نوعا الابتلاء وتنوع المواقف منه ف 1 / 3

آحمد صبحي منصور في السبت ١٨ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

ابتلاء النعمة والنقمة

1 ــ والابتلاء قد يكون فيما نحسبه نعمة أو فيما نحسبه نقمة ، فيما نعتبره خيرا أو شرا ، يقول جل وعلا : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الانبياء ) . ومصطلح ( الانسان ) يعنى فى القرآن الكريم بنى آدم العُصاة . ولهذا ( الانسان ) تفسيراته فى الابتلاءات ، فهو يربطها بهواه ، إذا حسب الابتلاء شرا إعتبره إهانة من ربه ، وإذا حسبه خيرا جعله تكريما خاصا له من ربه ، يقول جل وعلا :( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر )

2 ــ  وعموما فإن ما نحسبه خيرا أو شرا ليس بالضرورة هو الصحيح ، فعسى أن نكره شيئا وهو خير لنا ، وعسى أن نُحب شيئا وهو شر لنا .

2 / 1 : فى تاريخ الصحابة حسبوا فرض القتال شرا وهو خير لهم : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة ).

2 / 2 : وخرج أهل بدر مع النبى لقطع الطريق على القافلة التى هى حق شرعى للمؤمنين المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم . ثم فوجئوا بأن عليهم أن يواجهوا جيشا قرشيا يفوقهم بثلاثة أضعاف . كان إختبار صعبا ، إذ رفض فريق منهم القتال ، وأخذ يجادل النبى عليه السلام فى الحق الذى تبين ، كأنما يُساقون الى الموت وهم ينظرون ، يقول جل وعلا : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) الانفال ) . لم يعرفوا أن هذا الإشتباك الحربى هو الخير لهم . ولقد إنتصروا بفضل الله جل وعلا وتغلبوا على عُقدة ومحنة الرٌّعب من قريش التى لا تُهزم ، يقول جل وعلا عن هذا الابتلاء : ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) الانفال ). ولنتذكر أن السيرة الت كتبها ابن إسحاق من دماغه تخالف تلك الحقائق القرآنية عن معركة بدر.

2 / 3 ـ وأذاع التراث أيضا اسطورة إتهام السيدة عائشة فى ( حديث الإفك ). وهذه  الاسطورة هى ( إفك ) فى حد ذاتها لأن الأمر كان يخص بعض المؤمنين والمؤمنات ، ولقد ناقشنا هذا فى كتابنا ( القرآن وكفى ) المنشور هنا , ولكن فيما يتعلق بوضوعنا عن الابتلاء وخطأ البشر فى تفسيره هو ما جاء فى قوله جل وعلا فى موضوع الإفك:(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (11) النور ). وكان الخير فى تشريعات جديدة عقابية وإجتماعية أتت بها سورة النور .

3 ــ  المؤمن الصابر الراضى بقضاء الله جل وعلا تحُلُّ به مصيبة وإبتلاء ، يحسبه الجميع نقمة ، ولكنه يصبر ويحمد الله جل وعلا ويقترب أكثر من ربه يدعوه ويستغيث به ، فينجح فى إختبار الابتلاء ، فيصبح هذا الابتلاء نعمة له ، مع إنه فى الظاهر يبدو محنة ونقمة  .

 والمؤمن الصادق الشاكر لربه جل وعلا يقوم بحق النعمة شكرا وحمدا وتصدقا وزكاة لماله وجاهه . وهو يحذر إبتلاء النعمة بالذات ، خوفا من كفران النعمة ، وخوفا من أن يحل به إنتقام رب العزة ، ولقد قالها جل وعلا : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ابراهيم ). شكران النعمة يزيدها بركة ونماءا ، وكفران النعمة يعنى العذاب الشديد .

3 / 1 : وعندما أُبتلى المؤمنون بالهزيمة فى أحد قال جل وعلا لهم : ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ). تمحيص المؤمنين وتطهيرهم يكون بالابتلاء ، وإذا نجحوا فيه بالصبر إستحقوا الجنة . فللجنة مهرها الغالى الذى يجب دفعه مقدما فى هذه الدنيا .

3 / 2 :ويقول جل وعلا فى نفس الموضوع عن الصابرين المجاهدين فى تاريخ الأنبياء السابقين : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران )، اى كافأهم رب العزة جل وعلا فى الدنيا ثم تنتظرهم المكافأة فى الآخرة .

3 / 3 : وعن إبتلاء المؤمنين الخاشعين المخبتين  الصابرين يقول جل وعلا يبشرهم : ( وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) الحج ).

4 ــ ولقد ابتلى الله جل وعلا داود وسليمان بالنعم ، فأعلنا شكرهما لله جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل ).

وتعرض سليمان لابتلاء هائل . رأى نفسه مرة واحدة مجردا من العرش ، وهناك جسد آخر فى صورته يعتلى عرشه ، فتذكر أن الذى منّ عليه بالمُلك والعرش قادر أن يسلبه منه , وكانت فتنة نجح فيها سليمان عليه السلام ، يقول جل وعلا : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ (34)  ص )

وابتلى الله جل وعلا البنى أيوب بالمحن والضُّرّ ، فصبر ودعا ربه جل وعلا ، فكشف الله جل وعلا عنه الضُّرّ : (  وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الانبياء ) .

