أنواع الصلوات
في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – أنواع الصلوات - جزء 8

غالب غنيم في الأربعاء ٠٨ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – أنواع الصلوات - جزء 8

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36

______________

مقدمه :
في بداية ابحاثي هذه كلها كنت ابحث عن الاسلام الحق الخالص من القرءان الكريم بدون أي اضافات ولا غلوّ ولا هوى في النفس لعلي أجد على النار هدى، فتوجهت الى القرءان الكريم، بنية الإخلاص لله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، طالبا من الله الهداية والنور من رسالته، وهكذا بدأت تتضح لي شيئا فشيئا، الصور في القرءان الذي يفصل ذاته بذاته، ولكن بعد فترة، وفعلا، وجدت ان الجميع ايضا ظهر لهم تصورات وأفهام مختلفة في ابسط الأمور التي لا بد ان يفقهها اي شخص بدون علم كبير مثل قضية الصلوة!
فكان هناك من ينادي بالتواتر وبكوننا تعلمناها من ابائنا، برغم رفض الله تعالى بشكل جذري اتباع دين وملل الاباء بدون رسالة بينة وعلم منير، ثم ظهر من ينادي بكون كل هذا شيء قلبي، فاضطررت لأن أشرح الفروق بين التسبيح والصلوة والذكر، وبأن الذكر كلي عام شامل، والتسبيح جزء من الذكر وهو الذي يمكننا فعله في كل وقت وحين ولا هيئة ولا حركات فيه! فخلطوا بين التسبيح والصلوة فجعلوا التسبيح صلوة والسجود خضوع والركوع طاعة والخرور امتثال فلم أعد اقرأ مثل هكذا أمور! فبالنسبة لي، القرءان يجب ان يفهمه الانسان بدون اخضاعه للهوى وبشكل بسيط بعيد عن التعقيدات والترادف في المفردات!

فإن وجدت أنهم لا يفرقون بين فلـتـَقـُم وبين فلـتـُقـِم فعلى بحوثهم السلام!
______________

بين المطلق والنسبي :

نعم لا بد أن تكون رسالة الله تعالى في مجملها مطلقة صالحة لكل البشر ايا كانوا، وهذا ما سنصل اليه في نهاية الأبحاث هذه كلها، وسنثبت أن وجود حركات في الصلوة لا يفقدها قيمتها المطلقة،ولا يجعل منها وثنية كما يظن البعض،  فهي في نهاية الأمر نسبية بكونها شِرعة ملة ابراهيم، ولها أوجه عدة، يتبعها اصحاب الملل الأخرى، والتي لا انفيها، الله أعلم بها، ولكن الصلوة بحد ذاتها نسبية في المطلق كونها تتعلق بملة وشِرعة خاصة ليست لكل الناس، فلكل جعل منا شرعة ومنهاجا، اما الملل الأخرى مما قرا الله تعالى علينا من قصص أنبياء نعلم بهم وأنبياء لم يقصصهم علينا، فلهم دينهم وعليهم هم البحث في ملتهم من صدق محتواها من عدمه!

______________

أنواع الصلوات :

كنت قد تحدثت في بحثي عن مفردتيّ قم وأقم والفرق بين مفردتي فلـتـَقـُم وبين فلـتـُقـِم أو اقِم وقليلا عن أنواع الصلوات، وهنا سوف نتعرض لكل منها بالتفصيل بإذن الله. فبالطبع هنالك أنواع من الصلوات، فالصلوة ليست هي الموقوتة فقط، بل هناك أنواع منها، سنتعرض لها، فلقد وردت مفردة الصلوة ضمن تراكيب وأبنية مختلفة، منها أقم الصلوة، والصلوة على، وأقيموا الصلوة وأتوا الزكاة، وسنبدأ من الأعم الى لأخص.


______________

ألصلوة على :

وردت صيغة الصلوة على في القرءان الكريم  عدة مرات وحين نرتل الآيات التي وردت فيها، سيصبح من السهل جدا علينا أن نفقه المراد الالهي منها:

( هُوَ ٱلَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ۚ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًۭا ) الأحزاب – 43

( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا) الأحزاب – 56

( خُذْ مِنْ أَمْوَ‌ ٰلِهِمْ صَدَقَةًۭ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌۭ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبه – 11

ولننظر ولنتدبر هذه الآيات المرتلة ببساطة وسنجد أنها تتعلق كلها بالغاية من الصلوة على أحد ما، فغاية صلوة الله تعالى وملائكته علينا هي إخراجنا من الظلمات الى النور، رحمة منه بنا، فكيف يخرجنا من الظلمات الى النور بصلواته علينا؟ واين ورد تفصيل هذا الأمر؟ في آيات كثيرة نأتي منها بقوله تعالى:

( الٓر ۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَ‌ ٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ) ابراهيم -1

( رَّسُولًۭا يَتْلُوا۟ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَـٰتٍۢ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحًۭا يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًۭا ۖ قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزْقًا) الطلاق - 11

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَـٰتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَ‌ ٰلِكَ لَءَايَـٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍۢ ) ابراهيم - 5

إذا هي رسالات من الله تعالى عبر أنبياءه للبشر، لكي يتم تبليغهم بها، بهدف إخراجهم من الظلمات الى النور!
ومنه، نرى أن الله تعالى وملائكته يصلون علينا بنقل الملائكة رسالات الله تعالى للأنبياء، والذين بدورهم سوف يقومون بتبليغنا بها، فصلواتهم علينا هي تمكين الصلة بنا عبر هذه الرسالات وتعزيز العلاقة عبر تطبيقنا لما في هذه الرسالات، فنخرج من الظلمات الى النور، وليس كما يحصل مع الطرف الاخر الذي يذهب الى الظلمات، لاتباعه ما نهى الله تعالى عن اتباعه  ( ٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ ۗ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ) البقرة – 257

والهدى يكون بأن يرينا سبل السلام من خلال هذه الرسائل :

( يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًۭا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَيَعْفُوا۟ عَن كَثِيرٍۢ ۚ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌۭ وَكِتَـٰبٌۭ مُّبِينٌۭ  *  يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَ‌ ٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَ‌ ٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ) المائدة – 15:16

وباتباعنا سبل السلام لن نظلم ولن نعتدي وسنعمر الأرض وننشر السلم والسلام والحب ونخفف عن الناس الإصر بدلا من أن نزيده عليهم بالتلمود والتراث !

هذا بالنسبة لصلوات الله تعالى وملائكته علينا ، أما النبي فهو بتبليغه لنا هذه الرسالات بدون زيادة أو نقصان وبدون اي تحريف لها، بتبليغه إياها كما نزلت وبتلاوته الرسالة علينا، فهو يقوم بالصلوة علينا، ومن الطبيعي على من هم أحياء في زمنه، وبوصول رسالة الله تعالى الينا كما بلغها، يكون قد صلى علينا نحن أيضا في كلية الأمر، فكما قال له تعالى (إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌۭ لَّهُمْ )، وهذا من الطبيعي ، فالله ينزل في كتابه ما هو شفاء لما في الصدور فتطمئن وتخشع لذكر الله
( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌۭ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًۭى وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ) يونس - 57 

فحين  يشفى ما في الصدور من غل وكِبَر ستسكن النفس وتتواضع وتخشع لله الواحد القهار.
أما صلواتنا على النبي فهيتعزيره، وبكل جدارة أقولها، فاتباعنا لما اوحي اليه، وأخذنا به، هو جُلّ ما أراد في حياته، والذي كان يضيق به صدره، كما فصلنا في ابحاث التسبيح بحمد الله، فجلّ ما يريده النبي هو أن نؤمن بالله واحدا ونتبع ما أوحي اليه من رسالة، وبهذا نكون صدقناه وعزرناه كما نبأ الله تعالى موسى حين التقى به مع السبعين عند الجبل :
( ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ ۙ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) الأعراف - 157

فالله يأمر الذين أمنوا أن يعزروا وينصروا النبي ويتبعوا النور الذي أنزله معه، على أنها صلوة على النبي، والذي يؤكد هذا الفهم، انهاء الآية بقوله تعالى ( وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا ) – والتي تم تحريف مدلولها من ان نسلم تسليما لله تعالى في أمره هذا لنا، فجعلوها ان نسلم تسليما للنبي، والنبي من هذا براء، فقوله هنا سبحانه عن نفسه، وسلموا تسليما للامر واخضعوا له كاملا.

الخلاصة: أن الصلوة على، هي تعزيز العلاقات والصلات بين الناس والناس، وبين الناس والانبياء، وبين جميع البشر والله تعالى. فهي حبال من الله للناس، وحبال بين الناس بين بعضهم، وهي حبال السلام التي تقودنا الى النور بعيدا عن الظلمات والعدوان والظلم والبغي.

