انحلال المجتمع المصرى المملوكى بتأثير التصوف
ج3 / ف 3 :المجتمع المملوكى المنحل خلقيا بالتصوف: طبقة البغايا والمخنثون

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٥ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الثالث : انحلال المجتمع المصرى المملوكى بتأثير التصوف

 المجتمع المملوكى المنحل خلقيا بالتصوف: طبقة البغايا والمخنثون  

ضمان المغانى :

        1 ــ يقول عنه ابن أياس فى حوادث 778 ( أبطله الأشرف شعبان ، وكان قد بطل فى الزمان القديم وأعاده وزراء السوء لكثرة مايتحصل منه من المال الجزيل ، وهو عبارة عن مال كبير مقرر على المغانى من رجال ونساء ، فكان لاتقدر المرأة من المغانى تضرب بدف فى عرس أو ختان أو نحو ذلك إلا بإطلاق ــ أى تصريح  رسمى ــ وعلى كل إطلاق ( تصريح رسمى ) مال مقرر للديوان المفرد ، وكان على كل مغنية مال مقرر تحمله إلى الضامنة ، وكان فى كل ليلة يدور على بيوت المغانى من جهة الضامنة لمعرفة من باتت منهن خارج بيتها، وكان مقررا على النساء البغايا ضرائب مقررة .  وكان ببلاد الصعيد والوجه البحرى حارات للمغانى والبغايات ، وكان هناك يظهر التجاهر بالزنا وشرب الخمر مايشنع ذكره ، حتى لو مر على تلك الحارات رجل من الغرباء من غير أن يقصد الزنا ، فتنقض عليه بغية من تلك البغايا التى فى الحارة وتلزمه غصبا بالزنا ، أو يفتدى نفسه بمبلغ حتى يخلص من يدها من الفعل القبيح إن فعل وإن لم يفعل ، وتقوم بما تأخذ منه من المبلغ مما عليها من الضريبة المقررة عليها فى كل يوم ) [1]                                                                         

وواضح أن الدولة كانت تشجع الانحلال بفرض هذه الضريبة التى تدفع البغايا لاغتصاب الرجال ، ولم تفرق الدولة بين محترفات الغناء(المغانى) ومحترفات الدعارة (البغايا) فألزمت الجميع بدفع الضريبة رجالا ونساء بغايا ومغنيات ، ومعناه أن الفن كان من مظاهر الانحلال الخلقى وقتها حتى أن المغنية إذا باتت خارج بيتها دفعت الضريبة سواء غنت أو فجرت فلا فرق.

2 ــ وصار وجود العاهرات فى الشارع المصرى أمرا مألوفا، وقد تحررن من إرتداء النقاب ، ولبسن أزياء تلفت النظر . يقول المقريزى عن القاهرة ( ولاينكر فيها إظهار أوانى الخمر ولا آلات الطرب .. ولا تبرج النساء العواهر)[2]. وعن الصعيد يذكر كاتب مناقب الفرغل أن بعضهم مر على البغايا( وهن مزينات مكشوفات الوجوه) أى تميزت العاهرات بكشف الوجه ، بينما تنقبت الأخريات[3] .

 وقد سبق أن بيوت الدعارة قد تمتع بعضها ببركات المشايخ الصوفية مثل الشيخ وحيش الذى كان يتشفع فى الزناة ، والشيخ حسن الخلبوص الذى كان يحمل العاهرات فوق ظهره.

 وفى حوادث سنة 876  يقول الصيرفى أن السلطان قايتباى بلغه ( أن الخواطىء ــ أى العاهرات ــ يفعلن المنكر بالجنينة التى هى من أرض الطبالة ــ العباسية الآن ــ ففحص عن من يأخذ جعلهم ــ أى يفرض الضريبة عليهم ــ ورسم بالكبس عليهم)[4]. فالسلطان الورع قايتباى صاحب الأوراد تحمس للبحث عمّن يسترزق بالقوادة ليفرض عليه الضريبة ، ولم يتحمس لمنع البغاء ذاته .

ويقول البقاعى فى نفس الموضوع ( طلع ناس من العامة وشكوا من دويدار والى القاهرة ، وكان قد أقام ثلاثين امرأة للفسوق فى ناحية الجنينة وأرض الطبالة ، وقرر على كل امرأة منهن نصفا من الفضة كل يوم ، فظهر للسلطان صدقهم)[5].  وواضح أن الإنكار هنا سببه أن الوالى هو الذى كان يأخذ الضريبة لنفسه دون السلطان ، وأن الوالى ــ وهو مدير الأمن بمفهوم عصرنا ـ كان يرتزق من عرق المومسات ولا يدفع عنهن ضريبة للدولة المملوكية التى تطبّق الشريعة .!!

