي عملية جمع موضوعات متعددة سواء تم خطها على الورق، أو لم تخط على الورق، والذي يدل على ذلك قوله تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ). (48- العنكبوت). فقال سبحانه تخطه بيمينك ولم يقل تكتبه بيمينك. أما الكاتب فكلمة تطلق على الشخص المتخصص في جمع الموضوعات المتعلقة بأمر ما، ثم يقوم بخطها على الورق، فهذا الشخص يسمى (كاتب)، ومن ذلك أيضا نتبين معنى قوله تعالى عن الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله، أي أن رجال الدين من أهل الكتاب كانوا يقومون باختلاق موضوعات دينية سواء خطوها أو لم يخطوها، ثم يقولون للناس هذا كتاب من عند الله.

# موضوعات الكتاب الإلهي أو الرسالات الإلهية :

يخلط معظم الناس بين موضوعات الكتب والرسالات الإلهية، حيث يعتقدون أنها جملة أسماء لموضوع واحد، فينتج عن هذا الخلط كثير من المعلومات والمفاهيم الخاطئة، التي تشوش على الناس فهمهم لموضوعات الكتاب الإلهي، فمثلا نجد معظم الناس يخلطون بين معنى ومفهوم الكتاب كما سبق وأن بينا، وبين معنى كل من العلم، والحكمة، والحكم، والآيات البينات، والشعائر والعبادات والنسك، ويعتقدون أن جميعها شيء واحد أو موضوع واحد، وسوف نوضح الفروق بين كل مصطلح فيما يأتي. إن الكتاب الإلهي الخاص بالرسالات العامة الكبرى والموحى به من الله يتضمن عدة موضوعات مختلفة، هذه الموضوعات هي: العلم، والحكمة، والحكم، والشعائر والعبادات والنسك، ونقوم بتفصل موضوعات كتاب الرسالات العامة المفصلة المركزية الكبرى على النحو التالي:

أ – العلم: ومعناه: أثر أو رمز بالشيء يميزه عن غيره. وهو من الرمز أو الأثر أو العلامة التي تميز من يتصف بها عن غيره من الناس، ومفهوم العلم في التعبير القرآني: هو ما أوحى الله به من غيبيات عقائدية كوجود الله ووحدانيته والبعث والحساب والجزاء، وأيضا أنباء من سبق من الأمم، وبعض النبوءات عما سيحدث في المستقبل، إذن، التوحيد ووجود الله والحساب والجزاء في الآخرة وأحوال الأمم السابقة والنبوءات المستقبلية كلها علم، وموضوع هذا العلم هو أثر يتميز به الرسول عن غيره من الناس، وهذا العلم لم يكن للرسول أن يعلمه إلا بوحي من الله وحده، وبعد مجيء الوحي لو اجتهد الإنسان في التفكر والتدبر والبحث والتقصي والسير في الأرض لتوصل حتما إلى حقائق هذا العلم. إذن مفهوم العلم في التعبير القرآني هو طائفة من العلوم الغيبية التي يتميز بها الرسول أو النبي عن غيره من الناس. وقد أخبر إبراهيم عليه السلام أباه بأنه قد جاءه من الله علم يمنعه من عبادة الأصنام، ويأمره بعبادة الله وحده، وأن من يشرك بالله فسوف يمسه عذاب من الله جزاء شركه، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِياًّ* يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِياًّ* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا). (41: 45).

ب – الحكم: وهو المنع فكل ما يمنع الإنسان عن شيء يفعله أو يقوله فهو الحكم، وهو مأخوذ من حَكَمَةِ الفرس، وهي ما توضع في رأس الفرس لمنعه من الشرود. أما الحكم في التعبير القرآني هو: جملة الأحكام التشريعية التي تختص بالفصل بين المنازعات، وهي الأحكام التي تمنع من ظلم الناس بعضهم بعضا، وهي الأحكام التي تقضي على الاختلاف بين المختلفين، وتشمل أيضا أحكام الزواج والطلاق والأسرة والمعاملات، وأيضا جملة العقوبات الرادعة التي وضعت لعقاب من يرتكب بعض الجرائم كالسرقة والزنا والقتل وغيرها من الجرائم. والحكم أو الحاكم أيضا وفق التعبير القرآني: هو الشخص الذي يحكم بين الناس طبقا للتشريعات الموحى بها في كتاب الله. قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ). (213- البقرة). وقال تعالى عن كتاب الإسلام : (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ). (37- الرعد).

