الرسول لن يقف يوم القيامة شفيعا للخطاءين من أمته
الشفاعة ما لها وما عليها

محمد خليفة في الثلاثاء ٠٣ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الشفاعة

مقدمة  :

الشفاعة هي الأمل الذي نتطلع إليه ونرى فيه النجاة من العذاب، والتي نأمل أن تجري لنا يوم القيامة، فكلنا خطاء، وكلنا أخطاء، وكلنا خاطئين، وكلنا مخطئين.

وقد تصور البعض أن الشفاعة المرجوة سوف تأتي من الرسول عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم - أو هكذا صـُوِّر لنا -  وأنه سوف يقف شفيعا لأمته، أو على التحديد للخطـَّاءين من أمته، لكن هذا هو  تصور المتواكلين والقدريين، فهم يركنون إلى حتمية وقوع الشفاعة من الرسول ، ويرتعون في انتهاب المعاصي، مطمأنين إلى أنهم سيردون الجنة، بعد أن تمحى عنهم ذنوبهم بشفاعة الرسول.

لكن الحق أشار إلى غير ذلك المعنى في الكثير من آيات الذكر الحكيم

017054  { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

              (54) } الإسراء

كما أشار في كثير من الآيات إلى أن الشفاعة لن تتم إلا  بإذن منه، لذا وفصلا في هذه القضية آثرنا عمل دراسة تفصيلية لاشتقاقات واستخدامات الجِذر ( شـ . فـ . ع ) ، وسوف نورد هنا الجزء الذي يهمنا منها.

 

أولا  : بيانات عامة للجِذر ( شـ . فـ . ع )

جذور حرف الشين تقع في الصفحات 375 - 384 – 398

الجِذر ( شـ . فـ . ع ) ترتيبه ( 30 / 60 ) من جذور حرف الشين

ثانيا  : بيانات الجِذر ( شـ . فـ . ع )

الجِذر ( شـ . فـ . ع ) له (11) اشتقاق، وله (31) استخدام

                           وظهر في (26) آية،  وفي (19) سورة

ثالثا  :  اشتقاقات الجِذر ( شـ . فـ . ع )

 

1.   يَشْفَعُ   (3)    002255   &  004085     &  004085 

2.      فَيَشْفَعُ            007053

3.      يَشْفَعُونَ         021028 

4.      شَافِعِينَ  (2)    026100  074048 

5.      شَفِيعٌ    (5)   006051006070  &  010003  & 032004  & 040018

6.      شُفَعَاءَ   (3)    007053  & 030013  &  039043 

7.        شُفَعَاءَكُمُ      006094 

8.      شُفَعَاؤُنَا         010018 

9.      شَفَاعَةٌ(11)   002048   & 002123   & 002254  &  004085  & 004085 

                   &   019087   & 020109   & 034023  & 039044  & 043086

                   &   074048 

10.  شَفَاعَتُهُمْ  (2)  036023  & 053026 

11.   الشَّفْعِ            089003 

 

رابعا  : المعاني المشتركة.

المعنى المشترك  (1)  :  الإذن بالشفاعة، وله (5) استخدام

002255  {  اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِييَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) } البقرة

010003  { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) } يونس

020109  { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) } طه

021028  { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) } الأنبياء

034023  {  وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) } سبأ

 

المعنى المشترك  (2)  :  تمني الشفاعة أو أن يكون هناك شفيع، وله (3) استخدام

007053  { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) } الأعراف

007053  { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) } الأعراف

010018  { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِشُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) } يونس

 

المعنى المشترك  (3)  :  نفي قبول الشفاعة، وله (19) استخدام

002048  { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } البقرة

002123  { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) } البقرة

002254  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَاشَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) } البقرة

006051  { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) } الأنعام

006070  { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) } الأنعام

010003  { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) } يونس

019087  { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) } مريم

020109  { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) } طه

026100  { وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) } الشعراء

030013  { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) } الروم

032004  { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَاشَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) } السجدة

