الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل:
التحايل بالمطالب

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٠ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الخامس : الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل: التحايل بالمطالب :

1 ــ وهى عبارة عن طلب استخراج الكنوز المدفونة فى باطن الأرض من آثار الفراعنة ، وطالما أن العصر المملوكى يعتقد فى علم الصوفية بالغيب فمن المنتظر أن يكون " علم المطالب" من ممارسات الصوفية وطرقهم فى التحايل.

2 ــ وقبل العصرالمملوكى زار مصر المؤرخ الطبيب عبداللطيف البغدادى وقال عن آثارها : (  ومازالت الملوك تراعى بقاء هذه الآثار وتمنع من البعث فيها والعبث بها وإن كانوا أعداء لأربابها.. وأما فى زمننا هذا فتُرك الناس سدى ، وسُرّحوا هملا ، وفُوُّضت إليهم شئونهم ، فتحركوا بسبب أهوائهم وجروا نحو ظنونهم واطماعهم ..فلما رأوا آثارها هائلة راعهم منظرها وظنوا ظن السوء .. وكان جُل انصراف ظنونهم إلى معشوقهم . وهو الدينار.. فهم يحسبون كل علم يلوح لهم أنه علم على مطلب ، وكل شىء منظور فى جبل أنه يفضى إلى كنز ، وكل صنم ( أى تمثال ) عظيم أنه حاصل لمال تحت قدميه.. فصاروا يعملون الحيلة فى تخريبه ويبالغون فى تهديمه ، ويفسدون صور الأصنام ( التماثيل ) افساد من يرجو عندها المال .. وينقبون الأحجار نقب من لايتمارى أنها صناديق مقفلة على ذخائر .. ومن كان من هؤلاء له مال أضاعه فى ذلك . ومن كان فقيرا قصد بعض المياسير وقوى طمعه وقرب أمله بإيمان يحلفها له وعلوم يزعم أنه استأثر بها دونه وعلامات يدعى أنه شاهدها )"[1].

 وقد وضح فى هذا النص ماعاينه عبداللطيف البغدادى بنفسه من تدمير للآثار الفرعونية بحثا عن الكنوز والمطالب ، وكيف أضاعوا الأموال فى ذلك البحث المحموم ، والسلطة الأيوبية وقتها لم تتدخل فى الأمر وتركتهم وشأنهم ، وأن بعض الفقراء ـ أى الصوفية ـ كانوا يخدعون الأثرياء ويطمعونهم بتمويل عمليات البحث ويدعون بالعلم اللدنى معرفتهم بالكنوز.

 3 ـ  وقد كثر عددهم فى عصر ابن خلدون ت 808 ، فقال عنهم : ( كثير من صغار العقول يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض ويبتغون الكسب من ذلك، ويعتقدون أن أموال الأمم السابقة مختزنة كلها تحت الأرض .. مختوم عليها كلها بطلاسم سحر لايفضُ خاتمها ذلك إلا من عثر على علمه واستحضر مايحله من البخور والدماء والقربان. ).  أى أنهم بعد أن عجزوا عن الوصول للكنوز الفرعونية التى أجاد أصحابها إخفاءها وجدوا المخرج فى الإدعاءات الصوفية فى الطلاسم والبخور والدماء والقرابين، أى استرجاع بعض الممارسات الفرعونية . وبذلك ازداد ارتباط المطالب بالتصوف والتحايل.

وبانتشار التصوف ازداد عددهم ، يقول ابن خلدون: ( ووجدوا لهم سوقا رائجة فى مصر حيث قبور القبط منذ آلاف السنين مظنة لوجود توابيت الذهب فيها، لذلك عُنى أهل مصر بالبحث عن المطالب حتى أنهم حين ضربت المكوس  آخر الدولة على أهل المطالب وصدرت ضريبة على من يشتغل بذلك من الحمقى والمتهوسين، فوجد بذلك المتعاطون من أهل الأطماع الذريعة إلى الكشف عنه والتذرع باستخراجه ، وماحصلوا على الخيبة فى جميع مساعيهم . )"[2].

4 ــ  والدلجى ــ من تلاميذ ابن خلدون ـ يبحث إمكانية العثور على المطالب بالطرق الصوفية، فيقول " ( وأما المطالب فلا بحث فى إمكان أن يجد الشخص دفينا جاهليا أو أسلاميا على الاتفاق والصدف،إنما البحث فى أن تحت الأرض مساكن وعمارات مبنية ، وفيها كنوز وأموال عظيمة ، وعليها موانع وطلسمات ، ولتلك الموانع طرق تزول بها ، وعلى تلك المطالب علامات وامارات يتوصل بها إلى أمكنتها ويستدل عليها بها ، فهذا من مخارق المحتالين) [3].

   5 ــ  وقد أشارت الحوليات التاريخية إلى بعض ماذكره البغدادى وابن خلدون والدلجى .

فيذكر ابن حجر أن بكتوت القرمانى ت749 كان " مغرى بالمطالب والكيمياء مع كثرة أمواله"[4].

وحين سافر الغورى سنة 918 للتنزه عند الأهرامات أشاعوا أنه ذهب بسبب مطلب"[5].

ورويت حكاية عن بعضهم مضمونها العثور على كنز ذهبى بجوار الأهرام[6].

