الظهير البربري ايديولوجية تعادي اسلام الامازيغيين
الظهير البربري ايديولوجية تعادي اسلام الامازيغيين

مهدي مالك في الخميس ١٤ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة          

تحل يوم السبت 16 ماي  الذكرى 85 لصدور ظهير تنظيم المحاكم العرفية حيث كان هذا الحدث له ابعاد واضحة على النخبة الفاسية انذاك باعتبارها لم تقاوم الاستعمار الفرنسي طوال اكثر من 20 سنة اي منذ سنة 1912 الى سنة 1930 على الاطلاق حيث انطلقت في مقاومتها السياسية المزعومة بعد 16 ماي 1930 تحت غطاء الدفاع عن الاسلام و الوطنية المغربية حسب منظورها السلفي و العروبي من طبيعة الحال من خلال اطلاق على نفسها اسم الحركة الوطنية غير ان التاريخ يشهد ان جل قادتها المؤسسيين لها ينحدرون من مدن ثلاث و هي الرباط و سلا و فاس ...

ان ظهير 16 ماي 1930 كان وثيقة وطنية مائة بالمائة حيث وقعها ملك المغرب انذاك محمد الخامس حيث قلت في مقدمة كتابي الجديد انني استشعر اهمية هذا الكتاب كمشروع بدات التفكير فيه منذ سنة 2010 حيث كنت اعي تام الوعي انذاك ان الظهير البربري هو اولا قبل كل شيء ايديولوجية خطيرة ساهمت في خلق عداء مفتعل بين الامازيغية و الاسلام منذ سنة 1930 على مستوى السلطة و نخبتها المعروفة الى الان بشكل  متفاوت لكن على مستوى المجتمع لا يوجد أي عداء بين الامازيغية كثابت اصيل في شمال افريقيا منذ الازل و الاسلام كدين اغلبية الشعب المغربي منذ ما اسميه بالغزو الاموي للمغرب  و ليس فتحا اسلاميا ابدا لان بني امية دولة عرقية لا علاقة لها بمنهج الرسول الاكرم صلى الله عليه و سلم عندما اسس دولته الاسلامية على اسس التعدد بمفهومه  الواسع بينما ان الدولة الاموية اسست على تقديس الجنس العربي و تحقير الاجناس الاخرى   كالامازيغيين مثلا...

طبعا ان اغلبية امازيغي المغرب هم مسلمون لكن منذ الاستقلال وجدوا أنفسهم  في دولة لا تعترف اصلا بوجودهم و بوجود ثقافتهم الاصيلة التي ساهمت بشكل عظيم  في انتشار الاسلام في اكبر رقعة جغرافية حدودها وصلت الى تخوم فرنسا الحالية شمالا و الى الصحراء الافريقية الكبرى جنوبا..

قلت كذلك في هذه المقدمة امام هذه الحقائق التاريخية او جزء صغير للغاية منها قررت الحركة الوطنية دون أي اعتبار لهذه الحقائق نفي كل ما يتعلق بالبعد الامازيغي من خلال اختراعها لاكذوبة الظهير البربري تحضيرا لما بعد الاستقلال من تولي المناصب العليا في البلاد و نهب خيراتها الرمزية مثل الدين و الوطنية و خيراتها الاقتصادية الخ...  

لكن هل ما فعلته الحركة الوطنية يدخل في اطار الدفاع عن استمرارية الاسلام في المغرب بعد الاستقلال فعلا ام يدخل في اطار مشروعها الهادف الى تحويل المغرب من بلد امازيغي الانتماء و الهوية الى بلد عربي الانتماء و الهوية لكن بالقوانين التي تركها الاستعمار الفرنسي لتسيير الدولة الى اليوم بمعنى ان المغرب لم يطبق الشريعة الاسلامية إطلاقا منذ 1956 الى الان انما طبق قوانين وضعية فرنسية لان الحركة الوطنية  عندما خرجت للتظاهر في مدن الرباط سلا فاس ضد ظهير 16 ماي 1930 حيث كانت اسبابها المعلنة هي ان العرف الامازيغي يتعارض مع الاسلام بشكل كلي و بالتالي فانه قانون جاهلي ما انزل الله من سلطان غير ان اسبابها الخفية تفيد ان الحركة الوطنية تخاف من بروز الامازيغيين كقوى سياسية و ايديولوجية تهدد مصالحها مع الاستعمار نفسه و مع السلطة بعد سنة 1956 لا اقل و لا اكثر..

مدخل متواضع الى صلب الموضوع                                     

سابدا بطرح سؤال صغير لكنه ذو بعد عميق في حمولته التاريخية و الحضارية الا و هو هل يستطيع أي كان ان يغير هوية شعب ما الدينية بين عشية و ضحاها حيث ان أي دين سماوي يتوفر على وزنه الثقيل في أي مجتمع مهما كانت مرجعياته الحضارية  او السياسية و مهما كانت درجة تدينه.

