هذا الأب السلفى ..( ... ) .. !!

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٢ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

جاءتنى هذه الرسالة ، ولأهميتها أنقلها كما هى مع تغيير العنوان ، وأردّ عليها فى هذا المقال :

أبى شيخ سلفى ملعون

لو سمحت يا دكتور أنا أرجو أن ترد على رسالتى بمقال بعنوان ( أبى شيخ سلفى ملعون ). هذا الملعون الذى هو أبى ذُقت انا والمرحومة أمى منه الويل ، وبسببه كرهت الاسلام .. ثم إرشدنى صديق الى موقعكم ، فرجعت الى الاسلام ، وأنا أقرا لكم بانتظام من شهر فبراير الماضى ، وكلما قرأت لكم إزدادت كراهيتى لأبى الذى جعلنى اكره الدنيا والدين ، وبسببه ماتت المرحومة أمى مقهورة منه .

امى كانت بنت عم ابى . وكان ابى يتيم فى رعاية عمه عمدة البلد ، وهو كان قد أكل حق أبى فى الميراث ، وضغط على ابى حتى تزوج ابنته ـ بنت عم ابى ـ وأنجبتنى ، وعملت عملية إستأصلت فيها الرحم ، ولم يعد لها سواى . مات جدى العمدة وابنه الوحيد فى حادثة سيارة ، ومرة واحدة أصبح ابى وأمى الورثة لأملاك عم أبى . ومن ساعتها بدأت الآيام السودة فى حياة أمى . ابى لم يكن يحب أمى على الاطلاق مع انها كانت تسمع كلامه وتطيعه طاعة عمياء . ولكن كراهية ابى فى والدها عمه الذى أكل ميراثه كانت تجعل ابى يحط كراهيته فى أمى . ولكن خوفا من ابوها العمدة عمّه لم يكن ابى يضرب أمى . بعد موت ابوها واخوها إستفرد ابى بأمى . فى الأول جعلها تتنازل له عن كل شىء ، ثم باع كل الميراث واشترى شقة فى مدينة نصر كتبها باسمه ، واصبح امام مسجد كبير . وأصبحت له شخصية الرجل الواعظ فى المسجد وشخصية اخرى فى البيت ، يضرب أمى على أتفه الأسباب ويتلذذ بتعذيبها . وعشت طفولة مريرة أسمع فيها صراخ أمى وتوسلاتها لأبى ، وأصحى الصبح وارى وجه امى متورم . وكنت فى رعب منه بسبب هذا ، وكان يكرهنى ويضربنى  بسبب حبى لأمى وبكائى من أجلها . وفى الاخر مرضت أمى ، فتركها مريضة حتى ماتت ، وكنت الوحيد الذى أنام بجانبها ، وصحيت الصبح وجدتها ماتت . ولا أنسى فرحة أبى بموتها ، كأنها غُمّة وانزاحت . ولا أنسى العلقة الساخنة اللى أكلتها منه لما شافنى بأبكى عليها . كنت فى الثانوية العامة . وصبرت حتى أخذتها ونجحت فطفشت من البيت، ولم أحس بالأمان وأنا مع أبى . حسيت بالأمان مع أول ليلة بتّ فيها على الرصيف فى محطة مصر بالاسكندرية . وعشت فى الاسكندرية أشتغل فى اى شىء وانفق على نفسى ، واتعلم الايطالية . وجاءتنى فرصة فسافرت لايطاليا وعشت فيها عشر سنوات ، وعدت لمصر ومعى ثروة كويسة عملت بها مشروع فى القاهرة . كنت قد اجبرت نفسى على نسيان أبى . ولكن سمعت عن شهرته فى الوعظ وكثرة أتباعه . وقلت لنفسى اروح مسجده واشوفه من باب حب الاستطلاع  .رأيته بعد هذه السنين ووزنه زاد ودقنه طويلة جدا ، واصبحت بيضاء ، ووراه الناس يتكلموا معاه باحترام ويبوسوا إيده . منظره زوّد كراهيتى فى الدين وبتوع الدين . وأنا كنت بقيت ملحد ومبسوط بالالحاد ، وبقى لى أصحاب مثقفين من ايطاليا مبسوطين من إلحادهم . ورجعت لمصر متمسك بالالحاد ، وزاد عندى الالحاد لما شُفت ابويا الظالم اللى قتل أمى بالبطىء والناس بتبوس إيده وعاملينه من الأولياء الصالحين .  

وبعدين دخلت فى مناقشة مع واحد زبون عندى ، وكان ملحد ورجع للاسلام ، وهوه اللى دلنى على موقعكم . فى الأول ما عجبنيش المقالات المعقدة الطويلة اللى حضرتك بتكتبها وما فهمتهاش . دخلت فى الفتاوى وشدتنى ، وبعدين دخلت فى الموضوعات  التايخية وعجبتنى ، وبعدين بقيت أقرأ المقالات شوية شوية ، أدور على اللى يعجبنى عنوانها .. وما شاء الله .. أصبحت مدمن فى القراءة ، وعرفت ان اللى من صنف أبويا هم أبالسة ملاعين ، وانبهرت بكلامك عن الاخوان والسلفيين والوهابيين اللى بيضحكوا على الناس ، والناس غفلانة . وبديت شوية شوية أصلى ، وناوى اصوم رمضان اللى جاى . وناوى أحج بالطريقة اللى انت قلت عليها فى مقالات الحج .

