لماذا يصعب على الإنسان أن يصبح مسلما حقا؟ 

نهاد حداد في الجمعة ٠١ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

من الصعب جدا تغيير البنية السيكولوجية للإنسان دون تعريضه إلى هزة عنيفة تقلب كيانه، فحياة المرء تنبني على مجموعة من المعتقدات والتصرفات اللاإرادية التي تصبح جزءا منه ويصعب عليه جدا التخلص منها  ! وأحيانا إن لم نقل دائما فإن الإنسان بالرغم من قناعاته الفكرية يبقى حبيس تلك الحركات والسكنات التي تربت فيه وتأصلت اجتماعيا ونفسيا ! لذا ، فإننا نجد ازدواجية كبيرة في سلوكه ! وليس من السهل تعويد الإنسان على أشياء جديدة والتخلص مما تربى عليه واطمأنت إليه نفسه ! ولقد كان السبب الكبير في معضلة التغيير في المجتمعات العربية عموما والإسلامية خصوصا هي الانسان نفسه ! وبالرغم من البنيان والاعمار والثورات والانقلابات ، فإن الانسان لم يتغير ولم يغير ما بنفسه ! لذلك يبقى قوله تعالى في كتابه الحكيم :" إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " حقيقة مطلقة لايجب المرور عليها مر الكرام ! لأنها ، وبغض النظر عن دلالتها الدينية هي قاعدة راسخة في علم النفس! وسنعطي على ذلك مثلا بسيطا حين محاولة التخلص من التدخين أو إدمان المخدرات ! فبرغم كل النصائح التي يمكن إعطاؤها للمدمن عن الأضرار والأمراض التي  سيتعرض لها هو نفسه والسقطات والذل الذي يعاني منه والإذلال الذي يمارسه عليه باعة المخدرات ، فإن كل المحاولات التي قد تقوم بها عائلته لمساعدته تبوء بالفشل ! إلا إذا رغب هذا الشخص من تلقاء نفسه في التغيير وترك الإدمان ! وإلا فلا أحد غيره يستطيع مساعدته!
كذلك ، فإن أي إنسان مهما بلغت ثقافته ، إن لم تكن ملائمة لبنيته النفسية ، فإنها تبقى مجرد شعارات رنانة وكلمات يخرجها في المناسبات مظهرا أنه ينتمي إلى فئة المثقفين ليس إلا  ! فقد تجد شخصا قرأ مئات الكتب لكن سلوكه لا يتغير قيد أنملة فيظل يتعامل مع أهله والناس أجمعين بنفس الطريقة دون أن تغير فيه قراءاته شيئا ! لذلك فحين يحاول المرء تطبيق قناعاته الفكرية ، يصعب عليه ذلك بشكل كبير ، لأن بنيته النفسية تربت على مجموعة من القيم المجتمعية ؛ صحيحة كانت  أو خاطئة ، وبالتالي لا يمكنه التخلي عنها حتى لا تهتز نفسيته ! لذلك يلزمه إعادة تأهيل نفسي إذا صح التعبير!
 كذلك ، كي تصبح مسلما حقا ، ولا أريد آن أقول قرآنيا ، فالقرآني إنسان مسلم مسالم يحاول تطبيق شريعة إلهه دون شوائب ، منزها لإسلامه عن الشبهات ، ولنبيه عن الافتراءات ؛ إذن حين تقرر أن تعبد الله حسب قرآنه الكريم ، فإنه يصعب عليك التخلص من مجموعة من الأشياء التي تربيت عليها وأصبحت جزءا من بنيتك النفسية وإليكم بعض الأمثلة من الحياة اليومية ! 
يصعب عليك مثلا إلقاء الماء الساخن جدا في المجاري وحين تفعل ، تتوجس مما صنعت بالرغم من قناعتك القرآنية بأن الجن لايسكن المجاري  وبأن لن يصيبك شيء وبأن تلك خرافات لا علاقة لها بدين الله وبالرغم من ذلك ، فإنك لا تفتأ تتعوذ من الجن مع أنه عز وجل قال في سورة الجن :" وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (6) . 
وقد قال رب العزة  (... بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ41 سبأ) ! 
كثير من العادات يصعب التخلص و منها مثلا ما يسمى" العين"  : طبعا لن أتحدث عما يسمى بالرقية الشرعية التي أصبحت " سبوبة " بالنسبة للفقهاء ، وأصبحت تدر على أصحابها أموالا كثيرة حتى أنها أصبحت قابلة للبث عبر الفضائيات ! 
