الفصل السادس : التصوف ونشر المساوىءالاجتماعية : القذارة
قذارة الصوفية فى التطهر بالبول ومعايشة الذباب والقمل

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٧ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

 الفصل السادس : التصوف ونشر المساوىءالاجتماعية : القذارة

قذارة الصوفية فى التطهر بالبول ومعايشة الذباب والقمل 

الذباب :

1 ــ  وكان من طقوس التصوف في بدايته أن يتكاثر الذباب على وجه العارف الصوفي.

يحكى القشيري في رسالته عن بعضهم : (  رأيت فقيراً يجود بنفسه غريباً ، والذباب على وجهه فجلست أذبُّ الذباب عن وجهه ، ففتح عينيه وقال من هذا،أنا من كذا سنة في طلب وقت يصفو لى فلم يبقى إلا الآن. جئت أنت توقع نفسك فيه؟ مر عفاك الله " [1] .

فصاحبنا عاش هادئا ً في ملكوت التصوف متمتعا بالذباب يتكاثر على وجهه حتى استيقظ من أحلامه الصوفية على من يهشّ الذباب عنه فاحتج عليه. 

2 ــ وبذلك احتل الذباب مكانته السامية على وجه الصوفي ، لذا يقول الشعرانى : (  العارف يجب ألا يدفع عن وجهه الذباب، وإلا فقد طلب النعيم المعجل له في الدنيا. )" [2] .  وهنا نتذكر حديث البخارى عن الذبابة وتغميسها في الإناء إذا وقعت فيه .

3 ــ وإذا كان الغزالى قد احتج على أولئك المرائين فى دين التصوف الذين يتصنعون القذارة تشبهاً بالأولياء الصوفية ، وهم أقل من أن يكونوا في مستواهم في القذارة ، فإن العصر المملوكى – عصر تسيد التصوف – لم يكتف بالإستنكار وإنما أتى بسلوك إيجابى عبر عنه الشيخ أبو الحمائل السروى حين جاءه الشيخ على الحديدى يطلب الطريق فرآه متلفتاً لنظافة ثيابه فقال له: ( إن كنت تطلب الطريق فاجعل ثيابك ممسحة لأيدى الفقراء. فكان كل من أكل سمكاً أو زفراً يمسح في ثوبه يده مدة سنة وسبعة شهور ، حتى صارت ثيابه كثياب الزبالين أو السماكين . )  فلما رأى ثيابه لقنه الذكر وأخذ منه الطريق [3] .

الوضوء الصوفي والتطهر بالنجاسات :

1 ــ وإذا كان الوضوء الإسلامى يهدف إلى تطهير المسلم من القاذورات فإن للصوفية وضوءهم الذى يهدف إلى التجمل بهذه القاذورات ، خصوصاً وقد أهملوا الوضوء الإسلامى والصلاة طبقاً لعقيدتهم في إسقاط التكاليف الإسلامية كما سبق بيانه .

2 ــ والبول كان من أهم عناصر الوضوء الصوفي في مقابل الماء الطهور في الوضوء الإسلامى.

وفي بداية التصوف يحكى الرائد الصوفي إبراهيم بن أدهم طبقاً لما جاء فى الرسالة القشيرية: ( ما سررت لشئ كسرورى أنى كنت يوماً جالساً فجاء رجل  وبال على.! ) "[4]. اى حصل له السرور العظيم لأن رجلا تبول عليه .

وفى القرن السابع الذى شهد منتصفه بداية العصر المملوكى كان الشيخ يوسف القمينى الموله ت 657 : (  يتنجس ببوله،  ويمشى حافياً ، ويأوى إلى قمين حمام ولا يصلى . )".  فوضوؤه التنجس بالبول ومسجده الذى يأوى إليه هو الحمام، إلا أنه لا يصلى ، ويعلق الذهبى قائلاً:  "وقد كثر هذا فى عصرنا والله المستعان " "[5] .

 إذن كثر ذلك منذ بداية العصر المملوكى ، وطبيعى أن يسود ذلك بسيادة التصوف بمرور الزمن .

