الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى ( 2 من 4 )
السيسى وفرعون موسى : العلو الذى يصل الى التأليه : ( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٦ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

العلو فى الأرض يعنى التأليه صراحة أو ضمنا :

لا زلنا نتدبر قوله جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) .

1 ــ إن صاحب الحق الوحيد فى ( العلو ) هو الخالق رب العزة جل و ( علا ). فمن أسمائه جل و ( علا ) : (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) الرعد) .  هو وحده المستحق للتسبيح لأنه الذى له وحده حق ( التعالى ) على مخلوقاته ، لذا نقول ( سبحانه وتعالى ) ويتكرر قوله (جل وعلا):( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ، يونس 18) الروم40 الزمر 67 ) (سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) القصص )( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الانعام ). وبالتالى فمن يزعم العلو فى الأرض إنما يُنازع رب العزة جل و ( علا ) فى صفة من صفاته .

2 ـ النبى محمد عليه السلام لم يكن متعاليا وهو قائد دولة المدينة ، ولم يكن فظّا غليظ القلب ، بل كان يتعرض لأذى المنافقين ويصبر وينزل الدفاع عنه من رب العالمين فى القرآن الكريم ( التوبة 61 ) ووصل إيذاء المنافقين له الى وصفه عليه السلام بالأذل والتهديد بطرده من المدينة ( المنافقون 8 )، وكان لا يردّ على الأذى بل يصبر الى أن ينزل رب العزة آيات يردّ عنه . ولقد توعّد رب العزة جل وعلا من يؤذى الله ورسوله باللعن والعذاب المهين ( الأحزاب 57 ) ، وحذر المؤمنين فى المدينة من إيذاء النبى كما كانت بنواسرائيل يؤذون موسى ( الأحزاب 69 ).

3 ــ المستفاد من هنا تأكيد الاسلام على تشريع المساواة بين البشر فى حقوقهم السياسية ، فهذا خاتم النبيين القائد لدولة يتعرض لنقد يبلغ السّب والإهانة ، وهو عليه السلام يصبر ولا يستخدم مكانته (أو سلطته ) فى القصاص أو عقوبة منتقديه. ولوفعل ما إعترض عليه أحد  ، وهو ــ طبقا لتشريع الاسلام ــ لا يملك مصادرة حقهم فى الاعتراض السياسى أو فى تنظيم مظاهرات ضد الاسلام نفسه تسير فيها جماعات المنافقين والمنافقات فى شوارع المدينة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف . الرد الوحيد هو قيام مظاهرات من المؤمنين والمؤمنات تأمر بالمعروف وتهى عن المنكر ( التوبة 67 ـــ ).

4 ـ محمد عليه السلام خاتم رسل الله جل وعلا لم ( يعلُ ) برأسه على الآخرين لأن ( العلو ) حق لله جل (وعلا ) وحده .ومن يسعى للعلو فى الأرض أو يصل الى الحكم مستبدا عاليا فى الأرض إنما يرفع نفسه فوق مكانة النبى محمد عليه السلام ، أى يرفع نفسه الى مرتبة الألوهية ، لأن البشر كلهم متساوون فى البشرية وفى العبودية لرب العزة .  ولذا إرتبط علو فرعون وإستعلاؤه بزعم الالوهية ، وأعلن هذا فى مؤتمر حشر وحشد له الناس : (  فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات). 

كان فرعون موسى مُغرما بعقد المؤتمرات يحشد فيها أتباعه ، وينادى فيهم بما يقول معبرا عن ربوبيته العليا للمصريين : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات ) . وفى مؤتمر آخر أعلن انه لا إله لهم غيره وأمر هامان أن يبنى له صرحا لكى يرى إله موسى متهما موسى بالكذب : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص ) وفى واحد من مؤتمراته كان يتكلم فيها ساخرا بموسى معبرا عن ملكيته لمصر بما فيها : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)الزخرف ) .والمطبلاتية  كانوا يهللون له ، مهما إستخف بعقولهم ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) الزخرف ). ولا يزال نفس المطبلاتية حتى اليوم يصاحبون كل فرعون ، يتراقصون فى موكبه سواء كانوا من رجال الدين أو من غلمان الاعلام . وخلال عدة أشهر من حكمه أصبحت عادة للسيسى أن يعقد المؤتمرات متلاعبا بالكلمات الناعمة للمصريين ويرقص له فى دولته خصيان الإعلام الذين كانوا من قبل يهتفون لمبارك .  

5 ـ من ينتقد رب العزة جل وعلا يكون كافرا ، لأنه جل وعلا المستحق وحده للثناء والحمد والتسبيح والتمجيد : (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) الاسراء ).

المستبد الذى ( يعلو ) فى الأرض منافسا لرب العزة يتحكم فى الاعلام ويجعله آلة تسبح بحمده . قام الاعلام المصرى بواجبه فى إنتقاد الرئيس الإخوانى مرسى فتسبب فى سقوطه ، وجاء السيسى ممثلا للدولة العميقة ، وأول ما فعله هو السيطرة على الاعلام ومطاردة الاعلاميين الأحرار ، فأصبح الاعلام المصرى خلال أقل من عام عارا لا يعرف سوى التسبيح للسيسى . السيسى بهذا يرفع نفسه فوق خاتم النبيين الذى لم يكن عاليا فى الأرض ، وكان خصومه يتطرفون فى إنتقاده ويصبر عليهم رحمة بهم . إذا كان السيسى يفعل هذا ولم يُكمل عاما فى الحكم فماذا سيفعل فى المستقبل ؟ .

