لو كنت .. مكان السيسى

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٧ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

1 ــ المصريون ـ وغيرهم ـ فى الشرق الأوسط بين خيارين السىء أوالأسوا ، الحضيض أوأسفل السافلين ، حكم العسكر والمستبد العادى الفاسد  أوالحكم الوهابى ( من الاخوان الى داعش ). قام المصريون بثورة إستثنائية اسقطوا بها حاكما مستبدا فاسدا يمثل حكم العسكر الذى يحكم مصر من عام 1952 . أسقطوا الرأس وظل الجسد العسكرى الحاكم قائما وحكم مصر خلال المجلس العسكرى .

كتبت هنا من قبل أن العسكر تراجعوا للوراء وأعطوا الفرصة للإخوان كى يحكموا لفضحهم ، فالاخوان ظلوا يتآمرون ثمانين عاما للوصول للحكم ولم يتوقفوا ثمانين دقيقة للتفكير فى كيفية الحكم . كان حتما أن يفشل الاخوان .ورأى المصريون بأنفسهم أنهم وقعوا ضحية للأسوأ ،، فإستغاثوا بالسىء ، وظهر السيسى رئيس العسكر مختلفا ، يجيد المعسول من القول متواضعا متدينا إستجار بالشعب فأيده الشعب بما أصبح معروفا بثورة 30 يونية . وعاد العسكر الى صدارة الحكم بقيادة السيسى .

2 ــ التأييد الساحق الذى حصل عليه السيسى فى 30 يونية تآكل قليلا بسبب رفضه الافصاح عن برنامجه السياسى ووقوفه ضد الحرية وضد الشباب الثائر ، لذا كان الاقبال ضعيفا على إنتخابات الرئاسة .  أصبح السيسى رئيسا ، وقد بذل خلال الأشهر الماضية جهدا شاقا حتى أوصل شعبيته الآن ( 7 فبراير 2015 ) الى الحضيض . الفساد إستشرى أكثر ، و الاستبداد طغى وفاض ، ووحشية البوليس فاقت الحدود ، وقمع الحريات لا يوازيها سوى تطرف القضاء فى الظلم بإصدار أحكام عشوائية بإعدام المئات ، والمؤبد على رموز الثورة المصرية . إستخدم السيسى كل أذرعه فى الجيش والبوليس والنيابة والقضاء والاعلام وترزية القوانين ليقمع مناوئيه ، ليس الاخوان فحسب بل الشباب اليائس والثائر . خلال أشهر نجح السيسى فى التفوق على مبارك ( 30 عاما ) . هذا كله وخارطة الطريق لم تكتمل لأنها خارطة طريق لاستبداد العسكر وليس لاصلاح مصر . خلال أقل من شهر أطلق السيسى سراح مبارك وولديه لينعموا بالبلايين التى سرقوها من دماء الشعب ، وحكم قاضى ( السيسى ) على دومة و ( ست البنات ) الثائرة بالمؤبد ، وأطلق بوليس السيسى النار على شيماء الصباغ لأنها ضمن مسيرة سلمية كانت تحمل الزهور . من وقت وصول المجلس العسكرى للحكم وحتى الآن إرتكب العسكر عدة مذابح للمصريين يتحمل مسئوليتها السيسى داخل المجلس أو قائدا للعسكر ، من فضيحة ( كشف العذرية ) للثائرات المصريات الى ماسبيرو ورابعة ، وأخيرا مقتل شيماء الصباغ . واضح هذا الاصرار على تعقب وإغتيال زعماء الثوار ، أى تم الانتقام لمبارك من الاخوان ومن الثوار معا . هذا هو الانجاز الذى قام به السيسى ، وهذه هى خارطته للطريق . وهى خارطة واضحة المعالم يتبقى منها إستنساخ مجلس شعب على شاكلة مجلس الشعب الأخير فى حكم مبارك والذى صنعه الفاسد أحمد عز ، ولقد تم إطلاق سراح أحمد عز للإستفادة من خبرته .