034023  {  وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) } سبأ

036023   {  أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) } يس

039044  { قُلْ لِلَّهِالشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) } الزمر

040018  { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) } غافر

043086  { وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) } الزخرف

053026  {  وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) } النجم

074048  {  وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } المدثر

074048  {  وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } المدثر

 

المعنى المشترك  (4)  :  التساؤل عن الشفاعة، وله (3) استخدام

006094  { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) } الأنعام

039043  { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) } الزمر

039044  { قُلْ لِلَّهِالشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) } الزمر

 

المعنى المشترك  (5)  :  الشفاعة في الدنيا، وله (4) استخدام في آية واحدة

004085  { مَنْيَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) } النساء

 

المعنى المشترك  (6)  :  الشفع بمعنى الازدواج، وله (1) استخدام

089003  { وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) } الفجر

 

النتائج المستنتجة والتعريفات

التعريف الأول  :  الشفع

الشفع وهو اسم مشتق من الجِذر (شـ . فـ . ع )، وقد تفرد بالظهور في سورة الفجر

089003  { وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) } الفجر

 

وأعقب ظهوره في الآية الكريمة لفظة  " ...وَالْوَتْرِ"  ، وذهب الفقهاء إلى أنه في ذلك إشارة إلى نوافل ختام صلاة الليل بركعتين وسميتا الشفع، ثم ركعة واحدة وسميت الوتر، وقد قصر العلماء الفهم على هذين المعنيين، وهذا مما يجافي الأصل في معاني الأشياء، فالشفع هو الازدواج أو الظهور كأزواج عددية، أو العد اثنتين ثم مضاعفات الاثنتين، بمعنى أن تعد ( 2، ثم 4، ثم 6، ثم 8 ....وهكذا )، فهذا هو عدُّ الشفع.

أما الوتر فهو يشير إلى الفردية في العد فالواحد فردي، والثلاثة فردي، والخمسة فردي، والسبعة فردي  وهكذا، فذلكم هو عدُّ الوتر.

وقد استخدمت هذه الإشارات الرقمية البسيطة في إثبات الإحكام العددي والإحصائي والرياضي للقرآن الكريم[1].

 

التعريف الثاني  :  الشفاعة

الشفاعة هو أن يأذن الله لعبد من عباده، أن يعمل عملا صالحا، يبتغي به وجه الله، فيؤجر عليه أجرا يدخر له جزاء هذا الأجر إلى يوم القيامة، حيث يشفع ثواب هذا الأجر في رفع بعض من ذنوب الآثام التي قد يكون قد ارتكبها نفس العبد في حياته الدنيا، فالشفاعة بذلك تكون إجراءً جزائياً لما سبق وقدمه العبد من الأعمال الصالحة في حياته الدنيوية، وذلك بعد أن يأذن الله له بذلك، وذلك معنى      ".. مَنْ ذَا الَّذِييَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ .." ،

 

فالإذن هو إذن من الله دنيوي بالعمل الصالح يرى نتاجه من بعد إذن الله في اليوم الآخر، وهو ليس بحال المعنى الذي تنادى به الفقهاء بأن الرسول عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم سيقف يوم القيامة شفيعا للخطاءين من أمته..!! ، لأن ذلك يعني ببساطة أن يركن العبد إلى ذلك بل ويتصور أن مجرد نطق الشهادتين ودخوله الحلقي - أي المنطوق من الحلق وليس تعبيرا عن مكنون الفؤاد - في معية المسلمين، فهذا النطق يكفل له الجنة ونعامها مهما بلغت معاصيه.

 

أيضا مثل هذا القول يبدو بعيدا عن المنطق، فهو يعني ببساطة أن الرسول يجب عليه أن يحضر حساب أي من أمته يوم المشهد العظيم، لكي يبادر بالشفاعة لمن يحتاجها، ومثل هذا الإجراء لم تتم الإشارة إليه في أيِّ من آي القرآن.