ج – الحكمة: أما الحكمة فهي ضد الجهالة، وهي جملة من الأحكام والمبادئ الأخلاقية السلوكية سواء المأمور بها أو المنهي عنها، والتي أوحى الله بها وسماها الحكمة، وهي التي تمنع الشخص من ممارسة السلوكيات الغير سوية، وتعني في التعبير القرآني: مجموعة من الممنوعات والمحرمات والسلوكيات الغير سوية، والتي أمر الله الإنسان بتجنبها وعدم الاقتراب منها، وتشمل الحكمة أيضا مجموعة السلوكيات والقيم الإنسانية والأخلاقية السامية، والتي أمر الله الإنسان أن يعمل بها، وقد ذكر الله جملة من الحكمة في بعض آيات من سورة الإسراء، ثم ختم تلك الآيات بقوله: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة)، وذلك على النحو التالي: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا* وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا* وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا* وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا* وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً* وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً* وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً* وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً* كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا* ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا). (23: 39- الإسراء). فلقد ذكر الله في نهاية هذه الآيات أن هذا ما أوحى به من الحكمة، أي أطلق على كل هذه السلوكيات مسمى: الحكمة.

د - الشعائر والعبادات والنسك: وهي جملة العبادات والشعائر والنسك التي أوحى الله بها، وعلى رأسها الصلاة والزكاة والصيام والحج، وهذه الشعائر قد أوحى الله بها لجميع الأمم السابقة، وكلها موحى بها من الله، قال تعالى عن أمره لجميع الأنبياء والرسل بالصلاة والزكاة في سورة الأنبياء: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). (73- الأنبياء). وقال تعالى عن الصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (183- البقرة). وذكر تعالى أن الحج كان في شريعة إبراهيم: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ). (26، 27- الحج).

إذن فالكتب التي أوحى الله بها إلى رسل الرسالات العامة الكبرى، ليست شيئا واحدا ولا موضوعا واحدا وإنما هي عدة موضوعات تشتمل على العلم: وهو الأمور العقدية والغيبية، والحكمة: وهي الأخلاق والسلوك والممنوعات والمحرمات، والحكم: وهو جملة التشريعات والعقوبات والأحكام التي تنظم العلاقات بين أفراد الجماعة وتمنع من ظلم الناس لبعضهم بعضا، والشعائر والعبادات والنسك: وهي جملة ما أوحى الله به من عبادات وشعائر ونسك.

ونخلص من كل ما تقدم بالآتي :

1 – الرسالات العامة الكبرى، أتت برسالة جديدة، قامت على أنقاض الرسالات السابقة، التي اندثرت معالمها الحقيقية، وملامحها الأصلية، ومبادئها الأساسية التي دعت إليها وقت مجيئها.

2 - الرسالات العامة المفصلة المركزية الكبرى، قد أرسل الله بها رسلا وليسوا أنبياء، أي أناس عاديين من الناس، لم يكونوا أنبياء وإنما نالوا النبوة بعد إتيان الرسالة إليهم، وبصبرهم وإيمانهم ويقينهم بها وبمن أرسلها نالوا رفعة النبوة.

3 – الرسالات العامة المركزية الكبرى، بعث الله بها رسولا في قرية كبيرة يقصدها الناس، وتعد عاصمة ومقصد لجميع أهل القرى من حولها، وهي أم القرى، إذن هي رسالة عامة لجميع القرى، وليست قاصرة على قرية بعينها أو قوم بعينهم.

