ج 2 ف1 : تأثر العوام بالتهاون الصوفى فى أداء الصلاة

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٠ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف               

 الفصل الأول :أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية

أثر التهاون الصوفى فى ترك الصلاة : على العوام

 آثار ترك الصوفية للصلاة المكتوبة إعجاب المعتقدين فيهم من العوام والعلماء المعبرين عن فكرالعامة.. وقد استنكر ابن الحاج ذلك المسلك من( بعض من ينسب إلى العلم، يقعد بين يدى بعض من يدعى الفقر (أى التصوف) والولاية ، وهو مكشوف العورة، وقد تذهب عليه أوقات الصلاة وهو لم يصل ، ويعتذرون عنه ).[1]. يعنى بعض من يؤمنون بالمجاذيب الصوفية الذين لا يصلون يعكفون حول أولئك المجاذيب العُراة ، تاركين أداء الصلوات .

بل شارك فى ذلك الإعجاب بعض من عرف بالصلاح – أى الصلاح بالمفهوم الصوفى وهو حُسن الإعتقاد فى الصوفية ، وقد رأى ابن الحاج بعضهم يرحل إلى زيارة شخص (من هذا الجنس ، ( اى المجاذيب ) وبقى نحو ثلاثة أيام أو أربعة حتى اجتمع به وهو عريان ، ليس عليه شىْ يستره ، وبين يديه بعض قضاة البلد ورؤسائها. ) يقول الفقيه ابن الحاج محتجا : ( وهذا أمر شنيع فى الدين ، وقلة حياء من عمل الذنوب ، وارتكاب مخالفة السنة ،  وترك الفرائض. )[2].

والعوام مغرمون بالتقليد ،لاسيما إذا تعلق التقليد بأمور تريح من آداء التكاليف وتجلب الكسل والدعة ، فالعامة تجسيد للأكثرية فى كل مجتمع ، وقد وصف القرآن الكريم الأكثرية بأنها لا تعلم ولا تعقل ولاتفقه ولاتؤمن.. وهكذا فإن مصلحةالصوفية تتلاقى مع هوى العامة .. وقد بدأ ذلك منذ عصر الغزالى فى القرن الخامس فيما يخص ترك الصلاة بالذات، يقول الغزالى يصف العامة فى عصره ( أكثر الناس جاهلون بالشرع فى شروط الصلاة فى البلاد، فكيف فى القرى والبوادى ومنهم الأعراب والأكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق)[3]. أى أن أهل المدن أقرب إلى التحضر والإلتزام، ويتلاشى ذلك الإلتزام كلما بعدنا عن العمران والحضارة وتوغلنا فى الريف . ومن ناحية أخرى فإن الإلتزام  بالإسلام وفرائضه بدأ فى التلاشى بمرور الزمن وانتشار دين التصوف، حتى إذا أهلَ العصر المملوكى وتسيد التصوف أصبح الجهل بالصلاة شيمة العامة وأوليائها.

ومن أسف فإن إهمال تاريخ العوام وشئونهم يكاد يكون قاسماً مشتركاً فى الكتابات التاريخية لمؤرخى العصر المملوكى وما سبقه، إذ استحوذ على المؤرخين تتبع حركات الحكام وسكناتهم ومن خلالها نظروا للعامة فى شذرات متفرقة لا تسمن ولا تغنى من جوع. ومن هذه الشذرات القليلة نستخلص موقف العامة من الصلاة..

يقول ابن الفرات فى حوادث  790(رتب القاضى نجم الدين الطبندى محتسب القاهرة جماعة من الفقهاء، فى كل سوق من أسواق القاهرة وظواهرها فقيه ، يعلم التجار واصحاب الصنايع والمتعيشين سورة الفاتحة وغيرها من السور ، ليقرأوا بذلك، وجعل لكل فقيه على كل من يعلمه فليس جرد، وهذا ترتيب حسن لا بأس به) [4].أى أن العامة نسيت الفاتحة واستلزم الأمر إيفاد بعض الفقهاء لتعليم التجار والصناع سورة الفاتحة. وهذا فى المدينة العاصمة. فكيف بالحال فى القرى والنجوع ؟! وكان ذلك فى القرن الثامن، فكيف الحال فى القرون التالية وقد اشتدت سيطرة التصوف ؟؟..

