الصلوة الموقوتة - الجزء العاشر والأخير
في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – الصلوة الموقوتة - الجزء العاشر والأخير

غالب غنيم في الخميس ١٦ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – الصلوة الموقوتة - الجزء العاشر والأخير

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر - 36

______________

مقدمه :
بداية، وفي الواقع، نحن لسنا بحاجة لهذا البحث، فالذي يقرا ويدرس الأبحاث السابقة كلها عن دقائق الصلوة، ومفرداتها، لن يحتاج لهذا البحث الذي لم أرد كتابته منذ البداية، لولا طلب كثير من الأصدقاء ذلك مني، وما هو الا خلاصات الأبحاث السابقة عن الصلوة بشكل منسق مرتب ليس أكثر.


______________

ما فرطنا في الكتاب من شيء:

الله تعالى ليس بنسيّ، سبحانه عما يصفون، فهو فصل لنا كل ما يتعلق بالصلوات بكل أصنافها، وهذا سيجده كل من يبحث عن الحق في القرءان خالصا، ولم يترك شيئا نتلقاه من آبائنا أو ذوينا، فالله تعالى لم، ولن يجعل جزءا من دينه بين يدي البشر، لكي لا يكون لنا حجة عليه يوم الحساب!
وكل القضية تكمن في " قبولنا من عدم قبولنا " لما نجده في القرءان الكريم مختلفا عما ألفناه من آبائنا ومن حولنا من البشر!
وحسب فهمي المتواضع، هنالك ثلاث آيات محكمات تفصل الصلوة الموقوتة بتمام وكمال، وفي كل آية منها درس لنا، وقد قمت في البحوث السابقة بنقاش كل حيثيات هذه الآيات، وساتعرض هنا لها بشكل مختصر بسيط وواضح!

______________

أوقات – عدد - الصلوات :

الآية التي تفصل عدد الصلوات الموقوتة اليومية هي في قوله تعالى :
( وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًۭا مِّنَ ٱلَّيْلِ ۚ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّ‌ ٰكِرِينَ) هود – 114
بكل بساطة وصدق، ننظر لهذه الآية البسيطة المحكمة، بدون أي رأي مسبق ولا اتباع ملل الغير، وسنجدها تقول لنا، كما قالت للنبي عليه السلام، أن نقيم الصلوة في ثلاث أوقات، لم يرتبط ذكر هذه الأوقات بالشمس ولا القمر، بل بالنهار المبصر، والليل المتغير الظلمة، والذي هو قِطع، بحكم تغير ضوء القمر فيه، وليس متصلا كما النهار مبصرا فترة واحدة تبدأ منذ الشروق حتى بدء عملية الدلوك!

وقد كنت تعرضت لمفردة الطرف والأطراف، وبينّا أنه إن كان هنالك أطراف للنهار الواحد، فلا بدّ من ان القرءان سيكون فيه اختلاف، وبينّا أن جمع النهار هو نهار وليس كما جمع الليل ليالي!
وفي نهاية الحديث والجدل، أقول التالي :

لو كان للنهار أطراف كما يدّعي كثيرون، لكان هنالك صلوة بين الفجر والظهر كما أنهم يدّعون بوجود صلوة بين الظهيرة والمغرب!

فالقضية رياضية بحته! فلو رسمنا الرسم التالي الذي هوخط مستقيم، يبدا بصلوة الفجر، وينتهي بصلوة المغرب – تراثا، ووضعنا صلوة الظهر- تراثا، في الوسط كما انها زاوية من 90 درجه، ثم انتقلنا الى صلوة العصر- تراثا،  والتي ستكون منطقيا ورياضيا زاوية تقارب ال 135 درجه في النصف الآخر، فسيكون هنالك نقص عندنا في طرف ادّعوه، وتناسوه، يقع في الزاوية ال 45 في النصف الأول ! فأين ذهب طرفهم ذاك ؟! ولم لا يوجد فيه صلوة؟ إن كان للنهار أطراف ... وأترك الجواب لمن عقله رياضيّ،  ولمن يعقل الأمور.الأطراف المزعومة




نعود للآية أعلاه، الله تعالى يأمر نبيه بأن يقيم الصلوة طرفيّ النهار، ثم يذكر اسمي هاتين الصلاتين بشكل متكرر بكونهما صلوة الفجر والعشاء، حيث تكون صلوة الفجر في الطرف الأول، وبينّا أن الطرف ليس بنقطة، بل فترة تم تفصيلها في القرءان الكريم أيضا!
وصلوة ثالثة قال عنها بعمومها تفصيلا أن تكون زلفا "من" الليل، وفصلها كذلك في آيات أخرى، وتَبيَّنَ لنا أنها قيام الليل الذي لا فترة ولا ميقات محدد له.

فالصلوة الموقوتة هي اثنتان فقط لا غير.

والثالثة حسب فهمي المتواضع، هي ما نسميه بالتهجّد، وهي للتقرب الى الله تعالى زلفا، لمن يرغب ويريد ويحب أن يستزيد من الخير، وقد خفف الله تعالى على الناس منها، بأن يقرأوا ما تيسر من القرءان بديلا عنها، وهذا ما سنراه الآن في تفصيل الله تعالى لهذه الآية في كتابه العزيز.

