إبتلاء الموت بين النعمة والنقمة ف 4 / 1

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٤ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

1  ـ كل شيء يحدث في هذه الحياة الدنيا نسبي ، الذي تحسبه فيه نعمة نجد فيه بعض الآثار الجانبية الضارة ، والذي نظنه مصيبة وشر لا يخلو من فوائد ومزايا .. المهم هو موقفك منها ، هل تصبر وتشكر أم تشكو وتكفر . وعليه يتوقف وضعك الأبدى في الآخرة ، فأحوالها مطلقة ومحددة وثابتة وأبدية ،إما نعيم في الجنة وإما عذاب في النار ، ولا مجال هناك للتوسط أو النسبية ..الموت هى نقطة المفصل بين الدنيا والآخرة . وحين تلج بوابة الموت تعرف مصيرك مقدما ، هل نجحت فى إختبار الحياة أو خسرت . وفى لحظة الاحتضار تفقد حريتك ، وتصبح اسيرا لا تملك إختيارا ، ويتعين عليك أن تواجه ما فعلته بنفسك حين كنت حرا تسعى فى الأرض بالخير أو بالشر. وبهذا يكون الموت فى حدّ ذاته إبتلاءا ، ولكن يختلف عن الابتلاءات السابقة فى أنك تعرف لحظتها النتيجة صاعقة صارمة مؤلمة إن خسرت ، ومُفرحة مُبهجة إن نجحت.

  2 ـ إن أكبر ما نخشاه في حياتنا الدنيا هو الموت ، وأكثر ما نحرص عليه في هذه الدنيا أن يطول بقاؤنا  فيها ، وكلما أوغل الإنسان في عمره أزداد حرصه على الحياة، حتى مع جفاف الشيخوخة وآلامها وبرودتها وأحزانها .. ونحن نعبر عن حرصنا على الحياة في مناسبات العزاء بأقوال شتى تدور كلها حول أن الفقيد الراحل قد مات وترك لنا أو لأهله بقية من عمره نستمتع بها من دونه فنقول"البقية في حياتك" "خلف لك طول العمر" . هذا ، مع أننا نؤمن في قرارة أنفسنا بما يقره دين الله تعالى من أن الأعمار محددة ، ومع أننا نقول في أمثالنا الشعبية أنه ما من أحد يترك من عمره شيئاً، مع أننا نعقل ذلك كله إلا أننا نفر من هذه الحقيقة ونتخيل أن الموت الذي يحصد أحبابنا وأعداءنا لن يقترب منا ، ونظل نتجاهل زيارة الموت ونطرد وساوسه ونتشبث بالحياة حتى في ظروف المرض والشيخوخة وعلى فراش الاحتضار، فإذا حضر الموت ورأينا ملائكة الموت تقبض النفس " صرخ الميت ـ حيث لا يسمعه أحد ـ يرجو فرصة أخرى يصلح فيها من أحواله ويعمل فيها للموت الذي تجاهله وهرب منه ، يقول تعالى " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)  المؤمنون )  .

3  ـ إن الموت حقيقة حتمية تجري حولنا وتجري في داخلنا.

 تخيل نفسك حين كنت طفلا رضيعاً ، أين ذهب ذلك الجسد الرقيق.؟. مات في داخلك  وأبدلك الله جسداً شاباً قويا .  ثم إذا وصلت إلى مرحلة الشيخوخة الواهنة ، أين ذهب جسدك الشاب القوى الفتي؟ مات في داخلك ، إن خلايا الجسد تتبدل وتتغير وتتجدد ، أى تموت ، أى أن هناك عمليات حياة وموت في داخلك ، في النهاية سيأتيك موت النفس، بموت كامل للجسد ، ولن تستطيع الفرار من الموت . الموت أمامك وستلاقيه : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) الجمعة ) ، والموت خلفك يطاردك : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ   (78)   ) النساء ) . ما معنى أن يكون الموت خلفك وأمامك فى نفس الوقت ؟ الجواب : المعنى أنه مخلوق فى داخلك ، إختبارا لك .أى إن الموت والحياة دورات تحملها وأنت حىّ بجسدك ، الموت مخلوق داخلك : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)  الملك ) .