 3 ــ وقد أبطل ضمان المغانى عدة مرات فى العصر المملوكى . أبطله الظاهر بيبرس سنة 656هـ حين أراق الخمور( ومنع النساء الخواطىء من التعرض للبغاء من جميع القاهرة ومصر وسائر الأعمال المصرية ...) ( وحبست النساء حتى يتزوجن).  ثم أبطله الناصر محمد سنة 715  ، ثم أبطله برقوق من بعض المناطق[6]. وكان ضمان المغانى لا يلبث أن يعود دائما بسبب جشع القائمين على الدولة ، أو حسبما يقول ابن أياس ( وكان قد أبطل فى الزمان القديم وأعاده وزراء السوء لكثرة مايتحصل منه من المال الغزير ).

 ويقول المقريزى فى حوادث سنة 827( وفيه تُتُبعت البغايا ، وألزمن بالزواج ، وألا يزاد فى مهورهن عن أربعمائة درهم من الفلوس ، ونودى بذلك فلم يتم منه شىء)[7].

ومن الطبيعى ألا يتم شىء مع وجود تلك النداءات والتسهيلات ، فلم يتزوجن ولم يقلعن عن الفحشاء لأن وجودهن ضرورة فى مجتمع يدين بالتصوف الذى شاهدنا جذور الانحلال الخلقى تشكل أساسا فى عقيدته وفى شريعته وفى نظام حمكه الفعلى.

 4 ــ وظلت مصر تحمل عار فرض ضريبة البغاء حتى أواخر العصر العثمانى وما بعده حتى تم إلغاؤه مؤخرا من حوالى ستين عاما . يقول كلوت بك عن العاهرات فى العصر العثمانى : ( كان وجودهن فى الديار العثمانية نادرا جدا ، ولكن مصر ــ التى خالفت ممالك الشرق فى أكثر من حال من أحوالها العامة ولاسيما فى ارتخاء حبل الأخلاق ــ تجاوزت الحد، فلم تقتصر على قبول العهارة وإجازتها، بل كانت تجبى من العاهرات مبلغا جسيما يدفع سنويا لخزانة حكومتها ، وكانت طائفة العاهرات فيها إلى حد قريب منا طائفة معروفة ذات رؤساء يهيمون عليها ، وأنظمة خاصة تسير على منهاجها)[8].

ضريبة المغانى تشمل الشواذ

1 ـ  وقد شملت ضريبة المغانى المخنثين من الذكور مع النساء العاهرات ، وابن أياس يقول عن ضمان المغانى ( وهو عبارة عن مال كبير مقرر على المغانى من الرجال والنساء)، فذكر الرجال والنساء معا ووصفهما معا بالمغانى .  

2 ــ ومن أنواعه مايعرف " بشد الزعماء" وهو ضريبة يقول عنها المقريزى ( مقرر على كل جارية أو عبد حين نزولهم بالخانات لعمل الفاحشة ، فتؤخذ من كل ذكر وأنثى مقدار معين)[9]. ومعناه أن الخانات حفلت بالمخنثين والبغايا لطلاب المتعة الحرام بنوعيها السوى والشاذ، وكان أولئك من الجوارى والعبيد لمن لايستطيع أن يشترى جارية أو مملوكا خاصا به، وأما السادة فلهم بالطبع قطعانهم الخاصة من الغلمان . وفيما عدا بين السادة المكتفين بمماليكهم والعوام المترددين على الخانات فقد كثر الترافق بين أصحاب الشذوذ ، يقول المقدسى الرجائى ( وأما زماننا فقد كثر فيه الفساد ، واكتفت الرجال بالمردان )[10].

تشريعات للمخنثين والشواذ

1 ــ  وبانتشار هذا الإثم لم يعد عيبا أوعارا ، بل صارت له آدابه برعاية التصوف .

 يقول ابن القيم( ولما سهل الأمر فى نفوس كثير من الناس صار كثير من المماليك يمتدح بأنه لايعرف غير سيده ، وأنه لم يطأه سواه كما تمتدح المرأة بأنها لاتعرف غير سيدها وزوجها ، وكذلك كثير من المردان يمتدح بأنه لا يعرف غير خليله وصديقه أو مؤاخيه ، أو معلمه ، وكذلك كثير من الفاعلين يمتدح بأنه عفيف عما سوى خدنه الذى هو قرينه وعشيره كالزوجة أو عما سوى مملوكه الذى هو كسريته أى مثل سريته ، أى مملوكته) [11].