______________

تفصيل أوقات – عدد - الصلوات :
 
أتى تفصيل الله تعالى لقوله ( وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًۭا مِّنَ ٱلَّيْلِ ۚ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّ‌ ٰكِرِينَ) هود – 114 كالآتي:

( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِيَسْتَـْٔذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا۟ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَـٰثَ مَرَّ‌ ٰتٍۢ ۚ
مِّن قَبْلِ صَلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَآءِ ۚ
ثَلَـٰثُ عَوْرَ‌ ٰتٍۢ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌۢ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّ‌ ٰفُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ ۚ كَذَ‌ ٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَـٰتِ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌۭ  ) النور -58

والسؤال لأولي العلم، لِمَ لَمْ يقل الله تعالى، ومن بعد صلوة الظهر أو العصر ، مع العلم، أنه من المعروف، أن القيلولة تكون بعد الظهيرة وقبل غروب الشمس! بينما ذكر صلاتي الفجر والعشاء باسميهما!

وهذا سارٍ هلى كل الأنبياء، ففي داوود قال سبحانه ( إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلْجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلْإِشْرَاقِ) ص- 18 وفي سليمان ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِىِّ ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلْجِيَادُ) ص – 31 ، فتمت فتنته عن ذكر ربه، وفي زكريا ( قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِّىٓ ءَايَةًۭ ۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًۭا ۗ وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًۭا وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلْإِبْكَـٰرِ) آل عمران – 41 ، ولقد بينّا في بحوث التسبيح، أهمية التسبيح وذكر الله تعالى من قبل وبعد الصلوات، لما لها من أهمية في تجهيز القلب والنفس، كما تجهيز الجسد بالغسل، ولهذا، وفي الأغلب، ارتبطت كثرة التسبيح من قبل الصلوات، مع الأنبياء، حتى ان الله تعالى سخر الجبال والطير لداوود يسبحن معه في تلك الأوقات بالذات ..

وبالفعل، أي منا سيصحو الفجر، او وقت صلوة العشاء، أي المغرب – تراثا، والتي تبدأ ببدء الدلوك، سيرى آيات الله في الآفاق في الطير من حوله، كيف هي تبدأ في التغريد، في هذين الوقتين بالذات، وكأنها تنشد أناشيد ومزامير داوود كل يوم مرتين!

ولم يذكر الله أبدا في قرءانه الكريم، أي صلوة أخرى، في وقت الظهيرة او من بعد الفجر حتى الظهيرة أو من بعد الظهيرة حتى العشاء!

أما صلوة الزلف من الليل، فتم تفصيلها بكل بيان في سورة المزمل كاملة
( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًۭا  *  نِّصْفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا  *  أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا  *  إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلًۭا ثَقِيلًا  *  إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْـًۭٔا وَأَقْوَمُ قِيلًا  *  إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحًۭا طَوِيلًۭا) المزمل -1:7

وفي نهايتها:

( إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذْكِرَةٌۭ ۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا *
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ
أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٌۭ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَٱقْرَءُوا۟ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ ۚ
عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ ۙ وَءَاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ
فَٱقْرَءُوا۟ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ
وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقْرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًۭا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍۢ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرًۭا وَأَعْظَمَ أَجْرًۭا ۚ وَٱسْتَغْفِرُوا۟ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۢ ) المزمل – 19:20

ومنه، أظن وأفتري بقولي، أن زلفا من الليل، تم تفصيلها بكل بيان هنا في سورة المزمل، بل بإسهاب ليس بعده من وصف، لمن يريد ان يتخذ مع الله سبيلا ويتذكر قوله، ونلاحظ بكل وضوح، تعدد الأوقات الذي ليس بحشو ولا عبث فيه، حين يقول له أن يقوم الليل الا قليلا، نصفه او ثلثه او ادنى!
فهناك طائفة من المؤمنين كانت تقيمه، كل لوحده في بيته، ولكل قدرته واستطاعته ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولكن لنلاحظ بدقة، أن مفردة زلفا من الليل جائت منكرة، غير معرفة ، أي هي درجات وقطع من الليل حسب قدرة كل منا، وحسب حالته الصحية وتعبه وارهاقه، وطبيعة عمله، وهذا من فضل الله تعالى علينا ورحمته بنا، بل خفف عن قيام الليل أو صلوة الزلف من الليل بقراءة ما تيسر من القرءان الكريم، والذي قد يكون في سور قصيرة ليس أكثر، فالله تعالى يتقبل العمل وليس التظاهر به!

فحين قال تعالى، زلفا (من) الليل، جعلها غير محددة الوقت، ومنه تسقط من الصلوات الموقوتة التي ثبتها الله تعالى وثبت عددها وكذلك أكد عليها في قوله تعالى (  فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِيَـٰمًۭا وَقُعُودًۭا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًۭا مَّوْقُوتًۭا) النساء – 103 ، والتي سنأتي على ذكرها لاحقا أدناه إن يشأ الله.