4 – الرسالات العامة المركزية الكبرى، لابد وأن تكون مخطوطة في صحف، ويقوم بخط هذه الرسالة الرسول الذي أوحيت إليه، وقد يخطها في صحف، أو في ألواح، أو في زبر، أو في أي شيء من الأشياء التي يخط الناس عليها كتبهم، ومهما يكن الشيء المخطوط عليه الرسالة فهو يسمى كتاب إن كان يجمع كل الموضوعات الموحى بها من الله، ويسمي بالكتاب لأنه يحتوي على موضوعات عدة، هي: العلم، الحكمة، الحكم، العبادات والشعائر والنسك وقد سبق تفصيل كل منها.

# رسل الرسالات العامة المفصلة المركزية الكبرى :

من استقراء قصص الأنبياء والمرسلين كما وردت في القرآن الكريم، نجد أن الرسل الذين كانت رسالتهم، عامة مفصلة مركزية كبرى هم فقط: نوح وإبراهيم وموسى ومحمد، حيث أنهم قد أتوا بعد اندثار التعاليم الحقيقية للرسالات التي قبلهم، فهؤلاء الرسل الأربعة كانت رسالتهم رسالة جديدة عامة مفصلة مركزية كبرى، وقد تميز هؤلاء الرسل أيضا، بأنهم كانت تفصل بين مجيء الرسول والذي يليه فترة زمنية كبيرة جدا، قد تصل إلى ما يزيد على الألف عام أو أكثر، فما بين نوح وإبراهيم فترة زمنية سحيقة، وكذلك بين إبراهيم وموسى، وكذلك بين موسى ومحمد. إلا أن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام كانت هي ختام الرسالات العامة الكبرى، فلا رسالة بعدها ولا نبوة، وسوف نتحدث عنها بالتفصيل بعد قليل. أما المسيح عيسى بن مريم فلم يكن من أصحاب الرسالات العامة المفصلة المركزية الكبرى، وذلك لأن المسيح بن مريم لم يأت برسالة عامة مفصلة مركزية كبرى، وإنما أتي برسالة فرعية تجديدية كانت فقط لبني إسرائيل وفق النص القرآني: (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ). (49- آل عمران)، ولم يأت المسيح أيضا برسالات جديدة أو بكتاب جديد على غرار كتاب نوح وإبراهيم وموسى ومحمد، بل كانت رسالته وكتابه يتمركزان حول إحياء رسالة موسى عليه السلام، وتجديد وتغيير بعض الأحكام والسلوكيات، بأحكام وسلوكيات جديدة، مع الالتزام التام بالثوابت والشعائر التي أتي بها موسى في التوراة، وعدم الزيادة عليها أو الحذف منها، بل يعتبر المسيح هو النبي الخاتم لبني إسرائيل، أو بعبارة أخرى هو خاتم النبيين الفرعيين التجديديين في بني إسرائيل، وسنفصل ذلك بعد قليل عند الحديث عن النوع الثاني من الرسالات: وهي الرسالات الفرعية التجديدية. ونعرض الآن في موجز قصير بعض الآيات القرآنية التي تشير إلى رسالات الرسل الذين جاءوا برسالات عامة مفصلة مركزية كبرى، والذين كانت رسالتهم عبارة عن كتاب مخطوط يضم عدة موضوعات تشريعية متنوعة، على النحو التالي:

1 - رسالة نوح رسالة عامة مفصلة مركزية كبرى : لقد أرسل الله سبحانه نوحا عليه السلام في وقت قد اندثرت فيه رسالات من قبله، فأرسله الله بمجموعة رسالات جديدة، هذه الرسالات تضمنت: العلم، والحكمة، والحكم، والعبادات والشعائر والنسك، فكانت تلك الرسالات هي كتاب نوح وشريعته إلى الناس، ولم تكن رسالة نوح رسالة فرعية من رسالة قبلها، ولم تكن تجديدا لرسالة قبلها، بل كانت مجموعة رسالات جديدة مفصلة عامة شاملة، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ* قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (59: 62). الأعراف.