4 ـ بالتالى فعليك أن تنظر إلى الموت على أنه حقيقة حتمية ، داخلك ـ موقتا ـ ثم آتية حتما اليك فى النهاية. وإذا ضبطت إيقاع حياتك على أنك ستموت وستقابل الله تعالى يوم القيامة ليحاسبك على ما كسبت يداك ،إذا عايشت هذه الحقائق في سلوكك وتصرفاتك أصبحت أقوى رجل في العالم . لن تخشى إلا الله تعالى ، لأنه وحده  الذي حدد موعد موتك ومكان موتك ولأنه لن تستطيع قوة في العالم أن تؤجل موعد موتك أو أن تقتلك قبل الأوان. وستنجح فى إختبار الحياة .

  ثم إن كل زخارف الدنيا ومباهجها وكل مصائبها وأحزانها لن تؤثر فيك. ستعمل في الدنيا وستسعى فيها وستكدح ، ولكن لن تبالي كثيراً بالنتائج ، إذا احترق مصنعك فلن تصاب بأزمة قلبية ، وإذا كسبت مليون جنيه فلن تنهار من الفرح ، ستقابل كل محنة وكل منحة بالاعتدال وبالحياد في مشاعرك  ،لأن متاع الدنيا ومتاعبها إلى زوال ، وإلى موت .

إن الموت يعنى صفراً، فإذا كسبت فيها جنيهاً واحدا فالحاصل أن 1× صفر يساوى صفراً ، وإذا كسبت أيضاً مليوناً من الجنيهات فهو أيضاً صفر.. أما  في الآخرة حيث الأبدية فإن النتيجة لانهائية ، لأن واحد على صفر تساوى اللا نهائية، أو الخلود..وهو إما خلود فى الجنة أو خلود فى النار .  وهذا ما ينبغي أن تتحسّب له وتعمل له ، لتفوز بالنعيم الأبدي ولتنجو من العذاب الأبدي..

  والموت هو بوابة الدخول للآخرة . ولابد أن تدخل هذه البوابة ، ولابد بالتالي أن تعمل لهذا الخلود فى الجنة بعمل الصالحات النافعات وبالابتعاد عن الشرور ، وأفظع الشرور أن تظلم الله تعالى فتكذب على الناس باسمه، أو أن تكذب بآياته ، وتشتري بها ثمناً قليلاً في هذه الحياة الدنيا الفانية. وإذا عايشت حقيقة الموت في حياتك ، وتصرفت على أساسها بالتقوى والايمان الخالص بالله جل وعلا وبالعمل الصالح تبتغى به وجه الله جل وعلا ــ صرت في هذه الحياة أقوى الناس وأصبحت أسعد الناس ،  وتمتعت بصحة جيدة وبنفس مطمئنة مستقرة وأفلحت في الدنيا والآخرة ، وحينئذ تعرف أن الموت نعمة وستحمد الله تعالى على نعمة الموت.

5 ـ وتبقى كلمة : تأمل نعمة الموت على البشرية وهذا الكوكب :

 لولا أن كتب الله تعالى الموت على أبناء آدم لأصبحت الحياة لا تطاق . تخيل أن السابقين لم يموتوا ، وأن الجميع يزدحمون على هذه الأرض وفي تزايد مستمر دون موت ، كيف ستكون الحياة عندئذ ؟ عندها سيظل الظالم الفاجر مستمراً في فجوره أبداً، ولن يستريح الناس بموته ،وسيظل المظلوم مقهوراً دائماً ولن يستريح بالموت. أى ستكون الحياة عذاباً قائماً مستمراً .. عندها سيتمنى الناس نعمة الموت..

إن الموت يتكفل بحل مشاكل كثيرة للأحياء ، خصوصا فى العالم الثالث ؛ حيث يحكم المستبد الشرقى تلتصق مؤخرته بالكرسى ، لا يفارقه إلا بالموت ، الذى يحلّ به رحمة للغلابة من شعبه . يتمنى الغلابة موته ولا يستطيعون إلا فى أحلامهم ، ثم يموت المستبد فيستريحون بعض الوقت حين يأتى حاكم جديد يُخفى أنيابه خلف إبتسامته ، الى أن يتمكن ، فيُعيد إنتاج الاستبداد . هذه الدورة الشريرة يقطعها مؤقتا موت كل مستبد ، أى يلعب الموت دورا سياسيا إيجابيا  ، يضاف الى نعم الموت الكثيرة ـ لو كنتم تعلمون .

اجمالي القراءات 14963