 

أيضا ولكون الرسول بشر، فهو محجوب عنه الغيب إلا ما شاء الله، فمن غير المعقول أن يطلعه الله على كتب خلقه وأعمالهم المسجلة عليهم، حتى يمنح الشفاعة لمن يحتاجها.

 

ونعود للتأكيد على أن الشفاعة هو مدخر ذاتي يقوم به العبد فيمن أذن له الرحمن في دنياه من الأعمال الصالحة، ليمحو بها بعضا من أخطاءه في الدنيا، هذا إن شملته رحمة الله وارتضت له هذه المقاصة.   

 

التعريف الثالث  :  العمل الصالح

هو تعظيم استخدام الإمكانيات المتاحة في البيئة المحيطة في المجتمع، لتعف النفس ودفع الحاجة عنها وعن الآخرين، وكذا تقديم ما يسهل لهم الحركة في الحياة بسهولة ويسر، ولجلب شعور الراحة والسعادة للنفس وللأهل والبلدة بل وللعالم أجمع.

 

ملحوظة مهمة  :

العمل الصالح يختلف عن صالح الأعمال أو عن تأدية الشعائر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، ذلك لأن الذي يؤديها يوصف بالصلاح، لكنها لا تقع تحت مظلة العمل الصالح والذي تمت الإشارة إليه آنفا، وتصديقا لمثل هذا القول فلنتدبر كلمات الآية الكريمة

002277  {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) } البقرة

 

فقد فصل الحق عمل الصالحات عن تأدية الشعائر، بل قدَّم عمل الصالحات على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهما يمثلان بحق أهم ركنين في الشعائر، وبذلك حدد الحق أن الفريضة الأولى بعد الإيمان هو العمل الصالح وليست أبدا الصلاة كما هو مشاع.

إذاً.. لا يقولن قائل أو لا يدعي مدعٍ أن أداء الشعائر هو من قبيل العمل الصالح.

 

التعريف الرابع  :  الباقيات الصالحات

تمت الإشارة إلى مصطلح الباقيات الصالحات مرتان في كتاب الله

018046  { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) } الكهف

019076  {  وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) } مريم

 

وكلاهما أعقب الحق بعدهما أن خير الثواب وخير المَرَدْ هو في الإتيان أو ممارسة أو تفعيل معاني الباقيات الصالحات حيث يبدو جليا أنها أعمال صالحة تبقى ثمرتها حتى بعد انتقال المرء إلى الرفيق الأعلى .

وفي رواية منسوبة إلى رسول الله عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم تشير إلى ثلاث من نتاجها الباقيات الصالحات (الصدقة الجارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ).

 

 وكذلك من الباقيات الصالحات أن يقوم المرء بالإحسان إلى الآخرين بواحد من مقامات الإحسان أو بها كلها ( إحسان التطوع، إحسان التفضل، إحسان الإتقان ) فيدعو الناس الذين وقع عليهم الإحسان من هذا العبد له، بأن يجازيه الله خير الجزاء، فيدخر ثواب هذا الدعاء له في الباقيات الصالحات، ويكون في هذا الثواب  شفيعا له يوم القيامة، أو أن يأذن الله لمن وقع عليهم العمل الطيب، أو تم الإحسان إليهم أن يستدعوا إلى الشفاعة لمن جاء منه هذا العمل أو صدر منه الإحسان، فكلنا سوف يأتي شافعا ومشفع له.

 

أيضا ذكرالحق  في كتابه الكريم أن الملائكة تستغفر لبعض خلق الله وتدعو لهم

040007  { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) } غافر

042005  { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) } الشورى

 

وأيضا أشار الحق إلى استغفار الصالحين للآخرين

003159  { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) } آل عمران

009080  { اسْتَغْفِرْ لَهُمْأَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) } التوبة

012097  { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) } يوسف

024062{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) }

النور

048011  {  سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)  } الفتح

 060012  { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) } الممتحنة

 

ومثل هذا الاستغفار من الآخرين، هو بمثابة دعاء لهم بظاهر الغيب، ولسوف يدخر لهم كشفيع لهم في يوم الموقف العظيم.