مناقب البدوى فى تبوله

1 ـ  ــ والبدوى أشهر الأولياء الصوفية  فى مصر حتى الآن . وقد عاش فى القرن السابع ، ولم يكن يصلى – كما أسلفنا فى موضعه- ، ولكن كان يتحاور ببوله إذا أعيته الحجه ، فمن ذلك أنه تبول وهو على السطح على طائفة من الفقهاء السنيين أتوا إليه للمحاورة. وهى قصة مشهورة عن البدوى تقول : ( إن الشيخ النحوى كان كثير الإنكار عليه ، فراح إلى طندتا هو وجماعة من أصحابه الطلبة ، فجلسوا تحت حائط السطح الذى هو عليه ، فطلً عليهم الشيخ أحمد البدوى وبال عليهم، فقالوا :ما هذا البول على طلبة العلم ؟ فقال ما يؤكل لحمه فبوله طاهر ، رضى الله تعالى عنه ونفعنا به"[6] .!!

2 ــ   وتوسع البدوى فى التعبير عن رأيه ببوله حتى وصل ببوله إلى المسجد وقت صلاة الجمعة والناس قيام للصلاة حين الآذان ، يروى المؤرخ المملوكى أبوالمحاسن : (  قال أحدهم بسنده : ألزمنى الأمير ناصر الدين محمد بن جنكلى بن البابا بالمسير معه لزيارة الشيخ أحمد البدوى بناحية طندتا، فوافيناه يوم الجمعة، فإذا به رجل طوال عليه ثوب جوخ غال وعمامته صوف رفيع ، والناس تأتيه أفواجا ، منهم من يقول : ياسيدى خاطرك مع بقرى ، ومنهم من يقول : زرعى، إلى أن حان وقت صلاة الجمعة ، فنزلنا معه إلى الجامع بطندتا، وجلسنا فى انتظار الصلاة . فلما فرغ الخطيب من خطبة الجمعة وأقيمت الصلاة وضع الشيخ أحمد رأسه فى طوقه بعد ماقام قائما وكشف عن عورته بحضرة الناس، وبال على ثيابه وعلى حصير المسجد ، واستمر ورأسه فى طوق ثوبه وهو جالس حتى انقضت الصلاة ، ولم يصل. "[7].

مقتطفات فى تطهرهم بالنجاسات

 1 ــ  وبعد القرن السابع ابتكر الصوفية تنويعات قذرة فى وضوئهم بالنجاسات ، خصوصا مع كثرة المجاذيب وتفننهم فى كل غريب وقذر، ونأتى بمقتطفات سريعة نعتذر عنها ونمسك عن التعليق عليها.

2 ـ يقول العينى فى ترجمة الشيخ أبى بكر البجائى المغربى : " كان لايتوضأ، ويتغوط فى مجلسه"[8].

3 ــ ويقول الشعرانى فى ترجمة الشيخ إبراهيم العريان "كان يخرج الريح بحضرة الأكابر ثم يقول هذه ضرطة فلان، ويحلف على ذلك فيخجل ذلك الكبير منه"[9].

4 ــ ويقول الشعرانى فى ترجمة الشيخ بركات الخياط " أخبرنى الشيخ عبد الواحد.. أحد جماعة سيدى أبو السعود الجارحى.. قال مدحته للشيخ جمال الدين الصائغ مفتى الجامع الأزهر وجماعة، فقالوا امضوا بنا نزوره، وكان يوم جمعه، فسلم المؤذن على المنارة فقالوا له : نصلى الجمعة، فقال : مالى عادة بذلك، فأنكروا عليه، فقال نصلى اليوم لأجلكم، فخرج إلى جامع الماردانى ، فوجد فى الطريق مسقاة الكلاب فتطهّر منها ، ثم وقع فى مشخة حمير ، ففارقوه ، وصاروا يوبخون الشيخ عبدالواحد الذى جاء بهم إلى هذا الرجل[10].

5 ــ وقال عن الشيخ مدين الأشمونى "كان يوما يتوضأ فى البالوعة التى فى رباط الزاوية[11].

6 ــ وقال عن بعضهم أنه " تضمخ يوم الجمعة بغائط كلب فى جميع بدنه[12].