 لقد وصل الأمر فى القرن التاسع إلى درجة أن الجهل بالفاتحه والصلاة وصل إلى الأمراء والسلاطين ،فكان الأمير أحمد بن نوروز 852( يُرمى بترك الصلاة ) [5]، أى كان متهما بترك الصلاة ، ووصل بعضهم الى السلطنة وهو لا يعرف قراءة الفاتحة ، مثل  السلطان الأشرف اينال ، الذى كان ( لا يحسن قراءة الفاحة ولا غيرها من القرآن، وكانت صلاته للمكتوبات صلاة عجيبه، نقرات ينقر بها ، لا يعبأ بها الله، وكان لا يحب إطالة الدعاء بعد الصلاة، بل ربما نهى الداعى عن تطويل الدعاء) [6]. .

فالأشرف اينال طولب بالصلاة كحاكم مسلم فكان يصلى صلاته المضحكة وهو جاهل بالفاتحة، وكان يؤدى تلك النقرات بضيق حتى إذا ما انتهت أضرب عن الدعاء بعدها ..

وفى القرن العاشر تكاثر الأولياء وانتشروا فى ربوع مصر ومدنها وقراها. . وأغلبهم من العامة الأميين فكان ادعاء الصلاة إلى رملة لد وأماكن وهمية مثل جبل قاف وسد اسكندر.. وهم ما تعودوا الصلاة قبل المشيخة فلابد أن يفكروا فى حل صوفى يبرر عدم صلاتهم..

وقد ترسب فى الضمير الشعبى ما يعبر عن اهمال الصلاة أو السخرية منها حسب الرؤية الذاتية للشعب المصرى الذى يغلف نظرته للأموربالسخرية والتندروالفكاهة : فعن الجهل بالفاتحة يقول المثل السائد فى العصر المملوكى والذى استمر بعده : ( سورتك إيه ؟ سورتك إياك ) . والمراد ب (إياك) سورةالفاتحة . لا يعرفون من الفاتحة سوى ( إياك )، ربما لتكررها فى السورة . ويضرب المثل لبقاءالشخص على نمط واحد كأنه يقرأ الفاتحة كل يوم لا يتعداها [7].  والفاتحة أصبحت فى عرفهم مجرد (إياك)، ويوصف المصلى بأنه يبقى على نمط واحد يردد كل يوم دون وعى أو فقه بما يقول.. ويشبهون بالمصلى كل من توقف على أسلوب واحد لا يسأم من ترديده.  وعن الجهل بالفاتحة أيضاً يقول المثل الشعبى( إذا نسيت الحمد تصلى بأيه) [8]. . وقد يقصد الشخص المسجد أو الجامع متكاسلاً متأففاً فيجد أبوابه موصدة وحينئذ يشعر بسرور يعبر عنه المثل الشعبى (بركة ياجامع اللى جت منك ما جت منى)[9].

   وكانت المآذن تردد بعد آذان الفجر أن الصلاة خير من النوم . وهذه مقولة لا توافق عليها العامة التى تؤثر الكسل ، فلم تترك هذا القول دون تندر فيقول المثل الشعبي(الصلاة خير من النوم .!! قال جربنا ده وجربنا ده) أى أنهم من واقع السخرية عرفوا أن النوم خير من الاستيقظ لصلاه الفجر . فهذا المثل : ( يضرب فى تفضيل شىء على شىء  دلت التجربه على خلافه)[10]

 



[1]
المدخل جـ2 /11.

[2]المدخل جـ2/11.

[3]إحياء جـ2/299.

[4]تاريخ ابن الفراتجـ9/1/25.

[5]النجوم الزاهرة جـ15/530.

[6]النجوم الزاهرة جـ6/159.- تا ريخ ابن إياس جـ2/368 تحقيق أحمد مصطفى

[7]تيمور .الأمثال الشعبية 294.

[8]شعلان الشعب المصرى في أمثاله 170.

[9]تيمور الأمثال الشعبية 140.

[10]تيمور. الأمثال الشعبية 315.

اجمالي القراءات 6560