______________

فترة إقامة الصلوة :
من جميل القرءان ولطائفه، أنه بعد أن ذكر الله تعالى، عدد الصلوات، ذكر تماما واكمالا لدينه، فترة إقامة كل صلوة منها! أي كم يجب ان نبقى مقيمين لهذه الصلوة، ومنه، أصبحت قضية الصلوة ترتبط بمكان وزمان وحالة ووقت محدد !

فقضية الموقوت والميقات قضية مهمة جدا لفهم المراد الإلهي من الصلوة إجمالا وتفصيلا!

الآية الثانية المحكمة التي تفصل لنا الصلوات هي في قوله تعالى :

(  أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًۭا) الإسراء -78
 فهل هذه الآية تكرار لما سبق أن ذكرناه أعلاه؟ حسب ظني، المتواضع، أقول أنها تأكيد عليه وتفصيل له، أي هي تؤكد فهمنا لآية هود، التي ذكر فيها " عدد " الصلوات، وتفصل تلك الآية، لتحدد لنا كم من الوقت سنمضيه في كل تأدية كل صلوة من هاتين الصلاتين، لأن قضية صلوة قيام الليل تركها حسب قدراتنا، بينما هاتين الصلاتين، حددهما لنا بكل دقة، لما للميقات من أهمية قصوى عند الله تعالى!

ومنه، وحسب الأبحاث السابقة في مفردات الطرف والدلوك، الذي يتكرر مرتين كل يوم في الفجر والعشاء، فالدلوك هو عملية تحتاج لأكثر من طرف، فارتبطت بالشمس والأرض معا من حيث بدء تلامسهما النظريّ في فترة الغروب والشروق، فدلوك الشمس في فترة الغروب يبدأ بتلامس قرص الشمس بقرص الأرض، وفي الفجر يحدث بشكل عكسيّ، أي في الجزء المقابل للأرض لنا، فما نراه نحن غروب هو شروق بالنسبة لمن يقابلنا في الأرض في النصف الآخر، وما نراه شروقا هو غروب عندهم، ومنه، الدلوك يبدا في لحظة الفجر والعشاء، وهو الذي يحدد نقطة بداية الفترة التي سنقيمها، والتي ستستمر حتى غسق الليل المتوازي معه، أي هنالك فترتين، فترة الدلوك العشائيّ، وفترة الدلوك في الفجر، ففي صلوة العشاء، نكون بلغنا الميقات الأول مع الله تعالى، فنبدا به في مكان محدد، ونبدا لقائنا به، الذي يستمر الى غسق الليل، وهي فترة في مجملها تتراوح بين 30 دقيقة و 45 دقيقة تختلف بين الصيف والشتاء !

وفي صلوة الفجر نقوم بهذا الأمر بشكل عكسيّ، نسبة للنصف الآخر من الأرض الذي يحدث فيه بدء الدلوك، أي نستبق ظهور الشمس ب 25 دقة الى 45 دقيقة، فنقيم صلوة الفجر فيها، والتي تنتهي بظهور قرص الشمس على اعيننا، وليس كما يفعل اهل التراث بإقامتهم صلوة الفجر في الليل! وهذا تم الاعتراف به من كثير من رجالاتهم، لكنهم لم يغيروا من شيء!

فهذه الاية تفصل لنا بكل وضوح، مقدار الوقت الذي يجب ان نقضيه في ميقاتنا مع الله تعالى، لمن يريد أن يكون من المؤمنين الحقّ ويتقرب اليه زلفا،  وهي لمن بلغ.

 
______________

الميقات والموقوت :

فما علاقة الميقات بالصلوة، بالوقت، وبفترة إقامة الصلوة ؟!!

في موسى، قال تعالى (وَوَ‌ ٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةًۭ وَأَتْمَمْنَـٰهَا بِعَشْرٍۢ فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرْبَعِينَ لَيْلَةًۭ ۚ
وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَـٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ  * 
وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا
وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَـٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّۭا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًۭا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ) الأعراف – 155، حيث جاء موسى الى مكان ما، فهناك كان ميقات بينه وبين الله تعالى، تم تبليغه به، اي ميعاد، (وَوَ‌ ٰعَدْنَا) لفترة معلومة محددة ومكان محدد، فهو عَلِم الى أين يذهب، ومتى يذهب، وكم سيقضي هناك من وقت!

اذا القضية ليست عبثية أبدا، بل هي اتفاق بين طرفين، طرف بشري، نحن من نمثله، والله تعالى، فلا يمكنني ان ادّعي على الله انه قال في كتابه الكريم، ان هناك اكثر من ميعادين معنا كل يوم، بل هو الحق من ربك فلا تكن من الممترين، فهما ميعادين لا غير، لأنهما كتابا موقوتا، بيننا وبين الله، والموقوت له وقت ومكان وزمان، أي فترة تتم فيه، وزمان محدد تبدأ به ، ومكان تكون فيه، والذي خفف الله تعالى علينا به فكانت الأرض له مسجدا، ولم يحدد لنا بقعة عن غيرها!