اعتقد  شخصيا ان لا وجود لمجتمع متقدم حضاريا و علميا بدون قيمه الروحية و قيمه الدينية ففي اوربا المسيحية مثلا باعتبارها مهد التقدم في أرقى صوره و أبعاده عندما تحل مناسبة اعياد الميلاد نرى الناس هناك يحتفلون بطقوس دينهم المسيحي بكل عبارات الحب و الايمان بمعتقدهم الديني الموقر بالنسبة لي كانسان يعترف بحق التعايش بين الديانات السماوية دون الطعن او الاساءة في مقدساتها العظمى تحت أي مبرر مهما كان سببه.

و من هذا المنطلق الحكيم ندرك ان الدين هو من اسس الحياة البشرية في أي عصر او في أي مكان حيث اذا استغل هذا المعطى بشكل ايجابي لمواكبة العصر و اسئلته الصعبة من قبيل الديمقراطية و حقوق الانسان بمفهومها العام و  اشكالية العلاقة بين الدين و السياسة العمومية الخ من هذه الاسئلة الصعبة.

 و هناك حالة اخرى الا و هي اذا استغل هذا المقدس الديني بشكل سلبي لاغراض دنيئة من قبيل محاربة التقدم بكل ابعاده  و إحلال منطق الاستبداد عبر تاويل النصوص الدينية وفق رغبات السلطة و التيارات المحافظة اي السلفية في المغرب.

 و بالتالي تحويل الدين الى سلاح يستهدف اسكات دعاة حقوق الانسان بدعوة حفظ النظام العام و حفظ الدين من أي تحريف يراد منه تهديد مصالح فئة معينة الاقتصادية و الثقافية كما حدث في بلادنا سنة 1930 اثر صدور ظهير تنظيم المحاكم العرفية في مناطق ذات العوائد البربرية او بعبارة اصح ذات العوائد الامازيغية الاسلامية بحكم اننا عندما نتحدث عن اسلام الامازيغيين فنحن نتحدث عن قيم راسخة  تدخل ضمن عادات و تقاليد الامازيغيين الاجتماعية و الثقافية حيث لا يمكن تجاهلها بجرة قلم و لا يمكن لها ان تختفي بين عشية و ضحاها..

و علينا ان نستحضر هنا ان الامازيغيين هم في الاغلبية العظمى مسلمون  منذ قرون من الزمان ساهموا  في تاسيس حضارتنا الاسلامية المغربية التي تتميز بالاستقلال عن المشرق و تتميز بالاجتهاد و المراد منه ملائمة الدين الاسلامي مع اعراف و تقاليد السكان الاصليين في منطقة شمال افريقيا..

ان من الصعب استحضار اسهامات الامازيغيين من اجل خدمة الاسلام في هذا المقام باعتبارها كثيرة و متنوعة ذكرت بعضها في كتابي الجديد او في بعض المقالات  حيث لم اصل بعد الى نصف هذه الاسهامات الضخمة لان عندما تعيش اكذوبة الظهير البربري عقود من الزمان في مختلف مناحي الحياة العامة فيستحيل الحديث سطحي عن اية علاقة تربط بين الامازيغيين كبشر و كهوية و بين الاسلام حيث ان ايديولوجية اكذوبة الظهير البربري اسست اصلا على قيم السلفية الوهابية التي ترى ان اسلام الامازيغيين هو سطحي يقدس الجاهلية بمعناها الشامل بمعنى انه اسلام يسهل القضاء عليه بكل بساطة من طرف الاستعمار الفرنسي كأن اجدادنا الامازيغيين لم يساهموا في نشر الرسالة الاسلامية في شمال افريقيا و في الاندلس و في جنوب الصحراء الكبرى حيث تعيش قبائل التوارك الامازيغية .

و كأن اجدادنا الامازيغيين لم يؤسسوا قط دولا مثل الدولة البورغواطية التي اتهمت بالشرك و الالحاد باعتبارها قامت بترجمة  القران العظيم الى لغة القوم الامازيغية و مثل الدولة المرابطية التي ناصرت الاسلام في الاندلس بعدما سقطت هذه الاخيرة في متاهات لها من اللهو و الليالي الحمراء سببها هو المعتمد بن عباد الاموي و مثل الدولة الموحدية التي تتميز باشياء ايجابية كرفع الاذان باللغة الامازيغية الخ من هذه الاشياء الايجابية حيث عندما تذهب الى عاصمة المغرب الرباط سترى الاسوار الموحدية و الشاهدة على وجود الحضارة الامازيغية الاسلامية تقاوم الزمن و الاتهامات المجانية.