 

______________

وأقيموا الصلوة وأتوا الزكاة :

وهذه هي الصلوة الاجتماعية الجماعية بكل امتياز، وسأتكيء هنا بعض الشيء على محاضرة للأخ الفاضل قصي فاخر الموسوي[1]، قام فيها بكل جدارة بتفصيل هذه التركيبة الفريدة في القرءان الكريم، ولكني ساعيد تركيبها حسب فهمي من ترتيل آيات القرءان الخاصة بها، لنصل الى قالب فريد مترابط مع بقية أنواع الصلوات باذن الله تعالى.

ومن قولي اعلاه ان هناك ثلاث أنواع صلوات، وأعمها هي "الصلوة على الآخر" إن أمكننا وصفها بلساننا افتراءا، فالله يصلي علينا، ملائكته تصلي علينا، الله يصلي على النبي، ملائكته تصلي على النبي، يامرنا بأن نصلي على النبي، يأمر النبي بأن يصلي علينا !!!
ألا نرى هنا صورة فريدة إجتماعية بحتة؟!

فالغاية من كل هذه الصلوة هي في المحصلة اتباع سبل السلام! وسبل السلام تقودنا الى علاقة اجتماعية مسالمة لا اعتداء ولا ظلم فيها، وهذا هو جوهر غاية الخلافة في الأرض، لأن الملائكة اعترضوا على الخلافة للانسان بذكرهم الافساد في الأرض وسفك الدماء، وليس بذكرهم الصلوة الموقوتة واقامتها او الايمان بالله واليوم الآخر من الكفر بهما!

فغاية قضية الخلق بكاملها تكمن في الاعمار والسلام في الأرض والبعد عن الفساد والظلم والعدوان على الاخر!

فإن كان الله تعالى وملائكته وأنبياءه يصلون علينا، ويطالبوننا بأن نصلي على بعضنا البعض، ونرد على الانبياء صلواتهم بأن نصلي نحن ايضا عليهم، ألا نرى هنا، بكل وضوح، نوع من التكافل والتلاحم الاجتماعي لانتاج مجتمع سليم مسالم بعيد عن الكفر السلوكي من اعتداء وظلم وسفك دماء وافساد في الأرض؟!

فتعالوا نرتل الايات لنرى هل ما وصلنا اليه من ظن بأن التركيبة الفريدة المجتمعة في " وأقيموا الصلوة واتوا الزكوة " ليست هي الا امتداد لإقامة الصلوة على بعضنا البعض لكن بشكل اجتماعي تحت مظلة الدولة!
أعرف أن كلامي للوهلة الأولى قد يبدو ضربا من الخلط وعدم الفهم، ولكن فقط اليوم – والله خير شاهد – توصلت لهذا المفهوم الجميل، الذي احترت فيه مرارا وتكرارا، باحثا عن مغزاه، بل ولم اكن ارغب في التعرض له في ابحاثي عن الصلوة، حتى ظننت بأن الله فتح عليّ، من خلال اشارات ومحاضرة الأستاذ الفاضل قصي فاخر الموسوي، والذي سأتكيء على بعض ما جاء به في محاضرته، التي ارفقت عنوانها أدناه.

فهل مفردة الصلوة تدل على شيئ غير الصلوة الموقوتة؟ بالطبع نعم، ورأينا أعلاه كيف هي الصلوة على الآخر!

لو جئنا بقوله تعالى : ( أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ * فَذَ‌ ٰلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌۭ لِّلْمُصَلِّينَ *  ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ *  ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ *  وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُون ) الماعون – 1:7
في الحديث عن الصلوة الموقوتة، جاء قول الله تعالى انها تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وهي أمور شخصية تخص من يصلي الصلوة الموقوتة لابد! أي هي مفردات اخلاقية تمس الفرد بشكل خاص،  ولا نرى في هذه السورة هذه الأمور بشكل خاص، بل نرى أن هذه السورة تتحدث عن علاقات اجتماعية بحتة، فما علاقة الساهون عن الصلوة بدعّ اليتيم وعدم الحضّ على طعام المسكين والمراءاة ومنع الماعون والتكذيب بالدين؟
بل كيف نربط الذي يكذب بالدين بالذين هم عن صلواتهم ساهون؟ فإما أن يكون هناك اختلاف أو عدم فهم منا لواقع السورة، وما تريد إبلاغه لنا! فهم مصلين ويمنعون الماعون، أما المراءاة، نعم، قد نقول انها  صفة قد تخفى على من حولهم من الناس، أما منع الماعون، والتنكيل باليتيم، وعدم اطعام المسكين، فتلك أمور لا تخفى عن البشر من حولنا، بل يستطيعون أن يشعروا بها من الذي يقوم بها، ومنه الحديث هنا ليس عن الصلوة الموقوتة بشكل مباشر، بل عن صلوة أخرى، ترتبط بالانفاق مباشرة وبالتزكية مباشرة وبمن حولنا من الناس مباشرة..

