استفادة المماليك من الصوفية
دور الصوفية في قيام الدولة المملوكية البحرية ثم البرجية

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٦ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب : أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية

الفصل الأول : استفادة المماليك من الصوفية

  بعد ذلك العرض السريع لظروف قيام الدولة المملوكية البحرية نأتي لدور التصوف فيه .

 وهو هنا قد أسبغ الشرعية على ما أتمه المماليك بأنفسهم من فرض الأمر الواقع على الحكام  الأيوبيين ومواجهة الرأي العام الإسلامي والخليفة العباسي ــ الذي يمثل ذلك الرأي ــ بأن تزوج أيبك أحد زعماء المماليك من شجرة الدر وأصبحت بذلك السلطانة القديمة زوجة للسلطان الجديد.والتأم الصف المملوكي في الداخل بدهاء شجرة الدر وأيبك وبسيوف المماليك البحرية بزعامة أقطاي.

وفرض الأمر الواقع يعني إجراء محادثات الصلح لتقرير ما هو كائن . ووجد بعض الصوفية هنا دورهم حيث قام الشيخ البادرائي ت655 هـ بعقد الصلح بين السلطان أيبك والناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي(على أن تكون الشام جملة للملك الناصر وديار مصر للملك المعز) وذلك سنة 641)[1]. وهكذا قامت الدولة المملوكية في مصر وضمت لها الشام بعد دحر المغول.

 لم تشر المراجع إلى ظروف المحادثات التي قام بها البادرائي بل إن الغموض يسود تاريخ ذلك الرجل مع خطورة الدور الذي لعبه في تقرير الصلح بين المماليك والناصر الأيوبي، وكل ما قاله عنه المقريزي أنه عبد الله بن محمد بن الحسن أبو أسعد البادرائي البغدادي الشافعي رسول الخلافة (يعني للصلح).

ويقول المقريزي عن ظروف الصلح (تقرر الصلح بين الملك المعز أيبك والناصر صاحب دمشق بسفارة نجم الدين البادرائي وقد قدم القاهرة وبصحبته عز الدين أزدمر وكاتب الإنشا  ببغداد .. لتمهيد القواعد فلم يبرحا إلى أن انفصلت القضية على أن يكون للمصريين ...الخ) نصوص الاتفاق.وأبو المحاسن لا يزيد عن قوله في ذلك (ثم وقع له ــ يقصد أيبك ــ فصول مع الملك الناصر يطول شرحها ).. راجع السلوك 1/385: 386، 407 .

دور الصوفية في قيام الدولة البرجية

قبل التعرض لدور التصوف نقدم الملاحظات عن دور التصوف السياسي قبل برقوق وبعده، ولمحات عن شخصية برقوق نفسه :

أولاً : عن دور التصوف :

1ـ إن التصوف دخل مرحلة جديدة من العمل الايجابي بحيث تحول من مجرد تسويغ وإسباغ الشرعية للدور المملوكي الذي أتمه المماليك أنفسهم خارج التأثير الصوفي إلى دور فعلي فأصبح للنفوذ الصوفي في عهد برقوق دور بارز دخل في المعادلات السياسية المملوكية نفسها فاعتمد عليه برقوق في شتى جهوده ..  ويظهر ذلك بمقارنة دور البادرائي مع أيبك بالصوفية الآخرين ــ  كالروبي مثلاً ــ مع برقوق.. كما سيظهر ..

2 ـ من العبث القول بأن ذلك الدور النشط قد هب فجأة .. ولكنه سار في دور التزايد الطبيعي مع تزايد انتشار الصوفي نفسه . ويدل على ذلك أن هناك مظاهر كثيرة لعب فيها الصوفية دوراً متفاوت الأهمية حسب الظروف السائدة في السياسة المملوكية قبل برقوق .ويدخل بحث ذلك ضمن مواضع أخرى ستظهر فيما بعد في الفصول التالية ..