أما موسى، فتعجل قومه في ميعاده ! وهذه من لطائف القرءان الكريم الذي لم يفرط من تفصيل شيء يهمنا، ويعلمنا دينه القيم، فحين توجه الى ميقات ربه، لم يتأنّ ويذهب في وقته، بل تعجّل الذهاب، وهذا دليل أن الميقات يجب أن لا يتقدم ولا يتأخر حسب هوانا أيا كانت رغبتنا حبا في الله !

 ( وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَـٰمُوسَىٰ *  قَالَ هُمْ أُو۟لَآءِ عَلَىٰٓ أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ) طه – 83:84

أي هو تعجّل في القدوم الى ميقات ربه ليرضي الله، ببساطة تفكيره، فموسى كان بسيط الفكر، بسيط المنطق، وليس كمثل ابراهيم في الجدل والمنطق والعلم، ولهذا ظن انه بقدومه " مبكرا " سيرضي الله، ثم كان هناك ميقات آخر، بعد أن ضلّ قومه من بعده، ليستغفر لهم، ويطلب التوبة من الله على ماقاموا به، وهو الميقات الذي تم فيه تغيير عجلة التاريخ كاملة، بالتبشير بالدين المخفِّف، دين الله وشرعته التي ارتضاها لنا من كتابه، وليس من اهلنا وآبائنا وأجدادنا..
 
والخلاصة التي سنجدها، أن الميقات قضية أساسية مهمة جدا بكل دقائقها، عند الله تعالى، لهذا تم ربط الصلوة الموقوتة بقضية الإيمان الخالص لله تعالى! فهي كانت على (  ٱلْمُؤْمِنِينَ ) كتابا موقوتا، ولم يقل الله تعالى على الناس أو المسلمين أو العالمين!

فمن سيجد في نفسه الإيمان الخالص لله تعالى لن يتوانى عن حب الالتقاء به كل يوم مرتين!

 وهكذا نرى بكل جمال كيف يفصل القرءان الكريم بعضه البعض، وكيف لم يفرط الله سبحانه، من شيء يهمنا أن نعلم به لنتقرب اليه!
______________

مفهوم عدد الركعات :

لقد أُعمِيَ علينا الكثير، بسبب التراث البئيس الذي جائنا بطبقات من الغبار الكثيفة، والإصر والأغلال، التي جاء القرءان الكريم ليزيلها ويخفف منها، بل ويمحوها كلها، فجاء القرءان بملة جميلة خفيفة، تصلح للبشرية أجمعين، ليس فيها من إصر ولا أغلال، من التي كانت على الذين سبقونا من أهل الكتاب، والتي جاء عيسى ليخفف بعض منها، وليس كلها، فكان القرءان والنبأ الذي جاء به القرءان، أن هذا القرءان سيكون هو الدين الجميل المخفّف السهل، دين الحب والسلام، دين المحبة والسلم، والانفاق على من حولك بدون تحديد جنسيتهم وملتهم ودينهم وكفرهم من إيمانهم!

ولهذا، وبالطبع، تمت محاربة هذا الدين المخفف، وبكل شراسة وضراوة، فأضافوا إليه ما أضافوا، من كل الاتجاهات، سواء كتبا أو تواترا أو غيرها من إصر وأغلال تم دسها من التلمود قطعا كاملة، فالنبيه سيرى قطعا كاملة من التلمود، تم وضعها باسم هذا الدين افتراءا على الله الكذب، ليعيدوه الى صيغة الإصر والأغلال التي لا يريدونها أن تذهب، لكي يضلوا الناس عن الحق.

في القرءان الكريم، لا يوجد شيء اسمه ركعات، ومن البديهي، لأي من الذين يتبعون دين الله تعالى القيم، أن لا يعترفوا بشيء لم يذكره الله تعالى، فالمُفتري لم يأتِ لنا من الله تعالى ببرهان على ما افتراه لنقول أنه الحق من عند الله، فحجته قائمة عليه، وليس علينا، والله تعالى شرح بكل بساطة كيف نقوم بالصلوة، في سورة النساء، وهي الاية الثالثة المحكمة، التي لم أجد من يزلزل قدميّ من فوقها، بحمد الله تعالى، فلو قمنا بإعطاء هذه الآية لأي شخص غير عربي، ولا يعلم من العربية غير مفرداتها، وقلنا له أن يصور لنا فيلما مصورا يشرحها، لما اختلف كل الغرب في التصوير ابدا، ولوجدناه نفس الفيلم !
ولكانت كل الأفلام تحمل نفس الهيئة والصورة التي في تلك الآية، وهذا من دقتها ودقة توصيفها لطريقة اقامة الصلوة وهيئة الصلوة، وهي ليست الآية الوحيدة التي تصف كيف نصلي!

الذي أريد قوله، لا يوجد شيء اسمه ركعات في القرءان الكريم، وسنأتي الى هيئات الصلوة أدناه بإذن الله.