انها تتحدث عن الصلوة التي ترد في التركيبة او البناء الكامل الذي يقول " وأقيموا الصلوة وأتوا الزكوة" !

فكيف نفهم ماهية هذه الصلوة من كونها موقوتة صلة خاصة، أو صلة اجتماعية أو صلة عامة مطلقة ؟ فلنرتل بعض الايات، وبالنسبة لي الاية المفتاح التي تميّز هذا النوع من الصلوة هي في قوله تعالى :

( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۖ فَمَا ٱسْتَقَـٰمُوا۟ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُوا۟ لَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا۟ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا۟ فِيكُمْ إِلًّۭا وَلَا ذِمَّةًۭ ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَ‌ ٰهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَـٰسِقُونَ * ٱشْتَرَوْا۟ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًۭا قَلِيلًۭا فَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ * لَا يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلًّۭا وَلَا ذِمَّةًۭ ۚ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ * فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَ‌ ٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ ٱلْءَايَـٰتِ لِقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ * وَإِن نَّكَثُوٓا۟ أَيْمَـٰنَهُم مِّنۢ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا۟ فِى دِينِكُمْ فَقَـٰتِلُوٓا۟ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَآ أَيْمَـٰنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) التوبة – 7:12

وقبل البدء، أرجو قراءة الآيات بدقة متناهيه وكأنك تقرأها للمرة الأولى في حياتك ولم تسمع بكل قصص التراث الذي يناقض هذه الايات الرحيمة الجميلة التي تنهى في محصلتها عن اي اعتداء بل تنادي بالرحمة والصلح والأخوة واتباع سبل السلام بغض النظر عن عقيدة وإيمان الآخر!

فالمشركين هنا هم المشركين المعتدين، وليس فقط من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وهذا سنثبته في سياق تدبرنا وسنصل اليه بكل وضوح، فالكلام هنا عن السلوك الاجرامي وليس والايمان بالله واليوم الآخر القلبي!
فالله تعالى يستنكر أن يكون لمثل هؤلاء عهد لهم عنده وعند النبي الذي يدعو الى سبل السلام، ولكنه ينادي بأن نتقي الله فيهم ولا نعتدي عليهم ان عاهدونا بأن يكونوا مسالمين، فما استقاموا لنا نستقيم لهم، مع ملاحظتنا وفهمنا ان الله يحب المتقين الذين يتقونه فلا ينكثوا عهودهم، اي هو يذكرنا بأن نتقيه في عهدنا معهم ولا ننقضه ابدا طالما هم لم ينقضوه، ثم يصفهم، يصف طبيعة شركهم ، بكونه شرك يؤدي الى الاعتداء السلوكي فلا يرقبون فينا احدا ويصدون عن سبيل الله، الذي هو ماذا؟ سبيل السلام ! اذا اكبر مشكل فيهم انهم يصدون عن سبل السلام! ومنه ، اولئك هم المعتدون!

فمن الطبيعي أن كل من يصد عن سبيل السلام سيكون من المعتدين، وهنا يجب أن نتابع بكل دقة ، فالله تعالى يقول بعد ذلك ما نبحث عنه في بحثنا هذا، عن اقامة الصلوة وايتاء الزكوة، ( فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَ‌ ٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ) ، ولنلاحظ دقة التعبير، لم يقل الله تعالى، فإن أمنوا أو اهتدوا أو اسلموا أو اتبعوا رسالاته.. بل قال فإن تابوا عن اعتدائهم وتوقفوا عنه ورغبوا بالعيش بينكم بسلام فإخوانكم في الدين، وهنا مفردة الدين لها خصوصية مفردة "دين الملك" في قصص يوسف!
والذي يؤكد فهمي هذا، هو تتمة الآيات، فالآيات التي تتحدث عن نكثهم لأَيمانهم، اي انتهائهم عن السلام وعودتهم للاعتداء والصد عن سبل السلام، ومنه، نفهم بكل وضوح، أنه اثناء عهدهم معنا، ليس شرطا ان يؤمنوا بالله واليوم الآخر، فهم اصلا كانوا وما زالوا مشركين، وهناك فرصة لهم أن ينكثوا عهدهم، ولكن هناك مشرك مسالم ومشرك معتدي، فطالما هم مسالمين، لا يهمنا امر عقيدتهم، ونتركها لله، فلسنا عليهم بمسيطرين، طالما لم يتولوا ويعتدوا، فهم اخواننا في القانون الذي وضعه الله تعالى في كتابه الذي ينص على القسط والعدل والسلام والشورى، إخواننا في الدين، وليس في دين الله، فدين الله تعالى يشمل الكثير من الأمور، لكن في الدين، اي تحت مظلة القانون المسالم الذي يدعو الى سبل السلام، كما في سورة يوسف ( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ ۚ كَذَ‌ ٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍۢ مَّن نَّشَآءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌۭ) يوسف -76
فكيف أخذ اخاه في دين الملك؟ بأن أخذ اخاه ليعيش معه في ظل قوانين الدولة التي فرضها ذلك الملك!