أى أصبح هناك مفهوم جديد للشرف ، فالمفعول به يفتخر باخلاصه للفاعل به وأنه لا يعرف غيره ، والفاعل يفتخر بأنه مخلص للمفعول به لا يمتد ( طرفه ) لغيره.

2 ــ وبرز نوع عجيب من الشذوذ ( الشريف ) أو ( الشذوذ العفيف ) أى ان يستغرق أحدهم فى ( حب ) الأمرد دون أن يمارس معه الفحشاء . وكان بعض الصوفية يزعم هذا ، ولسنا مرغمين بتصديقهم وهم ينامون مع أولئك الصبيان ، ويزعمونها ( محبة الفقراء ) .

ولكن يمكن أن نصدق بعض المصادر التاريخية ، خصوصا ابن أيبك الصفدى الذى يبدو من تأريخه التشوق لايراد الأخبار الماجنة مع الأشعار الفاحشة والكلمات الفاحشة تعبيرا عن عصره ومن يؤرخ لهم . ومع هذا فقد كتب عن بعض معاصريه بما ينطبق عليهم مفهوم الشذوذ العفيف او الشريف . فهو يقول عن الشيخ تقى الدين السروجى إنه كان يغلب عليه حُبّ الجمال مع العفة والصيانة ، وأنه كان يكره النساء ويرفض أن يلمس طعاما من عملهن. وأنه كان يُحبُ فتى( حبا شريفا ) وأن والد الفتى كان يعرف ذلك ويباركه . ثم مات الفتى فحزن عليه الشيخ السروجى الى أن مات . فقال والد الفتى : ( والله ما أدفنه إلا فىقبر ولدى ، وهو كان يهواه ، وما أفرّق بينهم فى الدنيا ولا فى الآخرة ) ( الوافى 17 / 341 : 342 )

ويقول الصفدى أيضا عن الأمير المملوكى ايدكين علاء الدين الصالحى ت 690 أمير صفد أنه كان يلعب مع أولاد صفد الكرة ، وكان يعاشر الفقراء الصوفية ، ويحاضر العلماء ( ويميل الى الصور الملاح من غير فعل فاحش ) ( الوافى 9 / 490 : 491 ).

عشير الناس ( جلسات السمر للشذوذ الجنسى )

1 ــ ونجوم الشذوذ أقيمت لهم حفلات السمر ، وتمتعوا فى نهاية العصر المملوكى بلقب ( عشير الناس )   وهو شخص شاذ شذوذا إيجابيا أو سلبيا أو النوعين معا ( البدل ) ، وهذا الشخص الشاذ يكون فى العادة حسن الوجه حُلو المعشر جذّابا ظريفا ماهرا فى الحديث ليميل الناس الى صحبته والتسامر معه و ( معاشرته ) أى ممارسة الفحشاء الشاذة معه بحيث يستحق لقب ( عشير الناس ) ، ويشتهر، فيلتفت اليه المؤرخون فيجد طريقه للخلود بين صفحات التاريخ إذا إشتهر فى عصره ، أو أن تصل شهرته الى الأعيان فيطلبونه لمجالسهم الخاصة ( جدا ) ، ويصل أمره الى المؤرخين فيكتبون عنه .

2 ـ وبدأ الأمر فى عصر المؤرخ ابن أيبك الصفدى . وسجله بين سطور موسوعته التاريخية ( الوافى بالوفيات ) دون أن يستعمل مصطلح ( عشير الناس ) الذى لم يكن قد ظهر وقتها فى القرن الثامن الهجرى .

وكان منهم : بهاء الدين بن غانم ت 735 ، وهو من معارف ابن ايبك الصفدى ، وقد قال عنه ( وكانت بينى وبينه محاورات ومناقضات ومعارضات ومناقشات ) ( الوافى 10 / 258 ) . وقد وصفه الصفدى بأنه ( كان حسن الشكل لطيف العشرة، عليه أُنس فى السماع ، وله حركة فى الرقص ، وكان يهوى ( طقصبا ) وهو صبى يغنى ، وكان يعمل به السماعات ( اى الحفلات الغنائية الصوفية ) ، ويرقص علي غنائه ، ويحصل له وجد عظيم ) ( الوافى 10 / 253 ) . هذا الوجد العظيم كان يحدث علنا فى حفل السماع ، فكيف بالخلوة ؟