وبعضهم أضاع أمواله فى المطالب دون جدوى مثل الشيخ شمس الدين الصالحى ت843  الذى " كان مولعا بالمطالب ينفق عليها مع التقتير على نفسه"[7] . وابن قاسم العاجلى 835 الذى "غلب عليه حب المطالب فمات ولم يظفر بطائل"[8]. ومثله أبو البقاء الشيبانى ت835[9].

  6 ــ  وفى القرن العاشر حين أيقن البعض من عبثية الحصول على المطالب بالطرق الصوفية قال مقالة الشعرانى: ( الفقراء الصادقون فى غنية عن عمل الكيمياء وفتح المطالب)"[10].

 إلا أن الأغلبية كانوا يقعون فريسة لتحايل الصوفية من مدعى فتح المطالب وفك الطلسمات السحرية، وكانوا يقدمون لأولئك المحتالين مايريدون حتى الطعام والشراب والزنا بالزوجات كما ذكر الشعرانى.

 7 ــ  واحتل ( جامع الحاكم ) مرتبة هامة فى عقيدة الباحثين عن المطالب ، ربما لنسبته إلى الحاكم بأمر الله الفاطمى الذى ادعى الإلوهية وأحاطت الأسرار بنشأته وحياته ومقتله وآمن بعضهم برجعته بعد موته . وكان من حوادث سنة 841 أن بعضهم أقنع السلطان برسباى بأن إحدى الدعامات فى جامع الحاكم مملوءة ذهبا، وركب السلطان إلى الجامع فعلم عجزه عن ذلك وقال " أن الذى نأخذه من الدعامة يصرف على عمارة مانهدمه ولا ينوبنا غير تعب السر"[11].

وفى سنة 857 أمر السلطان بهدم مكان مبنى على يمين محراب  جامع الحاكم لأن شخصا قال للسلطان: عندى مايدل على أن بالموضع الفلانى صندوق بللور فيه أوراق تدل على خبيئة بالجامع المذكور ، يقول أبو المحاسن " فأمر السلطان بهدمه فى حضرة الشخص المذكور فلم يجدوا إلا التعب وانتشار القالة"[12].

 وفى سنة 871 أخبر مغربى جيران جامع الحاكم أن به كنزا عظيما وعلامة ذلك أن يجدوا بعد الحفر قبة كبيرة ، وذكر أنهم وجدوا القبة وتحتها مايشبه القاعة [13].

 وفى سنة 914 يذكر ابن إياس أن بوّاب جامع الحاكم طلع للسلطان وذكر له أنه رأى فى المنام قائلا يقول له: قل للسلطان أن فى جامع الحاكم فى بعض دعائمه دعامة تحتها دنانير ذهب لاينحصر عددها، فمال السلطان لكلامه ، وأرسل خاير بك الخازندار والمحتسب والمهندسين وسألوا البواب فقال : لا أعلم الدعامة التى تحتها الذهب. فقال المهندسون مايظهر ذلك حتى نهدم جميع الدعائم التى هنا، فاجتمع الناس وكثر القيل والقال ولم يوافق السلطان على هدم الجامع[14].

 8 ــ   وفيما عدا جامع الحاكم  ذكر ابن إياس أنه احتال تاجر اسمه ابن القماح على صاحب قيسارية ( محل كبير للتجارة ) وأوهمه أن ببئرها كنزا واستطاع بذلك أن يسرق القيسارية [15] .. ومعناه أن التحايل فى المطالب لم يعد قصرا على الصوفية.

9 ــ  ولايزال التحايل بالمطالب مستمرا على فترات متقطعة ، فلا تزال المطالب تعيش فى الضمير الشعبى لارتباطها الدينى بالتصوف وكونها حلما يداعب خيال الناس. ويأتى المثل الشعبى فى عصرنا يقول فى حصيلة المطالب : ( كل  مطلب وعليه مهلك )" ويقول فيمن نزلت عليه ثروة لايستحقها : ( كلب أجرب وانفتح له مطلب. )"[16].

  [1]ـالإ فادة والاعتبار فى المشاهدة والحوادث والمعاينة بأرض مصر لعبداللطيف البغدادى نشرته مطبعة المجلة الجديدة تحت عنوان عبداللطيف البغدادى فى مصر 47 : 48 .

[2]ـ ابن خلدون . المقدمة 384 ، 385 ، 386 ، 388

[3]ـالفلاكة والمفلوكون : 30 ، 31.

[4]ـ الدرر الكامنة جـ 2 / 23 .

[5]ـ. تاريخ ابن اياس ج4/293

[6]ـ. ـ التبر المسبوك 173: 174

[7]. إنباء الغمر مخطوط 1124 .

[8]ـ. إنباء الغمر ج3/485 ـ

[9]ـ. الضوء اللامع ج3/172

[10]ـ ـ البحر المورود 40

[11]. النجوم الزاهرة ج15: 91، نزهة النفوس  ج3/402

[12]. ـ . حوادث الدهور ج2/197

[13]ـ تاريخ البقاعى 12 أ مخطوط

[14]ـ تاريخ ابن اياس ج4/ 147: 148 .

[15]. نفس المرجع ج1/2/299 ـ

[16]ـ الأمثال الشعبية تيمور 324،328 .

اجمالي القراءات 6604