الفصل الرابع : أثر التصوف في الذِكر فى مصر المملوكية
ج2 / ف 4 : فريضة ذكر الله جل وعلا فى الاسلام

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٠ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف 

الفصل الرابع : أثر التصوف في الذِكر فى مصر المملوكية

فريضة ذكر الله جل وعلا فى الاسلام :

أولا : معنى ذكر الله جل وعلا ، وتعلقات فريضة ذكر الله جل وعلا :

1 ـ  أى ذكره وحده جل وعلا  وحده جل وعلا بتعظيمه وتقديسه ، ولاشىء معه . وهذا يرفضه المشركون الذين يقدسون البشر ويذكرونهم مع الله جل وعلا كما يفعل المحمديون مع النبى محمد وغيره ، إذ كانوا لا يذكرون الله جل وعلا وحده بل لا بد أن يذكروا معه على سبيل التقديس أولياءهم وآلهتهم ، فإذا ذُكر الله جل وعلا وحده إشمأزّت قلوبهم ، بينما يستبشرون بذكر أوليائهم وآلهتهم . يقول جل وعلا :(  وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) الزمر ). وأعظم ذكر لله جل وعلا هو ما يأتى من القرآن الكريم ، كلام رب العالمين ، وليس من تقوّلات البشر وأهوائهم ، وكانت للجاهليين نصوص فى الذكر والدعاء يتمسكون بها فى ذكرهم لرب العزة ، ومن أجلها كانوا يرفضون ذكر الرحمن من خلال القرآن وحده ، لذا قال جل وعلا عن إعراضهم عن ذكر الرحمن من خلال القرآن الكريم وحده : ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) الاسراء ). ونفس الحال فى المساجد التى جعلوها شركة بين الله جل وعلا وآلهتهم وأوليائهم ، وليست لعبادة الله جل وعلا وحده ، وتقديسه وحده ، وحين قام عليه السلام ينكر هذا كادوا يفتكون به : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن ) .

هو ما يحدث فى أديان المحمديين الأرضية منذ العصر العباسى وحتى الآن ، لا يتخيلون ولا يتصورون أن يذكروا الله جل وعلا وحده ، ولا أن يعبدوه جل وعلا وحده . لا بد لهم من أولياء وآلهة تشارك الله جل وعلا فى حقوقه علينا من عبادة وتقديس وذكر وطاعة . ويوم القيامة ــ وهم فى النار ــ سيطلبون من رب العزة فرصة أخرى يخرجون بها من العذاب الأبدى فيقال لهم : ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) غافر ).

ولأن الذكر فى الاسلام هو لله جل وعلا وحده فإن معانى الذكر ومتعلقاته تأتى لتؤكّد أنه ( لا إله إلا الله )، إى إخلاص ( الذكر ) بكل معانيه وتعلقاته لله جل وعلا وحده بلا شريك من مخلوقاته ، سواء كان هذا المخلوق نبيا أو ملكا أو بشرا صالحا أو كافرا . لا ذكر لأى مخلوق بجانب الخالق جل وعلا فى أى من أنواع العبادة ، والذكر يتداخل فى كل العبادات كما يلى :

2 ـ جاء الذكر بمعنى :

2 / 1 :االدعوة للإسلام في قوله تعالى :( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)  الغاشية ) ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى (9) الأعلى )  ، ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذاريات 55)

2 / 2 ــ وجاء الذكر بمعنى القرآن :في قوله سبحانه و تعالى : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف") ،( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)  ق45) ، ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص ) ، ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل )  (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50)  الأنبياء ) (أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)  ص ) ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) ص )  ،( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) يس ) (  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ )( القمر 17 ، 22 ، 32 ، 40 )،(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )(23) الزمر )

 2 / 3  ـ وجاء ( ذكر) الله جل وعلا فيما يخص العبادة والشعائر فى المساجد من صلاة وأذان وتسبيح والتى يجب أن تكون خالصة لله جل وعلا وحده : ( وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) الجن ) . (  فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) النور37). (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة 114 )  ولهذا فإن الجهاد الاسلامى له هدف أسمى هو حصانة بيوت العبادة للجميع من مساجد وغيرها ، يقول جل وعلا : (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج   )  ،

2 / 4 : وجاء ( ذكر ) الله جل وعلا فى الصلاة عموما :(  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) طه )، ،وفى صلاة الجمعة خصوصا : ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) (9)  الجمعة)  وقد تحولت صلاة الجمعة من العهد الأموى من الاقتصار على ذكر الله جل وحده الى خدمة السلطان القائم والدعاء له والدعاء على خصومه.