______________

عالمية هيئات الصلوة:

لسنين مضت، كنت كلما أنظر وأقرأ آية النساء وغيرها، أراها تصور لي فيلما حركيا أمام ناظريّ! ربما يظن كثيرون بأنني من الضالين، فأقول له، الله أعلم بمن اهتدى ومن ضل " سواء سبيله "، أما الآن، فلنتجرد أمام القرءان الكريم، ولنقذف بكل ما ظنناه سابقا من عند الله، وليس لنا به، من أي من الثلاث شروط التي وضعها الله تعالى، لتقبّل ما يأتينا من عنده، حين قال سبحانه يعلمنا كيف نقبل ما نرى ونسمع ونقرا ( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًۭى وَلَا كِتَـٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ)  الحج – 8 ، ومن هذه الآية البسيطة المحكمة، نرى أن مصدر المعلومات، الذي نقبله، حسب ظني، يجب أن يتم تعميده بواحد من ثلاث طرق :
- علم.
-هدى.
كتاب منير.

ومن فهمي البسيط، العلم مصدره أحد اثنين لا ثالث لهما، الكون من حولنا، والقرءان الكريم. وكذلك الهدى، ولن نختلف في الكتاب المنير وماهيته، فمن يأتينا بعلم يجب ان يثبته بأحد هذه الطرق لا غير، لنقبل به، أما من يقول، بأن ما وجدنا آبائنا عليه علما، فلن نأخذ بقوله، وسنزجي له بضاعته،  فلم يأت لنا بعلم من الكتاب يفصل ما يتقوّل به على الله، بل أتى بهوى نفسه، وبالظن الذي لم يثبت عن الله الحق، بل وبكل بيان قال تعالى أن من بعد إبراهيم والأنبياء، أتى قوم أضاعوا الصلوات، ومنه فلا تواتر ولا ظن نتبعه، وليس لنا الا سبيل القرءان، الذي هو سبيل المؤمنين حقا.

وطيلة هذه السنين، وأنا اتفكر في قضية عالمية الصلوة، من كونها مقيّدة بصور معينة، كما حبسها التراث في قمقم على هواه! ولكي لا يكون في القرءان اختلاف، فعلينا فقه قوله تعالى (  أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَـٰٓفَّـٰتٍۢ ۖ كُلٌّۭ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسْبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِمَا يَفْعَلُونَ  ) النور - 41 ، قبل أن نبدا في البحث عن هيئة الصلوة ..

كما علينا فهم وتذكر، أن هناك ملل وشرع أخرى، غير التي بلغتنا في القرءان، وأن الله تعالى هو الذي بلّغنا أن هناك شِرَع أخرى، ولم يقل لنا أنها مرفوضه، ثم هنالك من لم يقصصهم، علينا في كتابه، ومنه، ليس لنا من الحكم من شيء، في هيئات الصلوة عند أقوام الأرض أجمعين، بأن نقبلها أو نرفضها، فنحن نلتزم فقط بما " بلغنا " ليس أكثر، فالله هو العليم بما نفعل جميعا!

ولكن الله تعالى في شرعة القرءان، ذكر لنا العديد من الهيئات المختلفة، وأظن افتراءا، بأن هذا، لتبليغنا أن الهيئة ليست هي المحور الأساسي، بل هي حسب الظروف الإنسانية المتقلبه، فمن لا يستطيع أن يقف، لن نقول انه لن يتمكن من الصلوة! وكذلك ليس من المعقول ان نقول لشخص في الأسكيمو أن يسجد على الثلج، أو شخص في الأمازون أن يسجد على الماء، فكان القرءان هو الدين المخفف الجميل بكل جدارة حسب فهمي المتواضع! فذكر لنا عدة هيئات للصلوة، حسب ظني وفهمي القرءان الكريم، ولكنه شرح لنا في آية مفصلة، الهيئة الأساسية التي وضعها كأساس لشرعته التي في القرءان ذاته.

هيئة الصلوة في شرعة القرءان:

قال تعالى يصف لنا كيف كان يصلي النبي ومن معه :

(  وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌۭ مِّنْهُم مَّعَكَ
وَلْيَأْخُذُوٓا۟ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلْيَكُونُوا۟ مِن وَرَآئِكُمْ
وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا۟ فَلْيُصَلُّوا۟ مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا۟ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ
وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةًۭ وَ‌ ٰحِدَةًۭ ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًۭى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓا۟ أَسْلِحَتَكُمْ ۖ
وَخُذُوا۟ حِذْرَكُمْ ۗ
إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابًۭا مُّهِينًۭا  ) النساء – 102

وكما ادّعى كثيرون عن الآية التي تفصل أوقات العورات، كما ادّعى ذاتهم على هذه الآية بجعلها لا تصف الصلوة بل الصلوة وقت الخوف وقصر الصلوة!

ولكن من البديهيّ أن وصف الصلوة في هذه الآية، لا علاقة له بالخوف، ولا علاقة له " بمظهرها" أو هيئة تأديتها، بل بقصرها فقط، وهذا مايغصون عنه الأبصار هربا، فأعماهم الله، وكأنها أصبحت " صلوة الخوف" بينما هي الصلوة الموقوتة وقت الحرب، وليس الخوف، والفرق بينهما كبير !

