لولا القرآنيون لتهاوى الإسلام كقصر من ورق

نهاد حداد في الجمعة ٠٨ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

              سألت نفسي هذا المساء، مالذي قد يجعل اليوم إنسانا ما يدخل الإسلام ! طبعا ، بغض النظر عن الناس الذين ورثوا الإسلام أبا عن جد، لن يوجد في الدنيا بأسرها شخص يتمتع بكامل قواه العقلية يدخل دينا بالمواصفات التي يقدمها به المسلمون اليوم !  فإن دخلت إلى الإسلام اليوم ، فكأنك تلوي حبل المشنقة على عنقك ! لأنك حالما تدخل المصيدة ، لا سبيل لك الى الخروج منها. وكأنك تسقط في شرك  مظلم لا مجال للصعود منه ! وإذا كان الدخول في الإسلام اختيارا ، فلا مجال نهائيا للتفكير في العودة إلى ماكنت عليه ، حتى لو اكتشفت بعد حين أن الإسلام الذي بيع لك بضاعة فاسدة لا علاقة لها بماتصورته!
              ولكن لماذا اعتنق الناس هذا الدين عندما أنزله الله على نبيه  وقد كان لهم الخيرة من أمرهم؟ ولماذا يكره الناس اليوم الإسلام والمسلمين؟ وهل مازال هناك أمل أن يعتنق أناس جدد الإسلام ؟  
              للإجابة على هذه التساؤلات سنعود  بالعداد إلى الوراء، حين نزل الوحي أول مرة على نبي الرحمة .
 ماالذي جذب الناس إليه ؟ مالذي دفعهم لاعتناق هذا الدين ؟ أو بالأحرى ، ماالذي جعل المستضعفين من الناس يعتنقون الدين الجديد؟ ماالذي جعل عبدا أسود مثل بلال يستحمل العذاب ويستمر في قول كلمة " أحد، أحد " ! " أحد أحد " ! حتى كاد أن يقضى عليه لولا عتق أبي بكر له؟
لاحظوا أن توحيد الخالق هي الكلمة الوحيدة التي نطق بها هذا الرجل ! شهادة أن لا إلاه إلا الله وحده ! " أحد أحد " 
فمبدأ التوحيد ، وعدم الإشراك كانت اللبنة الأساسية التي بني عليها هذا الدين . والكفر باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، إذ بايع المسلمون النبي على عدم الإشراك بالله  وبأن محمدانبيه و حامل رسالته ! 
فالإيمان بالله الواحد الأحد كان كفرا بما عداه ،بكل تلك الآلهة التي كان يفرض عليهم حراسها الأنصاب والأزلام والهدي ! هدي يتضور صاحبه جوعا فيهديه للآلهة تاركا ذويه يحتسون الثرى. 
لذلك كانت الآية الكريمة التالية بليغة جدا ، بلاغة قد لانفهمها اليوم ، ولكنها كانت عميقة بالنسبة لفقراء مكة الذين كانوا مضطرين لدفع الأجر لحراس آلهتهم : "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ،اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ." صدق الله العظيم! 
ثم لنتأمل باقي الآيات " وِمِالِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أأتِّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ ، إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ." 
خاطب الإسلام عقول وجوارح الناس ، خاطبهم بما يفهمون ، وأنقذهم من الضلال !
إن أسلوب الأسئلة الاستنكارية والذي جاء على صيغة المفرد هو من أفصح وآبلغ البيان ! ويجعلك حين تقرآ هذه الآيات وتتدبرها تتحدث فيها بصيغة المتكلم المفرد ! وتتحمل مسؤوليتك الشخصية على هذا الكلام! " مالي لا أعبد الذي فطرني " ، نعم ، لم لا أعبده، لم لا أوحده ، لم أشرك به وهو الذي " فطرني" فأهداني عقلا وفطرة سليمة أميز بها ؟ نعم ، ماالمانع؟ مالذي سأخسره ؟ 
 