أى هناك إبتلاء بالمحنة وبالمنحة ، بالنعمة والنقمة ، حدث حتى للأنبياء .

4 / 1 : .وفى مقابل إبتلاء المحنة ، يبتلى رب العزة أحدهم بالمال والبنين والجاه إختبارا له فيغتر، ويكفر بالنعمة ، ويكون ممّن قال فيهم رب العزة جل وعلا : (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم ) . وهذا ينطبق اليوم على المحمديين البتروليين الذين إبتلاهم رب العزة بنعمة البترول فكانت النتيجة أنهم أحلوا قومهم دار البوار فى هذه الدنيا ، ثم  مصيرهم الى النار يوم القيامة ، لو ماتوا بلا توبة . هنا القرآن الكريم ينطق فصيحا بحال العرب المحمديين .

4 / 2 : ونطق القرآن الكريم فصيحا بحال أثرياء المنافقين فى عهد النبى محمد عليه السلام ، ونبّأ مقدما بأن نعمة المال والأولاد ستتحول الى نقمة لهم ، لذا نهاه ربه جل وعلا ــ مرتين  ــ عن الاعجاب بما لديهم من جاه ومال فقال : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)  ) (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)  ) التوبة ). ومنافقو عصرنا الأثرياء هم مُعذبون فى هذه الدنيا بثرواتهم وبأبنائهم . فشلوا فى إبتلاء النعمة وهى تتحول بالنسبة لهم الى نقمة. . وبعض المترفين يحسبهم الناس سُعداء بما هم فيه وبما يتقلبون فيه من جاه ومال ، وهؤلاء المترفون قد يبتسمون فى مواكبهم ويتظاهرون بالسعادة بينما هم يعيشون فى قلق وصراع وتُحيط بهم المكائد والمؤامرات ، ويتحسبون للعدو والصديق ، ويفتقدون بهذا نعمة كبرى هى ( راحة البال ) .

4 / 3 : وفى كل فالمؤمن منهى عن الاغترار بإبتلاء الكافرين بنعمة الدنيا ، وتقلبهم فى البلاد ، كما يحدث لأثرياء ومترفى المحمديين من أصحاب البلايين والملايين . ولقد قال جل وعلا للنبى عليه السلام ولنا أيضا : ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) آل عمران ). أى هو إبتلاء غرور خادع لهم بهذه النّعم والبلايين والملايين الذى يتقلبون به فى البلاد ويفسدون به العباد ، وبخسارتهم فى إبتلاء النعم فمصيرهم الى جهنم خلوا فيها لا خروج منه .

4 / 4 : ونفس النهى تكرّر مرتين لخاتم المُرسلين ؛ الّا ينبهر بالنعم التى يتمتع بها المترفون المستكبرون فى عهده: (  لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)) الحجر ). لأنها فتنة وإبتلاء لهم : (  وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) طه ).

كانت تلك النعم فى عهد النبى عليه السلام بسيطة بُدائية فى الجزيرة العربية . أصبحت الآن فى الجزيرة العربية وخارجها قصورا وجواهر كريمة وطائرات ويُخوتا وحمامات من الذهب ، وسيارات مصنوعة خصيصا لهم لا تخلو من الذهب ، وأكوام من الأموال يتم نثرها على الغانيات والراقصات وفى صالات القمار ، بينما معظم الجوعى فى العالم من المنتمين الى الاسلام . هؤلاء الوهابيون المترفون يدفعون بلايين أخرى فى إشعال الفتنة الدموية التى تقتل المسالمين فى سوريا والعراق واليمن ، وبدلا من إعانة الفقراء فى مصر وسوريا واليمن والصومال فإن مترفى الخليج الوهابيين ينشرون دينهم الوهابى لتثوير الفقراء فيقتلون أنفسهم والآخرين ، ويبعثون لهم الأسلحة بالملايين وهؤلاء الفقراء أحوج الى طعام ومدارس وملاجىء ومستشفيات . عندما نتذكر الخلود فى النار نؤمن بعدل الله جل وعلا .

ثانيا : إبتلاءات الكافرين

1 ـ أهمية الاختبار للمشركين الكافرين أنه يوقظهم وينبههم من غفلتهم ، لعلهم يتوبون ، يقول جل وعلا :(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة ) . (العذاب الأدنى )هو (العذاب الدنيوى ) من أمراض وأزمات ومضائب وكوارث . المقصد منها أن يتذكر الانسان ربه ، وأن يتوب ويئوب حتى ينجو من (العذاب الأكبر ) فى الآخرة .

2 ـ والأغلبية تتذكر ربها جل وعلا عند المحنة ، فإذا زالت عادت الى عصيانها و كفرها وشركها .

حدث هذا مع منافقى المدينة ، يقول جل وعلا عنهم : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة ) .