 وبدونها نمثل بمثال بطله (لاجين) الذي شارك في قتل السلطان الأشرف خليل بن قلاوون وكان وقتها أميراً تابعاً (لبيدرا) زعيم قتلة الأشرف خليل . ولقي (بيدرا) مصرعه وهرب (لاجين) إلى الشيخ الصوفي نجم الدين بن عبود [2] ، وكانت تلك مخاطرة كبرى من ابن عبود في وقت هاج الجميع فيه غضباً لاغتيال الأشرف خليل بن قلاوون البطل الذي أنهى الوجود الصليبي في عكا . والمهم أن (لاجين) ظهر بعد ذلك على مسرح السياسة كأحد أعوان السلطان كتبغا  ثم سلب منه العرش وأصبح سلطاناً بعده .

3ـ واستمر الدور الصوفي بعد برقوق كما كان قبل سلطنته ..

ومعروف أن الأمير المملوكي الطموح يدخل في صراع مع منافسيه الطموحين حتى يصل إلى الصدارة بين حاشية السلطان .ويقوى هذا الصراع بين الأمراء أبان ضعف السلاطين أو صغر سنهم إذ يشتد الطموح بين الأمراء للوصول إلى نائب السلطنة أو ما يعني (المتحكم في السلطان) (اليوم) والذي سيسلبه عرشه (غدا) ويسفر النزاع عن غالب يرتفع شأنه ومغلوب يبحث لنفسه عن مأمن من القتل كما فعل الأمير بركة أحد زعماء الأمراء المماليك في فترة الاضطراب الذي انتهى بتأسيس الدولة  البرجية على يد برقوق. وقد كان  برقوق هو المنافس لبركة، وانتصر عليه  سنة 782 هـ فاختفى بركه عند( الشيخ الصوفي محمد المقدسي المقيم بجامع المقدس)[3] .

وبعد برقوق كانت هناك شبه عادة بين المماليك هي أن يودع أحدهم أمواله وقت الشدة عند شيوخ الصوفية كما فعل الناصر فرج بن برقوق عندما توجه للشام[4].. أي أن بعضهم وقت الشدة أخفى نفسه أو أمواله عند الصوفية لما تمتعوا به من حصانة حرم منها السلاطين أنفسهم في عصر ملئ بالفتن.

 وكثرت الفتن والدماء في نهاية الدولة فالأشرف قايتباي بعد نهاية حكم طويل خلف ابنا صغيراً تحكم فيه الأمراء وتنافسوا فيما بينهم وتزعمهم أقبردي الداودار (وامتنع البيع والشراء وكثر القتل والنهب) كما يقول ابن إياس فدخل على أقبردي (جماعة من الفقراء الرفاعية والقادرية والأحمدية وجماعة من الصوفية سألوه أن يقف عن القتال وأن يقع الصلح بين الطائفتين)[5]وتلك مبادرة حسنة من الصوفية نستدل منها على دخول أشياخ الطرق الصوفية في مجال التأثير السياسي بجانب الصوفية الآخرين غير شيوخ الطرق الصوفية. على أن تلك المبادرة السلمية الصوفية لم تثمر فقتل ابن قايتباي واستمر الاضطراب واستمر معه نفوذ الصوفية في تزايد حتى أن السلطان جان بلاط استعان بالصوفية حين حوصر بالقلعة ووجد منهم من أقام معه في محنته[6] وهو تحول إيجابي في نفوذ الصوفية لا بأس من الإشارة إليه .. لم يقتصر دورهم على مجرد إخفاء سلطان أو أمير في شدة وإنما أمتد إلى إضفاء الحماية والتأييد العلني على سلطان رسمي لا يزال في القلعة وبين جنوده.

ثانياً شخصية برقوق :

   ولأن برقوق يحتل واسطة العقد في استغلال التصوف سياسياً حيث استخدمه في إنشاء وتوطيد الدولة البرجية المملوكية فإن المبحث يناقش قضيتين محددتين:

الأولى منهما  عن اهتمام برقوق بالصوفية لخدمة طموحه السياسي  .

وثانيهما عن شخصية برقوق كسلطان مملوكي نظر للتصوف من وجهة مصالحه السياسية وحدها

أ ) إهتمام برقوق بالتصوف : تردد في المراجع المملوكية إحترام برقوق لصوفية عصره حتى (أنه كان إذا دخل عليه عالم أو فقير انتصب له قائما . وقلما كان يمكن أحدهم من تقبيل يده ولم يكن يعهد ذلك من ملوك مصر قبله) وذكرت المراجع ما أنفقه على المؤسسات الصوفية في عهده [7].   وقيل في ترجمة البابرتي شيخ الخانقاه الشيخونية (إن أمره عظم عند برقوق بحيث أنه كان يجئ  إلى شباك الشيخونية فيكلمه وهو راكب وينتظره حتى يخرج ... حتى إذا مات الشيخ البابرتي حضر السلطان جنازته ودفنه[8]).