 

وقد يستلزم  الأمر أثناء عرض الأعمال في يوم الحساب، أن تظهر الحاجة إلى شفاعة بعض الشافعين مما تكون للمرء الذي يحاسب بعض الأيادي البيضاء عليهم، وهناك الكثير من الأمثلة تعسر عن الحصر، فكم من مريض زاره لعيادته في الدنيا، وخففت عن هذا  المريض بعضا من آلامه،أو منحه بعض الأمل، فشكر الله له، ويتم استدعاء هذا المريض ليدلي بشفاعته.

 

وكم من محتاج منعه حياءه من صريح السؤال، فمد له يد المعونة دون أن يسأله المقابل، ألا يحق له أن يقول في حقه بعض الكلمات الشافعات.

 

بل تأتي يد المساعدة للكلّْ والمعتل من أصحاب العلل وغير القادرين كشافعين له، فقد يأذن الله لهم بتقديم شفاعتهم.

 

ناهيك عن بر الوالدين، خاصة عندما يصلوا إلى أراذل العمر، وقد أحسن برهما فيشفعان له من بعد إذن الله بتلك الشفاعة.

 

نخلص من هذه الأمثلة التي سقناها على سبيل المثال لا الحصر أننا كلنا نحن البشر نأتي يوم القيامة شافعين للآخرين  ومشفـَّع لنا من الآخرين، هذا من بعد إذن الله.

 

هذا عن البشر ذلك لأن الحق قال      ".. مَنْ ذَا الَّذِييَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ .."

وظهور الأداة  " مَنْ " في متن الآية يشير إلى شفاعة العاقل من البشر والملائكة، فما بالك بالحنو على المخلوقات غير العاقلة من الحيوانات والطيور، فإن لنا في كل كبد رطبة أجرا، وقد يأتي بها الإحسان إليها  يوم القيامة كشافعين للمرء.

 

هكذا نرى أن الشفاعة لابد وأن تأتي من المعاصرين للمرء والمحيطين به والمتعاملين معه، بعد أن يأذن الله للمرء أن يقدم لهم بعض العمل الصالح، أو الإحسان إليهم، وهنا سوف تتوجب عليهم الشفاعة له من بعد إذن الله بذلك.

 

التعريف الخامس  :  المفلس

في رواية منسوبة إلى رسول الله أنه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم سأل أصحابه يوما [ أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس من لا درهم لديه ولا دينار، قال لا إنما المفلس من أتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج، وقد سب هذا واغتاب هذا فيؤخذ من حسناته ويضاف إلى حسناتهم، فإذا فرغت حسناته، أُخذ من ذنوبهم وكبت على ذنوبه، ذالكم هو المفلس ذالكم هو المفلس].

وهذه الرواية تشير إلى حقيقتين  :

الحقيقة الأولى  : أن مستويات الحساب تنقسم إلى ثلاثة مستويات  :

المستوى الأول   :  هو المرء الذي يحاسب آنياً.

المستوى الثاني  :  الآباء وإن علو، ومن في مستواهم، من الآخرين.، الذين عاصروه.

 المستوى الثالث  :  الأبناء والأحفاد وإن نزل، ومن على شاكلتهم، من المعاصرين له.

وهذا يعنى أن يحاسب هذه المستويات جميعا في وقت واحد، لأن هناك ثمة حقوق سوف تجرى مقاصاتها بينهم.

