الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل: التحايل بعلم الحرف

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٩ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الخامس : الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل: التحايل بعلم الحرف 

علم الحرف .

1 ــ تكلم ابن خلدون فى ( المقدمة : 51 : 54 ، 114 ) عن إرتباط علم الحرف بقسمة الطبائع من الماء والهواء والنار والتراب وبالأعداد ، وذكر طريقة حساب التيم ، وهى حساب للحروف الأبجدية من الواحد إلى الألف، آحاد أو عشرات أو مئات الألوف ، فلكل حرف عدد يساويه ، ومن مجموع حروف أسم الشخص يمكن جمع القيمة العددية للحروف ويعرفون طالعه كما يزعمون .

ولإبن سينا رسالة فى معنى الحروف الهجائية ، تعمق فيها فى ربط الحروف ربطا باطنيا بترتيب مراتب الفيض فى الأفلاطونية الحديثة والتى أصبحت فيما بعد أهم أصل فى نظرية الإشراق الصوفية أو العلم اللدنى. وقد تكونت الطائفة الحروفية أو النسيمية على هذا الأساس وعرضنا لأفكارهم الانحلالية ، ويبدو أثر علم الحرف فى محاولات الصوفية تحريف الآيات القرآنية حيث تبدأ بعض أحزابهم ببعض الحروف القرآنية كما فى حزب البحر للشاذلى وفيه تردد فواتح ببعض السورمثل حم حم حم حم.. طس حم عسق .. إلخ.

2 ــ  وقد ظل علم الحرف تقليدا صوفيا معمولا به حتى أوائل هذا القرن ، يقول العلاّمة أحمد أمين " يزعمون أن لكل حرف سرا ، وأن أسرار القرآن كلها وضعت فى سورة الفاتحة، وأن سر الفاتحة وضع فى البسملة، وأن أسرار البسملة وضعت فى حرف الباء ،وهكذا. وكل حرف له خواص وله أعداد ومن ذلك حروف الجمل وتقابل أبجد هوز. إلخ فالألف بواحد والباء باثنين. ويقولون إن بعض هذه الحروف نارى والآخر ترابى وهوائى ومائى، والأعداد للحروف كالأجساد للإنسان ، وللحروف قوة فى باطن العلويات ، ولها هوة فى باطن السفليات . وبعضهم يجعل للحروف طبائع فبعضها حار وهى أ، و، ن، م، ع  وبعضها يابسة وهى س ف ب ج وبعضها رطبة وبعضها باردة ، وللحروف اتصالات بالبروج معقدة تسبب العداوة والبغضاء والسعادة والشقاء، ولهم فى ذلك حساب طويل وكتب خاصة"[1].

 3 ــ  ووضعت تطبيقات علم الحرف فيما كتبه أحمد أمين آنفا، وذلك ماكان معمولا به فى العصر المملوكى كمحاولة لمعرفة الغيب ، فشاع استخدام الحروف وأعدادها، فالسلطان الظاهر تمربغا المملوكى الرومى الأصل ت879 كان يتوهم طول مدته فى الحكم وأن الأمر عاد إلى الروم، وأخذ ذلك من قوله سبحانه وتعالى"فى سورة ( الروم ) : ( سَيَغْلِبُونَ  فِي بِضْعِ سِنِينَ )  ففى الحساب الحرفى لكلمة ( بضع ): الباء باثنتين ، والعين بسبعين، والضاد ثمانمائة ، والمجموع ( 872 ).  بل زعموا ان طالبا شاميا أخبره أنه سمع بسلطنته بمدينة غزة وأنه أخبر بدمشق بمشاهدة درهم عتيق مسكوك باسم الظاهر تمربغا" ويعلق السخاوى قائلا: فالله أعلم[2]. أى أن السخاوى يعتقد فى ذلك.