2 – رسالة إبراهيم رسالة عامة مفصلة مركزية كبرى : أيضا كانت رسالة إبراهيم عليه السلام رسالة عامة مركزية كبرى، وجاءت رسالته في وقت قد اندثرت فيه رسالة نوح، فأوحى الله له بكتاب جديد يحوي: العلم، والحكمة، والحكم، والعبادات والشعائر والنسك، وكانت رسالته لعدد كبير من القرى ومن الناس، ولم تكن رسالة إبراهيم رسالة فرعية من رسالة قبلها، ولم تكن تجديدا لرسالة قبلها، بل كانت رسالة جديدة مفصلة عامة شاملة، قال تعالى عن إبراهيم ورسالته: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). (124- البقرة) وقال تعالى : (فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا). (سورة النساء- 54). وقال تعالى: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ). (130- البقرة).

3 – رسالة موسى رسالة عامة مفصلة مركزية كبرى : أيضا جاءت رسالة موسى في وقت قد اندثرت فيه رسالة إبراهيم، وكانت رسالته عبارة عن كتاب جديد يحوي عدة موضوعات متنوعة هي: العلم، والحكم، والحكمة، والعبادات والنسك، وتفصيل لكل شيء، ولم تكن رسالة موسى رسالة فرعية من رسالة قبلها، ولم تكن أيضا تجديدا لرسالة قبلها، بل كانت رسالة جديدة مفصلة عامة شاملة، وقد أشار القرآن لرسالة موسى على النحو التالي: (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ). (سورة الأنعام- 154). (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ* وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ). (144، 145- الأعراف). (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً). (2- الإسراء). (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). (43- القصص).

4 – رسالة محمد رسالة عامة مفصلة مركزية كبرى : ورسالة محمد كذلك كانت رسالة عامة مفصلة مركزية كبرى، وجاءت في وقت قد اندثرت فيه التعاليم الحقيقية لرسالة موسى، فكانت رسالة محمد عليه الصلاة والسلام أيضا، عبارة عن كتاب جديد يحوي عدة موضوعات متنوعة هي: العلم والحكم والحكمة والعبادات والنسك وتفصيل لكل شيء، وقد أشار القرآن لرسالته على النحو التالي: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا). سورة النساء- 113). (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً). (114- الأنعام). (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا). (105- النساء). أما الآية التالية فتنص على أن الله لم يبعث بكتاب جديد عام شامل مفصل من بعد موسى، سوى كتاب محمد عليه الصلاة والسلام، قال تعالى. (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ). (29، 30- الأحقاف). إذن نصت الآية أن الجن قالوا: كتابا أنزل من بعد موسى، ولم يقولوا من بعد عيسى. 
 

# النوع الثاني من الرسالات: الرسالات الفرعية التجديدية :

 أما الرسالات الفرعية التجديدية، فهي رسالات ليست بجديدة، وإنما هي رسالات أرسل الله بها الكثير من الأنبياء والرسل لإحياء وتجديد بعض تعاليم الرسالات العامة المفصلة المركزية الكبرى، فبعد موت الرسل اللذين جاءوا بالرسالات الكبرى كنوح وإبراهيم وموسى، بعث الله من أتباع الرسالات الكبرى أنبياء ورسلا لإحياء الرسالات الكبرى وتجديد بعض ما فيها من تعاليم، والحكم بما جاء فيها من أحكام وتشريعات. إذن تلك الرسالات الكبرى وكما استقرأنا ذلك من نصوص القرآن الكريم، لم تنتهي بموت رسولها الأول: كنوح وإبراهيم وموسى، وإنما بعث الله كثيرا من الأنبياء والرسل، كي يجددوا للناس تلك الرسالات المركزية، ويحكموا بينهم بما أنزل الله فيها من أحكام، ويحيوا ما جاء فيها من قيم وسلوكيات وتعاليم. ولم تأت بجديد إلا بأشياء طفيفة جدا، ومن الرسل الذين جاءوا بتغييرات طفيفة على الرسالات الكبرى هو المسيح بن مريم عليه السلام، فكان من التغييرات التي أوحى الله بها للمسيح بن مريم هي إباحة بعض المحرمات التي جاءت بها شريعة موسى. ونستعرض الآن الرسالات الفرعية التجديدية على النحو التالي:

1 - إرسال الرسل والنبيين برسالات فرعية لإحياء وتجديد رسالة نوح : تنص الآية التالية على أن الله جعل النبوة والكتاب المفصل العام الشامل الذي أوحى به إلى نوح وإبراهيم في ذريتهما من بعدهما، وتابع الله على آثارهما بالرسل والأنبياء من بعدهما، لأن آثارهما هي الكتب والرسالات التي جاءا بها، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ* ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا). (26، 27- الحديد). وأخبرنا الله أيضا أنه قد بعث من بعد نوح بالرسل، قال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ). (74- يونس). وقال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ). (9- إبراهيم). وبما أن نوحا عليه السلام قد أرسله الله في أزمنة سحيقة من قبل إبراهيم عليه السلام، فلم يذكر الله الأنبياء والرسل الذين جاءوا من بعده لإحياء وتجديد رسالته، وظل الأمر كذلك حتى مجيء الرسالة العامة المفصلة الكبرى التي أتى بها إبراهيم عليه السلام.

2 - إرسال الرسل والنبيين برسالات فرعية لإحياء وتجديد رسالة إبراهيم: كانت رسالة إبراهيم عليه السلام رسالة عامة مفصلة مركزية كبرى، أرسل الله لها من بعده كثيرا من الأنبياء والمرسلين، ليتبعوا ملة إبراهيم، ويحيوا رسالته ويتبعوا شريعته، وكان ممن ذكرهم الله من بعد إبراهيم في القرآن: هم ذريته من الأنبياء والرسل: أبنائه وأحفاده، كإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط، وغيرهم من الأنبياء والرسل الذين لم يقصص الله قصصهم في القرآن، والذين بعثهم الله تباعا ليحكموا بشريعة إبراهيم ويتبعوا ملته ورسالته حتى مجيء النبي موسى عليه السلام برسالته العامة الكبرى. ونستعرض بعض النصوص القرآنية عن الأنبياء والمرسلين الذين أحيوا رسالة إبراهيم عليه السلام على النحو التالي: قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ* ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا). (26، 27- الحديد). وقال تعالى عن التزام أبناء إبراهيم وأحفاده من الأنبياء والرسل برسالة وملة وشريعة أبيهم إبراهيم: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ* أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). (132، 133- البقرة). وقال عن إسحاق بن إبراهيم وحفيده يعقوب: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). (72، 73- الأنبياء). وقال عن إبراهيم وأبنائه وأحفاده جميعا: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ). (163- النساء). وقال عن إسماعيل بن إبراهيم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا). (54، 55- مريم). وقال عن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ). (38- يوسف). أما لوط عليه السلام فقد كان في زمن إبراهيم عليه السلام، وبعد أن آمن برسالة إبراهيم أرسله الله إلى قوم لوط، قال تعالى مخبرا عن إيمان لوط عليه السلام برسالة إبراهيم: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (26- العنكبوت).

3 - إرسال الرسل والنبيين برسالات فرعية لإحياء وتجديد رسالة موسى: أيضا كانت رسالة موسى عليه السلام رسالة عامة مفصلة مركزية كبرى، وبعد موسى أرسل الله كثيرا من الأنبياء والرسل ليحكموا بالتوراة ويتبعوها ويقيموا تعاليمها بين الناس، ومن هؤلاء الأنبياء والرسل الذين جاءوا ليتبعوا شريعة موسى ويحيوا تعاليمها، ويجددوها، ويقيموا أحكامها بين الناس، والذين ذكر الله بعضا منهم في القرآن وهم: داود وسليمان وزكريا ويحيي وكان آخرهم عيسى بن مريم عليه السلام، والذي كان آخر أنبياء ورسل بني إسرائيل. ونستعرض بعض النصوص القرآنية التي تنص على أن جميع أنبياء بني إسرائيل كانت رسالتهم هي رسالة إحياء وتجديد لرسالة موسى عليه السلام، وذلك على النحو التالي: قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ* هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ). (53، 54- غافر). وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ). (87- البقرة).