 

فإذا انتقلنا إلى المستوى الثاني وهو مستوى الآباء والأجداد وهو بدوره في الحساب سوف ينقسم إلى ذات الأقسام الثلاثة، وبنفس المنطق سينقسم الحساب في المستوى الثالث وهو مستوى الأولاد والأحفاد إلى ذات الأقسام الثلاثة، وهكذا إذا تتابع الصعود والهبوط فإن ذلك يعني أن جميع الخلائق سوف تحاسب جميعا في ذات الوقت، تحقيقا للعدل الإلهي في استيفاء الحقوق.

 

الحقيقة الثانية  : أن الإشارة إلى التزامن في يوم القيامة، ورد في كتاب الله على النحو التالي

070004  { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) } المعارج       

 

فالإشارة إلى زمن يوم القيامة في هذه الآيات تقول بأنه يستغرق خمسون ألف سنة، ولم يردف الحق بعدها بأنها مما تعدون، وذلك مثلما ورد في الآيات الكريمات

022047  { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) } الحج

032005  { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) } السجدة

 

 

ملحوظة مهمة  :

أجرى الدكتور منصور محمد حسب النبي  في كتابه ( الإشارات القرآنية للسرعة العظمى والنسبية ) أستاذ الفيزياء بجامعة عين شمس حساباته على السنة القمرية الأرضية، ليحسب سرعة تحرك الأمر الإلهي، اعتمادا على طول المدار القمري، ثم حسب المسافة التي يمكن أن يكون قد تحركها القمر في ألف سنة، ثم وبمعامل تصحيح نجمي - أي أنه اختار نجما هو أقرب النجوم إلينا - وحسب السرعات والمسافات النسبية بالنسبة لهذا النجم، لأنه لابد من وجود ثابت مقياسي ننسب إليه ذلك لأن كلا من الأرض والقمر يتحركان في الفضاء في ذات الوقت، فوجد أن هذه الإشارة الزمنية الواردة في الآيات الكريمة تطابق تماما سرعة الضوء.

   

وذلك يعني أن تزامن الخمسين ألف سنة يختلف تماما عن تزامن الألف سنة الأرضية، فهي على الأرجح أكثر بكثير مما لا نستطيع إحصاءه أو حتى مجرد تخيله، ولو فرضنا جدلا أن السنة في هذه الخمسين ألف سنة المشار إليها، هي الأخرى مكونة من 365 يوم مثلها مثل السنة الأرضية، وكل يوم منها بألف سنة مما نعد، لاقتضت هذه الفرضية الجدلية أن تتسع حساباتنا إلى أن يكون الطول الزمني المفترض ليوم الحساب يساوي

  =  50000 * 365 * 1000 * 365 * 24 * 60 * 60 = 11.51064 * 10 مرفوعة

       للقوة الموجبة (+14 ) .......ثانية

 

 وبافتراض الفرضية الأولى وهي أن وحدة اليوم الرباني والذي هو بألف سنة مما نعد، وأن السنة الأرضية (365.24) يوم، وبافتراض أن متوسط عمر الإنسان الأرضي هو مئة عام، فإذا نسبنا هذه إلى تلك فسوف نجد أن زمن تحاسب المرء هو( 2 ) مايكرو ثانية.

( المايكرو ثانية هو وحدة قياس زمنية تعدل الواحد على الألف من الثانية )

 

 فإذا زاد تزامن يوم القيامة إلى الفرضية الثانية قل بذلك مدة الحساب المخصصة لكل شخص إلى أزمان غاية في الصغر، وبما يعني ( 0.8676 ) فيمتو ثانية.

( الفمتو ثانية هو وحدة قياس زمنية متناهية في الصغر وتعدل الواحد مقسوما على الواحد وأمامه خمسة عشر صفرا )

 

فما بالك والحق لم يحدد الثابت القياسي الزمني للسنة في يوم الحساب، فلابد وأنها تفوق تصوراتنا في القلة إلى الدرجة التي لا يمكننا قراءتها حيث لم يضع الإنسان مسمى لهذا المستوى من القلة أو هي واقع الأمر تقترب من العدم الزمني.