  وقال ابن الفرات المؤرخ المعاصر لبرقوق أن برقوق تكفل بجنازة أبي بكر البيجائي أحد المعتقدين (وندب لذلك الأمير يلبغا السالمي وأعطاه مائتي دينار لينفقها في إخراجه ... وقد دفن بحوش السلطان الظاهر.. وقرئت الختمات عنده سبعة أيام وكل ليلة يعمل سماط مليح بتربته يكفي الناس[9] ).

وأوصى برقوق بأن يدفن تحت أقدام جماعة من الصوفية كان البيجائي أحدهم، يقول أبو المحاسن :(أوصى برقوق بأن يدفن في لحد تحت أرجل الفقراء وهم الشيخ علاء الدين السيرامي الحنفي والشيخ أمين الدين الخلوتي الحنفي والمعتقد عبد الله الجبرتي والمعتقد طلحة والشيخ المعتقد أبو بكر البيجائي والمجذوب أحمد الزهوري[10]).

 وأحاطت المظاهر الصوفية بجنازة برقوق ودفنه يقول ابن إياس:  ( حين مات وصلوا به إلى البقعة التي اختار الدفنة فيها فحفروا له قبراً ودفنوه بين قبور المشايخ والفقراء الذين هناك ... وأقام الفقراء يقرؤون على قبره ثمان ليال متوالية[11]).

(ب) ومع ذلك فالواقع التاريخي يبين أن سيرة برقوق الذاتية تتنافى واهتماماته الدينية وتؤكد أن هدفه منها كان سياسياً.

فلقد كان جباراً قاسياً حين يتعلق الأمر بمصلحته السياسية ويكفي أنه استل سيفه لقتل الخليفة العباسي قبل أن يحقق معه عندما نما إلى علمه اشتراكه في مؤامرة ضده إلا أن الأمراء سارعوا بإنقاذ الخليفة من بين يديه ، وغضب على ناظر الجيش فضربه بدواة  كانت بيده مجرد أنه رادده في إقطاع ـ ولم يكتف بذلك فأمر به فضرب بين يديه( حتى حمل في محفة ولم يلبث أن مات[12])... وعرف بالنهم في جمع المال وبأخذ (البدل على الولايات في وظيفة القضاء والأمور الدينية ) أي بيع الوظائف الدينية يقول فيه ابن حجر(وبذلك أفسد أحوال المملكة فقد كان طماعاً جداً بحيث لا يقدم على جمع المال شيئاً[13])، ومع ذلك اتهم في خلقه أو بتعبير المقريزي بـ (تقريب المماليك الحسان لعمل الفاحشة فيهم)[14]  ومع ذلك فإن برقوق كان في مساوئه ــ بالنسبة للمماليك ـ كأحدهم وكل ما هنالك التناقض بين اهتماماته الدينية وسلوكه الشخصي إذا أسقطنا العامل السياسي المستتر خلف تلك الاهتمامات.

دور المتصوفة في قيام الدولة المملوكية البرجية

1ـ ولنتتبع دور برقوق وأصدقائه الصوفية في القضاء على البيت القلاووني المملوكية البحرية ( نسبة لمعسكرات المماليك فى الجزيرة ) ومواجهة منافسات الأمراء حتى إنشاء الدولة الجركسية البرجية ( نسبة لأبراج القلعة ) وتوطيدها..

2ـ فقد غدا أحفاد الناصر محمد بن قلاوون لعبة في أيدي كبار الأمراء البرجية وتزعمهم في هذه الآونة أميران كبيران هما بركة وبرقوق وبدأ الصراع بينهما بمناوشات بين أتباعهما ، فحدثت فتنة بين حليف الأتابكي برقوق وهو الأمير أيتمش البجاس مع الأمير بركة ، ويبدو أن الأخير هو الذي رتبها . ولما لم يكن برقوق مستعدا لدخول معركة مع الأمير بركة فقد بعث للشيخين أكمل الدين البابرتي الحنفي شيخ الخانقاه الشيخونية وأمين الدين الخلوتي بأن يتوسطا لدى الأمير بركة ليرضى عن حليفه أيتمش البجاسي وأثمرت مساعيهما(فتوجه الأمير أيتمش بصحبة الشيخين إلى بيت الأمير بركة فخلع عليه وخمدت الفتنة[15]). وانتظر برقوق الوقت المناسب ليواجه غريمه في مقتل ..