* أنبياء ورسل بني إسرائيل الذين جاءوا من بعد موسى: لقد أخبر القرآن الكريم أن جميع الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله من بعد موسى وحتى مجيء آخرهم عيسى بن مريم، كانت مهمتهم الرسالية تتمركز في إحياء تعاليم التوراة والحكم بما جاء فيها من شرائع وأحكام، ولم يوحي الله إليهم بكتاب جديد، وإنما آتاهم الحكمة: أي الأخلاق والسلوك، والعلم: أي بعض الغيبيات، والآيات البينات، وسوف نتحدث عن مفهوم وماهية الآيات البينات بعد قليل، ونعرض الآن النص القرآن التالي والذي ينص على أن أنبياء بني إسرائيل جميعا، كانت وظيفتهم التي أرسلهم الله من أجلها هي أن يحكموا بالتوراة أي الكتاب الذي جاء به موسى، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء). (سورة المائدة- 44).

4 - رسالة محمد الخاتمة العامة المفصلة المركزية الكبرى : أما رسالة محمد عليه الصلاة والسلام فكانت الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات الإلهية، سواء العامة أو الفرعية التجديدية، فلم يبعث الله من بعده أنبياء ورسلا ليحيوا رسالته كبقية الرسالات، وذلك لأن الله تكفل بحفظ الرسالة الخاتمة من الضياع والزيادة والنقصان، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). (9- الحجر). بل لقد حدد الله في القرآن طريقة قرآنية لفهمه حين يضل الناس ويختلفوا، وسوف نتناول ذلك في دراسة مستقلة فيما بعد، ورغم جميع المحاولات القديمة والحديثة للطعن في كتاب الله القرآن، ورغم الطعن في حفظ الله له، إلا أن الحقيقة الواقعية والتاريخية والمنطقية والعقلية والعلمية، أنه لم يتم العثور منذ ألف وأربعمائة عام ومنذ أن توفى رسول الله محمد وإلى الآن، على نسخة واحدة من القرآن الكريم في أي مكان من العالم، بها حرف واحد زائدا أو ناقصا عن النسخة الموجود بين أيدي المسلمين الآن. ولي دراسة كبيرة حول القرآن ولسانه، وموضوعاته، وأقسامه، وأسمائه، وكيفية جمعه، ومتى جمع، ومن كتبه، وقمت في هذه الدراسة بعرض المحاولات المستميتة للمستشرقين وغيرهم للطعن في القرآن وفي حفظ نصوصه كما تركها النبي عليه الصلاة والسلام، وسوف أنشرها فيما بعد. # موضوعات رسالات الأنبياء والرسل أصحاب الرسائل الفرعية التجديدية : إن الرسالات التي أوحى الله بها إلى الأنبياء والرسل الذين جاءوا لإحياء وتجديد الرسالات الكبرى، لم تكن في مجملها كتبا عامة شاملة مفصلة، وإنما كانت رسالات احتوت على العلم والحكمة والحكم والآيات البينات، ولم تحتوي على كتب بها رسالات عامة جديدة غير الرسالات العامة الكبرى التي أرسلوا لإحياء وتجديد تعاليمها وتشريعاتها وأحكامها، وقد سبق وأن قلنا أن مفهوم العلم في القرآن يتعلق بجميع الأمور الغيبية: التاريخية والمستقبلية والعقائد كتوحيد الله والبعث والحساب والجزاء، أما الحكمة فسبق وأن قلنا أيضا أنها تعني: السلوك والأخلاق وبعض الأوامر والنواهي، أم الحكم فهو: الحكم بين الناس بأحكام الله التشريعية والعقابية الواردة في الرسالة العامة المفصلة الكبرى.

