قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٨ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

قال لى : أطلقوا سراح مبارك وأعوانه بعد صفقة تم فيها إقتسام أموالهم التى نهبها مبارك وأعوانه .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال لى : لا شك فى إدانة مبارك بالسرقة هو وأعوانه ، ولكنهم برأوهم . واضح أن مبارك وأعوانه إشتروا حريتهم بالتنازل عن بعض السرقات . ودخلت جيوب أصحاب السلطة الجديدة .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إنه بتبرئة مبارك واعوانه فقد ضاعت على مصر الأموال التى هربوها فى الخارج ، وأصبح مستحيلا إرجاعها . ومن المؤكد أنه تمت تحويل بعضها من حسابات بنكية لفلان وفلان  الى حسابات بنكية أخرى لفلان وفلان ، وانتقلت من أرصدة مسئولى العهد القديم الى أرصدة مسئولى العهد الجديد .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إن ميزانية الجيش لا يستطيع أى جهاز مصرى مدنى معرفتها ، ولا يملك مجلس الشعب الإطّلاع عليها ولا مراقبتها كما يحدث فى الدول الديمقراطية . وصفقات السلاح التى يشتريها الجيش تعرفها إسرائيل وكل من يهمه الأمر سوى أهل مصر . والجيش المصرى يستثمر أمواله فى مصر ، وله شركات ومصانع وأراضى ، ويسيطر عليها قادة العسكر ، ولا رقيب عليهم . ولا أحد يعرف الفاصل بين ميزانية الجيش وأرصدة كبار العسكر المتحكمين فى كل شىء فى مصر ، والذين يديرون شئون الجيش يتصرفون  كما لو كانوا يحتلون مصر . وبالتالى فإن ما يحدث من إطلاق سراح مبارك وأعمدة ملكه وتبرئتهم يدخل ضمن هذه الأعمال الاستثمارية .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : مصادرة كل أموال مبارك وأعوانه كانت ممكنة بكل بساطة لو كانت هناك إرادة سياسية . يكفى أن تتم معاملتهم كأى مسجون مصرى ، ينام على الأرض ، ويتعرض لنفس المعاملة السيئة التى يلقاها المصريون فى أقسام الشرطة وغرف الحجز فى أمن الدولة وفى السجون العلنية والسرية . ليلة واحدة ــ بدون تعذيب ــ تجعل أولئك المترفين المنعّمين يعترفون بكل السرقات ويتنازلون عنها لميزانية مصر التى هى على وشك الافلاس ، وبدلا من الاستدانة و التسول من الخليج العربى الفارسى الى المحيط الهادى والأطلنطى نسترد أموال المصريين التى سرقها مبارك وأعوانه ، ولكنهم عقدوا صفقة مع الحرامية وأخذوا جزءا من المسروقات ، وجعلوا مبارك وأعوانه أبرياء من كل التهم .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : من البداية كان السيناريو معروفا ومرتبا . وضع مبارك وأعوانه فى سجون خمسة نجوم ، وتزييف الأدلة التى تدينهم لاستعمالها فى تبرئتهم ، ومحاكمتهم جنائيا وليس سياسيا ، وإتاحة الفرصة للدفاع أن يتلاعب بثغرات القانون ، هذا مع إستمرار المفاوضات فى عقد الصفقات الى أن تم ــ أخيرا ــ الاتفاق ، وخرجوا أبرياء . وفى نفس الوقت يوضع خصوم مبارك فى السجن ، ومنهم زعماء الثوار ، وتُفرض عليهم الغرامات وهم أفقر الفقراء .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : لو كانوا وطنيين مخلصين لمصر فعلا، لأقاموا محاكمة سياسية لمبارك باعتباره مسئولا عن تخريب مصر وتجريف مصر وضياع مكانة مصر و إفلاس مصر ونهب مصر وقتل الآلاف من أبناء مصر . وبهذه المحاكمة بأدلتها الثبوتية سينال مبارك مئات الأحكام بالاعدام هو أعوان حكمه . وإثناء المحاكمة سيتم إرغامه على ارجاع ما سلبه من أموال المصريين .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إن الذى يجرى الآن هو عودة نظام مبارك بدون مبارك ، بل أفظع مما كان فى عصر مبارك .  بالاضافة الى الفساد فهناك التعذيب وتلفيق القضايا وقتل المتظاهرين وإغتيال المعارضين ، ونشاط ترزية القوانين . إنفتحت شهية المفسدين الجُدد لالتهام المزيد ، بينما الأغلبية الساحقة من المصريين على حافة الجوع ، وهم بين الموت جوعا لو سكتوا والموت قتلا وتعذيبا  لو ساروا فى مظاهرة تطالب بالحرية والعيش و العدالة الاجتماعية . وسط كل هذا الموقف المتفجر يتم تبرئة مبارك وأعوانه تحديا لمشاعر ملايين المصريين الذين ثاروا عليه .