شهرة المجاذيب بإدمان القذارة

1 ــ من سمات المجذوب قذارة المظهر الى درجة يمكن بها تمييزه ووصفه بالجذبة الالهية ، وهى مرتبة عليا فى الدين الصوفى المؤسّس على القذارة .  وفى هذا العصر المملوكى كان المجذوب الذى يصلى ويتطهر نادرة.يقول أبوالمحاسن عن المجذوب عمر البياتى " كانت جذبته غير مطبقة لأنه كان لايُخلُ بالمكتوبة ، بل يغتسل فى الغالب لكل صلاة"[13].      

2 ــ وكان من عوامل انتشار القذارة أيضا ما أشاعه التصوف من انحلال خلقى وشذوذ، وفى طيف الخيال قصص عن العشق المحرم والأحاديث الخرافية الملوثة بنجاسات البول والبراز[14]. تعكس ذلك التردى الخلقى فى العصر المملوكى.

3 ـ وتفنن المجاذيب الصوفية فى قذارة الزى والمظهر.

3 / 1 : والعرى كان أهم مظهر للقذارة تفنن فيه المجاذيب أمثال الشيخ خليل[15].

ويقول الشعرانى عن شعبان المجذوب: (  وكان رضى الله عنه عريانا لايلبس إلا قطعة جلد أو بساط أو حصير أو لباد يغطى قُبله ودبره فقط .  وكانت الخلائق تعتقده، ويعدون رؤيته عيدا) "[16].

3 / 2 : وقال عن الشيخ نصر المجذوب " كان يركب الفيل بمصر أيام الغورى وكان ملامتيا عريانا"[17].

3 / 3 : وقبل الشعرانى وفى القرن الثامن كان الشيخ عبدالله أيبك الموله ت 729" لايكلم أحدا ولايستر عورته وحين مات فجأة شيعته خلائق من الناس[18]،

4 : وواضح أن الناس كانوا يعتقدون صلاح أولئك المجاذيب ويربطون بين قذارة مظهرهم وولايتهم طبقا لدين التصوف القائم على القذارة . وابن الحاج الفقيه الصوفى أنكر ذلك الوضع فقال: (  بعضهم يظهر للناس الزهد فى الدنيا وترك المبالاة بها حتى أنه ليجلس مكشوف العورة، وليس العجب منهم ، بل العجب ممن يعتقدهم مع ماهم فيه من مخالفةالشرع") [19].

 5 ــ وبعضهم إذا ارتدى ثيابا حافظ على قذارة المظهر .

5 / 1 : فالشيخ سويدان المجذوب ت919  : (  كان مكشوف الرأس أبدا ، وله شعر طويل ملبد ، كث اللحية ، وكان أكثر كلامه إشارات لايفهمها عنه إلا الفقراء الصادقون. )"[20].. كشف الرأس كان عيبا كبيرا وقتها . وكان عقوبة مخزية توقعها السلطة المملوكية بمن تقوم بتجريسهم . وعند المصائب الهائلة يقوم المُصاب بكشف رأسه . ولكن هذا المجذوب كان مكشوف الرأس ولا يعتنى بشعر رأسه أو لحيته . وبهذا المظهر القذر حظى بالتقديس بحيث أنه كان إذا هذى فلا يفهم هذيانه إلا الصوفية الصادقون فى دينهم الصوفى .!

5 / 2 :  وكان الشيخ أبوالفضل الأحمدى يقول " والله أنى لاستحى من لبس الثوب النظيف على ذاتى  هذه القذرة"[21]. وهو يتحدث هنا عن نفسه.

6 ــ وذكر الشعرانى بعض مظاهر القذارة للمجاذيب :

6 / 1 : فالشيخ عبيد البلقينى " حصل له جذب فى أول عمره فمكث نحو الخمس عشرة سنة بلباس جلده مكشوف الرأس والبدن، لايلتفت إلى تدبير بدنه حتى صار الدود يتساقط من تحت قلنسوته من محل الزيق، ولم يزل أثره ظاهرا فى ناحية قفاه رضى الله عنه"[22].أى إستعمر الدود قفاه ، فوصل الى التألق فى الدين الصوفى الى درجة قول الشعرانى عنه : ( رضى الله عنه ).!!

