ابتلاءات البشرية بالكوارث الطبيعية : السيول فى العصر العباسى ف2 / 2

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٦ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

تعرضنا لابتلاءات الكوارث الناتجة عن ظلم الانسان بما يؤثر على الميزان ، أى التوازن فى البيئة وعناصرها من مناخ ومواد . لكن هذا التوازن فى حد ذاته يحتاج الى أن يُصلح ذاته بذاته ، طبقات الأرض قد تحتاج الى تعديل فتنشأ الزلازل. الكرة الأرضية تشبه مجازا البرتقالة . قشرتها تُخفى ما تحتها . القشرة الأرضية تحتها ( اللافا او الماجما ) أى الصخور الملتهبة الذائبة. الجبال هى مثل المسامير التى تثبت القشرة الأرضية حتى لا تميد بنا فوق هذه اللافا الملتهبة. والله جل وعلا يصف الجبال بأنها ( أوتاد ) : ( النبأ 7 ) وأنها :( رواسى ) ( النحل 15 ، الأنبياء 31 ، لقمان 10 )و( أوتاد ) ( النبأ 7 ) . جوف الأرض تحت القشرة الأرضية ينوء بما يحمل من هذه الصخور الذائبة الملتهبة فيدفعها الضغط لأن تتقيأها الجبال براكين متفجرة ، تبدو كارثة تدمر ما حولها .  نتكلم هنا عن كوارث لا دخل للإنسان فيها . وهى كوارث ينطبق عليها وصف الابتلاء . ولأنها إبتلاء ففيها المحنة والمنحة ، النعمة والنقمة . صحيح أن الظاهر للعيان هو الجانب الكارثى ، ولكن لا تخلو من فوائد ، يستطيع المتخصصون شرحها .

ولأن تخصصنا هو تاريخ المسلمين ، فإننا نعرض لبعض الكوارث الطبيعية التى أرّخ لها المؤرخون المعاصرون لها. ونبدأ بالسيول متذكرين تسونامى .

أولا : من أخبار السيول في العصر العباسي

مقدمة

1 ــ المؤرخ ابن الجوزي ولد عام  511 ومات سنة 597 هـ في خلافة الناصر بعد ان قاسي منه الامرين . ولم يستطع المؤرخ المسكين أن يسجل الظلم الذى حاق به فى أواخر أيامه تاركا تلك المهمة لمن جاء بعده من المؤرخين . ابن الجوزى كان يعيش شيخوخته عندما تولي الخليفة الناصر الحكم ،وحين ادرك المؤرخ العجوز جبروت الخليفة الشاب كف عن التأريخ ، وانهي كتابه الهام في التاريخ وهو كتاب (تاريخ المنتظم ) بنهاية الخليفة المستضئ ،او بمعني اصح سنة 574 هـ قبيل موت المستضئ . وفي عهد الخليفة المستضئ والد الناصر كان ابن الجوزي في اوج شهرته كأعظم علماء عصره في الحديث والتاريخ والفقه والوعظ ،وكان في تأريخه في السنوات الاخيره من تاريخ المنتظم يشير الي مجالس وعظه وتوليه المناصب بعناية العباسيين ،وانتهي ذلك كله بمجئ الناصر العباسى وظلمه ..

2 ــ لم تنقطع ظاهرة السيول في أي عصر، ولكنتسجيلها في أحداث التاريخ هو الذي كان ينقطع, والقليل من المؤرخين العرب والمسلمين هم الذين اهتموا برصد الظواهر الطبيعية من السيول والزلازل والأحوال المناخية وحركات النجوم والشهب والكواكب . ومن أولئك المؤرخين كان الفقيه المحدث عبد الرحمن الجوزي في تاريخه "المنتظم " الذي يرؤخ فيه للدولة العباسية بالذات بتفصيل اتسع لتسجيل النكبات والظواهر الطبيعية ومنها السيول .

3 ـ ونقتطف من تاريخ المنتظم لابن الجوزي موجز لكوارث السيول في العصر العباسي ، وقد ذكر بعض تفصيلات لها فى لأجزاء الأخيرة من المنتظم .  

أولا : فى القرن الخامس الهجرى

1 ـ في سنة 420 هـ  حدث سيل في نواحي النعمانية بالشام وتكاثرت فيه الكرات الثلجية الكبيرة ( برد )، وكان وزن الواحدة منها يصل عدة أرطال، وصاحبت السيول ريح سوداء اقتعلت أشجار الزيتون العتيقة وطرحتها بعيداً واقتلعت بعض النخيل وسقف المسجد الجامع في بعض القرى. وعثروا على كرة ثلجية تزيد على مائة رطل " وكانت كالثور النائم " وقد أحدثت في الأرض حفرة هائلة..