نرجع لأبويا السلفى الملعون . عرفت من بعض رواد المسجد بتاعه إنه إتجوز عرفى كام واحدة . وواحدة منهم حملت منه فطلقها وأرغمها على الاجهاض ، وعملت  له فضيحة فسكتوها بالتهديد ، وإختفت وما حدش يعرف عنها حاجة . قلت لازم أوصل لها . ووصلت لها ، وحكت لى عن وحشيته وقلة دينه ، ونفاقه . كانت منقبة وخلعت النقاب ، وبقت ملحدة برضه .

من يومين بسّ عرفت ان ابويا وقع من طوله مرة واحدة مريض بالسرطان . وما عادش يقدر يروح المسجد بتاعه . وبعض اتباعه كانوا بيساعدوه فى البيت ، وف الآخر ملّوا منه وسابوه ، خصوصا لما النسوان اللى إتجوزهم عرفى فضحوه ، والجماعة بتوع المسجد راجعوا الورق واكتشفوا سرقاته . يعنى كل شىء ضاع .

أنا قرأت لك فتوى عن ( المناع للخير ) . بغض النظر عن احتقارى لهذا الأب السلفى الملعون ، هل علىّ واجب نحوه ؟ وهل إذا ظليت على مقاطعته فى حالته دى أكون مناع للخير ؟ انا فى نظرى ان اللى بيحصل له ده عقاب الاهى من اللى عمله فى أمى الله يرحمها واللى عمله فى غيرها واللى سرقه من المسجد والنفاق اللى عاش به والكلام الكذب اللى بيقوله فى الدين . هل أسيبه ياخد العقاب بتاع ربنا الى الآخر أم اساعده وأخفف عنه ؟

زى ما قلت هو لا يهمنى فى شىء . اللى يهمنى أنه ما يكونش علىّ ذنب بسببه . أب زى ده ما يستحقش أروح النار عشانه . إذا كان ولا بد أنا مستعد أساعده عشان خاطر ربنا مش عشان خاطره. ربنا يلعنه . آمين .

ثانيا : أقول للسائل  :

1 ـ التوصية بالاحسان للوالدين ـ ليست مرتبطة بكونهما ـ أو أحدهما ـ  تقيا أو غير تقى . يكفى أن يكون والدا ليستحق الاحسان . فوالدك السلفى له عليك حق الاحسان اليه مهما إرتكب من شرور.

2 ــ والاحسان للوالدين يأتى تاليا للأمر بلا إله إلا الله  . يقول جل وعلا عن الميثاق الذى أخذه على بنى اسرائيل : (  وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) البقرة).

ونفس الأمر لنا أهل القرآن ، يقول جل وعلا : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) النساء ).

وهذا ما جاء فى الوصايا العشر ، فالاحسان للوالدين هو الوصية الثانية بعد ( لا إله إلا الله )، يقول جل وعلا : (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)  الانعام ).

وما أروع قوله جل وعلا فى رعايتهما والاحسان اليهما وتحملهما فى أرذل العمر : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) الاسراء )

3 ـ  إذا كان الوالدان كافرين بالاسلام يريدان إكراهك على إتّباعهما فى دينهما الشركى المخالف للإسلام الحقيقى فمنوع طاعتهما ، فلا طاعة لمخلوق فى عصيان الخالق جل وعلا . والواجب حينئذ عدم طاعتهما ، مع إستمرار الاحسان اليهما ، والتمسك بالحق ، يقول جل وعلا : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) (8) العنكبوت ) ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) لقمان  ).  والاعراض عنهما لهذا السبب لا يمنع الاحسان لهما ، وأن تقول لهما قولا ميسورا ، يقول جل وعلا : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً ( الاسراء ).

4 ـ بالتالى عليك أن تصل رحم أبيك ، وأن تقف الى جانبه فى محنته . لا تكرر قصة حجوده ولا تكن مثله ، بل كن خيرا منه . يكفيه ما يتعرض له من عقاب . وقوفك الى جانب أبيك فى محنته : ربما يُعيده الى طريق التوبة فيما تبقى له من عُمر . وتذكّر أنك ربما تتعرض للمرض والشيخوخة ونفس المحنة التى يتعرض لها أبوك الآن . وقوفك الى جانب ابيك فى محنته، ووقوفك الى جانب المحتاجين هى بوليصة تأمين لك عند ربك جل وعلا.

5 ـ أن قصّرت فى حق أبيك ستكون ( مناعا للخير ) وستكون عاقّا لأبيك . وربما يأتى إبنك يعاملك فى آخر حياتك بنفس العقوق ـ هى فرصتك لعمل الخير مع أقرب الناس اليك . أسرع باستغلالها قبل أن يموت أبوك فتضيع منك هذه الفرصة الى الأبد ، وتندم حيث لا ينفع الندم . 

اجمالي القراءات 12574