6 / 2 : وبركات الخياط كان يقول لزبائنه الوافدين لحانوته فى الخياطة : ( هات معك فوطة وإلا يتسخ قماشك من ثيابى )"[23].

6 / 3 : والشيخ أبو لحاف " كان حافيا مكشوف الرأس ملتحفا بملاءة حمراء وبيده عصا غليظة"[24]. وبهذا اللحاف إشتهر بأنه أبو لحاف .

6 / 4 : والشيخ سليمان الحانوتى تميز بأنه كان رث الثياب مع تغييره فى الزى : (  كانت ثيابه تارة رثة وتارة كثياب القضاة والتجار ولونه تارة تجده أحمر القرمزى وتارة أصفر متحولا )"[25].

6 / 5 : والشيخ عامر المجذوب: (  كان عامة نهاره وليله واقفا على كوم عال ومع طوق حجر طاحون يحركه بين رجليه وهما مفرقتان، وكانت له عمامة نحو قنطار لايستطيع أحد أن يضعها على رأسه من ثقلها يجمعها من شراميط الكيمان ) "[26]. أى جعل من نفسه نُصُبا أو تمثالا مقدسا للقذارة .

6 / 6 : ويحكى الشعرانى عن الشيخ أبى الفضل الأحمدى: (  كنا إذا خرجنا لمثل أهرام الجيزة أو غيرها من المتنزهات يحمل نعال الجماعة كلهم على عنقه، ومن أبى أقسم عليه بالله تعالى حتى يمكنه من حمل نعله) "[27]. كان يمكنه ان يحمل نعالهم بيده تواضعا وفقط ، لولا أن القذارة تستوجب أن يحملها فى عنقه ليستمتع بشم روائحها العطرة .

6 / 7 : وكان من كرامات شعبان المجذوب أنه كان بزعمهم : (  إذا رأى الهلال عرف جميع مافيه مكتوبا على العباد، وكان إذا إطلع على موت البهائم يلبس صبيحة تلك الليلة جلد البهائم البقر أو الغنم، أو تسخير الجمال لجهة السلطنة يلبس الشيف الليف فيقع الأمر كما نوُه به) "[28]. أى كانت كرامته المزعومة فى القذارة فى المظهر.

7 ــ  والصوفية الأعاجم القادمون لمصر من الشرق اشتهروا بقذارة المظهر أكثر من الصوفية المصريين .

7 / 1 : حتى أنه يقال في ترجمة المجذوب على الدميري ت 924 : (  كان مكشوف الرأس ملتفاً في بزه بحيث أن من يراه يظنه أعجمياً") [29].

7 / 2 : ويقال في ترجمة الفقيه ابن جماعة ت 819: (  كان يعاب بالتزيي بزى العجم من طول الشارب وعدم السواك) "[30]. أى أن التأثر بالقذارة الصوفية للأعاجم وصل للفقهاء المشاهير.  

7 / 3 : ومثل ابن جماعة الشيخ برهان الدين العثمانى ت 852 يقول فيه أبو المحاسن " عُدّ من الفضلاء إلا أنه كان دنس الثياب غير ضوي الهيئة" [31].

الصوفية والكلاب

1 ــ وبعض المجاذيب لم يكتف بقذارته الذاتية وإنما أضاف إليها الرتوش مثل أن يصحب معه كلاباً تفوقه في القذارة، فالشيخ مسعود المجذوب كان له كلب قدر الحمار لم يزل واضعاً بوزه على كتفه " .

2 ــ وتلقب بعضهم بالكليباتى نسبة لكلابه مثل الشيخ أبو الخير الكليباتى ، وقد أشاعوا أن الكلاب التى كانت تسير معه من الجن، يقول عنه الشعرانى : (  وكان أغلب أوقاته واضعاً وجهه في حلق الخلاء في ميضأة جامع الحاكم) أى يضع وجهه فى موضع البراز فى الميضأة ، معتكفا . وتستمر الرواية تقول : ( ويدخل الجامع بالكلاب.. وكان رجلاً قصيراً في يده عصا فيها حلق وشخاشيخ. ) " [32].