2 ــ سنة  489 : (  ..وكان الناسينتظـرون الغرق فوصل الخبر بأن الحاج حصلوا في وادي المناقب بعد نخلة فأتاهم سيلعظيم فنجا منهم من تعلق برؤوس الجبال وأذهب المـاء الرحـال والرجـال . ) . .‏

ثانيا : فى القرن السادس

1 ــ في سنة 515 هـ وقعت سيول هائلة بالعراق أهلكت الثمار والفواكه والأشجار وما في الخزائن من غلات واستمر سقوط الثلج عدة أيام وملأ الشوارع، واستمر يسد الطرقات فصنع منه الأطفال تماثيل وألعاباً.. وأصاب الثلج والسيول قدوم الحجاج من الحجاز وهم يدخلون الكوفة فأصابهم ببلاء شديد. ويقول ابن الجوزي في التعليق على هذا الخبر أن ذلك الثلج وقع في سنين كثيرة في أيام المقتدر والرشيد والطائع والمطيع والقادر بالله والقائم وما سمع أحد بمثل ذلك الثلج وذلك السيل الذي وقع في ذلك العام 515 هـ وقد بقي ذلك الثلج خمسة عشر يوماًقبل أن يذوب وأهلك الشجر والثمر.

3 ـ فى العام التالى   516 يقول : ( وفي هذه السنة‏:‏ زاد الماء حتى خيف على بغداد من الغرق . ) ( وفي يوم الأربعاء رابع عشر صفر‏:‏ مضى الوزير أبو علي بن صدقة ومعهموكب الخليفة إلى القورج واجتمع بالوزير أبي طالب ووقفا على ظهور مراكبهما ساعة ثمإنصرفا فما استقر النـاس فـي منازلهـم حتـى جـاء مطـر عظيـم أجمـع الأشيـاخ أنهـملـم يـروا مثلـه فـي أعمارهم ووقع برد عظيم معه ولم يبق بالبلد دار إلا ودخل الماءمن حيطانها وأبوابها وخرج من آبار الناس‏.‏)

 4 ــ سنة  549  : ( وحـدث فـي هـذه السنـة فـي دجلـة زيـادة واحمـرار الماء لم يعهد في ذلك الوقت وحدثفي هذه السنة في دجلة في عدة نواحي بلاد واسط ظهور دم من الأرض لا يعلم له سبب‏ . )

5 ــ سنة 553 : ( وفي يوم الجمعة العشرين من شوال‏:‏ وقع ببغداد مطر كان فيه برد مثلالبيض وأكبر على صورمختلفة وفيه برد مضرس ودام ساعة وكسر أشياء كثيرة . ‏)

6 ــ سنة 554 :

2 ـ  وشاهد ابن الجوزي بنفسه السيول التي وقعت في دجلة في ثامن عشر ربيع الأول سنة 554هـ , إذ فاض دجلة وزحفت منه السيول إلى البلاد فامتلأت الصحاري واقتحم الأسوار وملأ الشوارع في المدن وعزلها عن بعضها , ويقول ابن الجوزي أنه خرج من داره وقت الضحى فاحتلها الماء وقت الظهر, فلما جاء العصر وقعت البيوت كلها , وأخذ الناس يعبرون هاربين من السيل يركبون السفن التي ارتفع سعر ركوبها في تلك الكارثة ثم تناقص الماء بعد يومين  ورجع ابن الجوزي إلى بيته فلم ير فيه حائطاً قائماً ولم يعرف أحد موضع داره إلا بالتخمين إذ أصبحت المدينة تلالاً واستدل ابن الجوزي على موضع بيته بمنارة المسجد القريب منه والتي لم تسقط ..يقول : ( وفيها‏:‏ وقع برد عظيم فهلكت قرى وذكر أنه كان في بعض البرد ما وزنه خمسـة أرطـالوأهلكت الغلة فلم يقدروا على علف‏.‏) ( وفي ثامن عشر ربيع الأول كثر المد بدجلة وخرق القورج ، وأقبل إلىالبلد فامتلأت الصحارى وخندق السور وأفسد الماء السور ففتح فيه فتحة يوم السبت تاسععشر ربيع ، فوقع بعض السورعليها فسد بها ، ثم فتح الماء فتحة أخرى فأهملوها ظنًا أنهاتنفس عن السور لئلا يقع فغلب الماء وتعذر سده فغرق قراج ظفر والأجمة والمختارةوالمقتدية ودرب القيار وخرابة ابنجردة والزيات وقراح القاضي وبعض القطيعة وبعض باب الأزج وبعـضالمأمونيـة وقـراح أبـي الشحم وبعض قراح ابن رزين وبعض الظفرية وثب الماء تحت الأرضإلى أماكن فوقعت ).