3ـ  ودار الصراع بين برقوق وبركة في الوقت الذي حدده برقوق فانتهى لصالحه وأرسل للصلح الشيخ البابرتي مع القضاة الأربعة ليلتزم أمامهم الأمير بركة (بعدم التحدث في شيء من أمور الدولة وأن يترك ذلك لبرقوق بمفرده) وخلع برقوق على المشايخ[16] بعد أن أصبح المرشح عن الأمراء الجراكسة للتحكم في السلطان القلاووني تمهيدا لعزله . ويلاحظ أن برقوق استعان بالصوفية (البابرتي والخلوتي) في كبح جماح الأمير بركة حينما حاول استفزاز الأمير برقوق والتحرش بحليفه أيتمش فلجأ للصوفية وتم لهم ما أرادوا . أما حين انتصر برقوق على بركة واستسلم بركة احتاج برقوق إلى جانب الصوفية ـ القضاة الأربعة ـ ليشهدوا على تنازل بركة عن طموحه ، أي أن برقوق يستخدم أدواته السياسية بمهارة ..  

 4ـ وخلا الجو لبرقوق وعزم على أن يمهد السلطة لنفسه وقد خاف من صراحة قاضي القضاة ابن جماعة الذي تعود على المبادرة بتقديم استقالته على أهون الأسباب وتعود برقوق على ترضيته والموافقة على شروطه حتى يرجع عن استقالته .أما وقد أقدم برقوق على تنفيذ خطته ضد السلطان الشرعي ـ على بن الأشرف شعبان ـ وهذا مما يعارضه ابن جماعة ويقاومه ـ فقد بادر برقوق وعزل ابن جماعة دون سبب ظاهر بل وأخرجه إلى القدس كما لو كان منفياً وعين مكانه قاضياً صوفياً هو أبو البقاء السبكي[17]، ولم يعد هناك من يخشاه برقوق فبدأ في التنفيذ ..

5ـ وكان برقوق لا يزال يخشى منافسه القديم بركة فاعتقله في الإسكندرية وأوعز لواليها بقتله وحين ثار أتباع بركة أعلن برقوق استياءه لمقتله وسلم قاتله لهم. ثم تفرغ لتنفيذ مؤامرته ضد السلطان الصغير فاستخدم الصوفي علياً الروبي واستضافه يومين ــ وكان الطاعون سارياً فأشيع أن الروبي قد بشّر برقوق بالسلطنة وأنه سيليها في يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة 784 هـ وأن الطاعون سيرتفع عن القاهرة ثم يموت السلطان الطفل على .. ووقوع الطاعون وارتفاعه كان شيئاً عادياً في ذلك العصر المملوكي ولكن شاء سوء الطالع للسلطان الصغير أن يتخذ منه برقوق حجة لقتله. مع أنه لم يعرف للطاعون صرعى من السلاطين قبله في الدولة. وبعودة الشيخ الروبي أشيع موت السلطان الصغير 0 على ) ودفن في يومه ( وكان مع الأتابك برقوق في غاية الضنك ليس له في السلطنة إلا مجرد الاسم) ولم يجسر برقوق على أن يتسلطن بعده فبايع أخ السلطان وهو أمير حاج.  ثم لم يلبث أن عقد مجلساً بالخليفة والقضاة الأربعة والأمراء . وفيه (عزل أمير حاج وبويع برقوق سلطاناً في يوم الأربعاء  9 رمضان سنة 874)[18]أي نفس التاريخ الذي حدده الروبي في تبشيره للسلطان الجديد . أي أنه هيأ الأذهان للتخلص من السلطان (على) وتولية السلطة مستغلا اعتقاد الناس في الروبي كشيخ صوفي ذي كرامات . وذلك كله ليسهل انتقال الأمر إليه من بيت قلاوون الذي ظل يحكم مصر من 679 :783 ولم يفلح سلطان  أغتصب الحكم من أحد أبناء قلاوون حتى اكتسبوا مكانة لدى شعب يميل إلى عصر الأسرات الحاكمة..