وقال شيخ الرباط بالخانقاه البيبرسية "كان أول خروج تيمور لنك فى سنة (عذاب)، يشيرإلى أن أول ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، لأن العين بسبعين والذال المعجمة بسبعمائة والألف والباء بثلاثة، وعد ابن حجر هذه المقالة من لطائف شيخ الرباط[3] ، مع أن الظلم والتجبر كان صفة مشتركة لكل السلاطين فى ذلك الوقت ، وقالوا عن السلطان العزيز يوسف بن برسباى " كانت مدته أربعة وتسعين يوما، ومن الاتفاق الغريب أن عدة حروف عزيز بالجمل أربعة وتسعين[4] ، مع أن مدة سلطنته فيها شك كبير. وقال ابن اياس عن انقراض الدولة القلاوونية " وقد صح ما أخبر به أرباب الملاحم" ووفق بين تاريخ انقراض الدولة وأبيات من الشعر قيلت فى ذلك بعد قيام الدولة البرجية[5]. ومعناه أن أصحاب علم الحرف كانوا يحاولون إثبات دعواهم بشتى الطرق.

  4 ــ  ومن مشاهير الأولياء الصوفية المعتقدين أصحاب علم الحرف كان: شرف الدين الأخميمى[6]. ت648، وأبوذر[7]. ت780 الذى قدم القاهرة وكان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن عربى فاعتقده الناس. ومثله شهاب الدين أبوالعباس الذى كان معاصرا له وقد قدم مصر وأقام بها مدة ، وتردد إليه الناس " وكان ينسب إلى علم الحرف وكان عنده التصوف كما ينبغى"[8]. ثم هناك آخرون مثلهم مثل السبى[9]. ونصر العجمى[10]. وأبوبكر الجبرتى العابد[11].

وإلى علم الحرف نسب الشيخ محمد بن على "الحرفى" ت806 الذى كان من خواص الملك الظاهر[12].

 وكان علم الحرف من ضمن العلوم التى درسها زكريا الأنصارى ، أخذه عن ابن قرقماس الحنفى[13].

وقال الشاعر ابن نباته فى شعر فاضح ماجن  فصيح صريح :

             عندى غلام بعلم الحرف مشتغل       وأى حرف إلى الفحشاء منحرف

             أحكى الأنام لدال فى تفاجعــه       وانفق الناس من ميم على ألف [14]

( الميم رمز للمؤخرة ، والألف رمز للعضو الذكرى) .

5 ــ  وبعضهم ساعدته الظروف فوصل بعلم الحرف إلى الشهرة لدى الحكام ، ومنهم ابن زقاعة ت 816 الذى"(  كان عارفا بالأوفاق ومايتعلق بعلم الحرف ، مشاركا فى القراءات والنجوم وطرف من الكيمياء، وقد عظمه الظاهر ـ برقوق ـ جدا بحيث كان لايسافر إلا فى الوقت الذى يحدده له) "[15]. " والناس فيه فريقان فريق على أنه ولى ويحكى عنه خوارق وفريق يزعمون أنه مشعبذ "  وظهر تحايله لدى السلطان برقوق فأعرض عنه ثم مالبث أن علا نفوذه لدى ابنه السلطان الناصر فرج حتى كان لايخرج إلى السفر إلا بعد أن يأخذ له الطالع" إلا أن السلطان التالى المؤيد شيخ نقم عليه وأهانه ثم أعرض عنه فترك القاهرة وعاد إلى موطنه فى غزة [16].

6 ــ وقال المقريزى عن الشيخ الزعيفرينى ت830" ( كان يزعم معرفة الحرف ويستخرج من القرآن مايريد معرفته من الأخبار بالمغيبات) "[17]. أى أن المقريزى لايصدقه ويعتبره محتالا . وذلك ماقاله عنه السخاوى المؤرخ: (  كان يزعم أنه يعلم علم الحرف ويستخرج من القرآن مايعلم به علم المغيبات ، وخدع بذلك طائفة من الأمراء فى الأيام الناصرية وغيرهم من الأكابر) "[18] . والخداع معناه الحصول على أموال كثيرة . ويقول عنه ابن حجر": (  كان يتكلم فى علم الحرف ويخبر عن المغيبات ، لذلك مال إليه جماعة من الأكابر وأثرى )" [19]. أى تحايل بعلم الحرف على أكل أموال الناس بالباطل فأثرى.