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إنها عادة معروفة فى حكم العسكر المصرى خلال عهوده المتتالية . بعد موت عبد الناصر تعرض أعوانه للسجن والمحاكمة فيما عرف بثورة 15 مايو؛ ثورة التصحيح أوالتصليح ، وفى غياهب السجون تم عقد صفقات حصل بها الحكام الجُّدُد على غنائم من الحكام السابقين المسجونين . وبعد قتل السادات أقام مبارك محاكمات وهمية لبعض أخوة السادات وبعض رموز حكمه والفاسدين من أعوانه ، وفى غياهب السجن تم عقد صفقات إنتقلت بها بعض أملاك الحكام القدامى الى الحكام الجدد . وبعد عزل مبارك تكررت نفس القصة . الفارق الوحيد هو فى كمية المنهوبات . زمان كانت بالملايين أصبحت الآن بالبلايين .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إنها عادة معروفة فى حكم العسكر المملوكى لمصر خلال عهوده المتتالية  . كانت العادة أن يأتى السلطان المملوكى الجديد يصادر أعمدة السلطان المملوكى القديم أو السلطان القديم نفسه لو بقى على قيد الحياة . وكانت تقترن المصادرة بالتعذيب الشديد ، وأكثره كان فى سجن القلعة ، الذى لا يزال يمارس دوره .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال: إن الفارق بين سرقات العسكر المملوكى القديم والعسكر المصرى الحديث أن المماليك أقاموا بهذا المال السُّحت عمائر دينية تعليمية وخيرية لا تزال تزين القاهرة حتى الآن . أى إنهم إستثمروها فى تعمير مصر ، ولم يقوموا بتهريبها للخارج . أى إن العسكر المملوكى الوافد لمصر أفضل من العسكر المصرى المولود فى مصر .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : والفارق الأكبر إن العسكر المملوكى الغريب الذى حكم مصر رفع إسم مصر عاليا ، أمتد سلطانه من جنوب تركيا وغرب العراق  شرقا الى برقة غربا ، وامتلك قبرص ، وهزم المغول واجتثّ الصليبين ، وتحكم فى التجارة الشرقية ، وسيطر على الشام وجزء من العراق وكل الحجاز ، وكانت القاهرة مقرا للخلافة العباسية ، ومركزا حضاريا لكل المسلمين . أما العسكر المصرى فتاريخه ممتلىء بالهزائم ، أضاع سيناء ، وبعد أن كانت إنجلترة مدينة لمصر ب55 مليون جنيه استرلينى قبل إنقلاب العسكر عام 1952 أصبحت مصر الآن تستدين لدفع فوائد الديون ، وبعد أن كان الدولار معدوم القيمة أمام الجنيه المصرى أصبح الدولار الآن يساوى ثمانية جنيهات  . وبعد أن كان العسكر المملوكى يواجه أوربا كلها أصبحت مصر فى عصر العسكر المصريين عاجزة عن مقاومة حماس وقطر ،. وأصبحت مصر ( أم الدنيا ) تابعة للسعودية الشقيقة الكبرى لمصر، وفى ذيل القائمة بالمقارنة باسرائيل ، وبعد أن كانت القاهرة تنافس مدن أوربا فى جمالها ونظافتها منذ مائة عام أصبحت الآن عاصمة لأكوام الزبالة . باختصار : العسكر المملوكى إنتصر على أعداء مصر بينما لم يُفلح العسكر المصرى إلا فى الانتصار على مصر ونهب ثروة مصر .العسكر المملوكى الأجنبى الحاكم كان يصنع السلاح ليهزم به أعداء مصر أما العسكر المصرى الحاكم فهو يشترى السلاح بأموال مصر ليقتل به أبناء مصر .!!

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : العسكر المملوكى الغريب حكم مصر بالاستبداد طبقا لمنطق العصور الوسطى . ونهب أموال المصريين طبقا للشرعية السائدة فى العصور الوسطى . لا نلومهم لأن هذا كان شريعة عصرهم . ولكن نلوم العسكر المصرى الذى  يستبد بمصر وينهبها بالمخالفة لمنطق عصرنا ، وهو عصر الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إن لم يتعقّل عسكر مصر ستدخل مصر فى حمامات دم لن ينجو منها عسكر مصر أنفسهم ولا أولادهم . وسيكونون عبرة سيئة تحتقرهم كل الأجيال المصرية القادمة .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : التاريخ سيكون حكما بينى وبينك

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

أخيرا :

ولم يخرس . لأنه كذاب كأبى هريرة ..

فلازالت أكاذيب أبى هريرة مقدسة حتى الآن ، بل أصبحت دينا أرضيا إسمه السُّنّة . ولا يزال أبو هريرة متمتعا بتقديس العسكر والاخوان .!!

اجمالي القراءات 10660