تعريف الأهل في القرآن
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ

لطفية سعيد في الجمعة ٠٢ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) هود)

الآيات الكريمة من 45إلى 48 من سورة هود، تناقش قضية خطيرة ، أو لنقل اختبار صدق العقيدة تعرض له نبي الله نوح ،وكان اختبارا واختيارا صعبا ، لا يقل صعوبة ،عما تعرض له نبي الله إبراهيم ، عليه السلام ، عندما رأى أنه يذبح ابنه، كان عليهما أن يختارا بين طاعة الله ، وتنفيذ أوامره ، وبين عاطفة الأبوة،  التي هي من أرقى العواطف الإنسانية  .. فكلاهما قد تعرض لاختبار فقد الابن. كان نداء نوح ربه، بعد أن آلمه وأفجعه وأوجعه غرق ابنه أمام عينيه ، ونشعر بهذا الأنين وبمرارة الشكوى هذه ، عندما يقول : (إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق ، وانت أرحم الراحمين  ) لماذا يقول هذا القول ؟  ، لأنه  يذكر ماقاله له رب العزة من أن يأخذ اهله معه في الفلك ، وابنه أحد أفراد أهله ، وهذا وعد الله أن ينجي  أهله من الغرق ، كما يشكو ألم فقد الابن لربه وهو رحيم ، بل أرحم الراحمين على الإطلاق . ونوح أعلم قومه برحمة ربه ... هذا قول نوح وتعقيبه وردة فعله حول فقدان ابنه غرقا ، ولكن بم رد عليه رب العزة ببساطة ؟ : (إنه ليس من أهلك ) بداية رد رب العزة ب ـ (إنه)  التي تفيد التوكيد ،أتصور أنه ما من إنسان يسمع هذا الرد ،إلا ويصاب  بصدمة تفقدته النطق ..إذ كيف يكون الابن وهو قلب الأهل ونور أعينهم ومنتهى آمالهم وزينة حياتهم ... لماذا ياربي ليس ابني من أهلي ؟ (إنه عمل غير صالح ) ذكر لسبب غرق ابنه ، لأن النجاة كانت للأهل فعلا ، لكن ليس لكل الأهل ، بل للمؤمنين فقط .. وبنفس التوكيد السابق  بإن (إنه)، هل انتهى رد رب العزة عند ذلك ؟ لا بل قال الله سبحانه (فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) تعنيف من رب العزة لنبيه، وتعليمه وتأديبه ... نهي لنوح عن ألا يسأل عما ليس له به علم ، هذا من خصوصية رب العزة ، وليس له أن يسأل عنه ، هل انتهى التوبيخ والتعليم والتهذيب عند هذا الحد  ..؟ لا لم ينته  ، بل واصل رب العزة: ( إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46) ،  هنالك أدرك نوح عظيم خطئه، وحجم ذنبه ... فسارع بالتوبة والاستغفار

(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (47)   ومعا لنتذكر بداية تكليف ، أو وحي رب العزة لنوح بصنع السفينة ، وباقي أوامره سبحانه له  ،وما اشتمل من وعد،  لأن الله سبحانه عندما أوحى إليه بأن يصنع الفلك  استعدادا لحالة التطهيرالشاملة ، لكل ماعلى الأرض من أحياء..  ما عدا الأحياء الذين  استثناهم رب العزة تحديدا: اسلك فيها  من كل زوجين اثنين، و أهلك ، واستثناء من استثناء .. فقد  استثنى من الأهل،  إلا من سبق عليه القول ..قال تعالى :

(فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) المؤمنون

لكن من الأهل بحسب ما جاء في الآية الكريمة موضوع الدراسة ؟ أرى( والله أعلم) وهذه مجرد وجهة نظر خاصة : أن الأهل بحسب ما فهمته من الآية الكريمة،  هم الأهل المؤمنون فقط ، بمعنى أن الأهل الحقيقيين : هم الأهل الذين تجمعهم عقيدة الإيمان . سواء كانوا من النسب أو غيرهم،  لأن الآية كانت صريحة بشكل صادم، لكل ما تعارفنا عليه من تقاليد وأعراف فقط نتأمل :