 7 ــ  وقال ابن حجر عن الشيخ جلال الدين الرويانى ت 833 : (" تجرد (أى تصوف )، وبرع فى علم الحكمة والتصوف، وقدم القاهرة مجردا( أى متصوفا ) ، واتصل بأمراء الدولة وراج عليهم ( اى إشتهر ) لما ينسب إليه من معرفة الحرف وعمل الأوفاق ( اى الأعمال السحرية / السيماء )، وله عدة تصانيف فى علوم الحرف والتصوف ، منها: غنية الطالب فيما اشتمل عليه الوهم من المطالب، وأعلام الشهود بحقائق الوجود. )" وتحدث ابن حجر عن وسيلته فى الشهرة فقال : ( وكان مفضالا  مطعاما للفقراء ، فهرعوا إليه ولازموه، وقام بأمرهم ، فصيرهم سوقه التى ينفق عليها وينفق بها" ، واستخدم فى ذلك الغرباء الذين جمعهم حوله ، ينفق بها واستخلص بسبب ذلك الأموال من الأمراء وغيرهم حتى كان كثير من الأمراء يفرد له من اقطاعه أرضا يصيرها رزقه، ثم يسعى هو حتى يشتريها . )"[20].

8 ــ  وبعضهم لم يكن فى براعة جلال الدين الرويانى مثل الشيخ أصلم شيخ خانقاه سرياقوس أعظم الخوانق فى العصر وشيخها هو شيخ الشيوخ للصوفية جميعا ، وقد ادعى معرفة علم الحرف[21]. وتحايل على السلطان برقوق فعزله وصادره " كما سبق بيانه .

9 ــ  وقد عارض بعض الفقهاء السنيين علم الحرف الصوفى ، فيقول عنه الذهبى " إن الدخول فى علم الحرف ينافى طريق السلف وهو فى شق وماجاء به الرسول فى شق، وهو فى حرمة الله تعالى بقوله: وأن تقولوا على الله مالا تعلمون، وقال النبى( ص) إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، وعلم الحرف نسبه الكهانة والنجوم ،بل هو شر منه، فنسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا"[22] 

السيمياء :

1 ــ  من تطبيقات علم الحرف ، وتخصصت كما يقول السبكى فى إحداث المرض أو المحبة أو البغض أو التفريق بين زوجين على وجه الحقيقة أو تكون تخييلا لا حقيقة له ، ويفرق بينهما وبين الشعبذة فى أن الأخيرة مبنية  على خفة اليد والأخذ بالبصر[23]. ورأينا اتصاف الكثيرين بعلم السيمياء ، ومن ذلك مايقال عن الهرماس الصوفى أنه" كان يعرف أشياء من السيمياء"[24]

وترتبط السيمياء بالسحر ، فيذكر ابن أيبك الصفدى فى موسوعته ( الوافى بالوفيات ) أن ابن دبوقا ت 691 ، الذى عمل مقرئا للقرآن وإمام مسجد وأديبا ( كان يدخل روحه فى السيمياء والسحر ) ( الوافى 11 / 124 ).



[1]
ـ قاموس العادات والتقاليد  166 .

[2]ـالضوء اللامع جـ 3 /41 .

[3]ـإنباء الغمر جـ 2 / 111.

[4]ـ السلوك جـ 4 / 3 / 185 .

[5]ـتاريخ ابن إياس جـ 1 / 2 / 311  .

[6]ـ الوافى بالوفيات جـ 2 / 353 .

[7]ـ إنباء الغمر جـ 1 / 181

[8]ـعقد الجمان : 243وفيات 780 .

[9]ـ إنباء الغمر جـ 1 / 183

[10]ـالنجوم الزاهرة جـ 15 / 165 : 166.

[11]ـإنباء الغمر جـ 3 / 148.

[12]ـالسلوك جـ 3 / 3 / 1129.النجوم جـ 13 / 37 .

[13]ـ الضوء اللامع جـ 3 / 235.

[14]ـ ديوان ابن نباته 333

[15]ـإنباء الغمر جـ 3 / 17 .

[16]ـ تحفة الأحباب 43 : 44.

[17]ـالسلوك جـ 4 / 2 / 759.

[18]ـالضوء اللامع جـ 2 / 250.

[19]ـ إنباء الغمر جـ3 /387 .

[20]ـ نفس المرجع جـ 3/ 451 . .

[21]ـابن حجر : ذيل الدرر الكامنة 17 ، إنباء الغمر جـ 2 / 113 ، والمنهل الصافى جـ / 85 ، ونزهة النفوس جـ 2 / 68 : 69.

[22]ـتاريخ الذهبى. مخطوط . مجلد 31 ، 40 : 41 .

[23]ـالسبكى . معيد النعم 155.

[24]ـالدررالكامنةجـ 4/33.

اجمالي القراءات 7362