فهي آية تشرح الصلوة بكل دقة وتفصيل، ولكنها تفصّل لنا كيف قصروا من الصلوة، بسبب الحذر من عدو حولهم، ولم تقل الآية انها صلوة خوف بل سمتها صلوة، أي بكامل اسمها ومن غير إنقاص في اسمها بزيادة مفردة شارحة لها كما فعل اللاغون في القرءان لجعله عِضين!

ومنه، نحن نردّ بكل قوة على من ادّعى ويدّعي انها " صلوة خوف" أو " صلوة قصر" ، بأن يأتينا باسمها هذا من القرءان الكريم وليس من عند هواه، ولن يأتي، فالحق نور لا يُطفأ بأفواه المتقولين واللاغين، فالله تعالى يقول في هذه الآية بكل وضوح وبيان (  فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ ) بكونها معرفة وليست نكرة، أي هي صلوة معلومة عندكم، وهي لا بدّ إحدى الصلوات الموقوتة، ليس غير، وإن كانت هذه الآية تشرح لنا كيف نصلي في مثل هكذا أزمة، فمن الأولى أن تكون هي معيار طريقة تأدية الصلوة بكل جدارة، في الأوقات الأخرى، وخاصة اذا انتبهنا لنهاية آيات أخرى تتعلق بهذه الآية، والتي فيها تحدٍّ كبير لكلّ متقول على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، والتي يقول فيها سبحانه

(حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ‌ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ  * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا ۖ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ)  البقرة – 238:239 ، حيث نرى هيئة جديدة غير التي في سورة النساء!

الناظر لهاتين الآيتين بدقة وبحث مخلص سيرى سؤالا مهما جدا في مورد البقرة، فما معنى قوله تعالى (فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم) ؟

وأين علمنا الله أن نذكره بالطريقة المثلى وليس رجالا أو ركبانا ؟

مورد البقرة هو الذي يصف صلوات الخوف وعدم الطمأنينة وليس مورد النساء، بل ان مورد النساء هو الذي يصف ويشرح لنا، بدقة متناهية، هيئة الصلوة المثلى، لكن تم القصر فيها وليس الخوف!

ففي حالة الخوف لا يوجد هيئة صلوة، فنقوم بها ونحن نمشي أو راكبين ولا نتوقف في مكان ما، فيسقط ركن من أركان الميقات، وهو المكان، ويبقى ركني الزمان والطرف الآخر، وهنا يظهر خداع الذين يلغون في القرءان !

فأين علمنا الله تعالى؟ أليس في آية النساء علمنا كيف نصلي له؟ بل هي الآية الوحيدة التي قام النبي فيها بتعلّم الصلوة كما في شرعة القرءان، وتعليمها لمن حوله "من" القرءان الكريم بكل مصداقية وجدارة !

ففيها تم تعليم النبي، وأمره بأن يقيم فيهم الصلوة بالطريقة تلك ذاتها، وتم قسمتهم الى طائفتين، أو أكثر، لا نعلم كم طائفة كانوا، لقوله تعالى " طائفة " ولم يحدد العدد، ولم يقل فلتأت الطائفة الأخرى، بل  (  وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا۟ فَلْيُصَلُّوا۟ مَعَكَ  ) ، ومنه لا نعلم كم طائفة هم، ولكننا نعلم ان النبي كان يصلي أمام كل طائفة منهم ليعلموا القرءان أنه بلغ.

ومسألة الطائفة من طائفة دقة في التعبير الإلهي، تنفي عدد الركعات المزعوم!

ولنتصور حجم العلم الذي في القرءان، كل هذه البحوث التي كتبتها مبنية على عشر آيات أو أقل، بينات، مفصلات، لقوم يعلمون، يبتغون سبيل المؤمنين، الذي هو الصرط المستقيم، والذي هو في القرءان الكريم فقط لا غير.

ثم فلننظر مرة أخرى للآية بدقة، فلا نعلم، وأكرر، لم يحدد الله تعالى عدد الطوائف بحكم كونها مذكورة بشكل نكرة وليست معرفة، ثم لننظر الى السلاح، فما علاقة السلاح بالأمر؟ كل القضية توحي لنا بوجود عدو أمامنا أو خلفنا، ومنه، القول بالخوف هنا يناقض القرءان ويناقض قوة إيمان المؤمنين والنبي معهم، بل هو الحذر وليس الخوف (  وَخُذُوا۟ حِذْرَكُمْ ) والفرق بينهما كبير لقوم يتفكرون.

ثم يشرح الله تعالى الصلوة وهيئتها بسهولة ويسر، فهو يعلم النبي قبل ان يعلمنا، ولهذا الخطاب كان موجها للنبيّ وليس للمؤمنين جميعا، فالله تعالى بالذات، في هذه الآية، يعلمنا الصلوة وهيئتها، في الظروف الحرجة، فنقصر منها، وهي الإجابة الوحيدة على قوله تعالى في مورد البقرة (كَمَا عَلَّمَكُم)، فإن قال تعالى في ذاك المورد كما علمكم فلا بد أن نجد أين وكيف علمنا !!! فأتوني بعلم من عندكم على هذا الأمر من غير هذه الآية...