(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46)

دليل آخر قصة شبية بما نتناوله،  وهو في قصة نبي الله لوط ، فقد تم نجاة الأهل جميعا ما عدا امرأته، لأنه سيصيبها ما سيصيب القوم من إهلاك .. لماذا لأنها معهم في سلة واحدة قال تعالى :

 قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) هود

وفي قصة يوسف نجد توصيته لأخوته  ،بأن يأتوا بأهلهم أجمعين ، بعد أن تصافوا، واعترفوا بذنبهم :

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) يوسف

كما جاءت في ذكر واجب الأمر للأهل بالصلاة ، والصبر عليها :                                

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) طه

كما جاءت مضافة لضمير (ها ) الذي يعود إلى التقوى:

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) الفتح

ومقارنة بين نوعين من الأهل ، اهل المؤمن عندما يتذكر حاله في الدنيا :  

 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)الطور

وأهل الذين أجرموا الذين كانوا في الدنيا من الذين آمنوا يضحكون عندما ينقلبون إليهم فاكهين ، وتعليق الآيات الكريمة  على حالة كل منهما في الاخرة وقت الحساب والثواب :

إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)المطففين

حتى في الآخرة ينقلب المؤمن الذي أوتي كتابه بيمينه مسرورا إلى أهله ، وهم  مثله وعلى شاكلته في الإيمان (والله أعلم ) ، وتعقد الآيات نفس المقارنة السابقة بين نوعين من العباد (من أوتي كتابه بيمينه ، ومن أوتي كتابه وراء ظهره ) في الدنيا والآخرة والمفارقة بين أوضاعهم  :

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً (15) الانشقاق

 هذه بعض الآيات الكريمة التي ذكر فيها كلمة أهل ،  وهناك المزيد مثل (أهل الكتاب) وأهل القرى )، وأهل الكهف ، واهل التقوى الخ

وبعد هذه ليست دعوة للفرقة ،و نبذ صلات القرابة  العادية .  بقدر أنها دعوة للتمسك بقرابة العقيدة، والاحتفاء بها ، لكونها لا تقل شأنا عن قرابة النسب أو الصهر ، والحق أقول أن هذا الموضوع ليس من بنات أفكاري وحدي ، بل اشتركت معي  فيه بعض العقول ما بين اختلاف واتفاق . فاسمحوا لي أن أشكرهم جميعا ، من اتفق ومن اختلف  .. بل  وأخص من اختلف بالشكر أكثر لسببين  الأول : أنه اختلف ملتزما بأدب الحوار ، والثاني:  لأنه أعطاني شرارة  وحرارة البحث ،والتنقيب .. فقط أقول  : ان القرآن وجد حلا رائعا ، لمن فقد الأهل من المؤمنين ، وعانى من الاضطهاد في الدين،  والعزلة والنفور من الأهل والمحيطين .. فقد وهبه الله سبحانه عوضا عنهم ، بأهل من نفس العقيدة ، أشداء على الكفار رحماء بينهم ..  لا يمكن لأي فرد منا أن يعيش منفردا منعزلا  ،فالإنسان كما يقول علماء الاجتماع ، كائن اجتماعي يؤثر بالمحيطين به ويتأثر هو أيضا بهم ،  فلابد له أن يعيش في جماعة حتى يكون سويا ، حتى ولو كانت هذه الجماعة اعتبارية ، موجودة على شبكات التواصل الاجتماعي ... ولماذا نذهب بعيدا أليست العقيدة العقيدة هي من ألفت بين قلوب المؤمنين حول الرسول الكريم ،ش فالقرآن الكريم يذكر خاتم المرسلين بأن الله سبحانه هو من  ألف بين قلوب المؤمنين ، قال تعالى  :

(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (64) الأنفال

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) آل عمران

ودائما صدق الله العظيم

اجمالي القراءات 14809