أي ان هؤلاء المشركين، برغم عدم ايمانهم بالله او بسبب اشراكهم يبقون اخواننا في الدين تحت مظلة الدولة والنظام الذي نعيش كلانا فيه، والذي يُفترَضُ أن يدعو للسلم والسلام!

ويعزز هذا الفهم قوله تعالى :
( إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة – 277

فالآية هنا فصَلَتْ الإيمان وعمل الصالحات عن اقامة الصلوة وإيتاء الزكوة، فجائت منفردة لوحدها منفصلة عن قضية الإيمان تماما، فالمشرك يمكنه أن يقيم الصلوة ويؤتي الزكوة، ضمن هذا المفهوم الخاص الذي أطرحه هنا عن هذه المركّبة الفريدة في القرءان.
وايتاء الزكوة لن نتعرض له هنا، ولكن اللبيب سيفهم ان رتل الايات كلها انها تتعلق بالانفاق والصدقات وقد تتمثل اليوم في المجتمعات المتطورة بكونها الضريبة التي تفرضها الدولة على المواطنين، وهذا مقام آخر!
( وَٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرًّۭا وَعَلَانِيَةًۭ وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمْ عُقْبَى ٱلدَّارِ ) الرعد – 22
( وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ) الشورى- 25

ونفس الأمر نراه في سورة الحج، وأتركها لكم للتدبر، مع ملاحظة أنها كلها تتحدث عن قضايا اجتماعية بحتة وليس عقائديه!
( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا۟ ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا۟ مِن دِيَـٰرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّهُدِّمَتْ صَوَ‌ ٰمِعُ وَبِيَعٌۭ وَصَلَوَ‌ ٰتٌۭ وَمَسَـٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًۭا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ * ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا۟ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ)

الخلاصة : ان النوع الثاني من الصلوة هي الصلوة الاجتماعية المرتبطة بمجتمع ما، وهو النوع الذي ينادي بالالتزام الدائم بصلة وقوانين المجتمع تحت مظلة دين الدولة التي نعيش فيها، والتي بالطبع يُفترض أنّ أساسها السلام وعدم الاعتداء، اي اساس قوانينها التي تقوم عليها.


 

______________

الصلوة الموقوتة :
اما النوع الأخير من الصلوة فهو الصلوة الموقوتة، وتحدثت كثيرا عنها، بل هي عاية الابحاث هذه كلها، وسأقوم بتفصيلها في أخر بحث عن الصلوة لي باذن الله.
ولكنها تتميز عن النوعين السابقين، بكونها صلوة خاصة بين العبد وربه فقط، فهي الحبل الخاص بين الانسان وربه، والذي لا علاقة للاخري به، بل هو امر شخصي بحت، وله درجات وزلَف ، وله خصائص ومحددات وموانع وتخفيف وهيئات وآداب وأوقات محددة وفترة اقامة محددة أيضا!

______________

خلاصه :
- الصلوة العامة في الخلق كله:
أن الصلوة على، هي تعزيز العلاقات والصلات بين الناس والناس، وبين الناس والانبياء، وبين جميع البشر والله تعالى. فهي حبال من الله للناس، وحبال بين الناس بين بعضهم، وهي حبال السلام التي تقودنا الى النور بعيدا عن الظلمات والعدوان والظلم والبغي.

-الصلوة الاجتماعية المرتبطة بمجتمع ما:
 وهو النوع الذي ينادي بالالتزام الدائم بصلة وقوانين المجتمع تحت مظلة دين الدولة التي نعيش فيها، والتي بالطبع يُفترض أنّ أساسها السلام وعدم الاعتداء، اي اساس قوانينها التي تقوم عليها.

- الصلوة الشخصية الفردية : وهي الصلوة الموقوتة.

إنتهى.

والله المستعان

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم
* [1]- معنى الصلاة في النص القرآني- قصي فاخر الموسوي

https://www.youtube.com/watch?v=GPDKcZ4-Jz4

اجمالي القراءات 16712