فعقلية التطير لاتلبث تجعل من الإنسان عرضة لسلوكات غير عقلانية ، حيث يحمل مسؤولية كل مايمكن أن يقع له في اليوم "لعين الحسود"  ، فإذا لبس ثوبا جديدا أو اشترى سيارة أو بيتا تجده خائفا متوجسا من الآخرين ، خصوصا إذا تمزق ثوبه أو انكسر شيء في سيارته أو أي طارئ طفيف آخر . مع أن المسلم يجب أن تكون قناعته راسخة بأن لن يصيبه إلا ماكتبه الله له ! يقول عز وجل في كتابه المكنون :"  قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ". ومع ذلك تجد من يقول لك إن الحسد مذكور في القرآن . نعم هو مذكور طبعا ، ولكننا يجب أن نستعيذ بالله منه ونمضي قدما دون أن نوقف أعمالنا أو حياتنا ونجعل هاجسنا هو الحسود الذي قد يكون موجودا أو لا .
 ثم فلنعد للأية : " قل أعوذ برب الفلق ، من شر ماخلق ، ومن شر غاسق إذا وقب ، ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد". 
فالحسود إنسان شرير بطبعه ، وشره لايتوقف عند نظرة منه إنما يتعدى إلى الإساءة المادية والمعنوية ! فالإساءة المعنوية تكون بالإساءة إليك بالكلام والطعن والنميمة والإيعاز والبحث عن الفخاخ التي يمكن أن يوقعك فيها ، أو يكون ماديا كآن يبحث لك عن مطب تقع فيه ولكن أكيد لا علاقة لعينه بذلك ! فأنت حين تخرج من بيتك مستعيذا برب العزة مما خلق ، فذلك يعني تواضعك وخضوعك للبارئ عز وجل الذي لا يمكن لأحد غيره حمايتك ، فقد تكون أخذت حذرك من كل شيء وانتبهت وأخذت كل احتياطاتك ومع ذلك ، فأنت لست محميا مما يخبؤه لك القدر  من نوازل ، فقد تقرصك أفعى مجلجلة أو يعضك كلب ، ولا علاقة لعين الحسود بذلك ! ولن تنقذك الرقية الشرعية، فلا علاقة لقراءة القرآن على دلو ماء والاغتسال به أو شربه بالحسود ! فالله عز وجل هو المنقذ المخلص وهو وحده القادر على إنقاذك. طبعا القرآن كلام الله عز وجل ولكنه ليس صنما نعبده أو نتقرب به إلى الله زلفا ! فقدسيته تكمن في مدى تطبيقنا له ! وليس في تحويله إلى تمائم تغنينا عن التمسك بعروة الله الوثقى وطلب العفو والستر والرحمة من الله ! هو ! هو فقط لاشريك له سبحانه !
 وأما" النفاثات في العقد " فشرهن كبير جدا؛ ولكنه لايكمن في النفث في العقد في حد ذاته وإنما في عدم تردد النافثة في العقد في ارتكاب أي شر من آجل الوصول إلى هدفها وإيهام الناس بأنها قادرة على إذايتهم بكلمة منها ، وقبل أن أخلص إلى خاتمة بالنسبة لهذه النقطة ، سأورد ماتوصل إليه العلم الحديث حول هاته النقطة ! طبعا ، النفاثة في العقد هي الساحرة وغياب ضميرها يجعلها لاتتورع في أن تسقيك سما أو علقما للوصول إلى هدفها ! ولكن بما أننا نتحدث عن الخرافة ، يجب التذكيربأن السحرة  يتعاملون بالرموز والمقاربات ولنورد هذا المثل لتقريب فكرتنا !
فالساحرة تظن مثلا أنها حين تأخذ يد رجل ميت وتدير به الطعام الذي ستطعمه لشخص ما - وغالبا مايكون هذا الشخص زوج إحداهن - فإن الساحرة تظن بأن رمزية الموت في حد ذاتها ستجعل الزوج ميتا ، ( رمزيا طبعا) ، لايأمر ولاينهى   بل يضع زمام أموره في يد امرأته التي تصبح الآمرة الناهية في الأسرة بدلا منه! 
لكن انظر ماالذي اكتشفه العلم الحديث : بعد بضع ساعات من وفاة أي شخص ووضع رفاته في القبر ، فإن جسمه يفرز سموما قاتلة ، فإن أخرجت إحداهن يد الميت وخلطت بها طعاما ، فإن تلك الإفرازات تحتوي على ميكروبات سامة تتوجه للدماغ مباشرة وتقضي على مجموعة من الخلايا العصبية ! ليس كل الخلايا ، ولكن بعضها فقط حيث يصبح أي شخص أكل من ذلك الطعام يتصرف كمدمن ! بل أكثر من ذلك ، تقل حركته وتفتر همته ويصبح غير قادر على التفكير السليم ، فيمسي ضعيف الهمة تعبا وغير قادر على اتخاذ قراراته !
