عذرا على مخالفتكم في معنى ملك اليمين

نهاد حداد في الأحد ١٧ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أعرف أن الكثيرين خاضوا في موضوع ملك اليمين ، وأعرف أن الدكتور محمدشحرور وكذا العديد من القرآنيين قد أنكروا أن تكون ملك اليمين هي الأمة أو العبدة ، ولكن بعد تفكر ودراسة لمجموع السياقات التي جاء فيها مصطلح ماملكت أيمانكم ، أجد نفسي مضطرة إلى موافقة التراثيين على رأيهم . 
على أن ماملكت أيمانكم هن الإماء ! لكن ؟ 
عندما رجعت للقرآن الكريم ، وجدت أن لفظ "ماملكت أيمانكم " لم يأت نهائيا في المضارع بل جاء دائما على صيغة الماضي ! أي أن ماملكت أيمانكم هي ماسلف ، أي الإماء اللائي ملكتونهن قبل أن يأتي الإسلام ، ولم تسرحوهن ! أما بعد الإسلام ، فلا يحق لكم أن تملكوا أحدا !
لقد جاءت كثير من آيات التشريع في القرآن الكريم تخص العبيد و الإماء ، وهذا لا يعني بأن الإسلام قد أحل العبودية والسبي ، بل لقد نوه عز وجل في محكم تنزيله وأكد على عتق الرقاب ! كما أكد على الإرتباط بما ملكت الأيمان سلفا وليس ماستملكه مستقبلا ، لأن الله كرم بني آدم جميعهم وأكد في غير ما موقع على تحرير العبيد وفداء الأسرى . 
وقال الله تعالى : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ) الأحزاب / 50 .
ثم قال عز وجل  : { والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } المعارج / 29 – 31 .
ثم قال : " والمحصنات من النساءً إلا ماملكت أيمانكم ". 
كذلك قال : ومن لم يستطع منكم أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ماملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات". 
كما قال أيضا : " والصاحب بالجنب وابن السبيل وماملكت أيمانكم ". 
ثم إنه قال : " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإهم غير ملومين" 
وكذلك قوله جل من قائل :" والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانهم ". 
من كل هذه الآيات نفهم بأن " ماملكت أيمانكم جاءت بمعنى آخر غير الزوجات وغير المحصنات . لا أريد هنا أن أدخل في متاهات المحصنات وملك اليمين ولكنني أريد فقط أن أنبه الى أن هذه الآيات كلها جاء فيها لفظ " ماملكت أيمانكم "في الماضي فقط . وأبدا لم تأت بصيغة المضارع الذي قد يعني الحاضر أو المستقبل ! لذلك ولكي لا نلوي عنق الآيات أو نعطي تفسيرا مغايرا لماقصده المولى في هذه الآيات ، نجد أنفسنا مضطرين إلى موافقة السلف على تفسيرهم ! 
لكن أكبر اختلاف بيني  وبينهم( إذ لا أحمل مسؤولية فهمي لأحد )  يكمن في كون ملك اليمين كان محدودا في الزمان . إذ لايحق للمؤمنين استعباد البشر أو سبي النساء إلا ماسلف وقد ملكته أيمانهم قبلا. فالثواب الذي جعله تعالى لعتق الرقاب أكبر بكثير من لحظة استمتاع مع أمة ! أو حتى الزواج منها ! فتنتهي أحكام ملكات اليمين بانتهاء الفترة  التي ملك الصحابة أو غيرهم إماء قبل الإسلام وليس بعده . 
ولقد كذب آهل التراث حين قالوا أنه من حقهم أن يمتلكوا سبايا ، فالسبايا أولا وأخيرا هن أسيرات حرب ولم يكن من حقهم استعبادهن لأن الله عز وجل أمر بافتداء الأسرى أو إطلاق سراحهم " فإما منا بعد أو فداء ". 
لقد خالفوا القرآن حين استعبدوا الناس وخالفوه أكثر حينما نكحوا المتزوجات من الإماء دون مراعاة لما في أرحامهن ولا مراعاة ماأمر الله به أن يحصن. 
إذ كيف يأمر عز وجل باستبراء الأرحام وبالعدة ثلاثة قروء  فيجدون مخرجا لنكاح المتزوجات . حيث قالوا :" عن أبي سعيد الخذري أنه قال :" أصبنا سبيا من سبي أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : " والمحصنات من النساء إلا ماملكت أيمانكم ، فاستحللنا فروجهن ".
ونحن نعرف بأن المحصنات في القرآن قد جاءت بعدة معان حسب السياق : " حيث أريد بها المتزوجات كما أريد بها الحرائر ثم أريد بها العفيفات ! 
ولكي لا نطيل سنأخذ مثالا من كل سياق . 
كقوله تعالى :" وعليهن نصف ماعلى المحصنات من العذاب ". فالمحصنات هنا تعني المتزوجات . 
وتعني في السياق التالي العفائف غير المسافحات . ومنه قوله تعالى "محصنات غير مسافحات ". 
" ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" . ففي هذا السياق ، المقصود بالمحصنات هن الحرائر . 
يقول عز وجل :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّلاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " . 
استحل الصحابة نكاح المتزوجات من السبايا بحجة هذه الآية وقالوا بأن الإماء أو ملكات اليمين المتزوجات حلال نكاحهن مع أن المحصنات ، أي المتزوجات جاءت معطوفة على كل أولئك اللائي يحرم نكاحهن واستثنيت الإماء بشكل عام من التحريم ، أي حرمت عليكم كل هؤلاء النساء من أمهات وأخوات ووو......والمحصنات أيضا إلا ماملكت أيمانكم . أي أن ماملكت أيمانكم لسن محرمات عليكم بأي شكل من الأشكال . لأن الأصل فيما ملكت أيمانكم أنكم تملكونهن منذ زمن . ولسن بأي شكل من الأشكال سبايا حرب محصنات كن أم لا. 
قال تعالى : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا". 
فالمولى عز وجل أمر بإطعام الأسرى وإكرامهم والإحسان إليهم . فالأسرى قد يكونون رجالا أو أطفالا أو نساء . إذ لايحق استعباد الأسير طفلا كان أو امرآة أو رجلا. 
اجمالي القراءات 25183