ومنهم الشيخ محمد الغزى ، يقول عنه المؤرخ الصفدى وكان معاصرا له وقت تأليف موسوعة ( الوافى بالوفيات ) : ( سألته عن مولده فقال : فى سنة خمس وثمانين وستمائة ) . وقد نقل له الصفدى شعرا فاحشا فى الشذوذ الجنسى لا نستطيع إيراده . وقال عنه : ( وخالط الناس وعاشر ، وفيه خفة روح وكيس ( أى ذكاء وظُرف . ) ( الوافى 4 : 323 ). وهنا نرى الصفدى يستعمل مصطلحا قريبا من مصطلح ( عشير الناس ) الذى انتشر فيما بعدُ.

ويقترب الصفدى أكثر من مصطلح ( عشير الناس ) فى تأريخه للصاحب علاء الدين ابن الحرانى الذى مات فى رمضان 752 ، أى  قبل موت الصفدى ب 12 عاما . يقول عنه الصفدى ( وكان فيه كيس ولُطف عشرة ن وبيته مجمع الأصحاب والعشراء )( الوافى 22 / 180 ).    

3 ـ وفى أواخر العصر المملوكى تكاثر المخنثون من أصحاب الشذوذ السلبى ، وانتشر الشذوذ أكثر ، وصارت له مجالسه ، وصار له نجومه ، فاشتهر بهم مصطلح عشير الناس، وكان هذا من أوصافهم التى جاءت فى تاريخ ابن إياس . ونأخذ أمثلة تعبّر عن عصر ابن إياس ، مع تقديم الاعتذار الكافى عن إضطرارنا لايراد بعض الشعر الفاحش للتعرف على ذوق العصر الذى خلا من الذوق .!!.

3 / 1 : قال عن الشيخ أمين الدين الغيطى ت 844 هـ : ( كان عشيرا للرؤساء والأعيان ، لايبرحون من منادمته ساعة واحدة ، وكان مُقعدا ، يُحملُ على الأكتاف الى بيوت الأعيان ، وكان يُنسب الى أٌبنة به ( أى مدمنا على الشذوذ السلبى مريضا به مُضطرا اليه ) ، وقد اشتهر بذلك. يقول القائل فيه :

عجبا من صاحب كان لنا    فيه للعاقل منا معتبر

جمع المال صغيرا بإسته  ثم أعطاه عليها فى الكبر

فإذا عاتبته فى فعله          قال : هذا قضاء وقدر

وقال آخر :

قيل أن الأمين أضحــى رفيعا          قلت كُفـُّوا فليس هـذا حقيـقة

كـيف يبــدى تكبــرا لأناس                 وأقل العــبـيـد يعلو فـوقـه

وقال آخر :

يقول لى والإير فى إسته             كانه مبرد حدّاد

إن شيوخ الأرض فى عصرنا تفضّلُ الميم على الصاد.

( الميم رمز للإست أو المؤخرة ، والصاد رمز لمهبل المرأة )( تاريخ ابن اياس 2 / 225 : 226 )

3 / 2 : الشيخ اسبل الخضرى المالكى ت محرم 873 ، قال عنه ابن اياس ( كان عشير الناس ، كثير المداعبات والنوادر ، لطيف الذات ، محببا لأرباب الدولة ) ( تاريخ ابن اياس 3 / 19 )

3 / 3 : القاضى الشافعى  الشيخ كتكوت ( بدر الدين الدميرى ) ت ذو الحجة 887 : ( وكان فكه المحاضرة كثير العشرة للناس ، طلق اللسان. ) ( تاريخ ابن اياس 3 / 198 )

3 / 4 : كلب العجم ( الشيخ محب الدين عبد الرحمن بن حسن ) ت  ذو القعدة 887 ، ( كان عشير الناس ، فكه المحاضرة ، ومن أخصّاء الأمير يشبك من مهدى الداودار الكبير ، كان يسرف على نفسه ، يميل الى محبة الأحداث ، وله فيهم أشعار كثيرة ، قال له الشهاب المنصورى يداعبه .....) ( تاريخ ابن اياس 3 / 197 )

3 / 5 : الأديب الشهاب الحجازى . ت شعبان 875 . ( كان عالما فاضلا بارعا فى الأدب ، وله عدة مصنفات فى الآداب ، وكان ظريفا لطيف الذات عشير الناس ، حسن المحاضرة . ومن شعره  .... )

( تاريخ ابن اياس 3 / 57 )

3 / 6 : وفى حوادث شهر بيع الأول عام 873 : تعيين مثقال الحبشى الساقى فى مشيخة الحرم النبوى . والسبب كما يقول ابن اياس : ( وكان مثقال هذا عشير الناس ، كثير الانهماك على شرب الراح ، فمقته السلطان ( قايتباى ) وألبسه مشيخة الحرم النبوى الشريف لعله يتوب ) ( تاريخ ابن اياس : 3 / 23 ) . جدير بالذكر أن السلطان قايتباى كان عفيفا ومشهورا بالتعبد والأوراد .!!