فهل نجده في مكان غير هذا المكان؟ هنا قام تعالى بتعليم النبي الصلوة، وهيئتها في شرعة القرءان، بأن يقف النبي ثم يسجد، ومن خلفه طائفة تقف خلفه، ثم تسجد، وتنتهي صلوة كل طائفة بالسجود، وحين تراها الطائفة اللاحقة، أتمت سجودها، وهذا أمر يحتاج لرؤية وليس علم، كما يدّعي أهل السجود القلبي، أقول، حين تراها سجدت، تأتي طائفة أخرى غيرها فتقف ثم تسجد، وهكذا، حتى يقيموها جميعا، فكان القصر في الوقت لكل طائفة، وليس كما ادّعى من ادّعى بأنه في العدد، فالقصر يكون لطول الشيء وليس لعدده، وهذا من البديهيات..
ومن بحثنا أعلاه في مفردة الميقات، وطبيعة الميقات، يتساهل الله تعالى في صلوة الحرب في الزمان، ويثبّت المكان، بعكس صلوة الخوف التي يتساهل فيها بالمكان ويثبّت الزمان، ففي الخوف نتحرك ونمشي على أرجلنا أو ركبانا، فلا يوجد مكان ثابت، وذلك بحكم خوفنا، وهذا هو فهم طبيعة الإنسان، فالإنسان الخائف لا يمكث في مكان واحد، فيكون متحركا، فخفف الله عن الخائف المكان، ولم يتغاضى عن ميقات الزمان، بينما في صلوة القصر لا خوف، بل ظرف حذر ليس أكثر، فيكون المكان ثابتا، والزمان، أي فترة الإقامة، هي المختصرة.

هذا تبيان للفرق بين ما سموه صلوة خوف وصلوة حرب وغيرها من تسميات لم يأت الله تعالى بها من سلطان، فالصلوة تقام ولو في البحر أو في السماء أنت، إن رغبت في إقامتها.

ومنه، الهيئة التي أتت في شرعة القرءان للصلوة هي وقوف ثم سجود، وتنتهي بانتهاء السجود.

أما قضية الوقوف من القيام، فقد فصلتها في بحوث سابقة، وبينّا الفرق بين استخدام الله تعالى مفردة (فَلْتَقُمْ ) والفرق بينها وبين فلتُقِم، بضم التاء وكسر القاف، ومنه، لن نجادل كل من يرغب في السجالات على هوى منه، ويتغاضى عن مفردات من دون غيرها، ففهم القرءان يكون مجملا بعد تفصيل، أي عليك أن تأخذ كل الآيات التي ورد فيها اللفظ، وتدرسها، تفكيكا، ثم تجمعها في بوتقة لا تكون متناقضة ولا اختلاف فيها، وهذا هو ما نحاول القيام به.
فالقرءان لم يذكر مفردتي الجلوس والوقوف التين نستخدمهما في اللغة، واستخدم بديلا عنهما الركوع والقيام وليس الاقامه! فلو كانت الإقامة، لقال " فلتُقِم " بضم التاء وكسر القاف، ولكنه قالها بفتح التاء وضم القاف، والفرق بينهما كبير لقوم يتدبرون.

أما في الشرع الأخرى، فهي هيئات كثيرة، مخففة، وقد نقوم بها أحيانا لسبب ما، من مرض أو عجز أو مكان غير ملائم أو غيره، ومنها السجّد الركوع، فيمكنك أن تصلي جالسا على ركبتيك، وساجدا على وجهك، وواقفا بدون أن تسجد أو تركع، أي بدون أن تقع على الأرض على وجهك أو على ركبتيك.

فالسجّد الركوع ارتبطت بمكان، بالدرجة الأولى، في قوله تعالى(وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةًۭ لِّلنَّاسِ وَأَمْنًۭا وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبْرَ‌ ٰهِۦمَ مُصَلًّۭى ۖ وَعَهِدْنَآ إِلَىٰٓ إِبْرَ‌ ٰهِۦمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْعَـٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ) البقرة - 125، وكذلك في وصف زكريا تم ذكر مكان محدد وهيئة لصلاته ( فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًۢا بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ)  آل عمران – 39 ، أو مريم راكعة ساجدة في الأغلب في محرابها كما تم ذكرها في القرءان ( يَٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ) آل عمران – 43 ، والتي بكل وضوح أتت في أقوام سبقونا في الإيمان، وعلمنا من قصصهم، بشِرعهم.


الخلاصة، أن الهيئة التي أتت في شرعة القرءان، لا تنفي ولا تنقض هيئات علمنا بها أو لم نعلم بها في قوم لم يقصص الله تعالى نبأهم علينا، ومنه، لا نحكم على من حولنا، بل على من يفتري على الله الكذب، بقوله ان هذا نزل في القرءان وهو لم ينزل، أو يقول هو من عند الله، ولا علم ولا هدى ولا كتاب منير، بين يديه، يهدينا به الى ما يقول به وينادي إليه !