ويحكى ابن الجوزى عن تجربته مع هذا السيل : ( قال المصنف‏:‏ وخرجت من داري بدرب القيار يوم الأحد وقت الضحى فدخلإليها المـاء وقت الظهر فلما كانت العصر وقعت الدوركلها وأخذ الناس يعبرون إلىالجانب الغربي فبلغت المعبرة دنانير ولم يكن يقدرعليها‏.‏ثـم نقـص المـاء يـوم الإثنيـن وسـدت الثلمة وتهدم السور وبقي الماءالذي في داخل البلد يدب في المحال إلى أن وصل بعض درب الشاكرية ودرب المطبخ . وجئتبعد يومين إلى درب القيار فما رأيت حائطًا قائمًا ، ولم يعرف أحد موضع داره إلابالتخمين ، وإنما الكل تلال ، فاستدللنا على دربنا بمنارة المسجد فإنها لـم تقـع . وغرقـتمقبـرة الإمـام أحمـد وغيرهـا مـن الأماكـن والمقابـر ، وانخسفت القبور المبنيـة،  وخـرج الموتـى علـى رأس المـاء وأسكـر المشهـد والحربيـة . وكانـت آيـة عجيبة ثم إنالماء عاد فزاد بعد عشرين يومًا فنقض سد القورج فعمل فيه أيامًا‏.‏)

6 ـ عام   568 - وتكرر السيل في شعبان سنة 568 هـ وبنفس التفاصيل وقام الدعاة في المساجد يحثون على العمل في تلافي أخطار السيل, وظلت آثاره إلى رمضان .. وارتبط ذلك السيل بحدوث حرائق وهبوب رياح سوداء استمرت إلى رمضان وكان ابن الجوزي في ذلك الوقت يعطي درسا في باب بدر في بغداد . ثم عاد السيل طوفاناً في رمضان إذ فاض دجلة وهطلت الأمطار والثلوج فانهدمت البيوت ومات كثير من الناس والحيوانات وبلغ وزن الثلج الساقط اكثر من سبعة أرطال للواحدة وبتوالي السيول ساحت البيوت, فخرج الناس إلى الصحراء يقيمون في الخيام وعملوا سدودا لحصر السيل , وتولى بناءها الجند والعوام ولكن كان السيل يغلبهم ويضج الناس حينئذً بالبكاء والتضرع إلى الله تعالى وغلى السعر وندرت الأقوات ولم تنج قصور الخلافة العباسية من السيل حتى خرج عنها الخليفة وامتلأت المقابر بالماء فتغيرت ملامح المدينة ولم يعد هناك فارق بين البيوت المهدومة والمقابر المنثورة وكان الناس ينتقلون من شارع لآخر بالسفن .. وفي الثاني والعشرين من رمضان ازداد السيل فملأ الصحراء يطارد الناس اللاجئين إليها فكثر التضرع لله .. ووصل السيل إلى أغلب المدن خصوصا الموصل والبصرة وما بينهما , وهلكت القرى والمزارع   ..  والغريب أن نهر دجلة قد نضب وهلكت المزارع حوله من العطش.. وسرى الوباء والغلاء هنا وهناك من كثرة الماء أو من الجفاف ..

