ج1 ب2 ف 3 : تحريم ( إشراك المريد بشيخه )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢١ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

     كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى

تحريم ( إشراك المريد بشيخه ): الولى الصوفى لا شريك له فى عقيدة المريد

أ‌)       والشقاق والاختلاف والمشاحنة من سمات الشرك إذ تتحكم الأهواء والأذواق وتتصارع العواطف ويكون التنافس والتحاسد . يقول تعالى عن المشركين ( وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ) البقرة 137) ويقول لهم بصيغة ( وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ.) الذاريات7 : 8) .وأُمر المسلمون بألا يختلفوا كالمشركين (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) آل عمران 105) ذلك أن الإسلام مبني على الاتفاق على صراط مستقيم (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (الأنعام 153 ، 159).

ب‌)   ، ومبنى التصوف على الذوق، أى الهوى،  والصوفي ابن وقته ،  ولا زال الصوفية بخير – كما قال رويم – ما اختلفوا ( فإذا اصطلحوا فلا خير فيهم)[1].. وبازدهار التصوف وتسيده للعصر المملوكي تشعبت الطرق الصوفية وتشعبت معها مناحي الاختلاف بين الأشياخ الصوفية ، وكثرة تنافسهم على المريدين والهدايا والفتوحات ، حتى أن الشعراني ألف كتباً خاصة في الهجوم على أقرانه من الأشياخ وتردد في مواضع كثيرة من مؤلفاته حنقه عليهم وشكواه منهم .

ت‌)  وقد انعكس هذا الوضع على المريد ،  فطولب بالإخلاص لشيخه وألا يكون له إلا شيخ واحد . ومر بنا قول الشعراني في محبة الشيخ ( وأجمعوا أن من شرط المحبة لشيخه أن يصم أذنيه عن سماع كلام في الطريق غير شيخه)، وعجيب أن يكون هنا إجماع على ضرورة التفرق والتحزب وأن يكون لكل شيخ شرعه وطريقته ورسومه وذوقه ، مع أن الاختلافات بين الأشياخ الصوفية المملوكيين اختلافات شكلية مظهرية فى لون العمامة وشكلها ولون وشكل المرقعات الصوفية ، والأوراد وطرق الذكر والرقص فى حفلات السماع . والمهم أن التأكيد على المريد بالإخلاص لشيخ واحد أتخذ صورة دينية إذ أن التصوف هو الدين السائد وهو العقيدة التي يلتزم بها المريد ، فجعلوا من الخروج عن الإخلاص للشيخ (شركاً بالشيخ) قياساً على الشرك بالله تعالى .

ث‌)  ولعل من الأفضل أن نستشهد بكلامهم فهو أوضح وأبين في الاستدلال. يقول(علي وفا) (كما لم يكن للعالم إلاهان ولا للرجل قلبان ولا للمرأة زوجان كذلك لا يكون للمريد شيخان) ،وقال(كما أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به فكذلك الأشياخ لا يسامحون المريد في شركته معهم غيره، ومتى سامحوه كان غشاً منهم )، وقال : ( تأمل قوله تعالى:" تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً". فما جعل السماوات والأرض تنشق وتنفطر الجبال وتنهدم إلا الشرك بالله، وكذلك الشيخ لا يزيل قلبه عن حفظ المريد وتربيته ترك إحسان ولا خدمة، وإنما يزيله أن يشرك به المريد غيره)[2].

ج‌)    وأهتم الشعراني بأقوال (علي وفا) فرددها في الطبقات الكبرى[3]. والبحر المورود، وعلق على ذلك بقوله( إذ الشيخ كالسلم يترقى المريد بالأدب معه إلى الأدب مع الله تعالى، فمن لم يحكم باب الأدب مع شيخه لا يشم من الأدب مع الله رائحة أبداً)[4].

