ج1 ب2 ف 3 : في تفضيل الولي الصوفي على الأنبياء

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٦ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى

في تفضيل الولي الصوفي على الأنبياء:

 1 ــ  الأنبياء هم صفوة الله بين البشر،اصطفاهم الله وأوحى إليهم وعلمهم وجعلهم أئمة للبشر، وهم مع ذلك بشر كسائر البشر عباد الله يخافونه ولا يملك أحدهم لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بمشيئة الله تعالى كباقي الناس .  والقرآن يصف خاتم الأنبياء بأنه رجل من العرب وأن الأنبياء قبله كانوا أيضاً رجالاً كباقي الناس في عصرهم ولكن يوحي الله إليهم (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ) يونس2) (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{7} وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ{8} الأنبياء ) ، (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ{34}كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ).35الأنبياء) (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ{30} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ{31} الزمر..) (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ{44} الزخرف).( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ{6} الأعراف)(قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )(188 الأعراف) (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ){20} الفرقان) . وفي الآيات السابقة ملامح لبشرية الأنبياء من الأكل والموت والاحتياج والمسئولية والحساب أمام الله تعالى . وكلها تأكيد لعبودية الرسول لله تعالى..

  أما الولي الصوفي الذي يؤمن بأنه جزء من الله فلابد أن يجعل نفسه فوق الأنبياء طالما أن القرآن المحفوظ من لدن الله تعالى قد أكد على بشرية الأنبياء في عشرات الآيات. لذا رأينا ابن عربي يعلنها صريحة في تفضيله للولي على الرسول فيقول: -

            مقام النبــــوة في برزخ        فــوق الرسـول ودون الولي

والموضوع طويل. ولكن نكتفي منه بملامح قليلة لبعض مظاهر تفضيل الولي الصوفي على النبي ..

       أ) العصمـــة :

إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يدّعٍ العصمة، فعصمته فيما يخص رسالته وعداها فهو بشر عادي وفي القرآن آيات كثيرة تلوم الأنبياء بل وتصرح بمعصيتهم ، "وفكرة العصمة لم تعرف في صدر الإسلام ولم ترد في القرآن ولا في الكتب المنزلة ولا في السنة الصحيحة " في رأي بعض الباحثين[1].

   أما الصوفية فلهم شأن آخر، قال الشاذلي "رأيت كأني بين العرش فقلت يا رب يا رب فقال لبيك لبيك ، فقلت يا رب فاهتز العرش، فقلت يا رب فاهتز اللوح المحفوظ والقلم، فقلت أسألك العصمة فقيل لي لك ذلك " [2] ، وفي حزب البحر عند الشاذلية .. " نسألك العصمة في الحركات والسكنات والكلمات والإيرادات"، وفي حزب البر يقول " واكسنا من نورك جلاليب العصمة"[3]. وروى الشعراني عن عبد القادر الجيلي قوله "من لم يعتقد في شيخه الكمال لا يفلح على يديه أبداً"[4]. ويرى الخواص أن الخواطر القبيحة لا تقع للكُمَّل[5] من العارفين ، وحتى لا يلام الصوفية أسندوا العصمة للأنبياء وسموا عصمتهم الحفظ وجعلوهما متساويين[6].

 وقد أخذ العلماء المتأخرون عنهم عصمة الأنبياء وحاولوا تأويل ما ورد في القرآن منافياً لذلك، فحققوا غرضاً حيوياً للصوفية حين أبيح لهم تأويل افتراءاتهم على الله ورسله أو ما يسمى بالشطحات الصوفية .

وقد وقع البقاعي في هذا الشرك وهو من أكبر أعداء الصوفية فاحتج على تأويل شطحات ابن الفارض محتجاً بأنه لا يؤول إلا كلام المعصوم[7]. وتجلى خطؤه هذا حين عدّ أقران الحلاج من صالحي الصوفية[8].

ب) الشفاعة:

ليس للنبي أن يشفع في أحد فينجيه من النار أو يدخله الجنة يقول سبحانه وتعالى للنبى عليه السلام :( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ )آل عمران128 )..(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ ){19} الزمر) ولا يجرؤ النبي على ادعاء ذلك فمرجعه لله وحده ..( لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ .. {51} الأنعام) ..( يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ{19} الانفطار).