3 ــ وحدث فى قصص الأمم السابقة أن كانت تأتيهم إرهاصات الابتلاء بالمحنة والنقمة من البأساء والضراء ، لعلهم الى ربهم يتضرعون ، ولكن لا فائدة ، إذ تمت سيطرة الشيطان عليهم فقست قلوبهم ، ثم يأتيهم إبتلاء النعمة بعدها فيزدادون عُتُوا وغرورا ، وبهذا يحل بهم الهلاك الذى كان يقطع دابرهم ، يقول جل وعلا :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) الانعام )، ويقول جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)  الأعراف )

4 ــ وحدث هذا فى قصة فرعون . أُوتى كل شىء فكفر النعمة وزعم الربوبية العظمى مفتخرا بما آتاه الله جل وعلا من نعم ،(  وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف ). فكانت نهايته وجنده بالغرق .

ويوجز رب العزة إبتلاء فرعون وقومه بقوله جل وعلا : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) الدخان ). كان إبتلاؤهم فى ارسال موسى لهم ، وفشلوا فى الابتلاء فخسروا .

 5 ــ وقصص بنى إسرائيل سلاسل من الابتلاءات ، تبدأ باضطهاد فرعون لهم ، وإنقاذهم منه ، وهذا هو البلاء العظيم لهم ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) البقرة ). ثم توالت عليهم إبتلاءات النعم ، ففشلوا فى بعضها ، ومنهم من صبر . يقول جل وعلا عن إبتلاءاتهم : ( وَآتَيْنَاهُمْ مِنْ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ (33) الدخان ), وبعضهم فى قرية ساحلية تعرضوا لابتلاء وفشلوا فيه فحاقت بهم اللعنة ( الأعراف 163: 166 )

6 ـ وبالرسالة الخاتمة ( القرآن الكريم ) لم يعد واردا ذلك الاهلاك الكلى الذى كان يحدث للأمم السابقة . الفشل فى الاختبار . تحوّل فى تاريخ المسلمين الى إهلاك جزئى ،أى  عقاب جزئى ، يعتبر إبتلاءا مترتبا على العصيان والتكذيب . ولقد نبّأ رب العزة بهذا فى سورة مكية ، وكان أول من سمع هذا الإنذار صحابة النبى القرشيون فى مكة ، ومع هذا كان منهم أعمدة التكذيب الذين إقترفوا خطيئة الفتوحات وما تلاها من خطيئة الفتنة الكبرى والحروب الأهلية التى لا تزال مشتعلة بين المحمديين الى وقتنا هذا. ولنتدبر قوله جل وعلا :  ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الأنعام ) .

7 ـ والعادة أن إختبار الأبتلاء يخسر فيه معظم الناس ممّن لم يتغلغل الايمان الصادق فى قلوبهم ، أو بالتعبير القرآنى ( يعبد الله على حرف ). هو خاسر للدنيا والآخرة ، إذا أُبتلى بالخير إطمأن به مؤقتا ، وإذا أُبلى بالشر كفر : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج ).

وبعضهم يُعلن إيمانه يظُنُّ أن حفلات التكريم ستُقام له ، وهو لا يعلم أن إعلان الايمان الحق يفتح أبواب الاضطهاد . ولكن صاحبنا إذا أوذى بسبب إيمانه الحق بالله جل وحده لا شريك له ـ إهتز إيمانه المزعوم وتأرجحت مواقفه ، يقول جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) العنكبوت )

8 ـ والعادة أن الانسان إذا تعرض لمرض أو ضرر ساحق فإنه يستغيث بربه ، فإذا كشف الله جل وعلا عنه الضُّر عاد الى ما كان عليه من ضلال وعناد ، يقول جل وعلا :  (  وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) يونس ) (  وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) الزمر  ) (فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) الزمر ) (  وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) النحل ).

والبحر من نعم الله جل وعلا . والإبحار فيه مُتعة ونعمة ، يقول جل فى بعض نعمه التى لا نستطيع تعدادها : (  وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) ابراهيم ).

ولكن قد ينقلب إبتلاء نعمة البحر الى إبتلاء نقمة حين يتحول هذا البحر الوديع الى شىء كاسر يوشك أن يلتهم من كان يحملهم على سطحه يلعبون ويلهون ويتمتعون . عندها يتهدد الانسان بالغرق ، ويصرخ مستغيثا بربه جل وعلا ، وما أروع هذه الصورة التمثيلية القرآنية : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)   ) يونس )، ويقول جل وعلا : (وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً (67)  الاسراء )

  أخيرا

إنظر حولك وفى نفسك .. لا تستطيع ــ لو تذكّرت وتعقلت ــ أن تُحصى نعم الله عليك ، وأكثرها مُسخّر لك . وبقدر هذه النعم يكون الابتلاء والاختبار . والذى ينجح فى الاختبار هو المؤمن الصابر الشاكر .

فى يدك أن تنجح أو تفشل . بإمكانك أن تدخل الجنة أو أن تدخل النار . هذا متوقف عليك وأنت تسعى فى هذه الحياة الدنيا متمتعا بحريتك التى هى فى حدّ ذاتها أكبر إبتلاء لك .

سارع بالتعقل قبل أن يدركك الموت ، وهو آت لا محالة ، ولا سبيل للفرار منه .

اجمالي القراءات 7791