 و اسست هذه  اكذوبة الظهير البربري اذن على خرافة تنصير البربر وحدهم دون العرب باعتبارهم مسلمون كذلك حيث ان فرنسا  اصدرت ظهائر اخرى اخطر من ظهير 16 ماي 1930 مثل ظهير 15 يونيو  1922 الذي يتضمن قانون تفويت العقارات التي في ملك القبائل الامازيغية لصالح الاجانب و المقصود هنا هم النصارى غير ان دعاة الوطنية المزعومة لم تكلف نفسها عناء الاستنكار و التضامن مع اخوانهم البرابر ضد هذا الظهير الاستعماري بكل المقاييس و المعاني حيث انذاك كان امازيغي المغرب يقاومون الاستعمار بالسلاح و بالاستشهاد من اجل هذه الارض  الطاهرة ..

ان اكذوبة الظهير البربري كانت الانطلاقة لما يسمى بالحركة الوطنية في مغرب الحماية حيث انطلقت هذه الحركة من منطق شرعية مزعومة تتمثل في اصدار الاستعمار الفرنسي لظهير يهدف حسب عزمها الى تنصير البربر و الى التفرقة بين ابناء الشعب الواحد على اساس العرق و الدين ..

غير ان اهداف الحركة الوطنية الحقيقية تتمثل في معاداة الامازيغية و الامازيغيين من خلال معارضة ترسيم العرف الامازيغي و معارضة تدريس الامازيغية في بعض المدارس انذاك اي في الحماية .

 و للاشارة فقط ان ظهير 16 ماي 1930 قد تطبق الى سنة 1956 على المناطق ذات العوائد الامازيغية الاسلامية كما ساسميها بحكم ان اجدادنا كانوا اشد تمسكا بالدين الاسلامي اولا.

ثانيا ان المرحوم محمد الخامس بعد توقيعه على ظهير 16 ماي 1930 بمعنى انه ظهير وطني بامتياز حيث وجه كتابا الى الباشاوات بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف ليقرا في اعظم المساجد بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف يقول فيه ان للقبائل البربرية كما سماها عوائد قديمة يرجعون اليها في حفظ النظام و يجرونها في ضبط الاحكام و قد اقرهم عليها الملوك المتقدمون من اسلافنا المقدسين و من قبلهم .

و اقتضى نظرنا الشريف تحديث حكم الظهير المذكور لان تحديثه ضروري لاجراء العمل به بين الجمهور.

و اضاف محمد الخامس في كتابه كلاما يوحي الى الرموز و تكذيب ايديولوجية الظهير البربري بصفة نهائية حيث قال بالحرف قد قامت شرذمة من صبيانكم الذين يكادون لم يبلغوا الحلم و أشاعوا ان البرابر بموجب الظهير الشريف تنصروا و ما ذروا عاقبة فعلهم الذميم و ما تبصروا و موهوا بذلك على العامة و صاروا بدعوتهم لعقد الاجتماعات بالمساجد عقب الصلوات لذكر اسم الله تعالى الله اللطيف فخرجت المسالة عن دور التضرع و التعبد الى دور التحزب و التمرد فساء جنابنا الشريف الخ.

و قال كذلك ان مولانا المقدس بالله كان احرص الناس على ايصال الخير لامته فكيف يفعل ان يسعى في تكفير جزء عظيم من قبائل رعيته و هنا اعتراف صريح بالامازيغيين هم جزء عظيم من شعبه.

و استمر حيث قال  نحن سائرون على اثره في ذلك ساهرون على دفع كل ضرر يلحق برعيتنا السعيدة فليس ابقاء تقرير البرابر على عوائدهم الا مساعدة من جنابنا الشريف على محض طلبهم و إجراء لهم على ما كانوا عليه منذ ازمان طويلة أي اعتراف بشرعية العرف الامازيغي كتشريع مستقل عن الشريعة الاسلامية و الذي لا يتعارض مع مقاصدها

ان العاقل اليوم لا يمكنه تصديق خرافة تنصير البربر لان كل الحقائق التاريخية و الاجتماعية و الثقافية تؤكد على تمسك الامازيغيين بدينهم الاسلامي منذ اسلم الامازيغيين الى الان حيث منطقيا مازال الامازيغيين مسلمون يفعلون فرائض الاسلام الخامس و مازالوا يتميزون بقيمهم المحافظة التي اخذت للاسف الشديد تسير شيئا فشيئا نحو الاختلاط مع قيم الشرق المتشددة بحكم غزو الفضائيات الدينية ذات التوجهات السلفية منذ سنوات حيث ان العامة من الناس حسب ملاحظاتي المتواضعة اصبحوا يعتبرون هذه القنوات بمثابة فرصة ذهبية للتعرف على الاسلام الحقيقي وفق القراءة السلفية مما سيجعل هؤلاء الناس يجهلون او يتجاهلون الكثير عن حضارتنا الدينية الامازيغية و خصوصياتها الفريدة مثل العرف الامازيغي و المعمار الديني و الحزب الراتب الذي كنت استمع اليه في فترة طفولتي بكل وضوح من منزل جدي الامام في احدى قرى منطقة اداوتنان شمالي مدينة اكادير  .