( طبعا لقد جرب العلماء ذلك على الفئران وحيوانات أخرى لمعرفة الخلايا الدماغية التي تتضرر من السموم ). كان هؤلاء يحاولون فهم رمزية استعمال السحرة يد الميت لتحريك الأكل  قبل إعطائه للزوج - كي يصبح كالخاتم في يد زوجته - وقد كانت دهشتهم كبيرة جدا حين وجدوا أن ذلك يعطي فعلا تلك النتيجة المرجوة من طرف الساحر ، لالشيء ، إلا لأن تلك السموم تهجم على مكان معين في الدماغ وتقتل بعض خلاياه وهذا مايجعل الشخص مريضا ، يشبه الموتى الأحياء وغير قادر على اتخاذ قراراته بدون مساعدة الغير ! 
حينذاك ، فالنافثة في العقد تنجح في ماتفعل ليس لقدرتها على التأثير في الأشياء ولكن لضرر تلك السموم الموجودة في المواد التي تستعملها. 
لكن أعود وأقول بأن الأمل الكبير الموجود في سورة الفلق أبلغ من أي كلام حول الأمل فانظر كيف سمى المولى عز وجل نفسه : رب الفلق ! يا الله! ما أجمل هذه الكلمة ، فرب الفلق هو رب الصبح المشرق ، والفجر المليء بالأمل : فيا أيها الإنسان ، تعوذ برب الفلق ، رب الشروق والأمل واستعن به على كل هؤلاء فلا معين لك على شر الخلق إلا البارئ نفسه ! 
فكيف يأمرك رب العزة بكلمة :" قل " ، " قل أعوذ برب الفلق، فتترك الفقيه يقولها مكانك وكأن لسانه أقدس من لسانك ، ومكانته أقرب إلى الخالق منك ! 
أشياء كثيرة تترك بصماتها  على نفسية الإنسان بالرغم من عودته لله ومحاولته تطبيق الإسلام حسب القرآن الكريم . فغالبا ماتنسى نفسك وتتعوذ حين رؤيتك قطة سوداء عند خروجك للعمل صباحا ! 
ثم إنك لا تفتأ تستعمل السبحة وتستغفر الله ثلاثا وثلاثين أو سبعة وسبعين أو مئة ، وعوض أن يكون همك الخشوع وطلب الغفران من إلاهك، يتركز انتباهك على عدد المرات التي ذكرت فيها كلمة " أستغفر الله" . وكأن الأهم هو الكلمات وليس الإحساس العميق بالخطإ ومحاولة تجنبه والاعتذار للمولى عز وجل عنه واستغفاره ! فالابتعاد عن الخطإ والتوبة منه تقربك لله . وذكر الله واستغفاره لا يمكن أن يكون بتلك اللامبالاة التي ترمينا في متاهاتها استعمال ما يسمى " السبحة ". إذ غالبا مايكون الإنسان مشغولا سواء برؤية فيلم أو بحديث مع صديق وهو في نفس الوقت يحرك لسانه بذكر الله دون أن يحس بأدنى شيء له علاقة بالدين أو الإله وإنما يكون ذلك مجرد تحريك للسان للعجلة بإنهاء عدد عقائق  السبحة ، مع أنه عز وجل قال : " لاتحرك به لسانك لتعجل به". 
ومن أكثر الأشياء استعصاء على الترك ، هي الدخول بالرجل اليمنى مثلا دون اليسرى  ، مع أنه عز جل ، لم يبين بأي اليدين مثلا أوأي الرجلين يجب البدء  حتى في الوضوء . حيث يقول عز وجل :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ" . حيث لم يميز ولم يجعل لرجل أو يد فضلا على الأخرى ! طبعا ، لأصحاب اليمين في الأخرة جزاء من الله كبير ، ولكن ليس لأنهم كانوا يستعملون اليد أوالرجل اليمنى ولكن لأن الله عز وجل ميز بين من سيأخذ كتابه بيمينه وبين من سيأخذه بيساره تمييزا لأصحاب النعيم عن أصحاب السعير . وإلا لكان كل من تعود على استعمال يده اليسرى أو كانت يده اليمنى مقطوعة يرتكب إثما كلما أمسك شيئا بيده الوحيدة .
من هذا كله أخلص إلى أن تطبيق الإسلام حسب القرآن ، يتطلب جهدا كبيرا وإعادة تربية وتأهيل ، كي يتخلص الإنسان مما لحق بتربيته  وبنيته النفسية من أضرار سببها كل تلك الخرافات والخزعبلات التي تربى عليها . 
اجمالي القراءات 9062