أما الصوفية فينطبق عليه قوله تعالى:(وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ...{18} يونس) ..(أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء ؟ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ...َ{44} الزمر  ). ولقد تبارى الصوفية في ادعائهم الشفاعة عند الله ، لأنهم اعتبروا أنفسهم – على أقل تقدير- واسطة بين الله وخلقه، وجعل الشعراني من أخلاق العارفين يوم القيامة بدءهم بالشفاعة فيمن كان يؤذيهم في الدنيا قبل الشفاعة في المحسن إليهم[9]. وفي طبقات الشرنوبي أن الله أدخل أتباع الدسوقي الجنة كرامة لأجله، وجعلهم أعلى مرتبة يوم الحشر من أتباع غيره [10]. وروى حسن شمة أن الله قال للدسوقي" .. فو عزتي وجلالي لأشفعنك في سبعين ألفاً، كل منهم يشفع في سبعين ألفاً ،كل منهم وجبت عليه النار"[11]. أما البدوي فإن الرسول (يهنئه يوم القيامة بالعلَم الذي وضع فوق رأسه وتحته خلق كثيرون، منهم من يعرفه ومنهم من لم يعرفه، ومكتوب على العلَم " نصر من  الله وفتح قريب لأحمد البدوي ومن معه من المريدين والفقراء الصادقين"، وقد مشى وخلفه ما لا يحصى من الخلائق حتى دخل بهم الجنة)[12].

  أما الشاذلي ، فقد جعله مكين الدين الأسمر يدخل الناس على الله بينما يدعو غيره الناس إلى باب الله[13]. وشفع ياقوت العرشي حتى في الحيوانات[14]، وضمن شمس الدين الحنفي الجنة لأصحابه، وأصحاب أصحابه، وأصحاب أصحاب أصحابه، أربعين مرة، وبشرهم بذلك [15]. أما علي وفا فيشفع في أولياء جميع الأزمنة[16]، وليس المريدين فقط، ونصح أبو المواهب الشاذلي بصحبة الفقراء(.. فإنه لو لم يكن إلاّ أخذهم بيدك يوم القيامة.. لكان في ذلك كفاية )[17].  وشفع محمد بن عنان في ميت كان يعذب في قبره [18]، واشترط أحمد الزاهد – وقد زعم أنه شفعه الله في جميع أهل عصره على طالب شفاعته أن يصلي ركعتين له في مسجده[19]. وكان الواحد من أصحاب الشيخ أبي السعادات " يشفع يوم القيامة في سابع جار من جيران داره"[20]، أما الغمري فكان لا ينام حتى يعتق لأجله آلاف من الخلائق من النار[21]، وشفع بعض الأولياء فيمن يُشيع من الأموات[22] . وتخصص الشيخ علي وحيش(ت 917) في الشفاعة فيمن يتردد على بيوت العاهرات" وكل من خرج يقول له قف حتى أشفع فيك" ، وحسب تعبير الشعراني " كان يقيم في خان بنات الخطأ " ولأجل شفاعته "كان يحبس بعضهم اليوم واليومين ولا يمكنه من الخروج حتى يجاب في شفاعته[23] .إلى هذا الحد بلغت ادّعاءاتهم في الشفاعة عند الله ، وقد قال البهاء زهير هاجياً : أرحـني منك حتى لا  أرى منـظرك الوعرا

        فما تنفع في الدنــيا ولا تـشفع في الأخرى[24]

أي أن الشفاعة صارت حقاً مباحاً للجميع .



[1]
- الشيبي الصلة بين التصوف والتشيع جـ 1/ 149, جـ 2/ 62 .

[2] - مناقب الحنفي 147 – 148 مخطوط .

[3] - أورد الدكتور عبد الحليم محمود نص الحزبين في كتابه عن الشاذلي ص 176 , 188 .

[4] - قواعد الصوفية جـ1/ 174 .

[5] - درر الغواص الشعراني ص 4.

[6] - لواقح الأنوار 48 .

[7] - تاريخ البقاعي مخطوط 8 .

[8] - تاريخ البقاعي مخطوط 9 .

[9] -لطائف المنن 545.

[10] - طبقات الشرنوبي مخطوط 1، 4 .

[11] - حسن شمة 55 .

[12] - عبد الصمد . الجواهر 43 ، النفخات الأحمدية 238 .

[13] - لطائف المنن لابن عطاء 44 .

[14] - ياقوت العرشي الطبقات الكبرى 2 / 18 .

[15] - مناقب الحنفي 100 مخطوط.

[16] - مناقب الوفائية 13 مخطوط.

[17] - الشعراني .. صحبة الأخيار 39 .

[18] - الشعراني ، الطبقات الكبرى جـ2/ 103 .، الجواهر والدرر ص 107 .

[19] - الشعراني، الطبقات الكبرى جـ2/ 73 .

[20] - ابن أيبك الداوداري 153 .

[21] - الكواكب السيارة 270 وهناك قصة أخرى عن الشفاعة في نصراني ص 252 ، 253 .

[22] - لطائف المنن للشعراني 299 .

[23] - الشعراني .. الطبقات الكبرى جـ2 / 129 .

 [24] - ديوان البهاء زهير47 .

اجمالي القراءات 7411