3 ــ إستبشرت خيرا بالسيسى حين تكلم عن الاصلاح ، وعن إصلاح المادة الدينية فى التعليم ، وعن إصلاح الخطاب الدينى . إن مهمة الكاتب المُصلح أن يتخصص فى السيئات ، يُظهرها ويفضحها طلبا لاصلاحها . ومع هذا فإذا ظهر فى الأفق أمل فى حاكم ما أن يكون مصلحا فعلى الكاتب أن يشجع ويؤيد ويطلب التنفيذ والمزيد .

فعلت هذا مع القذافى ، قرأت الكتاب الأخضر وديمقراطيته الشعبية المباشرة ، وبرغم ما فيه من مضحكات فقد رأيت فيه أملا فى تدعيم ثقافة الديمقراطية لأن الديمقراطية تحتاج الى تأسيس وتجذير ثقافتها ومؤسساتها حتى تتوطد سلوكا شعبيا وأخلاقيا . ثم أن القذافى وقتها أعلن إنكاره للسنة ، فتقاربت بيننا المسافة . وحضرت زائرا بعض مناسباته فرأيت فى الواقع إستبدادا مُمٍلّلا . وفى آخر زيارة لى كان مطلوبا أن نوافق مقدما على بيان فرفضته وقمت بإعداد بيان بديل ، وخاف بعض الأحبة من المصريين المرافقين من إنتقام محتمل . وعدت الى مصر ولم أذهب بعدها الى مؤتمرات القذافى . وهاجمته ، وأنتهى القذافى، ونظامه مدين لى بألفي جنيه ثمن مؤلفاتى التى نشروها .

حين تولى الملك السعودى عبد الله وجرى حديث عن ميوله الاصلاحية كتبت أدعوه الى تبنى مشروع الثائر ناصر السعيد للنهوض بالمملكة السعودية . وانتهى الأمر باليأس والهجوم عليه وعلى أسرته ودولته . ونفس الحال مع السيسى إستبشرت به خيرا ، ثم إتضح أنه يجيد الكلام المعسول الذى لم يعد يُجدى نفعا والبلد على يديه على وشك الانفجار.

4 ــ كتبت كثيرا أدعو السيسى الى إصلاح تشريعى ودينى ، وكتب غيرى فى نفس الدعوة الى الاصلاح . والسيسى يرد بأنه يطلب من مفسدى الأزهر إصلاح الأزهر ، وإلا سيحاججهم عند الله جل وعلا ، السيسى بيده مقاليد السلطة وهو المسئول سياسيا وجنائيا عما يحدث فى مصر طوال فترة حكمه ، وبالتالى سيكون مُساءلا يوم القيامة عن كل الظلم الذى أوقعه بالمصريين ، وبكل المذابح التى ارتكبها جنوده ، وكل السلب والنهب الذى يتنعم فيه كبار ضباطه . ملايين المصريين المظلومين سيكونون خصوما للسيسى أمام الله جل وعلا ، وستكون أعماله شاهدة عليه ، وحينئذ لن تُغنى عنه موهبته فى التلاعب بالألفاظ .  

5 ــ فى هذه الحياة الدنيا سيكون السيسى مُساءلا أمام الأجيال القادة فى أنه خيّب أمل المصريين الغلابة فيه ، وانه ــ طبقا للواضح حتى الآن ـ يمهّد الطريق أمام ثورة مصرية قادمة ساحقة ماحقة ، قد تتحول الى حرب أهلية ، فيها يواجه الشعب المصرى بصدره العارى أسلحة العسكر( المصريين ) تلك الأسلحة التى إشتراها العسكر بأموال المصريين ليقتلوا بها المصريين .!!. فى ثورة 25 يناير 2011 عاد الثوار الى بيوتهم أملا فى العسكر وتصديقا لوعودهم ، فخاب أملهم . فى ثورة 30 يونية أوصل الشعب السيسى الى موقع الزعامة ، ثم خاب أملهم فيه وفى العسكر .

