حدث في اليوم والليلة السابقة لموقعة الجمل

لطفية سعيد في الأحد ٢٥ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بداية .. هذه السطور البسيطة  تعبر عن رؤية  مباشرة لمن عاش الحدث ،ورأى بعين ثاقبة ما حدث في أثناء  الثمانية عشر يوما ( مدة ثور 25 يناير2011 )  وسأخص بالحديث هنا  ، اليوم والليلة التي تسبق  الأحداث التي اشتهرت إعلاميا باسم : موقعة الجمل /وما كان من خروج بعض المجرمين الخطرين ومحاولة إخلاء الميدان بالقوة .. 

أحداث اليوم :. بدأ يومي (1ـ من شهر فبراير سنة 2011)  كالمعتاد ،  فقد كنت من الزائرات باستمرار لميدان التحرير ، والبقاء فيه لساعات طويلة  ، وهذا يحدث بعد أن أنهي عملي عادة ، واحتياجات المنزل ،  وكافة الأعباء الأخرى .. اتفقت مع بعض الصديقات  المتحمسات مثلي ،  و ذهبنا معا إلى الميدان بوسيلة من وسائل المواصلات العامة ، وأثناء سير المركبة  ، وكان الجو ممطرا ناهيك عن المناقشات الدائرة بين الركاب..ما بين مؤيد للثورة والثوار ، ( وهم قلة  ) وبين معارض  للثورة يرى ذلك مضيعة للوقت ، تعطيل للمصالح ، إشغال للطرق .. كما سمعنا بعض الشتائم النابية من بعض الركاب لمن يشترك في الثورة ومن يؤيدها  ، فنظرنا إلى بعضنا باتسامة خفية ..  وواصلت المركبة سيرها ،  لكن وكعادة تلك الأيام كانت لا تصل إلى ميدان التحرير ، بل تتوقف بعيدا عنه  ، ويكون علينا أن نمشي سيرا على الأقدام للوصول إليه .. وعادة ما تشاهد بعض الجلوس في الطرقات يتحدثون بلغة نابية مع المارة الذين يشعرون أنهم يقصدون الميدان ، ويمطرنهم  بتعليقات أقل ما يقال عنها انها غير لائقة .. عموما كانت لنا طريقة  لكي نوهم هؤلاء ..  بأن كنا نشتري بعض الأغراض كأننا نتسوق  علنا نقلل من تعليقات المرتزقة الذين يحيطون بالميدان .. وصلنا وكانت  الفعاليات في أوجها،  التي اعتدناها في الميدان .  ما بين انشطة ثقافية ، شعر وأغاني ،  ولافتات ونشرات أخبار  مكتوب عليها بعض الشعارات المضحكة ،  أو المحزنة أحيانا اخرى .. المنصات وكانت حوالي ثلاث منصات ( منها منصة ثابتة تنقل منها قناة الجزيرة احداثها ) بالإضافة إلى الشيء الأساسي في الميدان وهو المسيرات ،  وكانت تتعدد  وتتنوع بحسب من يقودها لكنها تجتمع  على ما تبثها من شعارات تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية ، ومحاسبة الفاسدين .. واغلب الشعارات كانت فكاهية خفيفة تعبر عن خفة الدم المصرية .. و كثيرا ما تلتحم المسيرات معا وتشترك في السير ، كانت الروح المسيطرة على الميدان روح التآلف والاحترام والأخلاق،  التي تشعر فيها في كل تصرف كطابع مميزـ  على الرغم من وجود هذه الأعداد الكبيرة في الميدان ..  في أثناء سيرنا في إحدى المسيرات قابلنا بالصدقة امرأة  . يبدو عليها الحزن والوجع  ، فرأيناهاوقد أخرجت صورة لابنها الذي قتل في يوم الجمعة 28 من يناير( جمعة الغضب ) ، وكانت كأي ام ثكلى تبكي ابنها،  وقد قصت علينا كيف وجه له الأمن طلقة نارية في رأسه  ، فسقط قتيلا  .. تقول وبكل الألم  : انا بالرغم من أنني آتي من محافظة أخرى غير القاهرة .. وضعف صحتي ، وكبر سني ، إلا أنني لا أستريح إلا عندما أكون في الميدان ..  