6ـ وكأي متآمر ضليع عمد برقوق بعد أن تسلطن ــ إلى القضاء على شركائه في المؤامرة السابقة ــ حتى يخفي أثرها ولا يكون لأحد منهم عليه نفوذ . فقبض على جماعة من الأمراء واعتقلهم في الإسكندرية ونفى آخرين ثم عزل جماعة من القضاة والمباشرين ومنهم القاضي ابن فضل الله كاتب السر وكان هو الداعي لسلطنته في مجلس توليه السلطنة، وما لبث أن قبض على الخليفة المتوكل نفسه وسجنه في البرج وولى أخاه مكانه بعد أن ظل المتوكل خليفة لأكثر من عشرين عاماً ثم في النهاية أشيع موت الشيخ الروبي [19] في هذه الظروف مما يجعلنا نشك في أن لبرقوق علاقة بموته .

 7ـ ومع ذلك حرص برقوق على استمرار تحالفه مع الصوفية المصريين ليستعين بهم في حل مشاكله المتوقعة وليكون منهم أعوانا جددا يدينون له بالولاء، فعين في أوائل سلطنته الشيخ خيري الدين العجمي في قضاء الحنفية بالقدس( ولم يعهد قبل ذلك بالقدس قاضي حنفي قبله) وكان خير الدين صوفياً في خانقاه شيخون التي يديرها البابرتي الذي سبقت معاونته لبرقوق ، بل إن برقوق ( خلع على موفق الدين من صوفية الخانقاه الشيخونية وقرره في قضاء الحنفية بغزة ولم يعهد قبل ذلك بغزة قاضٍ حنفي قبله وكان ذلك بسفارة الشيخ أكمل الدين البابرتي شيخ الشيخونية)[20] ويلفت النظر قول المراجع "ولم يعهد قبل ذلك (بالقدس ، بغزة) قاضي حنفي قبله" أي أن الصوفية من أتباع برقوق اكتسبوا أرضا جديدة في دولته .

8ـ وعندما واجه برقوق ثورة يلبغا وتفوقه عليه لجأ إلى ضريح الشيخ الرديني واستقدم معه البلقيني واعتذر للخليفة المتوكل بعد أن أطلقه من الحبس وأعاده بالخلافة[21] .

9ـ وحين قرر برقوق الاختفاء ـ بعد فشله أمام يلبغا ومنطاش ـ أودع أمواله لدى الشيخ أصلم وتواعدا على أن يختفي برقوق عنده في زاويته إلا أن أصلم خان العهد وهرب بالذهب[22] .  وحتى مع ذلك فإن الذي اختفى عنده برقوق كان أميراً مملوكيا وصف بالميل إلى التصوف[23].

10ـ ونفى برقوق إلى الكرك معتقلاً . وهناك كان يتوجه نحو مدينة الخليل كل يوم من شباك الحصن يتوسل بإبراهيم الخليل ـ طبقاً لدعوة التوسل الصوفية في العصر ـ وكان بالخليل شيخ صوفي يعتقده الناس هناك فبشر برقوق برؤية منامية رفعت روحه المعنوية[24].

11ـ وفي الكرك اتصل ببرقوق الشيخ شمس الدين الصوفي وهو من العباسة بالشرقية وكان له نعم العون في استرداد ملكه. فبدأ في تلمس الأخبار له مشاركاً لأتباعه .وقد فرّ برقوق من الكرك وجهز الجيوش لاسترداد ملكه ، ودارت موقعة شقحب بينه وبين منطاش مملوكه الثائر عليه وهزم برقوق في أول الأمر إلا أن شمس الدين الصوفي تنكر في زى الخليفة العباسي  (فحصل لبرقوق بذلك نوع مساعدة) وتمكن من أسر السلطان القلاووني الذي أعاده الثائرون ليحاربوا به برقوق، وأسر برقوق معه خزائنه والخليفة العباسي والقضاة الأربعة وقد كانوا جميعاً مع منطاش فتحول الميزان لصالح برقوق ، خاصة وقد توسط الشيخ شمس الدين الصوفي بين برقوق والسلطان القلاووني ونجح في أن يجعله يخلع نفسه ويسلم الأمر لبرقوق، وأشهد على ذلك الخليفة المتوكل والقضاة الأربعة وبويع برقوق بالسلطنة للمرة الثانية في شقحب [25].