أرأيت كم من سؤال ستطرحه على نفسك ، كم مرة ستدير المسألة في عقلك ، وكم مرة ستدير لسانك قبل أن تنبس ببنت شفة؟
ستتساءل رغما عنك وستنتهي بالإجابة التالية : ولم لا؟ 
وإذا لم تفعل فأنت " إذن " في ضلال وتيه مبين.
أفلا تتدبر؟ 
ثم إن هذا الإله يدعوك إلى كل شيء جميل جُبِلَتْ عليه فطرتك الإنسانية السليمة. 
هذا الإله لا يدعو كم إلى  مايسيؤكم ، بل إنه يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهىاكم عن الفحشاء والمنكر والبغي ! 
فإذا اتبعتموه لن توءد بناتكم بعد ذلك أبدا! ولن تسمع بعدها صرخة أم ثكلى على طفلتها البريئة ، ضحية للإثم  والعدوان ! 
جاء لينقذ الأمهات من ظلم حرمانهن من بناتهن بدون وجه حق :" وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ .بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ". 
لقد جاءكم هذا الدين بالحرية والمساواة !
ولولا مبدأ الحرية والمساواة الذي جاء به لما كان للعبيد والإماء مصلحة في اتباعه ! إذ ماالذي سيجعل عبدايتبع دينا ما تاركا  دين أسياده ويستحمل كل أنواع التعذيب والتجويع والتهجير والظلم  لو لم يقدم له هذا الدين أملا في الخلاص؟ 
ساوى الإسلام بين العبد وسيده ، وأكد على إنسانية الإنسان وكرم بني آدم جميعا. بدون استثناء: " ولقد كرمنا بني آدم " .فانظر كيف يكون وقع كلمات  كهاته على عبيد عوملوا مذ رأوا النور على أنهم حيوانات ؟ أو أنصاف أو أرباع بشر ! 
 لقد نعت كفار قريش متبعي الدين الجديد بالسفهاء : " وسفيه القوم هو وضيعهم و ضعيفهم وعديم القيمة فيهم." وقد كان رد المولى عز وجل قويا إذ قال : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ." 
 
هو إله يدافع عنك ، يكرمك ، يحررك ويرفعك بإيمانك ! " إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
لقد بعث فيكم رسولا لينقذ كم من الضلال والظلم والقهر والذل والهوان ! 
إذ ماالذي جعل الأنصار ي يقاسم  المهاجرلقمة عيشه لولا إيمانه بعدالة قضية محمد وأهله! كيف يستقبل كل أنصاري مهاجرا في بيته لولا ذلك الكرم الحاتمي الذي جاء نبي الله ليتمم به  مكارم الأخلاق ! هي القناعة والرضى بالقليل ! هي الأخلاق ! الأخلاق السامية ونكران الذات ! 
وما الذي جعل ملكا كملك الحبشة يستقبل أناسا تائهين برغم معاهداته مع قريش لولا القواسم المشتركة بين دينه ودين محمد عليه السلام؟ 
مالذي يجعل شيخين في أرذل العمر( كأبوي عماربن ياسر) يتحملان  أقسى اأنواع القهر والمعاناة حتى استشهدا تحت السياط دون رهبة ولاخوف لولا إيمانهما بالعدالة الإلهية ! 
هي الأخلاق والقيم العليا ! هي مبادئ الحرية ولمساواة! هي أمل الخلاص! هي الرحمة التي بعث بها الله نبيه : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ". 
باسم الله الرحمان الرحيم :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ." 
لم يرغم النبي الكريم الناس على تصديقه بل ترك لهم الخيرة من أمرهم ولم يغتظ لعدم اتباعهم له.   بل كان خُلقه القرآن : " فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ".  "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا " . 
كل هذا اليسر والرحمة واللين والمعاملة بالحسنى جعلت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ! 
أكيد ، هو هذا ماجذب الناس إلى هذا الدين حتى قبلوا أن يصلوا ويصوموا ويحجوا ويعبدوا رب هذا البيت" الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ! هذا الإله الذي فرض على الغني الصدقة والزكاة لمساعدة الفقير ! هذا الإله الذي أمر الناس بعتق الرقاب وإطعام المساكين! وجعل عقوبة الأكل في يوم رمضان عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا ؛ وجعل الصدقات للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين وحتى المؤلفة قلوبهم حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء فقط !   
يقول رب العزة في كتابه المكين : ( فَـلا اقْتَحَـمَ العقَـبة ...... فـكّ رقَـبة ، أو إطـعـامٌ في يومٍ ذي مَسْـغَبة ، يتيمـاً ذا مَـقْـرية ، أو مسـكيناً ذا مَـتْربة ) البلد 14 . 
الكرم ، هو الكرم ، فبالكرم وحده تستطيع أن تتخطى أكبر عقبة قد تنقذك من عذاب أليم !
لقد جعل الإسلام من العطف على الفقير والمعوز وإطعام المسكين  وعتق الرقاب واجبا دينيا تهون أمامه كل العبادات ! حتى الصيام ! أفلا نتدبر؟
الصيام واجب ، وإذا تركته فقد عصيت ولكن مجرد إنفاقك على المساكين يجلب لك المغفرة من إلاهك. ويمحو عنك سيئتك ويضع عنك وزرك ! 
هو ذا الإسلام الذي اعتنقه الأولون ، فهل من مذكر؟ ( يتبع). 
اجمالي القراءات 9893