أشعر أنني قريبة من ابني  ..  تقول ذلك وهي تبكي ...  جلسنا بعض الوقت للراحة وأخرجنا بعض المخبوزات ، وكعادة  المقيمين بالميدان ندعوا من يجلس بجوارنا لمشاركتنا . كان هذا  يحدث دائما لنا  من بعض الشباب الجميل تراه يصر على ان بوزع بسكوت او أطعمة خفيفة ..  قارب اليوم على الانتهاء ، وكان علينا أن نذهب لأداء الصلاة ،  والوقوف في طابور طويل للسيدات حتى نتوضأ استعدادا للصلاة .. وأثناء هذا الوقوف الطويل سمعنا حكايات وأقصاصيص  كثيرة  ، لكن ما لفت نظري ولازلت أذكره هو التحذير الذي جاء على لسان سيدة تتحدث بثقة بالغة ،  عن أنه سيحدث  هجوم على الميدان في هذه الليلة ، وعلى المقيمين في الميدان .. ولذلك يفضل على كل سيدة لديها أطفال ، او كبار في السن أو مرضى أن تذهب ولا تبيت في الميدان ، لأنها حتما ستتعرض للخطر وعدم الإغاثة .  طبعا وجهت لهذه السيدة المعارضة من معظم السيدات ،  واتهموها بمحاولة  التفريق والتخويف،  وبث الإشاعات لزعزعة الناس ..  طبعا أن وصديقاتي ـ  ونحمد الله ـ  لم نكن نصطحب أطفال، ولا أي سبب مما ذكرته السيدة ..  بقنا في الميدان وأثناء الليل قارس البرودة  . جلسنا في حجرة كانت مخصصة للسيدات خلف مسجد عمر مكرم .. كانت الحجرة تعج بالأصوات المختلفة .. ناهيك عن القصص كانت ندوات بها قراءة قرآن وأذكار ، وبكاء للأطفال .. وكان المحظوظ هو من يجد مكانا يجلس فيه ، ليحتمي من برودة الجو خارج الغرفة . كان جلوسنا بجانب سيدة في منتصف العمر أستاذة في إحدى الجامعات . أطلعتنا على اسمها ووظيفتها وحكت لنا عن جانب من معاناتها . عرفنا أنها منعت العديد من المرات  من السفر مع وجود أحكام معتمدة بعدم منعها...  ولكن عندما تصل إلى المطار وعند المغادرة تجد المنع ،  وقد اطلعتنا أيضا على أختام المنع ، وقصت لنا السب وهو يتعلق بشيء خاص بالأبحاث وملكيتها لها .... المهم أنها طلبت منا مصاحبتها للذهاب إلى شراء أكل من خارج الميدان،  لأنها تخشى الذهاب بمفردها ،وكان محلا هي تعرفه بالقرب من الميدان ، وهو يسمى  : (توم وبصل .) وهذا المطعم متخصص  لبيع أكلة ،الكشري المصري ..  قلنا لها ان معنا أكل خفيف ..  فقالت إنها تريد هذه الأكلة بالذات . فذهبنا معا وانتظرناها إلى ان أكلت  ، وعدنا أدراجنا إلى الميدان لنجد الفعاليات المستمرة مع البرودة الشديدة ، لكن والحق يقال  ذهبنا إلى الحجرة مرة أخرى ، ورضينا بمكان متواضع قد وفرته لنا إحدى الأخوات إلى أن أذن الفجر  ، وبعده خرجت السيدات ـ ونحن معهم ـ في مسيرة صباحية مبكرة بعد أداء الصلاة  ، تحميسا للمقيمين بالميدان .. وبعدها  شاركنا ثلاثتنا في مسيرة أخرى كان يقودها  بعض النشطاء الذين نعرفهم  من مسيرات سابقة  ، وكانت صامتة هي عبارة عن قطع من القماش الكبير مكتوب على كل قسم من القماش حرف من كلمة ارحل  .. بخط كبير بطول قطعة القماش،   و أمسكت معهم بأحد حروف هذه الكلمة  مدة في السير .. أخذنا بعدها بعض الوقت للراحة ،  وقد أتى لنا بعض الجلوس وأصر على ان نأخذ بعض الساندوتشات الفول المصري .. وبعدها رأينا أحد الملتحين قد تقدم منا وكنا نجلس  بجوار مجموعة من الناشطين ،  يعتذر بلهجة مهذبة عن الفكرة التي كان يعتقدها صحيحة عن  الناشطين  من الشباب ، وما تروج حولهم من إشاعات ..  