  وهكذا تولى برقوق السلطنة مرتين بمساعدة الصوفية(البابرتي ـ الروبي ـ شمس الدين الصوفي) .

12ـ وبعد هزيمة منطاش دخل السلطان برقوق القاهرة فخرج الصوفية يتلقونه (بطوائفهم الأحمدية والقادرية والسطوحية والقلندرية والحيدرية وغيرهم وبأيدهم الشموع وكان يوماً مشهوداً)[26]أي أن دور الطرق الصوفية بالنسبة لبرقوق كان مجرد الاحتفالات إلا أن دورهم استمر في ازدياد مع انتشار التصوف حتى بلغ في نهاية العصر ما بلغه الصوفية الآخرون من مشاهير العصر.

13ـ وتأكد سلطان برقوق ومع ذلك لم يغفل عن الاستفادة من الصوفية حين تعترضه أزمة كما حدث حين استعد لقتال تيمورلنك فقد زار القرافة وضريح الشافعي وتصدق على الصوفية هناك كما زار مشهد السيدة نفيسة وتصدق في صوفيته[27] ..

14ـ ومما يذكر أن برقوق لم يكن متسامحاً مع من انقلب عليه وساعد الثائرين كالشيخ سراج الدين البلقيني[28] وابن ميلق الشاذلي[29]وأصلم [30]وغيرهم. 



[1]
- النجوم الزاهرة 7/10 .

[2]الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 153 .

[3]ــ تاريخ ابن إياس 2/260 ط بولاق .

[4]ـ أنباء الغمر 2/481 : 482 عقد الجمان مخطوط 814 .

[5]ـ تاريخ ابن إياس 2/328 : 329 .

[6]ـ تاريخ ابن إياس 2/382 .

[7]ـ ذيل الأعلام 2/147 .مخطوط، السلوك 3/ 523  ، 944 ،45 النجوم 5 / 432 ، 599 ،11/ 291 :292 .

[8]ـ الدرر الكامنة 4/ 250 ، شذرات الذهب 6/293 .

[9]ـ تاريخ ابن الفرات 9/2 / 418 .

[10]ـ النجوم الزاهرة 12/ 104 ،/624 .

[11]ـ تاريخ ابن إياس 1/317 ط بولاق .

[12]ـ السلوك 3/2/495 ,516 .

[13]ـ خطط المقريزي 3/356 .إنباء الغمر 2/68 ,الضوء اللامع 3/12 .

[14]ـ السلوك 3/523 .

[15]ـ عقد الجمان مخطوط حوادث 783 , تاريخ ابن إياس 1/ 245 ط بولاق.

[16]ـ السلوك 3/1/783 .النجوم الزاهرة 11/ 174 :175 .

[17]ـ تاريخ ابن إياس 1/2/ 294 ،304 .

[18]ـ تاريخ ابن إياس 1/254 :255 ط بولاق .

[19]تاريخ ابن إياس 1/261 ط بولاق .

[20]ـ النجوم الزاهرة 228 ، تاريخ ابن إياس 1/2/ 324 .

[21]ـ عقد الجمان مخطوط حوادث 791 ، تاريخ ابن إياس 1/ 2/ 398 : 399 .

[22]ـ السلوك 3/2 / 770 ، النجوم الزاهرة 12/ 38 .

[23]ـ عقد الجمان حوادث 796 .

[24]ـ عقد الجمان حوادث 796  ، تاريخ ابن إياس 1/2/ 414 .

[25]ـ أنباء الغمر 1/399 تاريخ ابن إياس 1/ 4282 .

[26]ـ عقد الجمان مخطوط حوادث 792 .

[27]ـ نزهة النفوس 1/383 .

[28]ـ كاد الجند يقتلونه في موقعة شقحب لتعاونه مع منطاش عقد الجمان حوادث 792 .

[29]ـ سيأتي الحديث عنه في مبحث استغلال التصوف طريقا للوصول .

[30]ـ السلوك 93/2/ 770 ، النجوم الزاهرة 12/38 .

اجمالي القراءات 8076