  د ) وأصبح كلام (علي وفا) دستوراً للصوفية اللاحقين، خاصة وأن أشياخ التصوف في ازدياد مضطرد، والحاجة في ازدياد للمريدين والطلب عليهم لا ينقطع، والخوف قائم من تقلبهم بين يدي أكثر من شيخ، يقول الشيخ أبو مدين في رسالته كما يحكي الشعراني ( ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليها حجب عن غيرها، فأشهد كمال شيخك ثم اطلب منه حاجتك، فإن الأشياخ على الأخلاق الإلهية، فكما أن الحق جل وعلا لا يغفر يشرك به يعني في الميل إلى سواء بغير إذنه، فكذلك الأشياخ)[5].وقال المرصفي (من طلب من فقير حاجة مع شركته أحداً معه في الانقياد فقد كلف الشيخ شططاً، فقد قالوا تقيد على شيخك ثم اطلب منه حاجتك)[6] .وقال أفضل الدين الشعراني( قد بني لله عز وجل الأمور على التوحيد، فكما لم يكن للعالم إلهان ولا للرجل قلبان ولا للمرأة زوجان، كذلك لا يكون للمريد شيخان)[7].ويقول الشعراني(وقد جرب الأشياخ والمريدون فوجدوا الشرك في محبة الشيخ توقفهم عن السير ، عكس حالهم حال توحيدهم للشيخ) [8]. ويقول (ومن شأن المريد ألا يشرك مع شيخه أحداً في المحبة من سائر من لم يأمره الله تعالى بمحبته )[9]. أي أن كمال توحيد الشيخ ألا يجتمع في قلب المريد حب آخر مع حبه للشيخ.. ويقول ( ومن شأنه ألا يكون له إلا شيخ واحد فلا يجعل له قط شيخين لأن مبنى طريق القوم (الصوفية) على التوحيد الخالص)[10].

 ه) وقد كان المريدون عند حُسن ظن الأشياخ بهم خاصة أتباع (على وفا) وقد قال كاتب مناقبه ( قال لي يا سيدي يوماً :"خدمة بيت سيدي وحدانية ما تحتمل الشركة") فهو يعبر عنه بلفظ(سيدي) حتى فيما ينقله عنه من خطابه، ويتردد في حديثه عنهم لفظ (الحضرة الشريفة).. وروى كاتب المناقب أن (على وفا) قال لأحدهم ( أخشى عليك أن تبني لك زاوية وتجعل شيخاً ، فتشرك حزيناً بوظيفة العجمي فتحصل الغيرة ) وحدث ما توقعه (على وفا) وانتهت الحادثة بموت ذلك الذي تمشيخ ، وعلق الكاتب قائلاً( الحمد لله الذي عافنا من بلاء المشركين وجعلنا موحدين .. والله ما نعرف سوى سيدي )[11]. وقال أحد مريدي الشيخ مدين (لا أشرك في محبة شيخي أمراً آخر)، وذلك لأنه أقام بزاويته مدة طويلة لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً [12]. واعتبر من كمال توحيده ألا يأكل ولا يشرب في زاوية شيخه اكتفاءاً بحبه وقربه..

 و ) هذا .ويلاحظ اكتمال السيطرة الصوفية على الحياة الدينية في مطلب الأشياخ بتوحيد المريدين لهم . فقد بدأ التصوف ورجاله في اضطهاد ثم حصل على الاعتراف به .وبعد ذلك كان السيطرة الكاملة وطلب التوحيد وعدم الشرك بهم .وتلك ذروة السيادة للدين الصوفي في العصر المملوكي إذ استحوذ كل شيخ على طائفة من المريدين وألزمهم بتوحيده وعدم الإشراك بتقديسه شيخاً آخر. وإذا تخيلنا كثرة الأشياخ في العصر المملوكي وكثرة المريدين عرفنا إلى أي حد كان العصر المملوكي أسير العقيدة الصوفية وأصحابها ، وأن تلك الكثرة في الأولياء مدعي الألوهية لم تمنع من مطلب التوحيد الديني لكل شيخ من مريديه.

 ز) ولكن ماذا يحدث للمريد بعد أن يتقيد بشيخ واحد لا يشرك به شيخاً آخر ..؟  - أنه ببساطة - يكون له عبداً فاقدا لكل إرادة وشعور، مجرد امتداد مهمل لشيخه المسيطر عليه المتحكم فيه.



[1]
- الرسالة القشيرية 218 .

[2] -لطائف المنن للشعراني 280 .

[3] جـ2/24 .

[4] -البحر المورود 26 هامش .

[5] الشعراني: إرشاد المغفلين 239 ،240

[6] - الشعراني: إرشاد المغفلين 239 ،240

[7] - الشعراني : إرشاد المغفلين 239 ،240

[8] - إرشاد المغفلي240.

[9] - قواعد الصوفية جـ1/ 187 .

[10] - قواعد الصوفية جـ1/ 64

[11] - مناقب الوفائية : مخطوط 73، 74 : 75 .

[12] - الطبقات الكبرى للمناوي 350 ب مخطوط .

اجمالي القراءات 7014