3 ــ  وبعد العصر المملوكى يقول كلوت بك عن المجاذيب " ويعرف المجاذيب بقذارة أبدانهم وما يتشحون به من أطمار بالية " [33].

تحريم غسل الثياب

1 ــ     ومن مظاهر قذارة الصوفية أن بعضهم كان يظل يرتدى الزى دون أن يغسله، ويظل هكذا حتى يذوب ، فيقوم الآخرون بتجريده منه ويبدلونه له بغيره .

2 ــ فالبدوى: ( كان إذا لبس ثوباً أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا لغيره حتى تذوب فيبدلونها له بغيرها )" [34]. . لا يُبدلها هو ، بل هم الذين يبدلونها له حين تذوب من القذارة .

3  ــ والشيخ المنوفى كان أهون حالا : (  كان الغالب إذا توسخ ما عليه لا يكون له ما يبدله به وكانت أخته إذا توسخت ثيابه تنزع ثيابه لغسلها وإلا فهو ما كان يفكر في ذلك . ) [35].

4 ــ وكان الشيخ الدميري مكشوف الرأس ملفوفاً في بردة كلما تنقطع يبدلونها له بأخرى ،وأقام على هذه الحالة نحو عشرين سنة " [36]. أى حقّق رقما قياسيا فى قذارة الثياب ، فعدُّا ذلك من مناقبه وعُلُّوه فى الدين الصوفى .

5 ـ وكان  الشيخ عمر المجذوب: ( " كان إذا لبس القميص لا ينزعه حتى يذوب " [37].

6 ــ والشيخ المعتزل الذى كان الأكابر تتردد إليه: ( وكان يلبس العمامة أو الثوب لايخلعها حتى تذوب "[38] .

 القمل والتصوف:

1 ــ  بسبب تلك القذارة كان للقمل دوراً في تاريخ التصوف والصوفية.

يقول الرائد الصوفي ابراهيم بن أدهم : ( ما سررت في إسلامى إلا ثلاث مرات كنت في سفينة وفيها رجل مضحاك كان يقول : كنا نأخذ العلج في بلاد الترك هكذا وكان يأخذ بشعر رأسي ويهزنى فيسرنى ذلك لأنه لم يكن في تلك السفينة أحقر في عينه منى ، والأخرى كنت عليلاً في مسجد فدخل المؤذن وقال أخرج فلم أطق فأخذ برجلى وجرنى إلى خارج المسجد ، والثالثة كنت بالشام وعلىّ فرو فنظرت فيه فلم أميز بين شعره وبين القمل لكثرته ، وسرنى ذلك. ) [39]. أى من ضمن مناقبه التى يفخر بها أن القمل غزا الفرو الذى يلبسه بحث غطّى عليه .

2 ــ  ولأهمية القمل في حياة الصوفية فقد اخترعوا له الأحاديث.

وتطوع الغزالى بهذه المهمة فيفترى أن نبياً من الأنبياء – لا نعرف  اسمه – " شكا إلى ربه الجوع والفقر والقمل عشر سنين فما أجيب إلى ذلك ثم أوحى إليه : لم تشكو ؟ هكذا كان بدؤك عندى في أم الكتاب قبل أن أخلق السموات والأرض وهكذا سبق لك منى وهكذا قضيت عليك قبل أن أخلق الدنيا أفتريد أن أعيد خلق الدنيا من أجلك؟ أم تريد أن أبدل ما قدرته عليك فيكون ما تحب فوق ما أحب  ويكون ما تريد فوق ما أريد  ؟ وعزتى وجلالى لإن تلجلج هذا في صدرك مرة أخرى أمحونك من ديوان النبوة" [40].

فالغزالى يفترى هذه الحكاية ويكذب على الله لكى يضخم من موضوع الإعتراض على القمل والفقر، ولايكتفى الغزالى بذلك بل يفترى حديثاً عن خاتم المرسلين هو ( لقد كان الأنبياء قبلى يبتلى أحدهم بالفقر فلا يلبس العباءة، وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل ، وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم " [41] .