2 / 5 ــ  وفي الحج : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ )(28) الحج ) ،(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ (198)  (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) البقرة ).  

2 / 6 ــ  وفي الذبائح: ( فَكُلُوامِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) المائدة 4 )، ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (121) الأنعام ) ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ)(36) الحج )

2 / 7 ــ وفي القتال الدفاعى فى سبيل الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) الأنفال 45) ..

2 / 8 ــ وفى الذكر العادى باللسان والقلب، وهو الذى يُعرضُ عنه المشركون الذى لا يذكرون الله جل وعلا وحده ، وبالتالى فهم بذكر الرحمن كافرون : ( وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) الانبياء ) وعنه ذكره جل وعلا معرضون :( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) الأنبياء )، وينسون ذكر الله جل وعلا ويكون مصيرهم النار حيث يتبرأ منهم من إتخذوهم أولياء : (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) الفرقان )

2 / 9 : ــ وهناك الذكر المنفرد بعد صلاة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) الجمعة ) وبعد صلاة الخوف  (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً (103) النساء )( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) ) البقرة )

 2/ 10 ـ  ويرتبط الذكر بالتسبيح والدعاء في قوله جل وعلا  : ( كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34)  طه  ). ولفريضة التسبيح أوقات فى الصباح وبالليل : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (55) غافر ) (  وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41) آ ل عمران ) ،

2 / 11 ـ كما يرتبط بنعم الله تعالى : (أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً (67)  مريم ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) فاطر) (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ (198) البقرة ) .

 2 / 12 ــ  كما يرتبط الذكر بالتفكر في عظمة الخالق جل وعلا ، وهذا هو ما يفعله المؤمنون ( أولو الألباب  (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (269) البقرة ) (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) آل عمران ) (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (19) الرعد  )( وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52)ابراهيم ). ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9) الزمر ). 

 ووقت التفكر فى عظمة رب العزة مفتوح فى أى وقت وفى أى وضع :( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران )

 

ثانيا : تشريع الذكر فى الاسلام:

1 ـ جاء الأمر بذكر الله جل وعلا كثيرا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) الاحزاب ) ووُصف المؤمنون والمؤمنات بالاكثار من ذكر الله جل وعلا كثيرا ( الاحزاب 35 )(الشعراء 227 ) وليس هنا أروع من قوله جل وعلا : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) (24) الكهف ).و شرحها يطول .

2 ــ وفيما عدا الفرائض فليس هناك وقت محدد للذكر ،ولكن هناك أوقات مفضلة للذكر أن يبدأ المؤمن يومه بذكر ربه جل وعلا ، ويُنهى يومه بذكر ربه جل وعلا : ( واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشى والإبكار) ( آل عمران 41) ( وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) الإنسان )( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (11) مريم ).( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)الأحزاب )( وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9)الفتح ).

المؤمن الذى يبغى الدرجة العليا مقتديا بخاتم النبيين عليهم جميعا السلام ــ يقرن الصبر على الأذى فى جهاده ودعوته للحق مع استمرار التسبيح والحمد لرب العزة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وفى آناء الليل وأطراف النهار ، فهذه هى أوامر  رب العزة جل وعلا : ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه ) (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)  ق )( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) الطور ).