6 ــ  الثورة الشعبية القادمة ستكون صراع وجود : إما الشعب وإما العسكر . ( الشعب ) وقتها ستكون الأغلبية الجائعة التى يقتلها كل يوم إرتفاع الأسعار والدولار ، وهى بين الموت جوعا أو الموت ثورة وشرفا . ( العسكر ) هم قادة الجيش من الرتب العليا التى ترقّت فى دولة مبارك وتنافست فى خدمته والاخلاص اليه ، وبعد أن اسقطه الشعب كانت تلك الرتب العليا هى التى عاقبت الثوار والاخوان معا .  الصراع بين الشعب الثائر الجائع وقواد العسكر معروف و محسوم . سيسصدر قادة العسكر أوامرهم للضباط الصغار وصف الضباط والجنود من الأمن المركزى والشرطة والجيش بضرب الشعب ومظاهراته المليونية ، وسيسقط  آلاف من الشعب الذى لا خيار أمامه إلا الموت الفورى أو الموت البطىء الذليل . باستمرار سقوط القتلى من الشعب أمام أعين العالم سيشعر الضباط الصغار وصف الضباط والجنود بالخزى والعار ، لأن مهمتهم هى الدفاع عن الشعب وليس قتل الشعب . سيوجهون أسلحتهم نحو قادتهم من العسكر .بعد أن خاب أمل المصريين فى السيسى ومؤسسته العسكرية يبدو فى الأفق أنه لا بد لمصر فى تحولها الديمقراطى من مواجهة ثورية ضد العسكر بعد أن تخلصت من الاخوان . 

7 ـ قبل أن تصل مصر الى هذا الاختيار المرير أدعو السيسى الى إصلاح تشريعى يحقق الحرية الفكرية والدينية والسياسية التى يستحقها المصريون ، وأن يقوم باصلاح الأزهر والتعليم والقضاء والشرطة والاقتصاد ، وأن يسترد الأموال المنهوبة والأراضى المنهوبة التى سرقها مبارك وأسرته وزبانيته وأباطرة الفساد فى الجيش وفى طبقة رجال الأعمال، وتقديم مبارك وأعمدة نظامه الى محاكمة سياسية إستثنائية تكون عبرة لأى مسئول فى الأيام القادمة ، وأن يكون الجيش خاضعا للسلطة المدنية ممثلة فى مجلس الشعب والرئاسة ، وأن يكون مجلس الشعب مختصا بالحرص على مالية الدولة ويحاسب المسئولين وتتبعه أجهزة الرقابة كلها ، وهذا فى ظل إعلام حُرّ يكشف الفساد ويتعقب المفسدين فى دولة قانون يتم تطبيقه ـــ  بقضاء مستقل نزيه ــ على الجميع على قدم المساواة ، وبدلا من أن يكون الجيش محتلا لمصر وحاكما لها على طريقة الحكم المملوكى يعود الجيش الى ثكناته حاميا لمصر ، ويتعلم البوليس أن يكون خادما للشعب وليس سيدا على الشعب قاهرا للشعب .

أخيرا

1 ـ لو كنت مكان السيسى لأعلنت هذا من البداية برنامجا سياسيا لى أواجه به برنامج حمدين صباحى ، ثم أقوم بتنفيذه معتمدا على التأييد الشعبى الذى حدث فى 30 يونية . التأييد الشعبى الذى حصل عليه السيسى يوم 30 يونيه كان سيعطيه قوة التصدى لكل المفسدين والقوة الكافية لتنفيذ الاصلاح ، وبهذا التأييد الشعبى تزدهر مصر سريعا ولا تكون فى حاجة للتسول من شيوخ البترول .

2 ــ لو كنت مكان السيسى ووقعت فى إخطائه السابقة لتداركت الموقف قبل أن تقع الواقعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ولخطبت فى المصريين أعتذر اليهم ، وأبدأ بداية صحيحة أصلح فيها ما فات ، و أنفذ فيها الاصلاحات السابقة .  عندها ستعود مصر الى زعامتها ، فمن العار أن تعيش أعرق دولة فى العالم ( مصر ) عالة على مشيخات البترول من السعودية الى الامارات والكويت . من العار أن تظل السعودية الشقيقة الكبرى لمصر وهذه السعودية تمت ولادتها عام 1932 كأكبر خطيئة للقرن العشرين .

3 ـ السيسى مقضى عليه بالهلاك إن لم يقم بإصلاح حقيقى وسريع . 

اجمالي القراءات 9267