3 ــ  وبسبب غزو القمل وإستعماره لأجساد الصوفية فقد احتاجوا إلى وظيفة دينية هي تفلية الفقراء، وكالعادة اصطنعوا لها فى دينهم حديثاً مفترى ، يرويه القشيري : (  قيل أوحى الله تعالى إلى موسى : أتريد أن تكون لك يوم القيامة مثل حسنات الناس أجمعين ؟ قال نعم ، قال : عُد المريض وكن لثياب الفقراء فالياً، فجعل موسى على نفسه في كل شهر سبعة أيام يطوف على الفقراء يفلي ثيابهم " [42]

  4 ــ  وفقراء المطاوعة في العصر المملوكى جعلوا من وظيفة (البدوات) أى (الصبيان المفعول فيهم ) تفلية ثياب الفقراء ، كما سبق بيانه في موضعه.

5 – ويقول الشعرانى أن من آداب العبودية": ( أن يجالس الفقراء أصحاب القمل ويفلي ثيابهم )" .[43] .     6 ــ وقبل العصر المملوكى كان السهروردى الصوفى المقتول : ( دنئ الهمة زرى الخلقة ، دنس الثياب ، وسخ البدن لا يغسل له ثوباً ولا جسماً ولا يداً، ولا يقص ظفراً ولا شعراً، وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعى على ثيابه ، وكان من رآه يهرب منه) [44].

7 ــ  أما القمل ( المملوكى الصوفى ) فقد كان له شأن.

7 / 1 : فالبدوى الذي كان يحتفظ بملابسه إلى أن تذوب على جسده كان من أهم مخلفاته التى لا تزال موجودة حتى الآن" المهراش" الذى يتعامل به مع القمل .    

7 / 2 : ويقول العينى في حوادث سنة 792 "وتسلط على الفقراء ـ أى الصوفية ـ قمل عظيم [45] . أى وصل غزو القمل لأجساد الأولياء الصوفية الى درجة أن يكون خبرا يسجله المؤرخون .!!

8 ــ والصوفي يحاول أن يوظف القمل السارح على جسده في أساطير الكرامات .

فالشيخ شمس الدين الحنفي دعا الله في مرض موته أن يبتليه الله بالقمل – كما لو كان محروماً منه قبل ذلك – ويقول الشعرانى معلقاً: (  وحصل له ذلك قبل موته فتزايد عليه القمل حتى صار يمشى على فراشه.) . ويعلل الشعرانى هذه الأمنية المزعومة : (  وإنما يتمنى ذلك ليكون له أسوة حسنة بالأنبياء الذين ماتوا بالجوع والقمل. ) " [46]. أى أنه افترى على أنبياء الله بهذه التهمة القذرة .

  9 ــ  ولأن القمل يعايش الصوفية إلى هذا الحد الذى جعلهم يلصقونه بالأنبياء ظلماً وافتراءاً فإن بعضهم وجد فيه مجالاً للتخصص في الكرامات ، فالشيخ ابن عنان: (  كان إذا غضب على أحد قال للقمل : رح إليه"، فيمتلئ قملاً ، ويعجز عن تنقيته ولا يكاد ينام ، فيمضى إليه ويقول : ما رأيت إلا تعمل شيخ القمل ، فيأخذه بيده ويرميه في الهواء " [47] .فينقشع القمل عنه .

   10 ــ  وظل القمل عادة قذرة سيئة مصرية ، تعبر عن القذارة الصوفية التى انتشرت في المجتمع حتى بعد العصر المملوكى . وما أروع قول كلوت بك : (  وبالرغم من أن الدين الإسلامى قد فرض النظافة فإن الأغنياء ــ كالفقراء ــ كثيراً ما تحوى ثيابهم القمل ولا يخجلهم وجوده، ولا يعنون بإبادته وتطهير أجسامهم منه، بل يقتصرون بما جبلوا عليه من الدعة والخمول على إمساكه بأطراف الأنامل وطرحه على الأرض بعيداً عنهم ، ولدى أرباب اليسار أداة خاصة من الخشب في شكل المغرفة يحكون بها ظهورهم ليخففوا عن أنفسهم آلام وخزها ولسعها "[48].