ان من خصوصيات حضارتنا الدينية الامازيغية هي التعايش السلمي مع اليهود    لقرون طويلة كديانة و كتراث موقر بعيدا عن الايديولوجيات المتشددة من جميع الاتجاهات .

و من خصوصيات حضارتنا الدينية الامازيغية هي احتضانها للفن بمعناه الاصيل و المتمثل في مجموعة من الانماط التعبيرية تحكي لنا عن قيم مثلى  لها بعد ديني مناسب مع حاجات الناس الى معرفة اركان دينهم الاسلامي كما هو الحال بالنسبة لفن الروايس المتواجد في الجنوب المغربي حيث اهتمت به في كتابي الجديد باعتباره يحمل مظاهر الثقافة الدينية لدى الامازيغيين حيث هناك فنون اخرى مثل فن احواش في الجنوب المغربي و فن احيدوس في منطقة الاطلس المتوسط و الفنون في منطقة الريف الخ..

 يكفي ذكر اسم المرحوم الرايس الحاج بلعيد باعتباره مدرسة للشعر الديني و التقاليد المحافظة التي كانت لدى اجدادنا في عقد  الثلاثينات من القرن الماضي بينما في ذلك الوقت كانت الحركة الوطنية تخطط لما بعد الاستقلال من خلال بناء مشروع ايديولوجي يعتمد على اكذوبة الظهير البربري كمرجعية تؤرخ لبداية المقاومة الوطنية ببعدها السياسي و الفدائي كأن اجدادنا الامازيغيين لم يفعلون شيئا منذ ما قبل سنة 1912 من اعمال جليلة في سبيل تحرير هذا الوطن الحبيب الى سنة 1934  حيث ظلت اجيال بعد الاستقلال يتعلمون في المقررات المدرسية ان الحركة الوطنية ناهضت الظهير البربري و قاومته بشتى الوسائل الخ من هذه الاساطير الكاذبة دون استحضار تضحيات الامازيغيين في الجبال و السهول حتى بعد سنة 1934 عندما رفضت قبائل ايت باعمران نواحي اقليم تيزنيت قانون التجنيس الاسباني سنة 1947 اذ يعتبر هذا القانون يهدف الى جعل هذه القبائل تصبح اسبانية الهوية و الدين حيث من المعلوم ان دين اسبانيا الرسمي هو المسيحية.

و كما ظلت اجيال بعد الاستقلال تشاهد على شاشات التلفزيون المغربي حصصا من الطرب الاندلسي خصوصا في مناسباتنا الدينية مثل عند افطار الناس في شهر رمضان حتى اعتقدوا ان الطرب الاندلسي يحمل القداسة حيث  يمكن قراءة  هذا التقليد الاجباري و الداخل في اطار ترسيخ اكذوبة الظهير البربري على ان الحركة الوطنية أرادت إقناع عامة المغاربة بان الامازيغيين ليس لهم أي بعد ديني على الاطلاق و ليس لهم اية علاقة بالاسلام و بالوطن بشكل عام .

و عندما انطلقت الحركة الثقافية الامازيغية سنة 1967 وجدت حيوية اكذوبة الظهير البربري في الواقع اليومي حيث لا احد يستطيع الحديث و لو بشكل سطحي عن الامازيغية كلغة قائمة الذات و بالاحرى الحديث عن علاقتها بالاسلام بينما ظل الواقع الاجتماعي لدى الامازيغيين  يتعامل مع الاسلام بشكل طبيعي غير ان السلطة استعملته لفرض العروبة و السلفية الدينية على مؤسسات الدولة المختلفة حيث وجد الفاعل الامازيغي العديد من العراقيل خصوصا مع النخبة الدينية من العلماء و الخطباء و تيارات الاسلام السياسي بسبب انطلاقها الدائم من ايديولوجية الظهير البربري مباشرة دون أي استحضار لمجموعة من  الحقائق التي حاولت ان استحضرها في هذا المقام إيمانا مني بعدالة المسالة الامازيغية في شمال افريقيا عموما في مغربنا الحبيب..

.

و ارحب بملاحظاتكم و اراءكم على بريدي الالكتروني

mehdi1983k@gmail.com

المهدي مالك 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 7890