 

 

 

 

 

 

 

 وقد أشار الحق إلى سرعة التحاسب في ثمانية مواقع من عشرة مواقع ورد فيها لفظ " سريع " وهي  :

 

  1. 002202  { أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) } البقرة
  2. 003019  { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ

       مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) }  

       آل عمران              

  1. 003199  {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ

       خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ

        سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) } آل عمران           

  1. 005004  {  يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) } المائدة                     
  2. 006165  { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ

       لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) } الأنعام                    

  1. 007167  { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ

       الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) } الأعراف

  1. 013041  { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ

       لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) } الرعد

  1. 014051{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) } إبراهيم
  2. 024039 { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا

       جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) }

       النور

                    

  1. 040017  { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

                     (17) } غافر


 

التعريف السادس  :  حق الله وحق العباد

واقع الأمر إن البعض يخلط بين حق الله وحق العباد، والذي أحسب أنه سوف يكون أساس الحساب في يوم القيامة، وهي منطقة مضببة في الأذهان، حيث أظن أن حق الله يكمن في أداء ما فرضه الله على البشر من شعائر من صلاة وزكاة وصوم وحج وهذه هي مناط الرحمة، أي أن التفريط في أداء  واحدة من الفرائض فسوف يقع حكم ذلك على الله إن شاء غفر وإن شاء عاقب، وقد أروى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فيما نسب إليه من أقوال وفيما معناه

[ أنه لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا حتى أنت يا رسول الله، قال حتى أنا حتى يتغمدني الله برحمته ]

 

أما حق العباد، فهذه - فيما  أتصور-  لا يتجاوز الله عن الأخطاء فيها، إلا إذا عفا صاحب الحق، أو تسامح فيما وقع عليه من ظلم أو غبن أو غدر أو خيانة أو قهر من أخيه، وهذه هي منطقة الشفاعة وهي من مبدئها إلى منتهاها من بعد إذن الله، وهي بذلك تدخل أيضا في نطاق رحمة الله بعباده.

 

وهكذا يكون التجاوز في كلاهما يقع تحت مظلة من رحمة الله ومغفرته ورضوانه.  


النتائج المستنتجة  :

 

صفوة القول من هذه التعريفات أن ذلك يسقط الرأي القائل بأن الرسول عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، سوف يقف شفيعا لأمته، لأن الرسول قد أدى مهمته، وأتم إبلاغ رسالته، وذهب إلى ربه، وبالتالي لم  يعاصر غير صحابته ومن غير المنطقي أن يكون ملما بأعمال أمته ليقف شفيعا لهم، ذلك لأن في اليقين بتلك النظرة هو واقع الأمر المقابل المنطقي من فكرة تأليه المسيح عند النصارى، حيث يقولون بأن المسيح قد افتدى بنفسه أخطاء تابعيه، ولأن الإسلام ليس فيه تأليه للأشخاص، فقد استبدلوا ذلك بتقديسهم، وما القول بشفاعة محمد للخطاءين من أمته إلا إسقاطا لفكرة الفداء من وجهة النظر الإسلامية، والمشكلة تكمن في أن الكثير من المسلمين يؤمنون بصحة هذه الفرية ويرتكنون على أن رسولهم سوف يشفع لهم عند ربهم، فيتمرغوا في الآثام ، ويوغلوا في المعاصي، وهم مطمئنون إلى أن رسولهم سوف يمحو عنهم أخطائهم بوقوفه شفيعا لهم يوم القيامة وهم في ذلك  واهمون.    

 



[1]
 من يريد المزيد فعليه الرجوع إلى بحث ( رمز التحقق اليقيني القرآني ) للباحث في موقع أهل القرآن

  وكذا بحث كيف يمكن أن تجيب الإحصاء على جهرية أو سرية قراءة بسملة سورة الفاتحة في الصلوات

      الجهرية.

اجمالي القراءات 11373