4 - وتفاصيل أخرى عن ( تسونامى ) حدث  فى عام  569 ، ننقل بعضها:  ( وفـي غـرة رمضـان‏:‏ زادت دجلـة زيـادة كثيـرة ثـم تفاقـم الأمـرفـي سابـع رمضـان .وجـاء مطـر كثير في ليلـة الجمعـة ثامـن رمضـان ووقـع فـي قـرىحـول الحظيـرة وفـي الحظيرة برد ما رأوا مثله، فهدم الدور وقتل جماعة من الناس وجملةمن المواشي . وحدثني بعض الثقات انهم وزنوا بردة فكان فيها سبعة أرطال . قال وكانتعامته كالنارنج يكسر الاغصان . وساخت الدور . ثم زاد الماء في يوم الاحد عاشر رمضانفزاد على كل زيادة تقدمت منذ بدأت بـذراع وكسـر . وخـرج النـاس وضربوا الخيم علىتلال الصحراء ، ونقلوا رحالهم إلى دار الخليفة ، ومنهم من عبر وتقدم بالعوام يخرجوابالوعاظ إلى القورج ليعملوا فيه فخرجنا وقد انفتح موضع فوق القورج بقرية يقال لهاالزور تقية ، وجاء الماء من قبله فتداركه الناس فسدّوه ، وبات عليهم الجند . وتولى العملالأمير قيمـاز بنفسـه وحـده ثم انفتح يومئذ بعد العصر فتحة من جانب دار السلطانوساح الماء فملأ الجواد ثم سد بعد جهد . وبات الناس على اليأس يضجون بالبكاء والدعاء.  ثم نقص الماء نحو ذراعيـن فسكـن النـاس وغـلا السعـر فـي تلـك الأيام فبيع الشوك كلباقة بحبة والخبز الخشكار كل خمسـة أرطـال بقيـراط ودخـل نزيـز المـاء مـن الحيطـانفمـلأ النظاميـة والتتشية ومدرسة أبي النجيب وقيصـر وجميـع الشاطئـات ثـم وصـلالنزيـز إلـى ربـاط أبـي سعـد الصوفـي فهدمت فيه مواضع وإلى درب السلسلـة . ومـن هـذهالمواضـع مـا وقـع جميعه ومنه ما تضعضع وكثر نزيز الماء في دار الخلافة وامتلأتالسراديب ، فكان الخليفة يخرج من باب الفردوس إلى ناحية الديوان فيمضيَ إلى الجامع.  ونبع الماء من البحرية فهلكت كلها وغلقت أبوابها . ونبع في دار البساسيري ودرب الشعيرمن البلاليع . وانهدمت دور كثيرة حتى انه نفذ إلى المواضع البعيدة ، فوقعت آدر فيالمأمونية . وصعد الماء إلى الحريم الطاهري بالجانب الغربي فوقعت دوره . ودخل الماء إلىالمارستان وعلا فيه ، ورمـى عـدة شبابيـك مـن شبابيكـه الحديـد،  فكانـت السفـن تدخـلمـن الشبابيـك إلى أرض المارستان ولم يبق فيه مَنْ يقوم بمصلحته إلا المشرف علىالحوائج‏.‏...  وامتلأت مقبـرة أحمـد كلهـا ولـم يسلـم منهـاإلاموضـع قبـر بشر الحافـي ..وكان مَنْ يرى مقبرة أحمد بعد أيام يدهشكأن القبور قد قلبت وجمع الماء عليها كالتل العظيم من العظام وكالتل من ألواحالقبور . ..ووقع أكثر سور المشهد ، ونبع الماء من داخله الماء، فرمى الدور والترب . ووقعت آدر بالحربية من النزيز وامتلأ الماء من دجلة إلى سور دارالقز . وكان الناس ينزلون في السفن من شارع دار الرقيق ومن الحربية ومن الحربيـة ومـندرب الشعيـر . وامتلأت مقبـرة بـاب الشـام ووقـع المشهد الذي على باب النصرية . ووصلالمـاء مـن الصـراة الـى بـاب الكـرخ . وكـان النـاس قـد وطئـوا التلال العالية. وهلكت قرى كثيرة ومزارع لا تحصى‏.‏وجاء يوم الخميس حادي عشرين رمضان بعد الظهر برد كبار ( أى قطع ثلج ) ودام زمانًاكسر أشياء كثيرة ، وتوالت الأمطار في رمضان والرعود والبروق‏.‏. ثم عاد الماء في يوم السبـت ثالـثعشريـن رمضـان إلـى الزيـادة الأولـى علـى غفلـة ثم زاد عليها . وجاء يومئذ مطر عظيم....وغلب الماء فامتلأت الصحراء وضربإلى باب السور وضربوا الخيم على التلال العالية كتل الزبابية وتل الجعفرية ..وعم الماء السبتي والخيزرانية . وعسكر أهل أبيحنيفة فجاءهم الماء من خلف القرية وجامع المهدي فوقعت فيه أذرم . ونبع الماء من دارالخليفة من مواضع وهدم فيها دور كثيرة، وملأ السراديب ، وانتقل جماعة مـن الخـدم إلـىدور فـي الحريـم . وامتلأت الصحـارى ، وعبـر خلق كثير إلى الكرخ وتقطر السور وانفتحتفيه فتحات وكان الناس يعالجون الفتحة فإذا سدوها انفتحت أخرى ، وكثر الضجج والدعاءوالابتهال إلى الله سبحانه وتعالى . وغلا الخبر ‏.‏وجـاءت فـي هـذه الأيـام أكلـاك ( سفينة ) مـن الموصـل فتاهـت فـي المـاء حتـىبيـع مـا عليهـا ببعقوبا بثمن طفيف ، وأخبـر أهلهـا بمـا تهـدم مـن المنـازل بالأمطارفي الموصل . وقالوا : اتصلت عندنا الامطار أربعة أشهر فهدمت نحو ألفي دار وكانوا يهدمونالدار اذا خيف وقوعها فهدموا أكثر مما هدم المطر.  وكانت الدار تقع على ساكنيها فيهلكالكل.  ثم زادت الفرات زيادة كثيرة .. وجـاءالمـاء فأهلـك مـن القـرى والمـزارع الكثيـر ثـم جـاء إلـى الجانـب الغربي من نهرعيسـى والصـراة.. وأسكـر أهـل دار القـز وأهـل العتابيين وباب البصرة والكرخ وباتوامدة على التلال يحفظـون المحـال وقـد انبسـط المـاء فراسخ ومر خلف المحال فقلب فيالخندق والصرة ونهر عيسى ورمى قطعة من قنطرة باب البصرة‏.‏ومن العجائب أن هذا الماء على هذه الصفة ودجيل قد هلكـت مزارعـهبالعطـش ووقـع الموتـان فـي الغنـم وكان ما يؤتي به سليمًا يكون مطعون حتى بيعالحمـل بقيـراط ومـرض النـاس مـن أكلهـا ثـم غلـت الفواكـه فبيـع كـل من من التفاحبنصف دانق وكذلك الكمثرى والخوخ حتى غلا الطين الذي من المقالع‏.‏)