ولو تتبعنا قصص الأنبياء والرسل الذين جاءوا لإحياء وتجديد الرسالات العامة الكبرى كرسالة إبراهيم وموسى لوجدنا أن رسالتهم لم تكن كتبا ككتاب إبراهيم وموسى ومحمد، وإنما كانت تتمثل في وحي أوحى الله به إليهم، كبعض الغيبيات السابقة وبعض التنبؤات المستقبلية، وكيفية الحكم بين الناس بالشريعة والأحكام الواردة في الرسالة العامة الكبرى، وأيضا آتاهم الله مع العلم والحكمة والحكم، آتاهم الآيات البينات، فما هي هذه الآيات البينات؟؟.

# الآيات البينات :

الآيات البينات هي عبارة عن الأمور الخارقة للعادة أو ما نسميه بالمعجزات، فالآيات البينات لم تكن أحكاما أو تشريعات أو سلوكيات، وإنما هي بعض الأفعال الخارقة للعادة (المعجزات) والتي أيد الله بها كل الأنبياء والرسل بلا استثناء حتى يصدقهم الناس فيما يدعوهم إليه، ومن الآيات البينات التي أيد الله بها بعض الأنبياء والرسل: جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم حين ألقاه قومه في النار، وعصا موسى وغيرها من الآيات الكثيرة التي أيد الله بها موسى غير العصا، وإلانة الحديد لداود، وتعليم سليمان منطق الطير وتسخير الريح له، وتعليم يوسف تأويل الرؤيا، وجعل المسيح بن مريم يخلق من الطين كهيئة الطير، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، إذن فالآيات البينات هي الأمور الخارقة للعادة، وأضف إليها بعض التنبؤات والأخبار الغيبية. وقد يسأل سائل ويقول: ولكن الله لم يؤتِ الرسول محمد عليه الصلاة والسلام آيات بينات خارقة للعادة كباقي الأنبياء والرسل الذين سبقوه؟؟. أقول: إن الله أعطى الرسول محمد الآيات البينات وهي القرآن الكريم، قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ*رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً* فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ). (1: 3- البينة)، إذن فالآيات البينات التي كانت للرسول محمد هي كل الآيات التي تتعلق بالغيب والعقائد الغيبية والبعث والحساب والجزاء، وأيضا كل الآيات التي تتعلق بالخلق ونشأته وبالكون وما فيه من أسرار، هي أيضا من الآيات البينات، ولكن هذه الآيات البينات لا يتم الكشف عنها إلا بالعلم والسير في الأرض والبحث والكشف، قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (20- العنكبوت). وأنا هنا لا أقول أن القرآن كتاب طبي أو فلكي أو كيميائي أو فيزيائي، وإنما فيه إشارات للخلق والكون لحض الناس على السير في الأرض والبحث ومحاولة اكتشاف أسرار الخلق، وأسرار الكون الذي نعيش فيه، وكيف بدأ وكيف سينتهي، فهذه من الآيات البينات، ومن الآيات البينات أيضا، الأخبار التي أخبر الله بها رسوله عن أحوال الأنبياء والرسل من قبله، والتي لم يكن يعلم هو ولا أحد من قومه عنها شيئا، وسوف أتناول موضوع الآيات البينات التي أوحى الله بها للأنبياء والرسل في موضع مستقل وبتفصيل أكثر فيما بعد. ونستعرض الآن بعض الآيات القرآنية التي تنص على أن أنبياء ورسل الرسالات الفرعية التجديدية لم يأتهم كتاب عام مفصل شامل، وإنما جاءهم: علم، وحكمة، وحكم، وآيات بينات، وذلك على النحو التالي: قال تعالى عن يعقوب أنه أتاه علم من الله: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي يعقوب وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (86- يوسف). وأخبر الله عن داود أنه قد آتاه الملك والحكم والحكمة والعلم هو وابنه سليمان عليهما السلام: (وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء). (251- البقرة). (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْماً). (سورة الأنبياء- 78، 79). (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا).(سورة النمل- 15). وأخبر الله تعالى عن يوسف أنه آتاه الحكم والعلم وتأويل الأحاديث والبينات: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). (سورة يوسف- 22). (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). (21- يوسف). (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ). (34- غافر). وأخبر الله عن العبد الصالح الذي علم موسى أنه آتاه الرحمة والعلم: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا* قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا). (سورة الكهف- 65، 66). أما يحيي بن زكريا فأخبر الله أنه أمره أن يعمل بكتاب موسى ويأخذ به بقوة، ثم آتاه الله الحكم: (يَا يحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا). (سورة مريم- 12). أما لوطا فآتاه الله الحكم والعلم : (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ). (سورة الأنبياء- 74). أما لقمان فقد آتاه الله الحكمة أي السلوكيات والأخلاق: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). (12- لقمان).