من اسف فإن السيسى ـ حتى الآن ـ وهو لم يكمل عاما فى الحكم يسير على سُنّة فرعون موسى فى الاستبداد السياسى . كان فرعون موسى يرى نفسه وحده صاحب الرأى الصواب حتى لو أمر بقتل موسى : ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر ) ـ  ومن يُعارض فرعون يكون مصيره القتل والتعذيب الشديد كما حدث للسحرة (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) طه ) . جريمة السحرة أنهم آمنوا دون أن يستأذنوا فرعون ، كما لو كان فرعون يملك قلوبهم.

السيسى يجتهد فى ملاحقة المخالفين له فى الرأى بالسجن والتعذيب والقتل . والسيسى يطارد خصومه السياسيين بقوانين يكتبها له الخدم من أتباعه ، ويُصيغونها فى صياغة هُلامية مطاطة ، يمكن تطبيقها على النبى محمد عليه السلام نفسه ، لو كان يعيش فى دولة السيسى . شىء مُقزّز ومُقرف ومُؤسف أن ينفرد شخص واحد بالتحكم فى 80 مليونا من المصريين ، ويُطارد منتقديه بأجهزته العسكرية والأمنية والقانونية والقضائية ، بحيث صارت أحكام القضاء المصرى فى خلال عدة أشهر من حُكم السيسى عارا على الحضارة الانسانية .!!. ومع هذا يقول أحد خدم السيسى من القضاة إنهم أسياد البلد .!!

6ــ إن الله جل وعلا وحده هو الذى لا يُسألُ عما يفعل ، ومن عداه فهم مساءلون: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ) . يقول جل وعلا بعدها لخدم وطواشية المستبد : (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) الأنبياء )

هل سيسير السيسى على دأب فرعون الى أن يقول  :( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )

1 ــ خلال هذه الأشهر القليلة من حكمه أكثر السيسى من عقد المؤتمرات لقومه سيرا على ( دأب فرعون ) أو سُنّة فرعون . وتميز بخطاب دينى يقول فيها لفلان ( ربنا بيحبك ) ويقول لآخرين إنه سيحاججهم أمام الله جل وعلا يوم القيامة . يتصور السيسى بهذا أن له حظوة عند الله جل وعلا بحيث يشكو الآخرين ، ولا يشكوه الآخرون . لو كان يؤمن فعلا باليوم الآخر لأختلفت سياسته بل وإختلف التاريخ الحالى لمصر والشرق الأوسط بسبب موقع مصر وريادتها . لو كان يؤمن فعلا باليوم الآخر لتخيل ضحاياه من القتلى والمساجين والجوعى والمُعذبين يشكونه لرب العزة جل وعلا يوم الدين . بالتأكيد هو لا يرى هذا ، وبالتأكيد هو لا يؤمن بهذا ، لأنه ــ كما قلنا ـ لو آمن باليوم الآخر لكان شخصا آخر غير الذى نعرفه .

2 ــ إن اليوم الآخر هو يوم ( التغابن ) أى رفع الغبن والظلم الذى يقع على المظلومين . إن الله جل وعلا لا يريد ظلما للناس ( آل عمران 108 ) ( غافر 31 ) ، وتكرر فى القرآن الكريم أن الله جل وعلا لا يحب القوم الظالمين ويجعل الكافرين هم الظالمين . ويوم الحساب سيكون بالعدل المطلق بالقسط المطلق : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء ). وفيه سينجو ويكون آمنا من عاش دنياه مؤمنا لم يخلط إيمانه بظلم ( الانعام  82) وخاب خسر من حمل ظلما ( طه 111 ). ولكن الله جل وعلا وضع البشر فى هذه الدنيا فى محنة الاختيار والاختبار . منحهم حرية الايمان والكفر والطاعة والمعصية ، ثم هم اليه راجعون ليحاسبهم يوم الدين بالعدل المطلق ، حيث ينتصف فيه المظلومون من الظالمين .

الذى يؤمن باليوم الآخر يتحسب لهذا ، ويحرص أن يخرج من إختبار الدنيا دون أن يظلم فردا ،  فماذا بمن يظلم شعبا  ؟ ثم ماذا إذا كان يمارس هذا الظلم ويتحدث عن رب العزة كما لو كان الناطق باسمه ، وكما لو كان هو الذى سيتهم الآخرين دون أن يتهمه الآخرون ؟ . إرتكب السيسى هذا الاستهزاء برب العزة مٌصطنعا الإستظراف المصرى الذى تميز به فرعون موسى حين كان يسخر بموسى فى مؤتمراته العلنية . خلال عدة أشهر فقط  فعل هذا .  فماذا سيفعل لو ظل فى الحكم ثلاثين عاما مثل مبارك ؟.

3 ــ لا نتصور أن يجرؤ السيسى على أن يقول صراحة ما قاله فرعون موسى فى زعم الالوهية المطلقة والربوبية العليا . ولكنه بخطابه الدينى السلفى هذا مُرشّح أن يكون مثل بقية الحكام المتألهين الذين تشقى بهم هذه المنطقة ، والذين أوصلوها للخراب .لا يوجد خراب فى العالم اليوم إلا فى بلاد المحمديين ..

ولكن يبقى الفارق الأساس بين السيىسى وفرعون موسى : التوبة . التفصيل فى المقال القادم .

اجمالي القراءات 12046