 

تشريع كيفية الذكر : بالتضرع والخوف والخفية وعدم الجهر بالقول

1 ــ ولأن الذكر عبادة كان لابد من تشريع لها ليجعله كالصلاة في خشوعها: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) المؤمنون ). يقول جل وعلا عن التبتل والخشوع فى ذكر الله جل وعلا : (وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) المزمل  ) . والمؤمن الذاكر الله يتحرك قلبه خشوعا لله وخوفا إذا تذكر ذنوبه وعذاب الله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال )(وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)  الحج ) .ثم إذا تذكر عفو الله اطمأن قلبه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)  الرعد) " ويقول تعالى عن حالتي الخوف والإطمئنان: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) )الزمر )

2 ـ والدعاء ضمن الذكر ، وهنا مفروض أن يقترن الدعاء بالصوت الخفى :( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3)  مريم ) ، وبالخشوع والتضرع، وإذن لا مجال في ذكر الله لرفع الصوت أو اللهو. وقد تحددت طريقة الذكر في قوله تعالى:( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205) الاعراف ) . وخشوع الذاكر قد يجعله يخر لله  ساجداً حين يسمع القرآن ذكر الله : (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58)  مريم )،( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة) . والدعاء بلا تضرع يكون إعتداءا على مقام رب العزة وسخرية منه جل وعلا ، يقول تعالى :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الاعراف )  فالذي يرفع صوته أو يتغنى في دعائه قد اعتدى وطغى.وهو نفس الحال فى الاستماع الى ذكر الله ، والى القرآن : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال ) ،(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) آلأعراف ) .

ثالثا : التقوى هى الهدف من ذكر الله جل وعلا

التقوى هى الهدف لكل العبادات الاسلامية : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة ) ومنها الصلاة ، وهذا هو معنى إقامة الصلاة والهدف من ذكر الله جل وعلا بإعتباره أكبر ما يُعين على تجنب الفحشاء والمنكر :( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت )  

والذكر بهذا الشكل الإسلامي فرض يحض على الطاعات ومداومتها ويزكي النفس: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) الاعلى   )  فهذا الذى يتزكى ويتطهر بذكر الله جل وعلا يمنعه ذكر الله جل وعلا من الوقوع فى المعصية ، إذ يجتنب المعاصي إذا تذكر ربه : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)الاعراف )فإذا وقع فيها ذكر ربه فتاب واستغفر وأناب وعزم على ألا يعود للمعصية ، وهذه أيضا من صفات المتقين الذاكرين للرحمن جل وعلا :  (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران )

رابعا : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )

إذا ذكرت الله جل وعلا ذكرك الله جل وعلا .أى ( أذكركم ) بالعون فى الدنيا والجنة فى الآخرة

بالعون فى الدنيا : وهذا وعد الاهى من الذى لا يخلف الوعد ولا يخلف الميعاد . يقول جل وعلا : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) البقرة ). بعدها يأتى الأمر بأن نستعين على كل شىء بالصبر والصلاة ليكون الله جل وعلا معنا لأنه جل وعلا مع الصابرين :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة ) . وإذا كان قيوم السماوات والأرض معك أيها الصابر الذّاكر المتقى فلن تهاب أحدا من الخلق .

وحدث أن كان فرعون يحتكر كل أسباب القوة ويستخدمها ضد موسى وهارون وقومها المستضعفين . وبسبب التطرف الفرعونى فى الاضطهاد فقد إنفض معظم قوم موسى عنه رُعبا من الارهاب الفرعونى . فجاء الأمر الالهى لموسى وهارون بالصلاة فى بيوت سرية والتمسك بالصبر والصلاة والدعاء على فرعون . واستعان موسى وهارون ومن ثبت معهما من قومهما بالصبر والصلاة ، فتحقق وعد الله جل وعلا وأهلك فرعون ودولته ( يونس 83 : 93 ) . وتكرر هذا الأمر لبنى إسرائيل وأهل الكتاب فى القرآن الكريم فى خطاب مباشر لهم : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة ) كما قال جل وعلا لأهل القرآن فى نفس السورة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة ) .

هذا فى الدنيا .  والله جل وعلا يذكر الذاكرين بالجنة فى الآخرة . وهو الفوز الأعظم .

هذا هو ذكر الله جل وعلا فى شريعة الاسلام وعقيدته . ولكن تحوّل ذكر الله جل وعلا عند المحمديين الى النقيض تماما . تحول الى لهو ولعب ومناسبات دينية للفحشاء والمنكر ، وتميز الصوفية فى مصر المملوكية بهذا الأفك .  

اجمالي القراءات 8705