فبادر الشباب بكل أدب شكره في ألفة معتادة . وكانت الساعة تقترب من العاشرة .. قلت حينها  للزميلات أن علي الذهاب للبيت للاطمئنان على الأطفال ، وأخذ وقت للراحة وإعداد  الطعام ،  وبعدها من الممكن القدوم مرة أخرى للميدان .. فوافقن على ما قلت ،  وفي طريق الخروج استوقفنا شاب يبدو عليه الغضب،  وسألنا عن رأينا وهل نوافق على الثورة والخراب الذي في البلد بغضب فقلنا له :  نعم  نوافق على عمار البلد ،  وإصلاحها  ، فبادرنا بقوله  بأسلوب ساخر عمار البلد !!  وهل ما يحدث من فوضى هي ما تعمر البلد  ؟ فقلت له وهل ما يحدث من فساد في كل القطاعات ، وعدم وجود عدالة اجتماعية ، ومستقبل للشباب، وتعذيب في السجون والمعتقلات،  وقانون الطوارئ  ... فقاطعني بعدم اتفاق  ، فكان علينا السير ومواصلة طريقنا ، وذهبنا إلى نقاط أو الفتحات المعدة لتفتيش القادمين للميدان ، وكان يقف عليها بعض الشباب الذين سألونا :  إن كنا نريد أن ننضم لهم ، لأنهم يحتاجون لإلي سيدتين لتفتيش السيدات  ،لأن عندهم عجز ..  فاعتذرنا لهم باسلوب مهذب ، لأننا لم ننم طيلة الليل،  ومن الممكن ألا نستطع القيام بهذا العمل بالدقة المطلوبة .. فقال متأثرا ماشي  ، وعند خروجنا عاجلنا رجل يحمل معه كاميراكبيرة ،  كأنه مصور بجريدة .  في الخمسينات من عمره تقريبا يشيح بيديه،  ويرفع صوته في غير رضا وكان أسلوبه  فظا ، وضيقه الشديد عن وجود الثورة وعن الثائرين  ،وينطق بعبارات قاسية خربتوا البلد ويوجه حديثه لنا ،  فكان يفصلنا عنه بعض الفواصل من أسوار ، فقلنا له إنها ثورة على الظلم ليس فيها أي خراب ولم تعطل أي عمل أو إنتاج وكفاكم تحججا أيها الأستاذ .. فكأنه أراد ان يفتك بنا فعجلنا طريق السير ولازال يشتم ويلعن  .. ولازلنا عند الفتحة الأخيرة للميدان ، لنرى تجمعا كبيرا خارج الميدان يقف في طابور على جانبي الميدان ،  يلقي بالحجارة على من بالميدان  ، وعلى الناحية المقابلة كذلك تجمع ثاني وكا بعض الموجودين في الميدان يردون عليهم أحيانا بما توفر من حجارة رميت عليهم ، أو يحتمون  من الطوب  ، لكن الشيء الغريب الذي جعلنا نستغرب هو وجود  اتوبيسات  ينزل منها بعض الركاب أمام الميدان مباشرة وهذا غريب لأننا نعرف أن المواصلات متوقفة عند الميدان .. خرجنا نهائيا من الميدان ، وسرنا في طريق كما وصفه لنا  حتى لا نتقابل مع الهمجيين الذين يتعرضون  لمن يخرج من الميدان ، ولكن حتى هذا الطريق الآمن وجدنا فيه بعض المشكلات ، فقد سألنا البعض إن كنا في الميدان ،فأشرنا بالنفي ، وأخرجنا  بعض الأغراض ، التي اشتريناها بالأمس .، وكان في  الطريق المؤدي للميدان بعض المارين ويحملون بعض الأشياء الثقيلة ،  ويدخلون إلى العمارات المطلة على الميدان .  أخيرا ركبنا ، وعند الوصول للمنزل  وجدنا ما حدث في الميدان في التليفزيون ، وقد كان مملوءا  بالجمال ،  والضجيج والقتل والتدمير .. وقد استطعت التعرف حينها على  بعض وجوه القتلى ممن كانوا يجلسون في الميدان معنا .. وقتها أحسست بتأنيب الضمير،  لأني تركت الميدان، ولكن ماذا يفعل الندم !!!! 

اجمالي القراءات 12571