 وهكذا أتى إنصاف الإسلام من هذه القذارة على يد مؤرخ أجنبي هو كلوت بك ، وأوضح دون أن يدرى دور التصوف في نشر هذه القذارة بين الأغنياء والفقراء الذين وحّد ما بينهم الاستكانة للقمل في كسل وخمول. أى إن القمل الصوفى أزال الفوارق بين الطبقات .  وكل ما هنالك أن بعض الأغنياء كان يحتفظ بالمهراش الشعار الرسمى للبدوى أشهر الأولياء الصوفية  يحُكُّ به جلده من أثر القمل .



[1]
- الرسالة القشيرية 237 : 238 .

[2] - الجواهر والدرر 112 .

[3] - الطبقات الكبرى للشعراني ج2 / 115 .

[4] - الرسالة القشيرية 119 .

[5] - العبر فى خبر من غبر ج5/ 240 .عقد الجمان للعين 54 /422.

[6] - عبد الصمد الأحمدى 38 الجواهر السنية .العلوى النصيحة العلوية 300 .

[7] ـ المنهل الصافى. مخطوط جـ15/191.

[8] ـ عقد الجمان وفيات 797.

[9] ـالطبقات الكبرى جـ2/129 ،130 ،93 .

[10] ـ الطبقات الكبرى جـ2/129 ،130 ،93.

[11] ـ الطبقات الكبرى جـ2/   129 ، 130 ،93 .

[12] ـ الشعرانى. آداب العبودية 31.

[13] ـ النجوم الزاهرة جـ15/328: 329.

[14] ـ طيف الخيال161. تحقيق ابراهيم حمادة.

[15] ـالطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/168،167.

[16] ـ الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/167، 168.

[17] ـ الغزى. الكوكب السائرة جـ1/311.

[18] ـ تاريخ ابن الوردى جـ2/291.

[19] ـ المدخل جـ2/202.

[20] ـ الكواكب السائرة جـ1/213.

[21] ـ الشعرانى. الطبقات الكبرى ج2ـ/157، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[22] ـ الشعرانى  الطبقات الكبرى جـ2/157، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[23] ـ الشعرانى . الطبقات الكبرىجـ2/157، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[24] ـ الشعرانى. الطبقات الكبرىجـ2/ 157 ، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[25] ـ الشعرانى . الطبقات الكبرىجـ2/157، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[26] ـ الشعرانى. الطبقات الكبرى جـ2/157، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[27] ـ الشعرانى. الطبقات الكبرى جـ2/157، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[28] ـ الشعرانى. الطبقات الكبرىجـ2/157، 132، 130، 134، 169، 157، 167.

[29] - الكواكب السائرة جـ1 / 283 .

[30] - البدر الطالع جـ2 /149 .

[31] - النجوم الزاهرة جـ15 / 525 .

[32] - الطبقات الكبرى جـ2/ 130 ، 129 .

[33] - لمحة عامة إلى مصر جـ2 / 82 .

[34] - عبدالصمد. الجواهر 12 .

[35] - مناقب المنوفى 16 .

[36] - الطيقات الكبرى للشعرانى جـ2 / 135 . ، 169 ،168 .

[37] - الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2 / 135 ، 169، 168 .

[38] - الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2 / 135 ، 169 ، 168 .

[39] - الرسالة القشيرية 119.

[40] - الإحياء جـ4 / 296 .

[41] - الإحياء جـ4 / 192.

[42] - الرسالة القشيرية 211 ، 212 .

[43] - آداب العبودية 34.

[44] - الوافي بالوفيات .جـ2 / 320 ، 321 .

[45] - عقد الجمان حوادث سنة 792 .لوحة 410 .

[46] - الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2 / 92 .

[47] - العيدروس : أخبار القرن العاشر 177 .

[48] - كلوت بك . لمحة عامة إلى مصر جـ1 / 581 .

اجمالي القراءات 8131