شيوخ مخنثون

1 ــ  وبعضهم أصبح شيخا صوفيا فقال فيه ابن النقيب الشاعر، ونعتذر عن اضطرارنا للنقل :

رُب علــق صـــار شيخـا          يـــدعى دينـا وعفة

قال لـى من ليس يدربـــه        ولا يعـــرف وصفــه     

ذا لــــه حـــال وكشـف           ذا لــه حــج ووقفه

قلـت له كـم بينى وبـين الشيخ  قبل الكـشف كـشفه

وقال فى آخر :

علـق ترهـب خـــده وتصـوفا       ورأى وأبعـد فـيه قلبى واشتـفا[12]

ويقول الشاب الظريف فى أحد القضاة المخنثين :

                    صـدودك هل له أمـد قــريب          ووصلك هل يكـون ولا رقـــيب

                    قضــاة الحسن ماصنعى بطرف         تمنى مــثله  الرشــــأ الرتيب

                    رمى فـأصــاب قلبى باجتهـاد        صـدقتم كـل مجــهد مصـــيب  [13]

التحذير من الاعتراض على المخنثين الشواذ

1 ــ  وحذر الصوفية من الاعتراض على المخنثين ، يقول الشعرانى أن من المنن عليه عدم اعتراضه على المخنثين ( لأنهم أصحاب أمراض ، فربما ازدراهم أحد ، فابتلاه الله بمثل ما ابتلاهم به)[14].

أى أنه طبقا لعقيدة التصوف فى ( وحدة الفاعل ) فقد جعل الله جل وعلا مسئولا عن وجود هذه الطائفة، تعالى رب العزة عن ذلك علوا كبيرا  .

شيوع الشذوذ الجنسى السلبى فى مصر منذ القرن الثامن

وبسبب وجود هذه الطائفة وشهرتها فقد كتب المؤرخ ابن ايبك الصفدى  ساخرا فى كتابه ( شرح لامية العجم ) يقول مثلا : ( والمصريون يتنافسون فيه ــ أى الشذوذ السلبى ــ ويتفاخرون به ، ويعتبرونه منقبة سامية ومرتبة علية ، وإذا إدعاه مدع ، ممن لا يعتزى إلى مجد شريف ولا ينتمى إلى منصب منيف ــ دفعوه عنه وأنفوا له منه ، وقالوا بأى أبويه استحق هذه المنزلة ، أم بأى رياسة وصل إلى هذه المرتبة ، وإذا وصفوا إنسانا برقة الحال قالوا : فلان يبوس ملتفتا )[15].

وقد ملأ الصفدى كتابه ( شرح لامية العجم ) بأبشع من هذا . ولقد اخترنا أخف النصوص .وكالعادة نعتذر عن النقل لإضطرارنا اليه ليعرف القارىء أخلاقيات العصر المملوكى وذوقه .

 



[1]
ـتاريخ ابن اياس ج1/2/166 :167.

[2]ـ خطط المقريزى ج2/55.

[3]ـ مناقب الفرغل  26.

[4]ـ إنباء الهصر 337

[5]ـ تاريخ البقاعى مخطوط 98، 90.

[6]ـ خطط المقريزى ج1/197، 198 السلوك ج3 / 2/ 945. الجوهر الثمين لابن دقماق 149، نزهة النفوس ج1/211.

[7]ـ.ـ السلوك ج4/ 2/ 666

[8]ـ لمحة عامة إلى مصر ج1 /627.

[9]ـ الخطط ج1/ 164.

[10]ـ المقدسى الرجائى. حكم الأمرد 44.

[11]ـ إغاثةاللهفان ج2/ 146.

[12]ـ عيون التواريخ . مخطوط ج2/384 :386.

[13]ـ ديوان الشاب الظريف 32، 33.

[14]ـلطائف المنن 468.

[15]ـ الصفدى . شرح لامية العجم ج2/281 :282.

اجمالي القراءات 9591