وتكررت الكارثة بتفاصيل أشد في شهر رجب سنة 573هـ ويقول فيه ابن الجوزي أنه جاء مطر عظيم دام ثلاثة أيام بلياليها وكانت فيه رعود هائلة وبرق عظيم هائل فوقعت قصور  وبيوت كثيرة وامتلأت الطرقات بالماء وبقى الوحل أسبوعاً وأنفق الخليفة أموالاً في تنحية الوحل من الطرقات ..يقول : ( وفـي ليلـة الاحـد سـادس عشر رجب‏:‏ جاء مطر عظيم ودام ثلاثة ايام بلياليهن وكانفيه رعود هائلة وبروق عظيمة ووقعت آدر كثيرة وامتلأت الطرقات بالماء وبقي الوحلأسبوعًا . وجمع أهل عرب بينهم اثني عشردينارًا لمن ينقل المـاء فـي المـزادات الـىدجلـة . واخـرج الخليفـة مـالًا ينفـق فـي تنحيـة الوحـل مـن الطـرق وزادت دجلـةزيـادة بينـة وذلـك فـي كانـون الثانـي ولـم يـزل ينقـص قليلًا ثم يعود الى الزيادةفقال شيخ من الملاحين لي ثمانون سنة ما رأيت مثل هذه الزيادة في كانون‏.‏) ( وفي سحرة يوم الأربعاء سابع شوال‏:‏ هبت ريحعظيمة فزلزلت الدنيا بتراب عظيم حتى خيف ان تكون القيامة ثم جاء فيها برد ودام ذلكساعة طويلة ثم انجلت وقد وقعت حيطان وتهدمت مواضع على اقوام مات منهم وارتث منهمووقع سقف متصل بمنظرة الخليفة التي عند باب الحلبة وكانت الريح تقوى ساعة وتخف ساعةالى وقت الضحى ثم اشتدت وملأت الدنيا ترابًا فصعد اعنان السماء فتبير السماء منهمصفرة الـى وقـت العصـر وزادت دجلـة فـي عاشـر شـوال زياثـة عشريـن فراعـآ علـىالمعتـاد وخـاف النـاس واشغلوا بالعمل في القورج ثم نقص الماء بعد ثلاثة ايام‏.‏وفـي يوم الجمعة سلخ شوال‏:‏ بعد أذان الجمعة صعد غيم وجاء مطرشديدمن جامع السلطان الـى الرصافـة فمـا فـوق فكانـت ثـم غـدران وامتلـأت الصحـارىوالشوارع به ولم يأت بنهر معلى الا اليسير‏.‏)

اجمالي القراءات 10730