______________

محتوى الصلوة :

لا يوجد في القرءان أمر بأن نقوم بقول كذا أو كذا في الصلوة، ولكن القرءان يعلمنا في كثير من الآيات عن انبياءه ورسله بما كانوا يفعلون في صلواتهم، فهي اشارات لطيفة، تدلنا على أنه في صلواتنا يمكننا كما زكريا أن نتفرغ للطلب من الله تعالى من أمور تشغل بالنا وتخصنا، فندعوه، أي نستحضر وجوده، لنستشعر وجوده وقربه من حولنا، كمن يغرق في البحر، ثم نناديه بما نرغب، ولا يجب ان نكون بدعاءه أشقياء، إن لم يلبي النداء مباشرة، فهو أعلم بما يخفى، لكن، لا بدّ أن يستجيب لنا حين نخلص له ديننا، ونتعلم أسلوب الطلب وحيثياته، فالشرك في الطلب لا تكون له تلبية ولو دعى مليارات من الناس نفس الدعاء، كما يحدث في وقتنا الحاضر.

وكذلك علِمْنا من الآيات أعلاه، أن قراءة القرءان أثناء الصلوة، هي ذكر وصلوة في الوقت ذاته، وأن نسبحه ونحمده ونشكره ونعظمه..

فلا يوجد صيغة معينة لما ستقوله في صلواتك كما قيل في التراث، فالصلوة ميقات بينك وبين ربك، وهو لقاء تصطلي به من القرب منه، لتهذب نفسك، فتضطرب له جوارحك، ويخشع له قلبك وبصرك، وتقشعرّ منه كل خلية في جلدك وتلين من هذا اللقاء، تشعر بقَدْرٍ الله، فتقدره حقّ قدْرِه، تتبتل إليه، تبكي أمامه، طمعا وحبا وخوفا ورهبة ورغبة معا، فقراءتك للقرءان أثناء صلواتك ليست تلاوة، بل هي استشعار لكل مفردة تقرأها، تتشربها، يمكنك أن تقيم صلوة من 45 دقيقة بسورة الفاتحة لوحدها، فمن لا يبكي حين يصل الى قوله تعالى ( ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ) ..!


 


______________

بين المطلق والنسبي :

نعم، كثيرا ما واجهت هذه المفردات، بكون فهمنا للقرءان نسبي، وغير مطلق، ولكن أجيب على هذا، بأن الله تعالى سيحاسبنا جميعا على هذا الفهم النسبي، فهو أعلم بنا وبعقولنا، ومنه، لا أرى تعارضا في كون فهمنا نسبيّ، بأن لا نفهم، أو نرفض الفهم، فاعلم أن القضية هنا فلسفية بحتة، ولكن، وبما أن الله تعالى أمرنا بتدبر القرءان، وربط تدبره بالعلم به، فإن كان فهمنا النسبي غير مطلق، فالله تعالى سيقبل النسبي، لأنه هو المطلق سبحانه.

أما قضية عالمية ومطلق الصلوة في العالمين، فالله تعالى قبل بشِرَعٍ أخرى، ولم يجعل الشرعة هذه هي المعيار الوحيد للإيمان أو لقبوله اعمال وأفعال الآخرين، فالله تعالى، يرى العالم كله، بينما نحن لا نرى سوى مجتمعاتنا وأحيانا قريتنا، فحكمه مطلق، وقام بتحديد حكمه حين قال " ومن بلغ " ، بل ولم يضع معيارا غير العمل الصالح والإيمان به واليوم الآخر، وهي أمور لا علاقة لنا بها، لأنها تخص الله تعالى وحده، أما الإدعاء بأنه لم يذكر هذا في القرءان، فهو ادعاء باطل، ونرده على أصحابه، فمن يتبع القرءان، سيعلم ما في القرءان، ومن لا علم له بالقرءان، أوملته غير ملة ابراهيم، فعلى الله حسابه، وهو اعلم به، فلا حكم لنا على غيرنا من أمم وبشر، بل ولا أرفض أن يصلي اهل التراث 10 صلوات بدلا من خمس، فذلك شأن كل منهم، وليصليها كما يراها، أو كما يظن أنه تعلمها من التراث المكتوب نقلا بغير علم، أو التراث المنقول عملا بدون برهان، فكذلك أهل بوذا تواتروا دينهم وافعالم الاف السنين، فليست هذه هي قضيتي، ما أرفضه هم أن يدّعوا أنها من عند الله، وهذا ما أحاربه.

______________

خلاصه :

- الصلوة الموقوتة مرتان، الفجر والعشاء.
- وقيام الليل لمن يستطيع أو يريد التقرب الى الله زلفا.
- ولا يوجد عدد للركعات.
- والصلوة تكون بالوقوف بين يدي الله في زمان محدد ولفترة محددة في مكان ما ثابت، ثم السجود على الأرض على الوجه واليدين والركب، لمن يستطيع، ثم تنتهي.
- ولا يوجد صيغة محددة لما يجب قوله أو تلاوته في الصلوة، فهي لقاء الفرد مع ربه، يقوم من خلالها بالبحث عن الهدى من ربه.

إنتهى.

والله المستعان

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

اجمالي القراءات 13457