أما المسيح عيسى بن مريم فقد كان آخر أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى، وقد كان رسولا إلى بني إسرائيل فقط، وقد آتاه الله الكتاب، وكان كتابه رسالة شفهية ولم يكن مخطوطا، فلم يخطه المسيح ولم يأمر أتباعه بخطه في صحف ككتاب موسى، وإنما خطه بعض أتباعه من بعده، وهذا الكتاب يشتمل على عدة موضوعات، هذه الموضوعات هي: الحكمة، والعلم، والإنجيل، أما الإنجيل فهو وحي أوحى الله به إلى رسوله عيسى بن مريم، يتضمن بعض الأحكام الغير موجودة في التوراة، قال تعالى: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه). (47- المائدة) إذن فالإنجيل يتضمن بعض الأحكام التي لم ترد في التوراة، كإباحة بعض المحرمات الواردة في التوراة، وهو ليس كتابا عاما مفصلا شاملا ككتاب موسى، وإنما فيه العلم بكتاب موسى، وعلم التوراة، وعلم الإنجيل، وآتاه الله أيضا الآيات البينات، قال تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا). (30- مريم). (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ* وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ). (48: 50- آل عمران). (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ). (46- المائدة). (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ). (63- الزخرف).

# أوعية الرسالات :

لم تكن جميع الرسالات السماوية مخطوطة في صحف، بل كان البعض القليل منها هو المخطوط في صحف، أو مخطوط في زبر، كما أخبر القرآن الكريم، أما بقية الرسالات الأخرى فكانت رسالات شفهية محفوظة، وغير مخطوطة في صحف أو زبر. وسوف نتناول الرسالات الإلهية من حيث خطها وحفظها، وذلك على قسمين على النحو التالي

: 1 - الرسالات المخطوطة : أما الرسالات المخطوطة فلم يذكر القرآن الكريم عنها سوى رسالات : إبراهيم وموسى وداود ومحمد عليهم السلام. فكتاب إبراهيم وكتاب موسى قد خطا في صحف والصحف: جمع صحيفة وهي: تدل على سعة وانبساط في الشيء. وهي الشيء المنبسط والمتسع المخطوط فيه. قال تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى* وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى). (36، 37- النجم) وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى). (18، 19- الأعلى). أما رسالة داود فقد خطت في زبر، جمع زبور، والزبور: عبارة عن قطع من المطويات التي يخط فيها الناس ما يكتبون. قال تعالى: (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا). (163- النساء). أما محمد فكانت رسالته كإبراهيم وموسى قد خطت في صحف قال تعالى: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً* فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ). (3- البينة).

2 - الرسالات الشفهية المحفوظة: أما بقية الرسالات فجميعها كانت رسالات شفهية محفوظة، لم يتم خطها في صحف أو زبر، وإنما قد خطها بعض الأتباع بعد موت رسلهم وأنبيائهم، ولم يخطها الأنبياء والرسل في حياتهم، كرسالة عيسى بن مريم، لأن من خط رسالته وهو حي من الأنبياء والرسل فقد خطها بأمر من الله، ومن لم يخطها أيضا لم يخطها بأمر من الله. ( وللحديث بقية)

اجمالي القراءات 60738